كلمة الحاخام في السينودس

الفاتيكان، الأربعاء 8 أكتوبر 2008 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها الحاخام شير يشوف كوهن، رئيس حاخامات حيفا، يوم الإثنين خلال مداخلته في سينودس الأساقفة حول "كلمة الله في حياة الكنيسة ورسالتها".

* * *

ألأب الأقدس

أيها الكرادلة والأساقفة الأعزاء،

أعضاء سينودس الأساقفة،

أيها الأصدقاء!

وإنه لامتياز وشرف نادر لي أن أدعى الى هذه الجمعية ضيفاً مميزاً، ممثلاً الإيمان اليهودي وحاخامية إسرائيل. إنها المرة الأولى التي يُدعى فيها حاخام يهودي ليقوم بمداخلة في الجمعية العامة لسينودس الأساقفة، ونحن نقدر معنى هذه الدعوة. ثمة تاريخ طويل وصعب ومؤلم في العلاقات بين شعوبنا، إيماننا، والكنيسة الكاثوليكية وتباعها – تاريخ من الدم والدموع. أشعر بالعمق بأن وقوفي هنا اليوم بينكم له معنى كبير. يحمل معه بارقة أمل ورسالة المحبة، وتعايش وسلام لجيلنا، وللأجيال المقبلة.

في الواقع، هذا يكمل النهج الذي بدأه البابا الراحل يوحنا الثالث والعشرون، وقد بلغ ذروته في حياة وأعمال البابا الراحل يوحنا بولس الثاني —  خلال زيارته التاريخية الى الأراضي المقدسة. ونحن نرى في دعوتكم لي، لإلقاء كلمة هنا اليوم، إعلاناً بأنكم تعتزمون مواصلة هذه السياسة والعقيدة التي تنظر إلينا كـ "الإخوة الأكبر" و "شعب الله المختار"، الذي أقام معه عهداً أبدياً. ونحن نقدر هذا الإعلان كل تقدير.

اسمحوا لي أن أضيف أن أصدقائي رؤساء وأعضاء جماعة سانت إيجيديو الكاثوليكية، كانوا أول من عرّفتي على هذا الروح المسكوني.  فقد كان لي شرف المشاركة بانتظام في الاجتماعات الدولية المستوحاة من روح صلاة أسيزي الشهيرة. خلال السنوات الأخيرة شغلت منصب الرئيس المشارك للجنة الثنائية بين رئاسة حاخامية إسرائيل والكرسي الرسولي التي تقوم بعمل رائع.

أشكر الله الذي أعطاني الحياة لأكون بينكم ولنعمل معاً من مستقبل من السلام والتعايش، في جميع أنحاء العالم، آمين.

* * *

طلب مني أن أتكلم عن معنى ومكان الكتاب المقدس، في اليهودية وفي تقاليد صلاتنا، في خدمة عبادة الله، ودورنا كقادة ومربين في جماعاتنا.

سأبدأ بوصفي بإيجاز لمحورية الكتاب المقدس في الديانة اليهودية. في كل كنيس في جميع أنحاء العالم، كلما تُرفع الصلوات، عند الفجر، عند منتصف النهار وعند المساء، وفي المناسبات الخاصة – توجه الجماعة أنظارها [نص العبرية] نحو "تابوت العهد المقدس" الموضوع أمام قاعة الصلاة. تابوت العهد يحتوي على لفيفة "التوراة" المقدس، أي "كتب موسى الخمسة"، بخط يد ناسخ خبير. هناك دائماً لفيفة على الأقل في تابوت العهد، وغالباً ما يحتوي على عدة لفائف مقدسة أخرى.

هذا الكتاب الذي على شكل لفيفة يُلف بقماش جميل أو يوضع في إناء يحضّر خصيصاً له. يتم إخراجه من تابوت العهد بطريقة احتفالية ويؤخذ الى المنبر الرئيسي حيث يُقرأ على المؤمنين ثلاث مرات في الأسبوع، في جو من الترانيم التقليدية. عندما يؤتى بالكتاب الى المنبر الرئيسي يقف المؤمنون، ويلتفت الكثيرون ليقبّلوه. إنه احتفال مؤثر.

كل شخص يُدعى لقراءة التوراة يقبّل الكتاب قبل تلاوة البركة – بركة خاصة – ويشكر الله لمنحنا التوراة. بعد الانتهاء من دوره في القراءة، يقبّل التوراة من جديد ويتلو بركة أخرى. لفيف التوراة المقدسة هو الشيء الوحيد الذي يتم تقبيله من قبل العباد خلال الاحتفال. عندما تنتهي القراءة، ترفع "لفيفة الشريعة المقدسة" أمام أنظار المؤمنين، وينحني الجميع أمامها بخشوع ويقولون "هذه هي كلمة الله التي أعطيت لنا من خلال (نص العبرية) — موسى معلمنا".

يوم سبت لا يُقرأ فقط من كتب موسى الخمسة. في ختام القراءة التي يقوم بها سبعة أشخاص على الأقل – يردد الأخير العبارات الأخيرة من قراءة التوراة، ثم يقرأ فصلاً من الأنبياء. هنا أيضاً تتلى بركة خاصة قبل القراءة من الأنبياء وبعد القراءة من الأنبياء، ثم يتم ترنيم أربع بركات أخرى. سأتلو الآن على مسامعكم واحدة من البركات الأربع ، التي تركز على قيمة وأهمية كلمة الله:

"مبارك أنت، يا ربنا ملك الكون، صخرة العالمين، الصالح لجميع الأجيال، الله الأمين الذي يقول ويفعل، يتكلم ويتمم، وكل كلامه حق وصلاح. أنت أمين، أيها الرب إلهنا، وأمينة هي كلماتك، ولا واحدة تبقى غير مكتملة، لأنك يا الله، أمين وسيد رحوم. مبارك أنت، أيها الرب، الأمين في جميع كلماته". (الحضور: آمين)

إنها شهادة جيدة لمحورية كلمة الله في احتفالاتنا وصلواتنا.

* * *

عندما نتحدث عن الكتابات المقدسة، نعني بها التاناخ المؤلف من التوراة (كتب موسى الخمسة)، النيفييم (نصوص الأنبياء) والكيتوفيم (الكتب الإضافية). كلها تشكل مصدر وحي لصلواتنا وخدمتنا لله. كل واحد منا — من رجال دين وعلمانيين، ندرسها، ونحاول فهمها، ونحفظها في فكرنا وقلبنا، ونقدر قيمتها وأهميتها في كل الأزمنة.

هذا الوصف لمحورية الكتابات المثقدسة في تقليدنا، لا يكتمل دون شرح لبعض التفاصيل. فإلى جانب التوراة والأنبياء والكتابات المقدسة في صلواتنا واحتفالاتنا، تتمحور صلاتنا أيضاً حول الكتاب المقدس.

نصلي لله مستعملين كلماته. ونسبحه أيضاً مستعملين كلماته الخاصة في الكتاب المقدس. نطلب رحمته – ونذكّره بما وعد به آباءنا. إن صلاتنا كلها ترتكز الى قاعدة قديمة، انتقلت إلينا عبر معلمينا وحاخاماتنا: (نص العبرية) – "أعطه مما هو له، لأنك وما لك ملك له".

نحن نؤمن بأن الصلاة هي لغة الروح في اتحادها مع الله. نؤمن بأن أرواحنا هي ملك له، وقد أعطيت لنا من لدنه. في كل صباح عندما نستيقظ نقول أو بالحري نصلي بكلمات الشكر هذه: "أشكرك أيها الملك الحي والأزلي لأنك برحمتك أعدت لي روحي، إن أمانتك عظيمة".

بعد غسل أيدينا، يردد عدد كبير منا هذه الآيات:

1- "رأس الحكمة مخافة الرب، حسن الفطنة لمن يعملون بها، تسبحته للأبد تدوم" (مز 111 – 10).

2- التوراة التي أمرنا بها موسى، هي ميراث لشعب اسرائيل" (تث 33- 4).

3- "اسمع يا بني تأديبَ أبيك ولا تنبذ تعليم أمك" (أم 1- 8).

الوقت لا يسمح لي بأن أصف بالتفاصيل كل آيات الكتاب المقدس التي تشكل نواة صلاتنا. سأكتفي القول أنه عندما ندخل بيت الصلاة عند الفجر – يتوقع من كل واحد منا أن يتلو بعض الآيات من الكتاب المقدس، وهذا يستمر خلال وقت الصلاة. فهناك آيات التعظيم، وهي مختارات من الكتب وبخاصة من كتاب المزامير، ثم نشيد البحر (من سفر الخروج 14:30 – 15:19). ثم تأتي بركة الشيماع التي نتلوها قبل قراءة الفصول الشهيرة من سفر التثنية والعدد، والتي تبدأ بعبارة :اسمع يا اسرائيل، الرب هو الله، الرب واحد".

قد استمر لساعات في وصفي كيف أن كتاب الصلاة اليهودي، السدر– وهي كلمة النظام بالعبرية – مبني حول الكتابات المقدسة، دون أن يفقد الطبيعة الشخصية والعاطفية لخبرة الصلاة، فرح تعظيم الرب، فرح الشكر، خبرة القلب المنكسر – الذي يتوق الى الغفران.

أود أن أضيف أن الصلوات لا يتلوها فقط الحاخام أو المرنم. يتوقّع من كل عابد، صغير أم كبير – أن يتلوها – أكان يقرأ من كتاب الصلاة، أم عن ظهر قلب. وبالتالي تصبح آيات الكتاب المقدس في صلب شخصية المصلي، وجزءاً لا يتجزأ من ميراثه.

يتعلم الأطفال الكتاب المقدس منذ حداثتهم. أنا تعلمت التاناخ من والدي الراحل، الحاخام الشهير – "نازير" القدس وغيّبته. في كل مدرسة دينية، يكون تعليم الكتاب المقدس جزءاً من البرنامج.

عندما نتناول – نحن الحاخامات – قضايا مثيرة للقلق في خطاباتنا، مثل "قدسية الحياة"، و"مكافحة الإختلاط" ، "مكافحة العلمانية" ، وندعو لتعزيز قيم الأخوة والمحبة والسلام، المساواة ، واحترام "الآخر والمختلف"، نحاول دائماً أن نبني رأينا على آيات الكتاب المقدس كما فسرها لنا الحكماء القديسون، عبر الأجيال.

إن نقطة انطلاقنا تنبع من كنوز تقاليدنا الدينية، حتى عندما نتكلم بلغة حديثة ومعاصرة ونعالج قضايا آنية. من المذهل ملاحظة كيف أن الكتابات المقدسة لا تفقد أبداً حيويتها وأهميتها نسبة لقضايا تهم زمننا وعصرنا. إنها أعجوبة كلمة الله الدائمة والأزلية. أعتقد أنه لكي نظهر أهمية الكتابات المقدسة في حياة دولة إسرائيل، علي أن اذكر أنه خلال السنوات الخمسين الأخيرة، أحد أهم الأحداث يوم عيد استقلال اسرائيل هو اليوم الوطني لاختبار المعلومات حول الكتاب المقدس. المشاركون لا يأتون فقط من مدارس عامة دينية بل أيضاً من المدارس التي يقال لها علمانية – ذكور وإناث على حد سواء.

يأتي المشاركون من كل قطاعات المجتمع، ومن كل أنحاء العالم. المرحلة الأخيرة من المسابقة تجري في القدس، بحضور رئيس دولة إسرائيل، رئيس الوزراء، وزير التربية، عمدة القدس وشخصيات أخرى بارزة، وتتم تغطية الحدث إعلامياً. أعتقد بأن ذلك مثل ممتاز لإظهار أهمية دراسة الكتب المقدسة في حياة إسرائيل الحديثة.

قبل أن أختم كلمتي، لا يسعني إلا أن أعرب عن صدمتنا الكبيرة لدى سماعنا الكلمات الرهيبة التي تلفظ بها رئيس دولة في الشرق الأوسط في خطابه الشهر الماضي في الأمم المتحدة. الاتهامات الكاذبة والخبيثة، والتهديدات المعادية للسامية والتحريض، أعادت ذكرى آلام ومأساة شعبنا — ضحايا المحرقة، التي نأمل ونصلي أنها لن تحدث أبداً مرة أخرى. ونحن نأمل في مساعدتكم كرؤساء دينيين — فضلاً عن مساعدة كل العالم الحر — لحماية وإنقاذ إسرائيل، دولة أهل الكتاب الوحيدة،  من أيدي أعدائها.

إسمحوا لي بأن أنهي مصلياً هذه الكلمات الشهيرة المأخوذة من نبوءة النبي إشعيا، عن اليوم الآتي: "فيسكن الذئب مع الحمل ويربض النمر مع الجدي ويلف العجل والشبل معاً، وصبي صغير يسوقهما. ترعى البقرة والدب معاً ويربض أولادهما معاً والأسد يأكل التبن كالثور. ويلعب الرضيع على حجر الأفعى ويضع الفطيم يده في جحر الأرقم. لا يسيئون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلىء بمعرفة الرب كما تغمر المياه البحر" (إش 11: 6-9).

نطلب نعمة حصول ذلك في أيامنا. آمين

نقله الى العربية طوني عساف – وكالة زينيت العالمية