الأب الأقدس في باريس: العظة في ساحة إنفاليد

 

 

الأب الأقدس يتحدث إلى المرضى في لورد

بقلم روبير شعيب

لورد، الاثنين 15 سبتمبر 2008 (Zenit.org).

 احتفل البابا بندكتس السادس عشر صباح اليوم الاثنين بقداس مع المرضى أمام بازيليك سيدة الوردية ذكر فيها المرضى أن "المسيح يمنح الخلاص عبر الأسرار، وبشكل خاص، عبر سر المسحة، يمنح النعمة للمرضى والمعاقين".

وذكر البابا في عظته أن الألم هو "زائر غريب دومًا بالنسبة للجميع"، و "لا يمكن التآلف مع حضوره، ولهذا يصعب احتماله"، وبوجه خاص قبوله كعنصر أساسي من الدعوة الذاتية.

ودعا الأب الأقدس المرضى إلى مواجهة المرض عبر قبول "المسيح-الطبيب" في حياتهم.

وأوضح البابا أن المسيح ليس مثل أطباء هذا العالم. "فلكي يشفينا، لا يبقى المسيح خارج الألم الذي نخبره؛ فهو يخفف الآلام عبر الإقامة في من ضُرب بالمرض، لكي يتحمله ويعيشه معه".

"يأتي حضور المسيح لكي يحطم سور العزلة. ولذا لا يتحمل الإنسان تجربته وحيدًا، بل كعضو متألم من جسد المسيح، تتم مماثلته للمسيح الذي يقدم ذاته إلى الآب، ويشارك معه في مخاض الخلق الجديد".

ابتسامة مريم

وبالحديث عن مريم التي وهبنا إياها يسوع عند أقدام الصليب كأم: "هذه أمك"، قال البابا: مريم هي اليوم في فرح ومجد القيامة. ودموعها عند أقدام الصليب قد تحولت الآن إلى ابتسامة لا يمكن لأي شيء أن يمحيها، بينما يبقى حنانها الأمومي نحونا ثابتًا لا يتبدل".

وأشار البابا إلى أنه كل مرة نتلو فيها نشيد "التعظيم" نضحي شهودًا لابتسامة مريم، لافتًا إلى أن برناديت قد تأملت بشكل خاص ابتسامة مريم في معرض الظهور الذي تم يوم الأربعاء 3 مارس 1858. فقد كانت هذه الابتسامة جواب مريم للفتاة التي سألتها عن اسمها. وبعد بضعة أيام أجابت مريم: "أنا الحبل بلا دنس". وقال بندكتس السادس عشر: "لقد عرفت مريم عن نفسها في البدء بالابتسامة، وكأنها الباب الأنسب للولوج في سرها".

ففي ابتسامة مريم تنعكس "كرامتنا كأبناء الله، هذه الكرامة التي لا يخسرها المرضى أبدًا. وهذه الابتسامة هي الانعكاس الحق لحنان الله، إنها منهل الرجاء الذي لا يخيب".

 

على فرنسا أن تتحرر روحيا بعد تحررها من النازية

البابا يلتقي أساقفة فرنسا في لورد

لورد، الاثنين 15 سبتمبر 2008 (Zenit.org). – عن إذاعة الفاتيكان – في لقاء تميز بالودّ والصراحة، اجتمع البابا بندكتس الـ16 عصر أمس الأحد في لورد إلى أساقفة فرنسا يتقدمهم الكاردينال أندره فان تروا رئيس أساقفة باريس ورئيس مجلس أساقفة البلاد، الذي وجّه كلمة وجيزة إلى الحبر الأعظم سطر فيها مواجهة أحبار الكنيسة الفرنسية تحديات جسام في رسالتهم التبشيرية نحو أناس اليوم، مشيرا إلى تفكك العائلات والمصاعب التربوية وأزمة نقل القيم والقناعات وانتهاكات الكرامة البشرية في المجال الاجتماعي الاقتصادي كما في تطبيق تقنيات البحوث العلمية وفي احترام الحياة منذ اللحظة الأولى لتكوينها وحتى نهايتها الطبيعية.

وختم الكاردينال فان تروا بالقول إن أساقفة فرنسا لن يستسلموا مطلقا للضغوطات ولن يركعوا تحت ثقل الأحمال لأن رسالتهم هي عمل الروح القدس، روح الله ذاته، كما أعرب عن أمانة الأساقفة جميعهم ووحدتهم التامة مع خليفة بطرس وشركتهم العميقة معه ومع الرب يسوع المسيح.

تحدث بندكتس الـ16 إلى الأساقفة بإسهاب عن مواضيع مختلفة ومسائل وأزمات عديدة تواجه الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا، شأن أزمة الدعوات الكهنوتية فحث الشباب على تلبية دعوة الله لهم، وتطرق إلى دور الكهنة وخدمتهم الضرورية فلا يقدروا على توكيل أحد من العلمانيين لإقامة القداس وإتمام واجباتهم الكهنوتية الخاصة بهم، ثم سطر أهمية المصالحة والسلام في قلوب الكهنة والمؤمنين الذين يحبون القداس باللغة اللاتينية بعد سماح البابا لهم بذلك: "على الكل أن يشعر بأنه في بيته".

وتحدث الحبر الأعظم عن قلقه إزاء الزوابع التي تهدد العائلة في إشارة إلى الشرائع والقوانين التي تُسنّ تناسبا وعادات بعض الأفراد والمجموعات ومطالبهم الشخصية التي لا تعزز خير المجتمع المشترك، مسطرا أن العائلة أو الأسرة هي القاعدة التي يرتكز إليها المجتمع كله. وشدد على وحدة الزواج القائم بين رجل وامرأة وعلى إنجاب البنين وهو سرّ مقدس غير قابل للانحلال، رافضا المبادرات الرامية إلى مباركة زواجات غير شرعية، المنتشرة في بعض الرعايا الفرنسية ومؤكدا في الآن معا عطفَ الكنيسة الكبير تجاه الذين تزوجوا مرة ثانية بعد طلاقهم.

وللشباب حصة في خطاب البابا إذ دعاهم إلى عدم الانجرار وراء التساهل الأخلاقي الذي يدغدغ الأحاسيس والغرائز الدفينة ولا يهب سعادة على الإطلاق.

كما شدد على جذور فرنسا المسيحية إذ لا يجوز أن تفقد الأمم أو تغيِّب ما يشكل خاصية هويتها، ودعا البابا إلى تعاون سليم بين الدولة والكنيسة قائم على وعي واحترام استقلالية وسيادة كل منهما لأن الإدعاءات الاجتماعية السياسية والعداوة والحذر القديم بينهما، بدأت كلها تتلاشى..

ولأن الجهل هدّام ومدمّر فيجب على الحوار المسكوني والديني، قال البابا، أن يفضي إلى المحبة والحقيقة والالتزام في سبيل معرفة متبادلة، كما يجب أن ينطلق من تمييز الهوية الخاصة بكل جهة ولا تكفي النوايا الحسنة.

وعرض بندكتس الـ16 فكرة شاملة عن المجتمع الحالي المعولم والمتعدد الثقافات والديانات فاعتبر هذا المجتمع "سانحة يهبها الرب لنا كي نعلن الحقيقة ونمارس المحبة للتقرب من كل كائن بشري من دون تفرقة وأبعد من حدود الكنيسة المرئية.

وسطر الأب الأقدس في ختام خطابه إلى أساقفة فرنسا مؤكدا على أن فرنسا بحاجة إلى تحرير روحي حقيقي بعدما تحررت من نير النازية، لأن الإنسان يسعى دوما للتخلص من مخاوفه والتحرر من خطاياه. وعلى الإنسان أن يعلم يقينا أن الله هو خالقه الكلي الصلاح وليس عدوا له.

 

روما، الإثنين 15 سبتمبر 2008 (ZENIT.org)

ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر خلال الذبيحة الإلهية التي ترأسها يوم السبت 13 سبتمبر في ساحة إنفاليد في باريس.

***

نيافة الكردينال فان تروا،

السادة الكرادلة وإخوتي الأساقفة الأعزاء،

أيها الإخوة والأخوات في المسيح،

إن يسوع المسيح يجمعنا في هذا المكان الرائع، في وسط باريس، في اليوم الذي تحتفل الكنيسة جمعاء بالقديس يوحنا فم الذهب، أحد أحبارها العظام الذي أظهر للمسيحيين ، وبكل فعالية، الطريق الصحيح، من خلال شهادة عيشه وتعاليمه. أحيي بفرح جميع السلطات التي استقبلتني في هذه المدينة الكريمة، وبخاصة الكردينال أندريه فان تروا، الذي أشكره على كلماته اللطيفة. كما أوجه تحية إلى جميع الأساقفة، والكهنة، والشمامسة الذين يحيطون بي للاحتفال بذبيحة المسيح. أشكر جميع الشخصيات، وبخاصة معالي رئيس الحكومة، الذين حرصوا على الحضور إلى هنا هذا الصباح، أؤكد لهم على صلواتي الحارة من أجل أن ينجزوا مهمتهم الكبرى في خدمة شركائهم في الوطن.

إن الرسالة الأولى التي وجهها القديس بولس إلى الكورنثيين تجعلنا نكتشف في سنة القديس بولس هذه التي افتتحت في 28 يونيو الأخير، مدى استمرارية وجود تعاليم الرسول في زمننا هذا. "اهربوا من عبادة الأوثان" (1 كورنثوس 14،10)، هكذا يكتب إلى جماعة أثرت فيها الوثنية، وانقسمت بين اتباع حداثة الإنجيل، والتقيد بالعبادات القديمة الموروثة عن الأجداد. إن الهرب من عبادة الأوثان، كان يعني آنذاك، التوقف عن تكريم آلهة الأوليمب، وتقديم الأضاحي لها. إن الهرب من عبادة الأوثان، كان يعني اتباع مذهب أنبياء العهد القديم الذين كانوا يبطلون النزعة البشرية لاختلاق صور خاطئة عن الله، كما يظهر المزمور 113 عن تماثيل الأوثان، فهي ليست سوى "ذهب وفضة، من صنع أيدي البشر. لها أفواه ولا تتكلم، لها عيون ولا تبصر. لها آذان ولا تسمع. لها أنوف ولا تشم (4-5) . وكان العالم القديم، باستثناء شعب إسرائيل الذي حل عليه وحي الله الأوحد، خاضعاً كله لعبادة الأوثان. أما آثام الوثنية التي كثر وجودها في كورنثس، فكان يجب إبطالها لأنها كانت تشكل خللاً كبيراً، وتضل الإنسان عن وجهته الحقيقية. لقد كانت تمنعه من الاعتراف بأن المسيح هو المخلص الحقيقي الوحيد، القادر وحده على إرشاد الإنسان إلى الطريق صوب الله.

إن هذا النداء للهرب من عبادة الأوثان ما يزال اليوم قائماً. ألم يخلق العالم المعاصر أوثانه الخاصة به؟ ألم يحاكي، ربما من دون علمه، وثنيي العصور القديمة، بإبعاد الإنسان عن غايته الحقيقية، عن سعادة العيش مع الله إلى الأبد؟ إن هذا السؤال لا يمكن لأي إنسان صادق مع ذاته إلا وأن يطرحه على نفسه. ما المهم في حياتي؟ ما هي أولوياتي؟ إن كلمة "وثن"  يونانية تعني "صورة"، "رمزاً"، "تصويراً"، ولكنها تعني أيضاً "خيالاً"، "شبحاً"، "مظهراً باطلاً". إن الوثن هو إغراء، لأنه يبعد خادمه عن الواقع ليحصره في ملكوت المظاهر. أوليس نزعة خاصة بعصرنا، النزعة الوحيدة التي يمكننا أن نؤثر عليها بكل فعالية؟ إنها النزعة للهيام بماضٍ لم يعد موجوداً، بنسيان احتياجاته، النزعة للهيام بمستقبل ليس موجوداً بعد، من خلال الاعتقاد بأن الإنسان يحقق بقدراته الذاتية وحدها السعادة الأبدية على الأرض! ويفسر القديس بولس إلى أهل كولوسي أن الاشتهاء النهم هو عبادة أصنام (راجع 5،3)، ويذكر تلميذه تيموثاوس بأن حب المال هو أساس كل شر. ويوضح بأن "السعي إليه، أدى إلى ضلال البعض عن الإيمان، وطعن أنفسهم بأوجاع كثيرة" (1 تيموثاوس 6-10). ألم يؤدي المال، وشهوة الاقتناء، والسلطة، والمعرفة إلى تضليل الإنسان عن غايته الحقيقية، وحقيقته الذاتية؟

إخوتي وأخواتي الأعزاء، إن السؤال الذي تطرحه علينا ليتورجيا اليوم نجد الجواب عليه في الليتورجيا عينها التي ورثناها عن آبائنا في الإيمان، وبخاصة عن القديس بولس نفسه (راجع ا كورنثوس 23،11). وفي التعليق على هذا النص، يشير القديس يوحنا فم الذهب إلى أن القديس بولس يدين بقسوة عبادة الأوثان، التي تشكل "خطأً جسيماً"، "سبب زلة"، "وباء" حقيقياً. ويضيف فوراً أن هذه الإدانة الجذرية لعبادة الأوثان ليست أبداً إدانة عابد الأوثان. يجب علينا ألا نخلط أبداً في أحكامنا بين الخطيئة المرفوضة، والخاطئ الذي لا نستطيع أن نحكم على حالة ضميره، والقادر دوماً ومهما يكن، على الاهتداء والتوبة. إن القديس بولس يدعو أذهان قرائه: "إني أكلمكم كلامي لأذكياء: فاحكموا أنتم في ما أقول" (1 كورنثوس 15،10). إن الله لا يطلب أبداً من الإنسان أن يضحي بعقله! وإن العقل لا يتناقض أبداً بشكل فعلي مع الإيمان! لقد خلق لنا الله الواحد، الآب والابن والروح القدس، عقلنا، كما أنه يعطينا الإيمان، مقدماً إياه لحريتنا لتقبله كهبة ثمينة. إن عبادة الأوثان هي التي تضلل الإنسان عن هذا البعد، كما أن العقل ذاته بإمكانه أن يحاكي أوثاناً. إذاً، فلنسأل الله الذي يرانا ويسمعنا، أن يساعدنا في تطهير أنفسنا من جميع أوثاننا، للوصول إلى حقيقة وجودنا، وللوصول إلى حقيقة وجوده اللامتناهي!

ولكن كيف لنا التوصل إلى الله؟ كيف يتم التوصل إلى إيجاد ذاك الذي يبحث عنه الإنسان في أعماق نفسه، في الوقت الذي غالباً ما ينساه؟ يطلب منا القديس بولس ألا نستعمل فقط عقلنا، لا بل أيضاً بشكل خاص إيماننا من أجل اكتشافه. ماذا يقول لنا الإيمان؟ إن الخبز الذي نكسره هو شركة في جسد المسيح؛  وكأس فعل الشكران التي نباركها هي شركة في دم المسيح، الوحي العجيب الذي يأتينا من المسيح، والذي نقله إلينا الرسل والكنيسة جمعاء منذ ألفي سنة: لقد أسس المسيح سر الافخارستيا عشية الخميس المقدس. وأراد أن تقدَم ذبيحته من جديد، ومن غير دم، في كل مرة يعيد كاهن كلمات تقديس الخبز والخمر. منذ ألفي سنة، في أكثر الكنائس اتضاعاً، كما في أكبر الكاتدرائيات، يقدم الرب القائم من بين الأموات نفسه، لملايين المرات، لشعبه، مصبحاً بذلك، وبحسب عبارة القديس أغسطينوس، "أقرب إلى ذاتنا من ذاتنا".

أيها الإخوة والأخوات، فلنقدم كل وقار لسر جسد ودم الرب، سر القربان المقدس والوجود الفعلي للرب في كنيسته وللبشرية جمعاء. دعونا لا نهمل شيئاً من أجل أن نظهر له احترامنا ومحبتنا! فلنمنحه أسمى علامات العزة! ومن خلال أقوالنا، صمتنا، وأفعالنا، دعونا ألا نقبل أبداً أن نضعف فينا وحولنا الإيمان بالمسيح القائم الحاضر في سر الإفخارستيا! وكما يقول القديس يوحنا فم الذهب بنفسه بطريقة رائعة: "فلنستعرض نِعم الله التي لا توصف، وجميع الخيرات التي يمنحنا إياها، عندما نقدم له هذه الكأس، عندما نتناول معبرين عن شكرنا إياه لتخليص البشر من الخطيئة، ولتقريب أولئك الذين ابتعدوا عنه، ولجعله من اليائسين، والملحدين في هذا العالم، شعب إخوة، وورثة إبن الله. ويتابع قائلاً: "في الواقع، إن الموجود في الكأس هو الذي سال من جنبه، وهذا هو الذي نشارك فيه". ويقول: "ليست هناك مشاركة واشتراك فقط، لا بل أن هناك "اتحاداً".

إن القداس هو ذبيحة فعل الشكران بامتياز، الذبيحة التي تسمح لنا بتوحيد فعل شكرنا مع فعل شكر المخلص، ابن الآب الأزلي. والقداس بذاته، يدعونا أيضاً إلى الهرب من الأوثان، لأن القديس بولس يشدد قائلاً "لا تستطيعون أن تشتركوا في مائدة الرب ومائدة الشياطين معاً" (1 كورنثوس 21،10). إن القداس يدعونا إلى التمييز بين ما يطيع فينا روح الله، وبين ما يصغي فينا فقط لروح الشر. في القداس، لا نبغي أن ننتمي إلا إلى المسيح، ونكرر بامتنان هتاف داود المرنم: "ماذا أرد إلى الرب عن كل إحسانه إلي؟ (مزمور 12،115). أجل، كيف نشكر الرب على الحياة التي منحنا إياها؟  هنا أيضاً، يكمن الجواب عن سؤال المرنم في المزمور نفسه، لأن كلمة الله تجيب بنفسها وبكل رحمة على الأسئلة التي تطرحها. كيف نشكر الرب على الخير الذي يقوم به من أجلنا،  إن لم نمتثل لأقواله: "أرفع كأس الخلاص، وباسم الرب أدعو" (مزمور 13،115)؟

أوليس رفع كأس الخلاص، ودعوة اسم الرب، السبيل الأفضل تحديداً "للهرب من عبادة الأوثان"، كما يطلب منا القديس بولس؟ في كل مرة يتم الاحتفال بقداس، في كل مرة يكون فيها المسيح حاضراً في سر القربان في كنيسته، يتمم فعل خلاصنا. إن الاحتفال بسر الافخارستيا يعني الإقرار بأن الله وحده قادر على تقديم السعادة الكاملة لنا، وتعليمنا القيم الحقيقية، القيم الأبدية التي لا تعرف الغروب أبداً. إن الله حاضر على المذبح، ولكنه حاضر أيضاً على مذبح قلبنا عندما نتناوله في سر الافخارستيا. هو وحده الذي يعلمنا الهرب من الأوثان، أوهام الفكر.

أيها الإخوة والأخوات، من يستطيع رفع كأس الخلاص، ودعوة اسم الرب باسم شعب الله كله، غير الكاهن الذي يعينه الأسقف لهذه الغاية؟ هنا، أيها المؤمنون من باريس ومن منطقة باريس، وأنتم جميعاً القادمون من فرنسا كلها ومن بلدان متاخمة أخرى، دعوني أوجه لكم دعوة واثقة في الإيمان، وكرم الشباب الذين يتساءلون حول الدعوة الرهبانية أو الكهنوتية: لا تخافوا! لا تخافوا من تقديم حياتكم للمسيح! ما من شيء أبداً يحل محل سلطة الكهنة في قلب الكنيسة! ما من شيء أبداً يحل محل قداس من أجل خلاص العالم!

أيها الشباب الذين تسمعونني، لا تدعوا نداء المسيح بلا استجابة. لقد أظهر يوحنا فم الذهب في مؤلفه عن الكهنوت، مدى بطء استجابة الإنسان، ولكنه المثل الحي على عمل الله في قلب حرية إنسانية تتكيف بنعمته.

أخيراً، إن أعدنا الأقوال التي تركها لنا المسيح في إنجيله، وجدنا أنه هو بنفسه علمنا الهرب من عبادة الأوثان، داعياً إيانا إلى بناء بيتنا "على الصخر" (لوقا 48،6). من هو الصخر إن لم يكن هو نفسه؟ إن أفكارنا، وأقوالنا، وأفعالنا لا تكتسب بعدها الحقيقي إلا إذا أسندناها إلى رسالة الإنجيل. "من فيض القلب يتكلم الفم" (لوقا 45،6). عندما نتحدث، أنبحث عن خير محادثنا؟ عندما نفكر، أنبحث عن توفيق فكرنا مع فكر الله؟

عندما نفعل، أنبحث عن نشر المحبة التي تحيينا؟ كما يقول القديس يوحنا فم الذهب: "الآن، إن اشتركنا جميعاً في الخبز نفسه، وإن أصبحنا جميعاً هذه المادة نفسها، لم لا نظهر المحبة نفسها؟ لم لا نصبح، وللسبب عينه، نفساً فريدة؟ … أيها الإنسان، إن المسيح هو الذي قد أتى للبحث عنك، أنت الذي كنت بعيداً عنه، للاتحاد بك، وأنت لا تريد الاتحاد مع أخيك؟"

إن الرجاء سوف يظل دوماً الأقوى! والكنيسة المبنية على صخرة المسيح تملك وعود الحياة الأبدية ليس لأن أعضاءها يصبحون أكثر قداسة من كل البشر، لا بل لأن المسيح وعد بطرس قائلاً: "أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة سأبني بيعتي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 18،16). في هذا الرجاء السرمدي لوجود الله الأبدي في كل روح منا، في هذا الفرح بمعرفة أن المسيح حاضر معنا إلى نهاية الأزمنة، في هذه القوة التي يعطيها الروح لجميع من يقبل أن يكون محاطاً به، أستودعكم أعزائي مسيحيي باريس وفرنسا، العمل القدير والرحيم لله المحبة الذي مات من أجلنا على الصيلب، وقام منتصراً صباح الفصح. إلى جميع أصحاب النية الطيبة الذين يسمعونني، أكرر كما يقول القديس بولس: اهربوا من عبادة الأوثان، ولا تكلوا من عمل الخير!

فليرشدكم الله أبونا إليه، ولينيركم ببهاء مجده! فليكشف لكم ابن الله الوحيد، معلمنا وأخونا، جمال وجه القيامة من بين الأموات! ولينعم الروح القدس عليكم عطاياه ويمنحكم فرح معرفة سلام ونور الثالوث الأقدس الآن وإلى دهر الداهرين!

آمين!

* * *

نقلته من الفرنسية إلى العربية غرة معيط – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.

ابتسامة مريم هي الإنعكاس الحق لحنان الله