لنتأمل مع بندكتس 1-30 /09/08

الأول من سبتمبر

روما، الاثنين 1 سبتمبر 2008 (zenit.org).

 ننشر في ما يلي تأمل اليوم من سبتمبر للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

هذا هو جسدي

في لغة الكتاب المقدس لا تعني كلمة "جسد – "هذا هو جسدي" – مجرد الجسد بتمايزه عن الروح، على سبيل المثال. الجسد، في لغة الكتاب المقدس، يعني الشخص بكامله، حيث الروح والجسد متحدان دون أدنى انفصال. "هذا هو جسدي" يعني بالتالي: هذا هو شخصي بكليته، الموجود بشكل جسدي. أما طبيعة هذا الشخص، فنستخلصها مما يقوله يسوع بعد ذلك مباشرة: "الذي يبذل لأجلكم". وهذا يعني: هذا الشخص هو: موجود-لأجل-الآخرين. إنه، في كيانه الأكثر حميمية، مشاركة مع الآخرين. ولكن لهذا السبب، بما أن المسألة مسألة شخص، وبما أنها انفتاح قلب، وهبة ذات شخصية، من الممكن إشراك آخر بها… الجسد هو الحاجز الذي يفصلنا عن الآخرين؛ ولذا فهو يمثل إلى حد ما غربتنا أحدنا عن الآخر. لا يمكننا أن ننظر إلى حميمية الآخر؛ وجود الآخر الجسدي يحجب ذاته الداخلية… لا يمكننا حتى أن ننظر داخل ذواتنا، إلى عمقنا الشخصي. فمن ناحية: الجسد هو حاجز يجعلنا معتمين، غير شفافين أحدنا مع الآخر، الأمر الذي يضعنا أحدنا جنبًا إلى جنب مع الآخر ويمنعنا من أن نرى ونلمس بعضنا البعض في ذواتنا الحميمية. ولكن من ناحية أخرى: الجسد هو أيضًا جسر. نلتقي أحدنا بالآخر عبر الجسد؛ ومن خلال الجسد نتواصل في عناصر الخلق المشتركة؛ من خلال الجسد نرى أنفسنا، نشعر بأنفسنا، نتقارب أحدنا من الآخر. نتعرف على هوية الآخر وجوهره في إيماءات الجسد. نحن ذواتنا من خلال الطريقة التي يرى فيها الجسد وينظر ويتصرف ويقدم ذاته؛ الجسد يقودنا أحدنا إلى الآخر: إنه في الوقت عينه حاجز ووسيلة تواصل.

الثاني من سبتمبر

عندما لا يعود الجسد حدًا

من الممكن عيش الوجود الجسدي كانفتاح للذات، كتفعيل لحرية الشخص الذي يشارك الآخرين بذاته. نعرف جميعنا أن هذا الأمر يحدث أيضًا؛ أنه من خلال تجاوز المحدودية يلمس أحدنا الآخر بشكل حميمي، وأننا نضحي قريبين أحدنا من الآخر. مع يعرف بالتخاطر ليس إلا حالة قصوى لما يحدث في مقدار أصغر في ما بيننا: حركة قلب خفية، وقرب أحدنا من الآخر رغم المسافات. القيامة تعني ببساطة أن الجسد لا يعود حدًا ولكنه يحافظ على قدرته على الشركة. كان بإمكان يسوع أن يقوم من الأموات، وقد قام بالفعل، لأنه أضحى، كونه الابن الذي أحب حتى على الصليب، ذلك الذي يشرك الآخرين بذاته بالكلية. قيامته من بين الأموات تعني أنه قابل لإشراك الآخرين بذاته؛ تعني أنه منفتح، وأنه يهب ذاته. على هذا الأساس يمكننا أن نفهم أن يسوع، في خطابه عن الافخارستيا الذي سلمنا إياه يوحنا، يضع القيامة والافخارستيا سوية؛ كما ويمكننا أن نفهم ما يقوله الآباء عندما يصفون الافخارستيا بدواء عدم الموت. قبول المناولة الافخارستيا يعني الدخول في شركة مع يسوع المسيح؛ يعني الانتقال نحو الانفتاح بواسطته، هو الذي وحده يستطيع أن يغلب المحدودية، وبالتالي، معه، وانطلاقًا من وجوده، نضحي قادرين على القيامة.

الثالث من سبتمبر
 

بُعْدٌ وجوديٌ جديد

كان موت المسيح فعل حب. في العشاء الأخير استبق يسوع موته وحول نفسه إلى هبة ذات. إن شركته الوجودية مع الله كانت شركة وجودية مع حب الله، وهذا الحب هو القوة الحقة ضد الموت، إنه أقوى من الموت. القيامة هي بمثابة انفجار نور، انفجار حب ذوّب التداخل الذي حتى ذلك الحين لم يكن ممكنًا فصله بين "الموت والصيرورة". لقد أعلن عن بعد جديد للحياة، اندمجت فيه المادة بشكل متحول، وظهر عالم جديد. من الواضح أن هذا الحدث ليس مجرد أعجوبة من الماضي، لا يحرك فينا حدوثه ساكنًا. إنه قفزة نوعية في تاريخ "التطور" والحياة بشكل عام نحو حياة مستقبلية جديدة، نحو عالم جديد ينطلق من المسيح ويمزج عالمه بعالمنا باستمرار، فيحول هذا الأخير ويجذبه إلى ذاته. ولكن كيف يحدث هذا الأمر؟ كيف يمكن لهذا الحدث أن يصل إليّ ويرفع حياتي إليه؟ الجواب، ربما يكون مفاجئًا للوهلة الأولى، ولكنه واقعي بالكلية، وهو التالي: يأتي الحدث نحوي عبر الإيمان والمعمودية. المعمودية تعني بالتحديد هذا: لسنا بصدد حدث من الماضي، بل بصدد قفزة نوعية لتاريخ العالم الذي يأتي نحوي، ويمسك بي لكي يجتذبني. المعمودية هي أمر مختلف تمامًا عن طقس معقد. وهي أيضًا أكثر من مجرد غسل بسيط، وأكثر من تطهير وتجميل للنفس. إنه حقًا موت وقيامة، ولادة جديدة وتحول إلى حياة جديدة.

الرابع من سبتمبر

 تحرير الـ "أنا"

بالمعمودية، يؤخذ "أنا"ي مني ويُدمج في شخص جديد هو أكبر مني. هذا يعني أن أناي يعود إلي من جديد، بعد أن تحول، وانكسر، وانفتح عبر انخراطه في جوهر الآخر الذي ينال فيه رحابة وجود جديدة. المسيح وحده يحمل في صلبه "الوعد" بكامله. ولكن ماذا يحدث لنا؟ يجيب بولس: لقد صرتم واحدًا مع المسيح (راجع غلا 3، 28). ليس مجرد أمرًا واحدًا، بل واحدًا، وواحدًا فقط، أي كيانًا واحدًا جديدًا. إن تحرير أنانا من عزلته، وإيجاد ذواتنا في كيان جديد يعني إيجاد أنفسنا في رحابه الله والانجذاب إلى حياة خرجت من محيط "الموت والصيرورة". إن انفجار القيامة العظيم قد أمسك بنا عبر المعمودية ليجتذبنا. ولهذا نحن نرتبط ببعد جديد من الحياة التي ندخل فيها إلى حد ما من خلال مضايق الحياة اليومية. معنى الحياة المسيحية هو أن نعيش حياتنا كدخول مستمر في هذه الفسحة المفتوحة. القيامة ليست أمرًا من الماضي، فالقيامة وصلت إلينا وأمسكت بنا. ونحن نتمسك بها، نتمسك بالرب القائم، ونعرف أنه يمسك بنا بحزم حتى عندما تضعف أيدينا. نمسك بيده، ولهذا نمسك بأيدي الآخرين، ونضحي بهذا الشكل كيانًا واحدًا، لا شيئًا واحدًا وحسب. أنا، ولكن لست أنا: هذه هي صيغة الحياة المسيحية المتجذرة في المعمودية، صيغة القيامة في صلب الزمان. أنا، ولكن لست أنا: إذا عشنا بهذا الشكل، سنحول العالم. إنه برنامج يعاكس الفساد ورغبة التملك.

الخامس من سبتمبر

الله ينحني

الله يحب خليقته، الإنسان؛ يحبه في سقطته، ولا يتخلى عنه وحيدًا. يحبه حتى المنتهى. يدفعه حبه حتى أقاصي الحب، حتى النهاية: لقد انحدر من مجده الإلهي. نزل إلى عمق بؤس سقطتنا. يركع أمامنا ويقوم نحونا بعمل العبد: يغسل قذارة أرجلنا لكي نتمكن من الدخول إلى وليمة الله ونضحي مستحقين أن نشترك فيها. الله ليس إلهًا بعيدًا، بعيدًا جدًا أو عظيمًا جدًا حتى لا يهتم بأمورنا البسيطة. بما أن الله عظيم، فهو يستطيع أن يهتم بالأمور الصغيرة. بما أنه عظيم، فنفس الإنسان، الإنسان عينه الذي خُلق بحب أبدي، ليست أمرًا تافهًا، بل أمرًا عظيمًا وتستحق محبة الله. قداسة الله ليست فقط قوة متقدة يجب أن نتراجع أمامها وأن نرتعب. إنها قوة حب، ولهذا فهي قوة تطهير وشفاء. ينحدر الله ويضحي عبدًا. يعبر هذا الأمر عن سر المسيح بكامله. بهذا الشكل يضحي جليًا معنى الفداء. المطهرة التي يستعملها لغسلنا هي محبته المستعدة لمواجهة الموت. وحده الحب يتمتع بقوة التطهير التي تغسل أدناسنا وترفعنا إلى سمو الله. المطهرة التي تغسلنا هي الله نفسه، الذي يهب ذاته لنا دون تحفظ – وصولاً إلى أعماق آلامه وموته. وهو باستمرار راكع على ركبتيه أمام أقدامنا ويقوم بخدمة العبد، خدمة التطهير، ويجعلنا منفتحين على قبول الله. إنه الحب الذي لا ينضب، حب يصل إلى منتهى الحب.

السادس من سبتمبر

رفض الاكتفاء الذاتي

يقول الرب: "إنكم أطهار، لكن لا كلّكم" (يو 13، 10). تكشف هذه العبارة عن عظمة هبة التطهير التي يقدمها لنا، لأنه يريد أن يشاركنا المائدة، أن يضحي خبزنا. "لكن لا كلّكم" – إن سر الرفض الغامض موجود، وهو يضحي ظاهرًا في عمل يهوذا. حب الرب لا يعرف حدودًا، ولكن الإنسان يستطيع أن يحده. ما الذي يجعل الإنسان غير طاهر؟ إنه رفض الحب، رفضه أن يكون محبوبًا، وأن يحب. إنه الكبرياء الذي يعتقد بأنه لا يحتاج لأي تطهير، والذي ينغلق على صلاح الله الخلاصي. إنه الكبرياء الذي لا يريد أن يقر ويعترف بأننا نحتاج إلى التطهير. نرى في يهوذا طبيعة الرفض بشكل أوضح. لقد قيّم يسوع انطلاقًا من معايير القوة والنجاح. بالنسبة له، القوة والنجاح فقط كانا واقعًا حقيقيًا؛ أما الحب فلا قيمة له. وكان طماعًا: فالمال كان أهم من الشركة مع يسوع، أهم من الله ومن محبته. ولذا صار أيضًا كاذبًا ولعب لعبة مزدوجة وانفصل عن الحق؛ عاش بالغش وفقد حسه بالحقيقة السميا، الله. بهذا الشكل صار قاسي القلب وغير قادر على التوبة، وعلى الرجوع الواثق مثل الابن الشاطر، وتصرف بحياته المدمَّرة. اليوم، ينبهنا الرب إلى الاكتفاء بالذات الذي يضع حدًا لحبه اللامحدود. ويدعونا لكي نقتدي بتواضعه، ونوكل أنفسنا إليه، ونتركه "يدخل" في حياتنا. يدعونا – بغض النظر عن عمق شعورنا بالضياع – إلى أن نسمح له برفعنا عبر صلاحه المطهِّر، ليؤهلنا للجلوس على المائدة معه، مع الله بالذات.

 

السابع من سبتمبر

يدا الكاهن

يسوع المسيح هو دومًا الواهب، الذي يجذبنا إلى ذاته. هو وحده يستطيع أن يقول: "هذا هو جسدي… هذا هو دمي". سر الكهنوت الكنسي يقوم على أننا نحن البشر البؤساء، بفضل السر، نستطيع أن نتكلم بأناه: "بشخص المسيح" (in persona Christi). يرغب يسوع أن يمارس كهنوته من خلالنا. محور السر هو رتبة وضع الأيدي القديمة جدًا، والتي من خللها صرتُ خاصته بحيث قال لي: "أنت خاصتي". وبقوله هذا قد قال: "أنت في حماية يدي. أنت في خباء قلبي. أسترك بكفي، وبهذا الشكل تجد نفسك في عظمة حبي. ابق في يدي، وهبني يديك". لقد وضع الرب يديه علينا وهو يريد أيدينا الآن لكي تصبح يديه في العالم. لا يريدها أن تكون وسائل مادية، ولاستعمال الأشياء، والأشخاص والعالم لأغراضنا نحن، بل لخدمة حبه، لكي تحمل لمسته الإلهية. يريد أيدينا أن تكون وسيلة خدمة، وبالتالي، تعبيرًا عن رسالة الشخص الذي بكامله يشكل ضمانة لحضور الله ويحمله للبشر. إذا كانت الأيدي البشرية تمثل رمزيًا القدرات البشرية، يجب على الأيدي الممسوحة أن تكون علامة للقدرة البشرية على العطاء، وعلى العمل الخلاق في تشكيل العالم بالحب. يهب المسيحُ العالم ملوكية جديدة، كهنوتًا جديدًا، وطريقة جديدة للنبوة لا تبحث عن ذاتها بل تعيش من أجل ذلك الذي خلق العالم لأجله.

الثامن من سبتمبر

ميلاد مريم

 إن عيد ميلاد مريم هو عيد فريد بين الأعياد التي تكرم القديسين، لأن الكنيسة لا تحتفل عادة بيوم المولد. فممارسة الكنيسة كانت مختلفة جدًا عن الاحتفالات في اليونان أو في روما الوثنية، حيث كان يتم الاحتفال بعيد مولد رجل عظيم – كعيد قيصر، أو أغسطس على سبيل المثال – بأبهة كبيرة وكأنه يوم خلاص. لطالما صرحت الكنيسة بأنه سابق لأوانه أن يُحتفل بعيد مولد شخص ما لأن ما تبقى من حياة ذلك الشخص ما زال خاضعًا لغموض كبير. بكلمات أخرى، كان من المستحيل التوصل إلى أجوبة لبعض الأسئلة انطلاقًا من مولد شخص ما. هل ستكون حياته حقًا مستحقة الاحتفال؟ هل سيكون هذا المرء فرحًا حقًا باليوم الذي أتى فيه إلى العالم؟ هل سيفرح العالم بأن هذا الشخص قد ولد أو هل سيلعن يوم مولد هذا الشخص؟… لا، الكنيسة احتفلت دومًا بيوم الموت، قناعةً منها بأنه يمكن الاحتفال بحياة شخص ما فقط بعد أن يكون قد اجتاز هذه الحياة إلى الموت والدينونة… كانت مريم البوابة التي من خلالها أتى الرب إلى العالم، وليس فقط البوابة الخارجية. لقد حبلت بيسوع في قلبها قبل أن تضحي أمه بحسب الجسد، كما قال القديس أغسطينوس بطريقة معبرة. كانت نفسها الفسحة التي تمكن الله من خلالها أن يلج إلى البشرية. خلافًا لعظام ولمقتدري هذه الأرض، تمكنت مريم المؤمنة التي حملت نور الله في قلبها أن تلعب دورًا حيويًا في تغيير أساسات العالم. بإمكان العالم أن يتحول فقط عبر قوة الروح.

 

التاسع من سبتمبر

 خبز للمسير

كان بإمكان ابن الله الصائر بشرًا أن يضحي خبزًا، فيصير بالتالي غذاءً لشعبه السائر نحو أرض الميعاد السماوية. نحتاج لهذا الخبز لنواجه تعب وإرهاق الرحلة… وصية الأحد ليست مجرد فرض خارجي. فالاشتراك باحتفال الأحد والتغذي من الخبز الافخارستي هو حاجة بالنسبة للمسيحي، الذي يستطيع بهذا الشكل أن يجد القوة الضرورية للرحلة التي يجب أن يقوم بها… السبيل الذي يخطه الله بشريعته يتماشى مع الاتجاه المرسوم في صميم الجوهر البشري. اتباع هذا السبيل يعني تحقيق الإنسان لذاته؛ وفقدان هذا السبيل هو خسران للذات. لا يتركنا الرب وحدنا في هذه المسيرة، فهو معنا، ويبغي أن يشاركنا مصيرنا عبر استيعابنا في ذاته… في الافخارستيا، المسيح حاضر حقًا في وسطنا. وحضوره هو حضور ديناميكي، يجعلنا خاصته ويستوعبنا في ذاته… في الافخارستيا، المسيح هو المحور الذي يجذبنا إلى ذاته؛ يجعلنا نخرج من ذواتنا لكي يوحدنا بذاته. بهذا الشكل، يُدخلنا في جماعة الإخوة… هذا يعني قبوله في الوحدة… لا يمكننا أن ندخل في شركة مع الرب ما لم ندخل في شركة بعضنا مع بعض. إذا ما أردنا أن نقدّم ذواتنا إليه، لا بد أن نذهب للقاء أحدنا الآخر… لا يجب أن نسمح ليَرْقة الضغينة أن تتملك روحنا، بل يجب أن نفتح قلبنا على شهامة الإصغاء للآخر، وعلى تفهمه، وعلى إمكانية قبول اعتذاره، وعلى اعتذارنا السخي بدورنا.

العاشر من سبتمبر

تألق الكنيسة الكامل

اعترف القديس بولس: "أفتخر بالحري بضعفي، لكي ما تتجلى فيّ قوة المسيح" (2 كور 12، 9). في سر الكنيسة، جسد المسيح السري، تحول قوة الحب الإلهي قلب الإنسان، وتجعله قادرًا على حمل حب الله لإخوته وأخواته. على ممر العصور، كرس الكثير من الأشخاص حياتهم، وقد حولهم الحب الإلهي، لقضية الملكوت. على شواطئ بحر الجليل انسحر الكثيرون بيسوع: كانوا يطلبون الشفاء الجسدي أو الروحي، وإذا بقوة النعمة تلمسهم. وقد اختار يسوع شخصيًا البعض منهم وجعلهم رسلاً. كما ونجد آخرين، مثل مريم المجدلية وغيرها، وقد تبعوه بمبادرة شخصية، لأجل الحب فقط. وعلى مثال التلميذ يوحنا، وجدوا مكانًا خاصًا في قلب يسوع. يمثل هؤلاء الرجال والنساء، الذين عرفوا سر حب الآب بواسطة المسيح، مختلف الدعوات التي لطالما تواجدت في الكنيسة. تشكل مريم أم يسوع مثال امرأة دعيت لكي تشهد بشكل خاص لحب الله، لأنها في مسيرة حج إيمانها ارتبطت بشكل مباشر بسر التجسد والفداء. يشكل المسيحيون جميعًا في المسيح، رأس الكنيسة التي هي جسده "شعبًا مختارًا، وكهنوتًا ملوكيًا، وأمة مقدسة، وشعب الله الخاص الذي دعاه الرب لإعلان أعماله العظيمة" (1 بط 2، 9). الكنيسة مقدسة، حتى ولو كان أعضاؤها بحاجة للتطهير لكي تستطع فيهم بكل بهائها القداسة التي هي هبة من الله.

 

الحادي عشر من سبتمبر

 الله يتغلغل في الأحداث البشرية

 التاريخ ليس في يد قوى الظلام، أو الصدفة، أو القرارات البشرية وحدها. عندما يطلق الشرير العنان لسلطانه، وعندما يتدخل الشيطان بعنف، وعندما تظهر موجة من الضربات والمساوئ، عند ذلك يقوم الرب، سيد الأحداث التاريخية الأعلى. يقود الرب التاريخ بحكمة نحو فجر سماوات جديدة وأرض جديدة… وبالتالي هناك رغبة في إعلان أن الله ليس غير مبالٍ بالأحداث البشرية، بل هو يتدخل فيها، ويخلق "سبله" الخاصة، أي، بكلمات أخرى، يحقق مشروعه و"أعماله"… يجب على الأمم أن تتعلم أن "تقرأ" رسالة الله في التاريخ. مغامرة البشرية ليست مغامرة مشوشة ودون معنى، وليست مسيرة حتمية لا يمكن الاعتراض عليها، أو مسألة يمكن للمتغطرسين والمنافقين أن يستغلوها… موقف الإيمان هذا يقود البشر إلى التعرف على قوة الله العاملة في التاريخ،  وإلى الانفتاح على الحس بالرهبة أمام اسم الرب. باللغة البيبلية، "المخافة" ليست الخوف. بل هي اعتراف بسر التسامي الإلهي. ولذا فهي أمر جذري في الإيمان وهي متداخلة بالمحبة… كما قال القديس إيلاريوس من بواتيه، أسقف من القرن الرابع: "كل مخافتنا هي في الحب".

الثاني عشر من سبتمبر

حدث الصليب اللامتناهي

صلب المسيح وموته على الصليب، وبشكل آخر، فعل قيامته من القبر، الذي يضفي اللافساد على الفاسد، هي أحداث تاريخية تمت مرة واحدة وبالتالي هي أحداث من الماضي… إلاّ أن حدث الصلب الخارجي يرافقه فعل هبة ذات داخلي ( الجسد "يعطى لكم"). "ما من أحد يأخذ حياتي مني" يقول الرب في إنجيل يوحنا، "بل أنا أهبها طوعًا بإرادتي" (10، 18). فعل هبة الذات هذا ليس مجرد فعل روحي بحت. إنه فعل روحي يشمل البعد الجسدي أيضًا، ويعانق الكائن البشري بأسره؛ بالواقع، إنه في الوقت عينه فعل ابن الله. كما أظهر القديس مكسيموس المعترف بشكل باهر، طاعة إرادة يسوع الإنسانية تدخل في نعم الابن الأبدي للآب. هذه "الهبة" من قبل الرب، في سلبية الصلب، تحمل آلام الواقع البشري إلى صلب عمل الحب، وبالتالي تعانق كل أبعاد الواقع – الجسد، النفس، الروح واللوغوس. وكما أن آلام الجسد تتداخل في مأساة وشغف الفكر وتضحي نعم الإيمان، بالشكل عينه يتداخل الزمان في ما يسمو على الزمن. يسمو الفعل الداخلي الحق، رغم أنه لا يوجد من دون العمل الخارجي، يسمو على الزمان، ولكن، بما أنه يصدر في الزمان، يمكن للزمان مرة تلو الأخرى أن يعود إليه. بهذا الشكل يمكننا أن نضحي معاصرين لأحداث الخلاص الماضية. هذا ما كان يجول في فكر القديس برنردوس من كليرفو عندا قال أن "المرة الواحدة" (semel) الحقة تحمل في طياتها الـ "دائمًا" (semper). الدائم يحدث في ما حدث فقط مرة واحدة.

الثالث عشر من سبتمبر

بُعْدٌ وجوديٌ جديد

كان موت المسيح فعل حب. في العشاء الأخير استبق يسوع موته وحول نفسه إلى هبة ذات. إن شركته الوجودية مع الله كانت شركة وجودية مع حب الله، وهذا الحب هو القوة الحقة ضد الموت، إنه أقوى من الموت. القيامة هي بمثابة انفجار نور، انفجار حب ذوّب التداخل الذي حتى ذلك الحين لم يكن ممكنًا فصله بين "الموت والصيرورة". لقد أعلن عن بعد جديد للحياة، اندمجت فيه المادة بشكل متحول، وظهر عالم جديد. من الواضح أن هذا الحدث ليس مجرد أعجوبة من الماضي، لا يحرك فينا حدوثه ساكنًا. إنه قفزة نوعية في تاريخ "التطور" والحياة بشكل عام نحو حياة مستقبلية جديدة، نحو عالم جديد ينطلق من المسيح ويمزج عالمه بعالمنا باستمرار، فيحول هذا الأخير ويجذبه إلى ذاته. ولكن كيف يحدث هذا الأمر؟ كيف يمكن لهذا الحدث أن يصل إليّ ويرفع حياتي إليه؟ الجواب، ربما يكون مفاجئًا للوهلة الأولى، ولكنه واقعي بالكلية، وهو التالي: يأتي الحدث نحوي عبر الإيمان والمعمودية. المعمودية تعني بالتحديد هذا: لسنا بصدد حدث من الماضي، بل بصدد قفزة نوعية لتاريخ العالم الذي يأتي نحوي، ويمسك بي لكي يجتذبني. المعمودية هي أمر مختلف تمامًا عن طقس معقد. وهي أيضًا أكثر من مجرد غسل بسيط، وأكثر من تطهير وتجميل للنفس. إنه حقًا موت وقيامة، ولادة جديدة وتحول إلى حياة جديدة.

الرابع عشر من سبتمبر

ارتفاع الصليب

هناك ناحية رهيبة من الصليب لا يجب أن نزيلها أبدًا… يجب أن نخاف من أنفسنا لدى رؤيتنا أن أطهر البشر، الذي كان أكثر من بشر، يُحكم عليه بهذا الشكل الشنيع. يجب أن نخاف أيضًا من ذواتنا ومن رضانا عن ذواتنا. وهنا أعتقد أن لوثر كان على حق عندما قال أن على الإنسان أولاً أن يخاف من ذاته إذا ما أراد أن يجد السبيل السوي. ولكن الصليب لا يقتصر على أن يكون موضوعًا رهيبًا؛ ليس الصليب واقعًا رهيبًا وحسب لأن الذي ينظر إلينا من على الصليب ليس رجلاً يائسًا أو فاشلاً، وليس ضحية من ضحايا البشرية الرهيبين. فذلك الرجل المصلوب يقول أمرًا مغايرًا عن سبارتاكوس ومشيعيه الفاشلين، لأن الذي ينظر إلينا من أعالي الصليب هو الصلاح الذي يفسح أمامنا بداية جديدة في وسط رعب الحياة. صلاح الله بالذات يرنو إلينا، الله الذي يسلم ذاته في أيدينا، ويقدم ذاته لنا، ويحمل كامل رعب التاريخ معنا. إذا ما نظرنا بالعمق إلى هذه العلامة التي ترغمنا على النظر إلى خطورة الإنسان وإلى أعماله المشينة، نرى أنها تدفعنا إلى النظر نحو الله الذي هو أقوى، أقوى من ضعفنا، ونرى أن الله يحبنا حقًا. الصليب هو بهذا المعنى علامة غفران تحمل الرجاء إلى غمر التاريخ… قد صُلب الرب وهو يقول لنا بأن الله الذي يبدو ضعيفًا للغاية ظاهريًا هو الإله الذي يغفر لنا بشكل لا يوصف، هو الله الأقوى في غيابه الظاهر.

الخامس عشر من سبتمبر

مريم عند أقدام الصليب

التقوى المريمية الأصيلة هي أولاً تقوى تجسدية تركز على الرب الآتي. تحاول أن تتعلم مع مريم أن تقف في حضرته. ولكن عيد انتقال مريم إلى السماء، الذي نال أهمية كبرى بفضل عقيدة العام 1950، يركز على التسامي الإسكاتولوجي الذي يتضمنه التجسد. مسيرة مريم تتضمن الرفض (مر 3، 31 – 35؛ يو 2، 4). عندما يعطي يسوع أمه للتلميذ تحت الصليب (يو 19، 26) تضحي هذه الخبرة اشتراكًا في الرفض الذي اضطر يسوع بالذات أن يتحمله على جبل الزيتون (مر 14، 34) وعلى الصليب (مر 15، 34). فقط في هذا الرفض يمكن أن تحدث الجدة؛ فقط عبر الرحيل يمكن أن يحدث المجيء الحق (يو 16، 7). التقوى المريمية هي ضرورة إذًا للتقوى المتمحورة حول الآلام. في نبوءة سمعان الشيخ، الذي تنبأ عن السيف الذي سيطعن قلب مريم (لو 2، 35)، يربط لوقا منذ البدء التجسد والآلام، أسرار الفرح والألم. في تقوى الكنيسة تظهر مريم، إذا جاز التعبير، كمنديل فيرونيكا الحي، كأيقونة للمسيح تحمله إلى حاضر قلب الإنسان، وتترجم صورة المسيح إلى رؤية القلب، وتجعلها بالتالي مفهومة.

السادس عشر من سبتمبر

إشارة الصليب

الإشارة الأساسية للصلاة المسيحية كانت وستبقى دومًا إشارة الصليب. إنها طريقة للاعتراف بالمسيح عبر الجسد… رسم الذات بإشارة الصليب هو "نعم" مرئي وعام لذلك الذي تألم لأجلنا؛ لذلك الذي جعل حب الله مرئيًا في جسده، حتى المنتهى؛ ذلك الإله الذي يملك، لا عبر التدمير بل عبر تواضع التألم والحب، الذي هو أقوى من كل قوى العالم وأحكم من كل فكر البشر الحسابي. إشارة الصليب هي اعتراف إيمان: أؤمن بذلك الذي تألم لأجلي وقام من الموت؛ بذلك الذي حول علامة العار إلى علامة رجاء وعلامة لحب الله الحاضر معنا. اعتراف الإيمان هو اعتراف رجاء: أؤمن بذلك الذي في ضعفه هو رب الجبروت؛ بذلك الذي يستطيع أن يخلصني والذي سيخلصني حتى في ضعفه وغيابه الظاهري. عبر وسم أنفسنا بإشارة الصليب، نضع أنفسنا تحت حماية الصليب، ونضعه أمامنا كترس يحمينا في كل مضايق الحياة اليومية ويمنحنا الشجاعة للمضي قدمًا. نقبل الصليب كعلامة هداية تقودنا فنتبعها… يكشف لنا الصليب درب الحياة – الاقتداء بالمسيح… كل مرة نسم أنفسنا بإشارة الصليب، نقبل معموديتنا من جديد؛ يجتذبنا المسيح، إذا جاز التعبير، من على الصليب، نحو ذاته… نرسم إشارة الصليب على أنفسنا وندخل بالتالي في قوة بركة يسوع المسيح. نقوم برسم هذه العلامة على الأشخاص الذين نود مباركتهم… عبر الصليب، يمكننا أن نضحي منبع بركة بعضنا لبعض.

 السابع عشر من سبتمبر

نجاح الصليب

 على الصليب، عاش يسوع الحب حتى النهاية. بالرغم من كل الفوارق في السرد بين الأناجيل، هناك نقطة مشتركة: مات يسوع مصليًا، وفي غمر الموت حفظ أولى الوصايا وبقي في حضرة الله. من هذا الموت ينبع هذا السر، سر الافخارستيا… هل فشل يسوع؟… النجاح ليس اسمًا من أسماء الله، وليس مسيحيًا أن تتجه عيوننا إلى النجاح الخارجي والإحصاءات. فسبل الله هي مختلفة عن ذلك. يأتي نجاح الرب عبر الصليب ونجد هذا النجاح دومًا تحت هذه العلامة. إن الذين قبلوا هذه العلامة شعارًا لهم هم الشهادة الحقيقية لأصالتها عل مر العصور… ما يقوي إيماننا، وما يبقى ويستمر ويهبنا الرجاء، هي كنيسة الآلام. فهي تقف حتى يومنا هذا علامةً تؤكد أن الله موجود وأن الإنسان ليس مجرد حمأة فساد، بل أنه يستطيع أن ينال الخلاص… كنيسة الآلام تشهد لمصداقية المسيح: إنها نجاح الله في العالم؛ العلامة التي تمنحنا الرجاء والشجاعة؛ العلامة التي تنساب منها قوة الحياة، والتي تصل أبعد من أفكار النجاح البحت وتطهر البشر وتفتح في هذا العالم بابًا يدخل منه الله. فلنستعد لنصغِ إلى دعوة يسوع المسيح، الذي حقق نجاح الله الأكبر على الصليب؛ هو الذي مات مثل حبة القمح وأعطى ثمرًا على مر الأجيال؛ هو شجرة الحياة التي يستطيع البشر اليوم أن يضعوا رجاءهم فيها.

 

الحادي والعشرون من سبتمبر

الاستسلام إلى الله

 بكلمة نظن أن الشر هو خير بالعمق، وأننا بحاجة إليه، ولو قليلًا، لكي نختبر ملء الوجود. نظن أن بعض المساومة مع الشر، واستبقاء بعضًا من حريتنا ضد الله، هو بالعمق أمر جيد، لا بل حتى ضروري. الإنسان الذي يستسلم بالكلية إلى الله لا يضحي ألعوبة، أو "رجل نَعَم" ممل. بل وحده الإنسان الذي يسلم ذاته بالكلية إلى الله يجد الحرية الحقة، وعظم حرية الخير وسعتها لخلاقة. الإنسان الذي يلتفت إلى الله لا ينتقص بل يتعظم، لأنه في الله ومعه يضحي الإنسان عظيمًا، يتأله، ويضحي ذاته حقًا. من يضع نفسه في يدي الله لا يبعد نفسه عن الآخرين، ويستفرد بخلاص خاص؛ بل على العكس، عندها فقط يستيقظ القلب حقًا ويضحي حساسًا، وبالتالي محبًا ومنفتحًا. بقدر ما يقترب الإنسان من الله، بقدر ذلك يضحي قريبًا من الناس. نرى هذا الأمر في مريم. فبما أنها بكليتها مع الله، هي قريبة من البشر. ولهذا السبب تستطيع أن تكون أم كل تعزية وكل معونة، أمًا يستطيع أن نتوجه إليها في كل الحاجات، في الضعف وفي الخطيئة، لأنها تتفهم كل شيء ولأنها القدرة الخلاقة المنفتحة على الجميع. وعليه، نرى أن صورة الأم الحزينة، صورة الأم التي تتقاسم آلامها وحبها، هي أيضًا صورة حقة للحبل بلا دنس. فلقد اتسع قلبها عبر كينونتها وشعورها مع الله. وفيها صار صلاح الله قريبًا جدًا منا.

 

الثامن عشر من سبتمبر

ثقة إبراهيم

انظروا إلى بدء تاريخ الإيمان، فإبراهيم لا يضحّي بنهاية المطاف بشيء أعده هو، بل يقدم الكبش (الحمل) الذي قدمه له الله نفسه. وبالتالي، عبر ذبيحة ابراهيم المميزة، ينفتح نطاق لآلاف السنين التالية؛ هذا الحمل في العليق الذي يهبه إياه الله لكي يقدمه، هو أول إعلان عن الحمل، يسوع المسيح، الذي يلبس تاج الأشواك، والذي أتى إلى عليقة تاريخ العالم لكي يهبنا شيئًا يمكننا أن نهبه… حتى وبينما كان إبراهيم في طريقه، ولم يكن يعرف شيئًا عن سر الكبش، فقد استطاع أن يقول لاسحق، وقلبه مفعم ثقة: الله سيعتني بنا. لأنه كان يعرف هذا الإله، ولذلك، حتى في ظلام ليل عدم الفهم عرف أنه إله محب؛ وعليه، حتى في ذلك الحين، عندما رأى أنه لا يستطيع أن يفهم شيئًا، تمكن من وضع ثقته به وعرف أن ذلك الذي كان يبدو وكأنه يغمه، كان بالحقيقة يحبه في تلك اللحظة بالذات. فقط عبر السير قدمًا بطريقة انفتح بها قلبه ودخل في غمر الثقة، وفي ظلمة ليل الإله الذي لا يُدرك، تجرأ أن يبقى برفقته، فقط عندها صار قادرًا أن يتقبل الكبش، وأن يفهم الإله الذي يعطينا لكي نتمكن أن نعطي… بقدر ما نثق به في ظلام ليله الذي لا يدرك، بقدر ذلك سنعي أن هذا الإله الذي يبدو وكأنه يعذبنا، هو بالحقيقة الإله الذي يحبنا، والإله الذي يمكننا أن نثق به دون تردد… الله يعطينا لكي نتمكن أن نعطي. هذا هو جوهر ذبيحة الافخارستيا، ذبيحة يسوع المسيح.

التاسع عشر من سبتمبر

الثقة بالحقيقة

لقد قيل منذ البدء عن الصراع بين البشرية والأفعى، أي بين الإنسان وقوى الشر والموت، بأنه صراع سيدوم على مدى التاريخ. كما وسبق وقيل أن "وليد" امرأة سينتصر يومًا وسيسحق رأس الحية حتى الموت؛ سبق وقيل أن ابن المرأة  سينتصر – وبواسطته المرأة والأم عينها ستنتصران – وبالتالي، عبر الإنسان، سينتصر الله. الإنسان لا يثق بالله. عندما تجربه الأفعى، يبدأ بالشك بأن الله، في نهاية المطاف، يأخذ شيئًا من حياته، وأن الله هو الخصم الذي يحد حريتنا وأننا سنضحي بشرًا بالكامل فقط عندما نرميه جانبًا؛ مختصر القول، أنه فقط بها الشكل يمكننا أن نحقق حريتنا حقًا. الكائن البشري يعيش في الشك بأن حب الله يخلق ارتباطًا، وأنه يجب عليه أن ينعتق من هذا الارتباط إذا ما أراد أن يكون ذاته بالكلية. لا يريد الإنسان أن يتلقى وجوده وملء حياته من الله. بل يريد أن يحصل بنفسه من شجرة المعرفة على السلطان ليرتب العالم، ليجعل نفسه إلهًا، ليرفع نفسه إلى مستوى الله، وليتغلب على الموت والظلام بجهده الشخصي. لا يريد أن يكون تابعًا للحب الذي يبدو بالنسبة له غير أهل بالثقة؛ يعتمد فقط على معرفته لأنها تمنحه القوة. وبدل تركيز عينيه على الحب، يلتفت إلى القوة، التي يريد بواسطتها أن يتصرف بحياته باستقلالية. وبفعله هذا، يثق بالخداع أكثر من الحقيقة ويغرق حياته بالتالي في الفراغ والموت.

العشرون من سبتمبر

العيش بتناغم مع حقيقة كياننا

الحب ليس تبعية، بل هو هبة تمكننا من العيش. إن حرية الكائن البشري هي حرية كائن محدود، وبالتالي هي حرية محدودة. يمكننا أن نملك هذه الحرية فقط كحرية متقاسمة، كشركة في الحرية: والحرية تنمو فقط إذا ما عشنا بشكل صحيح، أحدنا مع الآخر ولأجل الآخر. ونعيش بشكل صحيح إذا ما عشنا بشكل متناغم مع حقيقة كياننا، أي بمطابقة لإرادة الله. لأن إرادة الله ليست شريعة تفرض على الإنسان من الخارج وترغمه، بل هي المقياس الباطني لطبيعته، مقياس محفور في داخله يجعل منه صورة الله، وبالتالي خليقة حرة. إذا ما عشنا بعكس الحب وبعكس الحقيقة – في عداوة مع الله – عندها يدمر أحدنا الآخر وندمر العالم. وعندها لن نجد الحياة بل نعمل لصالح الموت. إذا ما فكرنا بصدق بأنفسنا وبتاريخنا، يجب أن نقول بأننا نحمل جميعنا قطرة من سم طريقة التفكير هذه. نسمي قطرة السم هذه "الخطيئة الأصلية". لدينا شك كامن بأن من لا يرتكب خطيئة لا بد أن يكون شخصًا مملاً بجوهره، بأن شيئًا ما ينقص في حياته: نظن أن البعد الدراماتيكي المتمثل بالاستقلالية؛ وحرية أن يقول المرء "كلا"، وأن ينحدر إلى ظلال الخطيئة وأن يريد الأمور على طريقته، نظن أنها جزء من الكيان البشري الحق؛ وأنه عندها فقط نستطيع أن نحقق ملء سعة وعمق كياننا البشري، ونضحي ذواتنا حقًا؛ نظن أنه يجب أن نجرب هذه الحرية، حتى ولو ضد الله، لكي نضحي ذواتنا حقيقةً.

 

الثاني والعشرون من سبتمبر

مفتونون بجمال الله

نتأمل في الافخارستيا  سر الخُلاصة الحية للشريعة: يهب لنا المسيح في ذاته كمال حب الله وحب إخوتنا وأخواتنا. يشركنا بحبه من خلال تغذينا بجسده ودمه. بهذا الشكل، تصل كلمات القديس بولس إلى أهل تسالونيكي إلى كمالها فينا: "لقد اهتَدَيتُم إِلى الله وتَرَكتُمُ الأَوثانَ لِتَعمَلوا للهِ الحقِّ الحَيّ" (1 تسا 1، 9). هذا الاهتداء هو بدء مسيرة القداسة التي يتلقى المسيحي الدعوة لتحقيقها في حياته. القديس هو ذلك الشخص الذي يخلبه جمال الله وكمال حقيقته فيتحول تدريجيًا من خلالها. بفضل هذا الجمال وهذه الحقيقة، يتخلى عن كل شيء، وحتى عن ذاته. حسبه حب الله الذي يختبره في خدمة متجردة ومتواضعة للقريب، وخصوصًا نحو أولئك الذين لا يستطيعون أن يعاملوه بالمثل. مثل تلميذي عماوس، اللذين اتقد قلباهما لدى سماعهما كلمات القائم من الموت، واستنارا بحضوره الحي الذي تعرفا عليه عند كسر الخبز، فأسرعا وعادا أدراجهما إلى أورشليم وصارا مرسلي قيامة يسوع، كذلك نحن أيضًا، يتوجب علينا أن نعاود المسير يحدونا الشوق الحارق إلى الشهادة لسر هذا الحب الذي يمنح الرجاء للعالم.

الثالث والعشرون من سبتمبر

الزواج المقدس

يعتمد السبيل الأساسي لبناء أي مجتمع على الزواج… يجب أن نعير انتباهنا إلى هذا الأمر: في كل مرة يهب شخصان أحدهما ذاته للآخر، ويهبا الحياة للأطفال، نلمس القداسة، نلمس سر الوجود البشري، الذي يتخطى بُعد ما أستطيع أن أتحكم وأتصرف به. بكل بساطة أنا لست ملكًا لذاتي فقط. هناك سر إلهي في كل شخص. لهذا السبب يجري اعتبار اتحاد الزوج والزوجة في الإطار الديني، في إطار القدسيات، في إطار المسؤولية أمام الله. المسؤولية بحضرة الله هي ضرورة – وفي سر الزواج تضحي هذه المسؤولية أعمق وتنال ركيزتها الخاصة… فقط إذا ما وهبت ذاتي بالكلية، دون أن أحتفظ بشيء لذاتي، ودون الالتزام حتى إشعار آخر، أي إلى حين أجد شيئًا أفضل، فقط عندها يصل فعلي إلى تحقيق ملء كرامته الإنسانية. الحياة البشرية ليست اختبارًا. والزواج ليس عقدًا تجاريًا بل هو تسليم ذاتي لشخص آخر. فقط في صيغة حب كامل وغير متحفظ تضحي هبة الذات إلى آخر عملاً يليق بجوهر الكائن البشري.

الرابع والعشرون من سبتمبر

قدرة الإنسان على قبول الله

يملك الإنسان في داخله نسمة الله. يستطيع الإنسان أن يقيم علاقة مع الله؛ وأن يذهب ما وراء الخليقة المادية. إنه فريد. يقف في حضرة الله ومسيرته تتوجه إلى الله. هناك حقًا ولادة جديدة في داخله، العنصر الإلهي الذي أُدخِل في الخليقة. إنه لأمر بالغ الأهمية أن نفهم هذه الخليقة الجديدة التي يبدعها الله لكي نتوصل إلى وعي فرادة وقيمة الإنسان، وبالتالي، ركيزة كل حقوق الإنسان. هذا الأمر يملأ الإنسان بالوقار نحو ذاته ونحو الآخرين. نَفَس الله هو في داخله، ويرى أنه ليس مجرد مزيج من المركبات البيولوجية، بل هو فكرة شخصانية صدرت عن الله… لقد خُلق الإنسان وبه حاجة إلى الآخرين، لكي يذهب أبعد من محدوديته. فهو بحاجة إلى ما يكمله. لم يخلق الإنسان ليكون وحيدًا – فهذا ليس خيرًا بالنسبة له – بل خلق لكي يتجه نحو آخر. يجب أن يفتش عن ذاته في الآخر وأن يجد نفسه فيه. في نص من سفر التكوين نجد إعلانًا نبويًا يشير إلى أنه على الإنسان أن يترك أباه وأمه فيضحي جسدًا واحدًا مع امرأته. سيكونان جسدًا واحدًا سوية، كائنًا بشريًا متحدًا. تتضمن هذه النبوءة كل دراما حاجة الجنسين أحدهما إلى الآخر، وتوجههما الواحد تجاه الآخر. إضافة إلى ذلك، يقال أنهما وُجدا لكي يهبا أحدهما ذاته إلى الآخر ولكي يقدما، من خلال ذلك، هبة حياة جديدة، ولكي يكرسا أخيرًا نفسيهما لهذه الحياة الجديدة. بهذا المعنى نحن بصدد سر الزواج، وبشكل مبدأي يظهر أمامنا واقع العائلة.

الخامس والعشرون من سبتمبر

  رباط الزواج

 

تمتد جذور مسألة العلاقة الصحيحة بين الرجل والمرأة في عمق جوهر الكائن البشري، ويمكنها أن تجد جوابها فقط في هذا الأخير. لا يمكن فصلها عن السؤال القديم أبدًا والحديث أبدًا الذي يطرحه الإنسان بشأن ذاته: من أنا؟ هل الله موجود؟ ومن هو الله؟ كيف هو وجه الله حقًا؟ إن جواب الكتاب المقدس عن هذه الأسئلة هو موحد ومتسلسل: خُلق الإنسان على صورة الله، والله هو محبة. لهذا السبب، الدعوة إلى الحب هي التي تجعل الإنسان على صورة الله حقًا: يضحي الإنسان مماثلاً لله بقدر ما يضحي شخصًا محبًا. انطلاقًا من هذا الرباط الأساسي بين الله والإنسان، ينشأ رباط آخر: الرباط غير المنفصم بين الروح والجسد. فالإنسان هو بالواقع روح يعبر عن ذاته في الجسد، والجسد يحركه روح لا يموت. ولهذا فجسد الرجل والمرأة يحمل طابعًا لاهوتيًا؛ ليس هو مجرد جسد، والبيولوجي في الإنسان ليس بيولوجيًا وحسب، بل هو تعبير واكتمال لبشريتنا… بهذا الشكل، انطلاقًا من الرباطين: رباط الإنسان بالله، وفي الإنسان، رباط الجسد بالروح، يظهر رباط ثالث: العلاقة القائمة بين الإنسان والمؤسسة. يتضمن ملء الإنسان بُعد الزمن، و "نَعَم" الإنسان يذهب أبعد من اللحظة الراهنة: يعني الـ "نعم" في كليته "إلى الأبد"، ويشكل فسحة الأمانة. فقط في حميمية هذه الأمانة يستطيع الإيمان أن ينمي وأن يفتح آفاق المستقبل وأن ينجب الأطفال الذين هم ثمرة الحب، وأن يثق بالإنسان وبمستقبله في الأوقات الصعبة.

السادس والعشرون من سبتمبر

حقيقة الزواج

حقيقة الزواج والعائلة التي تمتد جذورها في حقيقة الإنسان، وجدت تحقيقها في سر الخلاص، الذي نجد في محوره هذه الكلمة: "الله يحب شعبه". بالواقع، إن الوحي الكتابي هو فوق كل شيء تعبير عن تاريخ حب، تاريخ عهد الله مع البشر. لهذا السبب استخدم الله تاريخ الحب، والاتحاد بين الرجل والمرأة في عهد الزواج، كرمز لتاريخ الخلاص… في العهد الجديد، يجذّر الله هذا الحب لدرجة أنه يصبح هو بالذات، في ابنه، لحمًا من لحمنا، وإنسانًا حقًا. لذا يأخذ اتحاد الله بالإنسان طابعه الأسمى والنهائي الذي لا رجوع عنه. وبهذا الشكل، يتم رسم الشكل النهائي للحب البشري، الـ "نعم" المتبادل الذي لا رجوع عنه. هذا الأمر لا يعزل الإنسان بل يحرره من عزلة التاريخ ليعيده إلى حقيقة الخلق. إن الطابع الأسراري الذي يأخذه الزواج في المسيح يعني بالتالي أن هبة الخليقة قد رفعت حتى نعمة الفداء. إن نعمة المسيح لا تقتحم الطبيعة البشرية من الخارج، ولا تغتصبها، بل تحررها وتصلحها فترفعها أبعد من محدوديتها. وتمامًا كما يكشف تجسد ابن الله معناه الحق في الصليب، كذلك الحب البشري الحق هو تسليم للذات؛ لا يمكنه أن يوجد إذا ما تحاشى الصليب.

السابع والعشرون من سبتمبر

نَعم العائلات المسيحية

يعكس الزواج في إنجاب البنين النموذج الإلهي، وحب الله للإنسان. في الرجل والمرأة، الأبوة والأمومة، كما هو الأمر مع الجسد والحب، لا يمكن تحديد وفصل البعد البيولوجي: فالحياة تعطى بالكامل فقط عندما يعطى الحب والمعنى أيضًا، إلى جانب الولادة؛ فالحب والمعنى يُمكّننا أن نقول نعم لهذه الحياة. ولهذا السبب بالتحديد، يظهر جليًا كيف أن انغلاق الاتحاد المحكم على هبة الحياة، لا بل القضاء على حياة الأجنة والتلاعب بها هو مضاد للحب البشري، وللدعوة العميقة للرجل والمرأة. على كل حال، ما من رجل وما من امرأة يستطيعان من تلقاء ذاتهما وبقوتهما الذاتية أن يهبا الحب والمعنى بالشكل المناسب لأولادهما. فلكي أتمكن أن أقول لشخص ما: "حياتك أمر حسن، حتى ولو أني لا أعرف ما سيكون مستقبلك"، أحتاج إلى سلطان أسمى وإلى مصداقية لا أستطيع كفرد أن أهبها بنفسي لنفسي. يعرف المسيحي أن هذه السلطة هي هبة نالتها العائلة الكبرى التي خلقها الله في تاريخ البشر بواسطة ابنه يسوع المسيح، وفي هبة الروح القدس؛ وهذه العائلة هي الكنيسة. تعترف الكنيسة بعمل ذلك الحب الأكبر الذي لا يمحى والذي يضمن لحياة كل منا معنى أبديًا، حتى ولو كنا نجهل المستقبل. لهذا السبب، إن بناء كل عائلة مسيحية يتم في إطار عائلة الكنيسة الكبرى، التي تدعم العائلة وترافقها، وتضمن لها المعنى وتؤكد لها أن المستقبل يحمل في طياته "نعم" الخالق.

الثامن والعشرون من سبتمبر

الحب كخبرة ألم

ينتمي الرجل والمرأة أحدهما للآخر. ويتمتع كل منهما بمواهبه الخاصة التي يجب عليه أن ينميها لكي يحقق ملء معنى الإنسانية ويجعلها تأتي بثمرها. جميعنا نعلم أن هذا التنوع في الوحدة يتضمن التوتر وقد يؤدي إلى محاولات للإنفصال. فالحال كذلك في كل صداقة. بقدر ما نتقارب، بقدر ذلك يضحي أسهل أن أصطدم بالآخر. يتقدم الحب نحوي بمتطلبات من الصعب أن أبقى كما أنا بصددها. في الحب لا يمكنني أن أبقى ذاتي وحسب، بل يجب أن أخسر ذاتي وأن أقبل بإزالة أطرافي الحادة، وأن أتألم. وهذا الأمر بنظري هو الذي يشكل عظمة الحب وجزءًا من قدرته الشافية، أي أنه قادر أن يؤلمني فيكشف أكثر فأكثر عن قدراتي. ولهذا لا يجب أن نفكر بالحب فقط كحب رومنطيقي، وكأن السموات تنزل على الأرض لأجل المحبين عندما يلتقيان أحدهما بالآخر، ويعيشان سعيدين إلى الأبد. يجب أن نفكر بأن الحب هو خبرة ألم. فقط إذا ما كنا على استعداد أن نتحمله كألم، وبالتالي أن يقبل أحدنا الآخر فنأخذ الآخر إلى عمق ذواتنا، فقط عندها من الممكن أن تنمو علاقة تدوم مدى الحياة. أما إذا قلنا بالمقابل، عندما تأتي الأوقات الحرجة، أود أن أتحاشى هذا الأمر، أريد أن أنفصل، فما نتخلى عنه هو الفرصة الحقة الموجودة في الرجل والمرأة اللذين يلتفتان أحدهما إلى الآخر في واقع الحب.

التاسع والعشرون من سبتمبر

الصيرورة كالملائكة

الإيمان يسبغ الحبور. عندما لا يكون الله في العالم، يضحي هذا الأخير مقفرًا، وتضحي كل الأمور مملة، ولا يعود هناك شيء يكفينا. من السهل أن نرى اليوم كيف أن العالم الخالي من الله يزيد في استهلاك ذاته، وكيف يضحي بكليته عالمًا خاليًا من الفرح. يأتي الفرح العظيم من أن الحب العظيم موجود، وهذه هي رسالة الإيمان الأساسية. أنت محبوب بشكل ثابت. هذا ما يفسر انتشار المسيحية أولاً وبشكل كبير بين الضعفاء والمتألمين. يمكننا أن نقول دون مبالغة أن العنصر الأساسي في المسيحية هو الفرح… هو فرح بالمعنى الصحيح. فرح يتواجد سوية مع الحياة الصعبة ويجعل هذه الحياة ممكنة للعيش… يجعل الإيمان الإنسان خفيفًا؛ فأن نؤمن يعني أن نضحي مثل الملائكة. يمكننا أن نطير، لأننا لسنا ثقيلين بنظر ذواتنا. أن نصبح مؤمنين يعني أن نضحي خفيفين، وأن ننجو من قانون جاذبيتنا التي تجذبنا نحو الأسفل، وندخل بالتالي في خفة الإيمان… لا يتلقى الكاثوليك الوعد بسعادة "خارجية" بل بضمانة داخلية عميقة ترتكز على الشركة مع الرب. الرب هو النور النهائي للسعادة في حياة المرء… نحن بعيدون جدًا عن صوت الله لدرجة أننا لا نتعرف على هذا الصوت كصوته مباشرة. ولكن يمكنني أن أقول مع ذلك أن كل من ركز انتباهه يستطيع أن يختبر وأن يشعر بدوره بأن الرب يتحدث إلي الآن. وهذه فرصة مؤاتية لي لكي أتعرف عليه. في الحالات المأساوية بالذات، يستطيع الرب أن يتدخل فجأة، إذا ما كنت متنبهًا وإذا ما ساعدني أحد ما على فهم الرسالة.

الثلاثون من سبتمبر

قلب الزخم الإرسالي النابض

إن تريز للطفل يسوع لم تطأ يومًا أرض الرسالة ولم تتمكن أبدًا من ممارسة أي عمل إرسالي بشكل مباشر. إلا أنه أدركت أن للكنيسة قلب، وأن الحب هو هذا القلب. فهمت أن الرسل لن يستطيعوا أن يبشروا، ولا الشهداء أن يسفكوا دماءهم إذا ما توقف القلب عن التوهج. وعت أن الحب هو كل شيء، وأنه يصل أبعد من الزمان والمكان. وفهمت أنها هي بالذات، الراهبة المتخفية وراء قضبان الكرمل في منطقة بلدة نائية في فرنسا، تستطيع أن تكون حاضرة في كل مكان، لأنها كشخص محب كانت هناك مع المسيح في قلب الكنيسة… هذا المحور، الذي تسميه تريز ببساطة "القلب" و "الحب" هو الافخارستيا. فالافخارستيا ليست فقط الحضور الدائم لحب يسوع المسيح الإلهي والبشري، والذي هو على الدوام مصدر الكنيسة الذي تنهار من دونه وتتغلب عليها أبواب الجحيم. فكحضور حب المسيح الإلهي والبشري، الافخارستيا هي أيضًا القناة المفتوحة من الإنسان يسوع إلى الشعب الذي هو "عضو" في المسيح، الشعب الذي يضحي بدوره افخارستيا وبالتالي "قلبًا" و "حبًا" في الكنيسة ولأجلها… على القلب أن يبقى قلبًا، لكي تستطيع كل الأعضاء الأخرى من خلال أن تقوم بدورها بالشكل المناسب. فبهذا الشكل يتم الاحتفال بالافخارستيا بشكل صحيح.