عظة البابا بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين بعد المائة لظهورات لورد

 

 

البابا: إشارة الصليب تتضمن خلاصة الإيمان المسيحي

بقلم روبير شعيب

لورد، الأحد 14 سبتمبر 2008 (Zenit.org).

استهل الأب الأقدس عظة القداس الاحتفالي في لورد صباح اليوم الأحد بهتاف للقديس أندراوس الكريتي: "كم هو عظيم أن نملك الصليب! من يملك الصليب، يملك كنزًا"، وبما أن زيارته للورد اليوم توافق عيد ارتفاع الصليب المقدس توقف الأب الأقدس في القسم الأول من العظة على الكلام عن الصليب وارتباط ظهورات لورد في هذا السر.

وأشار بندكتس السادس عشر أن إنجيل اليوم يكشف لنا المعنى الحقيقي لسر الصليب: "هكذا أحب العالم حتى إنه وهب ابنه الوحيد، لكي ينال البشر الخلاص"، بصليب المسيح  نلنا الخلاص: "أداة الحكم بالموت التي أظهرت نهار الجمعة العظيمة، حكم الله على العالم، باتت منهل حياة وغفران ورحمة، علامة مصالحة وسلام"

فعندما ننظر إلى الصليب "نعبد ذلك الذي أتى لكي يرفع خطيئة العالم ولكي يهبنا الحياة الأبدية". والكنيسة تدعونا إلى أن "نرفع بفخر هذا الصليب المجيد لكي يتمكن العالم أن يرى إلى أي حد توصل حب المصلوب للبشر"، "تدعونا لكي نشكر الله لأنه من شجرة تحمل الموت، ظهرت حياة جديدة".

 رسالة لورد

وفي لورد، توكل إلينا مريم هذا السر العظيم وتدعونا إلى الالتفات صوب ابنها. وذكر البابا أنه بدءًا من الظهور الأول لبرناديت، كانت مريم العذراء تبدأ اللقاء بإشارة الصليب. وشرح قائلاً: "هذه البادرة هي أكثر من مجرد إشارة، إنها الإعداد على أسرار الإيمان الذي كانت برناديت تتلقاه من مريم".

وتابع: "إشارة الصليب هي نوعًا ما خلاصة إيماننا، لأنها تقول لنا كم أحبنا الله؛ تقول لنا أن في العالم حب أقوى من الموت أقوى من ضعفنا وخطايانا. الحب أقوى من الشر الذي يهددنا".

في لورد، "تذكرنا مريم بسر شمولية حب الله للبشر. تدعو كل البشر ذوي الإرادة الصالحة، كل الذين يتألمون في قلبهم وفي جسدهم، إلى رفع عيونهم نحو صليب يسوع لكي يجدوا منهل الحياة، ومنبع الخلاص".

وهدف الاحتفال بيوبيل ظهورات السيدة في لورد هو "الدخول في مسيرة إيمان وتوبة". "تأتي مريم اليوم نحونا لكي تبين لنا السبل لتجديد حياة جماعاتنا وكل منا. عبر قبولنا ابنها الذي تسلمه إلينا، نغوص في نبع حي يستطيع فيه الإيمان أن يجد عزمًا جديدًا، وحيث تتقوى الكنيسة لكي تعلن بشجاعة أكبر سر المسيح".

رسالة لورد الأساسية بحسب بندكتس السادس عشر

بقلم روبير شعيب

لورد، الأحد 14 سبتمبر 2008 (Zenit.org).

تأمل الأب الأقدس في عظته في لورد اليوم برسالة لورد الأساسية. وذكر بأن برناديت كانت فتاة فقيرة ضعيفة صحيًا، لا سلطان لها ولا تنشئة علمية وقد اختارتها مريم لكي تنقل رسالة توبة وصلاة وارتداد. وبرناديت تذكرنا بكلمات يسوع: "أَخفَيتَ هذه الأَشياءَ على الحُكَماءِ والأَذكِياء، وكَشفتَها لِلصِّغار" (مت 11، 25).

وأضاف: "في مسيرتهم الروحية، يتلقى المسيحيون الدعوة لكي يجعلوا نعمة معموديتهم تأتي بثمر، وتتغذى من الافخارستيا، وتستمد من الصلاة القوة للشهادة وللتعاضد مع كل الإخوة في البشرية. وبالتالي نحن نتلقى تعليمًا حقيقيًا برعاية مريم. فلنسمح لها بأن تعلمنا وتقودنا في السبيل الذي يقود إلى ملكوت ابنها!".

وفي كلماتها إلى برناديت تكشف "السيدة الجميلة"، كما كانت تتحدث عنها برناديت اسمها: "أنا الحبل بلا دنس". وشرح البابا أن مريم بهذا الاسم تكشف النعمة الفائقة التي أسبغها الله عليها، إذ حُبل بها بلا دنس، لأنه "انحنى صوب أمته الوضيعة" (راجع لو 1، 48). "مريم – تابع الأب الأقدس –  هي تلك المرأة ابنه أرضنا التي استسلمت بالكلية إلى الله وقبلت منه امتياز أن تهب الحياة البشرية إلى ابنه الأزلي. "هاءنذا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك" (لو 1، 38). مريم هي الجمال المتجلي، صور البشرية الجديدة".

وتابع: "وإذ تقدم ذاتها بهذا الشكل في اعتماد كلي على الله، تعبر مريم بالواقع عن موقع حرية كاملة، ترتكز على الاعتراف الكامل بكرامتها الحقة. هذا الامتياز يخصنا نحن أيضًا، لأنها يكشف لنا كرامتنا كرجال ونساء، بالطبع موسومين بالخطيئة، ولكن مخلصين بالرجاء، رجاء يسمح لنا أن نواجه حياتنا اليومية. هذا هو النهج الذي تفتحه مريم للإنسان. التسليم بالكلية لله، يعني إيجاد سبيل الحرية الحقة. لأنه عبر الرجوع إلى الله، يضحي الإنسان ذاته. ويجد دعوته الأصلية كشخص مخلوق على صورة الله ومثاله".

وأشار بندكتس السادس عشر أن الدعوة الأولى لمزار لورد هي أن يكون "فسحة لقاء مع الله في الصلاة، ومكان خدمة للإخوة، وبشكل خاص في استقبال المرضى والفقراء وكل المتألمين".

فمريم تأتي لتذكرنا بأن "الصلاة المكثفة والمتواضعة، الواثقة والثابتة، يجب أن تحتل الموقع الرئيسي في حياتنا المسيحية. لا غنى عن الصلاة إذا ما أردنا تقبل قوة المسيح".

واستشهد البابا برسالته العامة "الله محبة" حيث كتب: "من يصلي لا يضيع وقته، حتى ولو بدت الحالة طارئة جدًا وبدت وكأنها تدفعنا فقط إلى العمل"، وأضاف: "الاستغراق في النشاطات قد يؤدي إلى فقدان الصلاة لخاصيتها المسيحية وقدرتها الحقيقية. صلاة الوردية، العزيزة جدًا على قلب برناديت وحجاج لورد، تتضمن عمق الرسالة الإنجيلية. تدخلنا هذه الصلاة في تأمل وجه المسيح. في صلاة المتواضعين هذه، نستطيع أن ننال الكثير من النعم".

وبالحديث إلى الشبيبة قال لهم: "عندما تلقت مريم زيارة الملاك، كانت صبية في الناصرة تعيش الحياة البسيطة والشجاعة التي تعيشها نساء ضيعتها. وإذا ما نظر إليها الله بشكل خاص، ووثق بها، فمريم تستطيع أن تقول لكم أيضًا أن ما من أحد منكم لا يهم الله".

وخلص إلى القول: "يلقي الله نظرة محبة على كل منكم ويدعوكم إلى حياة سعيدة ملؤها المعنى. لا تسمحوا للمصاعب أن ترخي عزيمتكم! لقد اضطربت مريم لبشرى الملاك الآتي ليقول لها بأنها ستصبح أم المخلص. كانت تشعر بمدى ضعفها أمام الله الكلي القدرة. ومع ذلك، قالت نعم دون تردد. وبفضل قبولها، دخل الخلاص العالم، وحول بهذا الشكل تاريخ البشرية"، "بدوركم، أيها الشباب الأعزاء، لا تخافوا أن تقولوا نعم إلى نداءات الرب، عندما يدعوكم للمسير في إثر خطاه. تجاوبوا بسخاء مع نداء الرب! هو وحده يستطيع أن يملأ رغبات قلبكم العميقة".

 

الفاتيكان، 2008 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي عظة البابا بندكتس السادس عشر بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين بعد المائة لظهورات سيدة الحبل بلا دنس في لورد، تزامنًا مع عيد ارتفاع الصليب المقدس.

* * *

السادة الكرادلة،

أيها المونسينيور العزيز برييه

أيها الإخوة الأعزاء في الأسقفية والكهنوت،

أيها الحجاج الأعزاء، أيها الإخوة والأخوات،

"اذهبي وقولي للكهنة أن يأتوا إلى هنا في تزياح ويبنوا كنيسة". هذه هي الرسالة التي تلقتها برناديت في هذا الموضع من "السيدة الجميلة" التي ظهرت لها في 2 مارس 1858. منذ 150 سنة، لم يتوقف الحجاج عن ارتياد مغارة ماسابيل للإصغاء لرسالة التوبة والرجاء الموجهة إليهم. وها نحن أيضًا، هذا الصباح، نقف عند أقدام مريم، عذراء الحبل بلا دنس، لكي نتتلمذ في مدرسة برناديت الصغيرة.

أشكر بشكل خاص المونسينيور جاك بيرييه، أسقف تاربت ولورد، لأجل الاستقبال الحار الذي خصني به ولأجل الكلمات الودية التي وجهها لي. أحيي الكرادلة، الأساقفة، الكهنة، الشمامسة، الرهبان والراهبات، لا بل أحييكم جميعًا، أيها الحجاج الأعزاء في لورد، وبشكل خاص أحيي المرضى.

أتيتم بأعداد وافرة لكي تقوموا بالحج اليوبيلي معي، ولكي توكلوا عائلاتكم، وأقاربكم وأصدقاءكم، وكل نواياكم للسيدة. يذهب شكري إلى السلطات المدنية والعسكرية التي أرادت الاشتراك في هذا الاحتفال بالافخارستيا.

"كم هو عظيم أن نملك الصليب! من يملك الصليب، يملك كنزًا" (القديس أندراوس الكريتي، العظة العاشرة في ارتفاع الصليب، الآباء اليونان 97، 1020). في هذا اليوم الذي تحتفل فيه ليتورجية الكنيسة بعيد ارتفاع الصليب المقدس، يذكرنا الإنجيل بمعنى هذا السر العميق: هكذا أحب العالم حتى إنه وهب ابنه الوحيد، لكي ينال البشر الخلاص (راجع يو 3، 16). لقد صار ابن الله ضعيفًا، وأخذ حالة العبد، مطيعًا حتى الموت، والموت على الصليب (راجع فيل 2، 8). بصليبه نلنا الخلاص. أداة الحكم بالموت التي أظهرت نهار الجمعة العظيمة، حكم الله على العالم، باتت منهل حياة وغفران ورحمة، علامة مصالحة وسلام. كان القديس أغسطينوس يقول: "لكي نشفى من خطايانا فلننظر إلى المسيح المصلوب!" (تعليق على إنجيل يوحنا، 12، 11). إذ نرفع عيوننا إلى المصلوب، نعبد ذلك الذي أتى لكي يرفع خطيئة العالم ولكي يهبنا الحياة الأبدية. والكنيسة تدعونا إلى أن نرفع بفخر هذا الصليب المجيد لكي يتمكن العالم أن يرى إلى أي حد توصل حب المصلوب للبشر. تدعونا لكي نشكر الله لأنه من شجرة تحمل الموت، ظهرت حياة جديدة. على هذه الخشبة يكشف لنا يسوع سلطانه المجيد، يبين لنا أنه متألق في المجد. نعم "تعالوا نسجد له!". يقوم في وسطنا ذلك الذي أحبنا حتى هبة حياته لأجلنا، ذلك الذي يدعو كل كائن بشري للاقتراب منه بثقة.

هذا هو السر العظيم الذي توكله إلينا مريم هذا الصباح وتدعونا إلى الالتفات صوب ابنها. بالواقع، يلفت الانتباه أنه بدءًا من الظهور الأول لبرناديت، تبدأ العذراء اللقاء بإشارة الصليب. هذه البادرة هي أكثر من مجرد إشارة، إنها الإعداد على أسرار الإيمان الذي كانت برناديت تتلقاه من مريم. إشارة الصليب هي نوعًا ما خلاصة إيماننا، لأنها تقول لنا كم أحبنا الله؛ تقول لنا أن في العالم حب أقوى من الموت أقوى من ضعفنا وخطايانا. الحب أقوى من الشر الذي يهددنا. في لورد، تذكرنا مريم بسر شمولية حب الله للبشر. تدعو كل البشر ذوي الإرادة الصالحة، كل الذين يتألمون في قلبهم وفي جسدهم، إلى رفع عيونهم نحو صليب يسوع لكي يجدوا منهل الحياة، ومنبع الخلاص.

تلقت الكنيسة رسالة إظهار وجه الله المحب الذي كشف عنه يسوع المسيح. هل سنتوصل إلى فهم أنه في صليب الجلجلة استعدنا كرامتنا كأبناء الله، كرامة فقدناها بسبب الخطيئة؟ فلنوجه أنظارنا نحو المسيح. فهو الذي سيحررنا لكي نحب كما يحبنا هو ولكي نبني عالم مصالحة. لأنه على هذا الصليب حمل يسوع أثقال كل آلام وظلم بشريتنا. لقد حمل الاحتقار والتمييز، والعذابات التي يعانيها إخوتنا وأخواتنا في أنحاء كثيرة من العالم حبًا بالمسيح. نوكلهم إلى مريم، أم يسوع وأمنا، الحاضرة عند أقدام الصليب.

لكي نتقبل في حياتنا هذا الصليب المجيد، يدخلنا الاحتفال بيوبيل ظهورات السيدة في لورد في مسيرة إيمان وتوبة. تأتي مريم اليوم نحونا لكي تبين لنا السبل لتجديد حياة جماعاتنا وكل منا. عبر قبولنا ابنها الذي تسلمه إلينا، نغوص في نبع حي يستطيع فيه الإيمان أن يجد عزمًا جديدًا، وحيث تتقوى الكنيسة لكي تعلن بشجاعة أكبر سر المسيح. يسوع المولود من مريم هو ابن الله مخلص البشرية الأوحد، الحي والفاعل في كنيسته وفي العالم. يرسل الرب الكنيسة إلى كل أنحاء العالم لكي تعلن هذه الرسالة الفريدة ولكي تدعو البشر إلى قبولها عبر توبة قلب حقيقية. هذه الرسالة التي أوكلها يسوع إلى تلاميذه، تنال هنا بمناسبة هذا اليوبيل نفحةً جديدة. قدوة بكبار مبشري وطنكم، فليكن الروح الإرسالي، الذي حرك الكثير من الرجال والنساء في فرنسا على مر العصور، فليكن فخركم والتزامكم!

عبر المسير في خطى برناديت في هذا اليوبيل، يتم تذكيرنا برسالة لورد الأساسية. برناديت هي الابنة البكر في عائلة فقيرة جدًا، لم تكن لها معرفة أو قوة، وكانت ضعيفة صحيًا. لقد اختارتها مريم لكي تنقل رسالة توبة وصلاة وارتداد، مطابقة لكلمات يسوع: "أَخفَيتَ هذه الأَشياءَ على الحُكَماءِ والأَذكِياء، وكَشفتَها لِلصِّغار" (مت 11، 25). في مسيرتهم الروحية، يتلقى المسيحيون الدعوة لكي يجعلوا نعمة معموديتهم تأتي بثمر، وتتغذى من الافخارستيا، وتستمد من الصلاة القوة للشهادة وللتعاضد مع كل الإخوة في البشرية (راجع تكريم العذراء مريم، ساحة اسبانيا، 8 ديسمبر 2007). وبالتالي نحن نتلقى تعليمًا حقيقيًا برعاية مريم. فلنسمح لها بأن تعلمنا وتقودنا في السبيل الذي يقود إلى ملكوت ابنها!

وإذ تتابع تعليمها تكشف "السيدة الجميلة" اسمها لبرناديت: "أنا الحبل بلا دنس". تكشف مريم بهذا الشكل النعمة الفائقة التي أسبغها الله عليها، إذ حبل بها بلا دنس، لأنه "انحنى صوب أمته الوضيعة" (راجع لو 1، 48). مريم هي تلك المرأة ابنه أرضنا التي استسلمت بالكلية إلى الله وقبلت منه امتياز أن تهب الحياة البشرية إلى ابنه الأزلي. "هاءنذا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك" (لو 1، 38). مريم هي الجمال المتجلي، صور البشرية الجديدة. وإذ تقدم ذاتها بهذا الشكل في اعتماد كلي على الله، تعبر مريم بالواقع عن موقع حرية كاملة، ترتكز على الاعتراف الكامل بكرامتها الحقة. هذا الامتياز يخصنا نحن أيضًا، لأنها يكشف لنا كرامتنا كرجال ونساء، بالطبع موسومين بالخطيئة، ولكن مخلصين بالرجاء، رجاء يسمح لنا أن نواجه حياتنا اليومية. هذا هو النهج الذي تفتحه مريم للإنسان. التسليم بالكلية لله، يعني إيجاد سبيل الحرية الحقة. لأنه عبر الرجوع إلى الله، يضحي الإنسان ذاته. ويجد دعوته الأصلية كشخص مخلوق على صورة الله ومثاله.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

الدعوة الأولى لمزار لورد هي أن يكون فسحة لقاء مع الله في الصلاة، ومكان خدمة للإخوة، وبشكل خاص في استقبال المرضى والفقراء وكل المتألمين. في هذا المكان تأتي مريم نحونا كأم جاهزة دومًا لتلبية حاجات أطفالها. من خلال النور الذي يشع من وجهها، تتلألأ رحمة الله. فلنسمح لنظرتها أن تلمسنا وتقول لنا أن الله يحبنا جميعًا ولن يتخلى عنا أبدًا!

تأتي مريم لتذكرنا بأن الصلاة المكثفة والمتواضعة، الواثقة والثابتة، يجب أن تحتل الموقع الرئيسي في حياتنا المسيحية. لا غنى عن الصلاة إذا ما أردنا تقبل قوة المسيح. "من يصلي لا يضيع وقته، حتى ولو بدت الحالة طارئة جدًا وبدت وكأنها تدفعنا فقط إلى العمل" (الله محبة، 36). الاستغراق في النشاطات قد يؤدي إلى فقدان الصلاة لخاصيتها المسيحية وقدرتها الحقيقية. صلاة الوردية، العزيزة جدًا على قلب برناديت وحجاج لورد، تتضمن عمق الرسالة الإنجيلية. تدخلنا هذه الصلاة في تأمل وجه المسيح. في صلاة المتواضعين هذه، نستطيع أن ننال الكثير من النعم.

حضور الشباب في لورد هو أيضًا واقع هام. أيها الأصدقاء الأعزاء الحاضرين هنا هذا الصباح، والمجتمعين حول صليب يوم الشبيبة العالمي، عندما تلقت مريم زيارة الملاك، كانت صبية في الناصرة تعيش الحياة البسيطة والشجاعة التي تعيشها نساء ضيعتها. وإذا ما نظر إليها الله بشكل خاص، ووثق بها، فمريم تستطيع أن تقول لكم أيضًا أن ما من أحد منكم لا يهم الله. يلقي الله نظرة محبة على كل منكم ويدعوكم إلى حياة سعيدة ملؤها المعنى. لا تسمحوا للمصاعب أن ترخي عزيمتكم! لقد اضطربت مريم لبشرى الملاك الآتي ليقول لها بأنها ستصبح أم المخلص. كانت تشعر بمدى ضعفها أمام الله الكلي القدرة. ومع ذلك، قالت نعم دون تردد. وبفضل قبولها، دخل الخلاص العالم، وحول بهذا الشكل تاريخ البشرية.

بدوركم، أيها الشباب الأعزاء، لا تخافوا أن تقولوا نعم إلى نداءات الرب، عندما يدعوكم للمسير في إثر خطاه. تجاوبوا بسخاء مع نداء الرب! هو وحده يستطيع أن يملأ رغبات قلبكم العميقة. أنتم تأتون بأعداد هائلة إلى لورد لتقدموا الخدمة اليقظة والسخية للمرضى أو للحجاج الآخرين، فتسيروا بهذا الشكل في خطوات المسيح الخادم. إن خدمة الإخوة والأخوات تفتح القلب وتجعله حاضرًا. في صمت الصلاة، فلتكن مريم المؤتمنة على أسرار قلوبكم، هي التي عرفت أن تخاطب برناديت باحترام وثقة. فلتساعد مريم الذي نالوا الدعوة إلى الزواج لكي يكتشفوا جمال حب حقيقي وعميق، معاش كهبة متبادلة وأمينة! وإلى الذين من بينكم يوجه لهم الرب الدعوة إلى اتباعه في الدعوة الكهنوتية والرهبانية، أود أن أخبركم من جديد عن كل الحبور الذي يعيشه من يهب ذاته بالكلية لخدمة الله والبشر. فلتكن العائلات والجماعات المسيحية أماكن تولد فيها وتنشأ دعوات متينة في خدمة الكنيسة والعالم!

رسالة مريم هي رسالة رجاء لكل البشر من كل البلدان في زماننا.أود أن أستدعي مريم كنجمة الرجاء (مخلصون بالرجاء، 50). في سبل حياتنا التي يعتريها الظلام غالبًا، مريم هي نور الرجاء الذي ينيرنا ويهدينا في المسير. عبر نعمها، وعبر هبة ذاتها السخية، فتحت مريم أبواب عالمنا وتاريخنا على الله. وهي تدعونا لكي نعيش مثلها في الرجاء الذي لا يخيب، وأن نرفض الإذعان لأولئك الذين يعتقدون أننا أسرى الحتمية. ترافقنا مريم بحضورها الأمومي في وسط أحداث حياة الأشخاص، والعائلات والدول. طوبى للرجال والنساء الذين يضعون رجاءهم في ذلك الذي وهب لنا أمه أمًا لنا في اللحظة التي قدم حياته لأجل خلاصنا!

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، في أرض فرنسا هذه، تنال أم الرب التكريم في عدد لا يحصى من المزارات التي تعبر بهذا الشكل عن الإيمان الذي تناقلته الأجيال. في تكريم انتقالها إلى السماء، مريم هي شفيعة وطنكم الحبيب. فلتكن أبدًا مكرمة بتقوى في كل عائلة من عائلاتكم، وفي جماعاتكم الرهبانية وفي رعاياكم!

فلتسهر مريم على كل أبناء وطنكم الجميل وعلى كل الحجاج الذين أتوا حشودًا من دول أخرى للاحتفال بهذا اليوبيل! فلتكن بالنسبة للجميع الأم التي تواكب أبناءها في الأفراح والأتراح! أيها الأم القديس، أم الله وأمنا، علمينا أن نؤمن، أن نرجو وأن نحب معك. إهدينا إلى السبيل المؤدي إلى ملكوت ابنك يسوع! يا نجمة البحر، أشعي علينا وقودينا في سبيلنا! (راجع مخلصون بالرجاء، 50). آمين.

* * *

نقله من الفرنسية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.