كلمة البابا للشباب

باريس، السبت 13 سبتمبر 2008 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي الكلمة التي وجهها البابا بندكتس السادس عشر للشباب قبل أمسية الصلاة في باريس.

أيها الشباب الأعزاء،

بعد صلاة المساء في نوتردام، أود أن أعبر لكم عن تقديري لاستقبالكم لي هذا المساء، محولين هذا اللقاء الى عيد. مناسبة تعيدني بالذاكرة الى لقاء سيدني، الذي شارك فيه البعض منكم، بمناسبة يوم الشبيبة العالمي. هذا المساء أود أن أتحدث إليكم عن نقطتين متصلتين ببعضهما بالعمق، وتكوّنان كنزاً حقيقياً تضعون فيه قلوبكم (راجع متى 6، 21).

النقطة الأولى مرتبطة بموضوع لقاء سيني، وهي أيضاً موضوع أمسية الصلاة التي تبدأونها بعد قليل. إنها آية من كتاب أعمال الرسل، كتاب، يقول البعض بأنه إنجيل الروح القدس: "ستنالون قوة من الروح القدس الذي سيحل عليكم، وتكونون لي شهوداً" (أعمال 1، 8). ها إن الرب يوجه لكم هذا النداء الآن.

كانت سيدني محطة اكتشف فيها عدد كبير من الشباب الروح القدس، في حياتنا، في حياة المسيحي. الروح يضعنا في علاقة حميمة مع الله، مصدر كل غنى حقيقي. جميعكم تريدون أن تحِبوا وأن تحَبوا! التفتوا الى الله وتعلموا أن تحبوا ولتحصلوا على القوة لتحبوا.

الروح، الذي هو محبة، قادر على فتح قلوبكم لتحصلوا على عطية المحبة الحقيقية. جميعكم تبحثون عن الحقيقة وتريدون عيش الحقيقة، أن تعيشونها بالفعل! هذه الحقيقة، هي المسيح. إنه الطريق الأوحد، الحق والحياة. أن نتبع المسيح يعني أن "نذهب الى العمق"، كما تردد المزامير. إن طريق الحقيقة هي واحدة ومتشعبة في آن، بحسب مواهب كل فرد، كما أن الحقيقة هي واحدة ولكنها فائقة الغنى. ثقوا بالروح القدس لتكتشفوا المسيح. الروح هو المرشد الضروري للصلاة، لرجائنا، وهو مصدر الفرح الحقيقي.

للتعمق بحقائق الإيمان هذه، أشجعكم على التأمل بعظمة سر التثبيت، الذي من خلاله تدخلون حياة الإيمان الناضجة. من الضروري أن تفهموا هذا السر لتتأكدوا من نوعية وعمق إيمانكم. الروح القدس يقربكم من سر الله، ويفهمكم من هو الله. يدعوكم لتروا في قريبكم الأخ الذي اعطاكم إياه الله لتعيشوا معه بشراكة، إنسانياًَ وروحياً، لتعيشوا ككنيسة. وهو إذ يُظهر لكم من هو المسيح، المائت والقائم من الموت لأجلنا، يدفعكم للشهادة. أنتم في عمر السخاء. من الضروري أن تتكلموا عن المسيح في محيطكم، في عائلاتكم ومع أصدقائكم، في أماكن دراستكم وعملكم ونشاطاتكم.

لا تخافوا! "تحلوا بالشجاعة لعيش الإنجيل ولإعلانه بفرح " (رسالة الى شباب العالم، 20 يوليو 2007). ولذلك أشجعكم لأن تتذرعوا بالكلمات الضرورية لإعلان الله من حولكم، متكلين على قوة الروح القدس الذي تستدعونه في الصلاة. انقلوا البشرى السارة لأترابكم وللآخرين أيضاً. إنهم يعانون من القلق وعدم الثقة تجاه العمل والدراسة. يواجهون أنواعاً من الالم، ويختبرون الفرح المميز. اشهدوا لله، لأنكم – كشباب – جزء لا يتجزأ من الجماعة الكاثوليكية بفعل عمادكم والإيمان المشترك (راجع أفسس 4، 5). أؤكد لكم: الكنيسة تثق بكم!

في هذا العام المخصص للقديس بولس، أود أن أكل إليكم كنزاً آخر، هو محور حياة هذا الرسول. إنه سر الصليب. يوم الأحد، في لورد، سأحتفل بعيد الصليب الممجد مع أعداد الحجاج الكبيرة. عدد كبير منكم يحمل حول عنقه سلسلة وصليب. أنا أيضاً أحمل واحدة، كجميع الأساقفة. الصليب ليس زينة أو حلى. إنه رمز إيماننا الثمين، العلامة الظاهرة والحسية لعلاقتنا مع المسيح. القديس بولس يتكلم بوضوح عن الصليب في مطلع رسالته الأولى الى أهل كورنثوس. في كورنثوس، كانت تعيش جماعة معرضة لأخطار الفساد المحدق بها.

هذه الأخطار شبيهة بما نعرفه ونختبره اليوم. أذكر فقط البعض منها: النزاعات داخل جماعة المؤمنين، الإغراء الذي تقدمه الحِكم الدينية والفلسفية المزيفة، سطحية الإيمان وانعدام الأخلاق. يبدأ القديس بولس رسالته بالقول: "إن كلمة الصليب عن الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلصين، فهي قوة الله" (1 كور 1، 18). ثم يظهر الرسول التناقض بين الحكمة والجهل، بحسب الله وبحسب البشر.  يتحدث عن ذلك عندما يعود الى تأسيس كنيسة كورنثوس والى موضوع بشارته. ويختم مشدداً على جمال حكمة الله الذي جاء المسيح، وتلاميذه من بعده يعلّمونها للعالم وللمسيحيين. هذه الحكمة، السرية والخفية (راجع 1 كور 2، 7)، أُظهِرت لنا بالروح لأن " الإنسان البشري لا يقبل ما هو من روح الله فهو حماقة عنده، ولا يستطيع أن يعرفه لأنه لا حكم في ذلك إلا بالروح" (1 كور 2، 14).

الروح يفتح العقل البشري على آفاق جديدة تتخطاه وتجعله يفهم بأن الحكمة الحقيقية تكمن في عظمة المسيح. بالنسبة للمسيحيين، الصليب علامة حكمة الله ومحبته اللامتناهية التي ظهرت بعطية المسيح المائت والقائم ليحيا العالم، ليحيا كل واحد منكم. فليساعدكم هذا الاكتشاف، اكتشاف الله الذي صار إنساناً بمحبته، على احترام وتكريم الصليب!

الصليب ليس فقط علامة حياتكم في الله، بل هو أيضاً الشاهد الصامت على معاناة البشر، وفي الوقت عينه تعبير فريد وثمين عن كل رجاء.

أيها الشباب الأعزاء، أعلم بأن تكريم الصليب يجلب في بعض الأحيان العذاب والاضطهاد، ولكنه في الوقت عينه تأكيد على نعمة الله. هذا المساء، أكِل إليكم صليب المسيح.

الروح القدس سيساعدكم على فهم أسرار الصليب، وتصرخون عندئذ مع القديس بولس: "إن افتخاري هو بصليب ربنا يسوع المسيح! وفيه أصبح العالم مصلوباً عندي، وأصبحت انا مصلوباً عند العالم" (غل 6، 14). لقد فهم بولس كلمة يسوع التي بحسبها، فقط من خلال خسارة حياتنا، نجدها (راجع متى 8، 35؛ يو12، 24)، وعرف بأن الصليب تعبير عن قاعدة المحبة الأساسية وعن الحياة الحقة. فليساعد التعمق بسر الصليب البعض منكم على اكتشاف دعوة اتباع المسيح بطريق كلية في الحياة الكهنوتية والمكرسة!

لقد حان وقت أمسية الصلاة التي لأجلها اجتمعتم هذا المساء. لا تنسوا الكنزين الذي أوكلهما البابا إليكم: الروح القدس والصليب! ختاماً أود أن أقول لكم من جديد بأنني أثق بكم، أيها الشباب الأعزاء، وأريدكم أن تتأكدوا من تقدير وثقة الكنيسة، ليتعرف العالم هكذا على الكنيسة الحية! فليرافقكم الله كل يوم، وليبارككم وعائلاتكم وأصدقاءكم. وبفرح أمنح بركتي الرسولية لكم ولجميع شباب فرنسا. أمسية سعيدة.

ترجمة طوني عساف – وكالة زينيت العالمية