إعلان بطلان ولا طلاق

 

مقدِّمة

أمام عَتَبات الأَلْفِيّة الثالثة، مؤسّسة الزَّواج، أساس العائلة و التي تشكل الخليّة الأولى للمجتمع الإنساني، تتعرض لعديد من الصعوبات في هذه الأوقات الصَعْبة، وخصوصاً أمّام معلومات إحصائيّة مُدَمِّرة، تُظهر نُمُوّاً مستمرّاً ومتزايداً من الاِنفصالات الكنسيّة والطلاقات المدنية. تجاه هذه الصعوبات، عبَّرت الكنيسة الكاثوليكيّة في السنوات الأخيرة عن اهتمامها العميق، وذلك من خلال خطابات البابا يوحنا بولس الثاني و إرشادات المجلس الحبري للأسرة ووثائق مختلفة. مشيرة في نفس الوقت إلى ظاهرة، نواجهها اليوم، قلّ أن تكون استثنائية تعطل تناميّ الأسرة وبعض قيَم الزَّواج والتي تدعو إلى خطر واسع الانتشار تستصرخ بشدّة ضمير المسيحيين الكاثوليك بشكل خاص، ألا وهي تزايد عدد طالبي إعلان بطلان زواجهم الكنسيّ لدى المحاكم الكنسيّة في أرجاء العالم، وخصوصاً في السنوات الأولى من الحياة الزّوجيّة. هذا التزايد يشكلّ علامة خاصة لضعف الإيمان والأخلاق المسيحية وانعدام الوعي لطبيعة ومفهوم الزَّواج، ويُولّد قلقاً لدى المؤمنين، ويخلِّق فيهم انطباعاً أن الكنيسة تسهّل الأمور تجاه هذه الظاهرة مع أنَّها تنادي بلانفساخية الزَّواج. إلاّ أنَّ البعض يفكر بوجود فرضيّة أنّ الشرع الكاثوليكي يقبل الحق ببطلان الزَّواج في حال كان الزَّواج فاشلاً وفقاً للوقائع، وأنّ التعايش يصبح أمر مستحيلآً ، لذا من الضرورة تطبيق الاِنفصال أو بطلان الزواج. هذا كلُّه يحملنا لا محالة على قلق رعويّ. لذلك نودّ أن نقدم ظاهرة حقيقة هذا الإعلان للبطلان من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية و بشكل خاص، من منطلق الشرع الشرقي الكاثوليكي الجديد.

 

مفهوم "إعلان بطلان" زواج

الكثير من المؤمنين يجهلون طبيعة "إعلان بطلان" فيعتبرونه بمثابة طلاق كما هو في الكنائس الشرقية غير الكاثوليكية (مع أنَّ جميع الكنائس الشرقية الأرثوذكسية تؤمن بالانفصام في الزَّواج) ولكن بغطاء آخر وبأسباب جديدة لمعالجة واقعية فشل الحياة الزَّوجية. مع أنَّ هناك فرقاً بين الطلاق وإعلان بطلان وذلك في الهدف والآثار وحتى في الأسباب. فالطلاق في المفهوم الكاثوليكي يتخذ الصفة اللاأخلاقية أيضاً من البلبلة التي يدخلها في الخليّة العائليّة وفي المجتمع. وهذه البلبلة تستتبع أضراراً جسيمة: للزوج الذي يهمل، وللأولاد الذين يؤذيهم افتراق والديهما وتأرجحُهم غالباً بينهما، وبسبب تأثيره الذي يجعل منه عدوى وآفةً اجتماعيّة حقيقيّة . فالطلاق يُعتبر تنَاقضاً عُضالاً مع طبيعة الزوْجيّة السِّريّة ومع مبدأ "ما جمعه الله لا يفرقه الإنسان" الذّي يهدف إلى حلّ رباط "الزَّواج قائم". وفيما يخص "إعلان بطلان"، ينصّ التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ما يلي: "تستطيع الكنيسة بعد أن تنظر في الوضع عبر المحكمة الكنسيّة المختصّة، أن تُعلن "بطلان الزَّواج"، أي أنّ الزَّواج لم يتمَّ منذ الأصل. في هذه الحال يحقّ للمتعاقدَيْن أن يعقدا زواجاً آخر، على أن يتقيدا بالواجبات الطبيعيّة الناجمة عن قران سابق" . في هذه الحال، إنَّ فرضيّة وجود عيب في الرضى الزواجي منذ البدء والّتي أفَسَدَتْ نتائجه الرابطة الزوْجيّة من الأصل بواسطة الظرف الذي يُؤَثِّرُ على صحّة الزَّواج نفسه: يجيز تدخّل المحكمة الكنسية المختصة لكي تنظر في الطلب القانوني المقدّم من المدعيّ وفقاً للأصول والأحكام الكنسيّة لتعلن بطلان الزَّواج أي أنَّ الزَّواج لم يكن قائماً أصلاً وفقاً للقانون العام والوقائع. ويُرجع القانون 1360 حق الطعن في الزَّواج إلى الزوجين، وهذا عندما يستند طلبهما إلى سبب يختص بهما فقط . وعلى القاضي الكنسي أن يحتاط لأمر التواطؤ بين الزوجين، تخلصا من عقد الزَّواج، بوضعهما موانع اتفقا على تقديمها للمحاكم، وبذلك يُعتقان من وثاق الزَّواج بعد عقده. لذا يقول قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في خطابه أمام أعضاء الروتا رومانا "إنَّه ينبغي أن نُذَّكر أنَّ الزوجَيْن، اللذّين يقع عليهما الحقّ في رفع دعوى بطلان زواجهما، ليس لديهما الحقّ للبطلان ولا لصحته. لكن لديهما القدرة القانونية على تقديم قضية بطلان زواج إلى السلطة الكنسية المختصة ملتمسين قراراً بهذا الخصوص" . أمّا أسباب إعلان بطلان فهي محددة في الشرع العام للكنيستين الغربية والشرقية والتي تتعلق بفعل الرضى وعناصره الجوهرية، وبالإجراءات الشكلية القانونية وبالموانع الكنسية؛ وتكون سابقة لفعل الرضى أو مرافقة له أوقد طرأت بعد الزَّواج. فالإعلان عن بطلان الزَّواج للأسباب المذكورة في الأنظمة القانونية، لا يمكنها أن تتعارض مع مبدأ لا انحلال الزَّواج . فالكنيسة ليس لديها سلطة في بطلان زواج قائم، إنمّا تُعلِن أن الزَّواج لم يكن قائماً.

 

المفهوم اللاهوتي للزَّواج

أكدّ الكتاب المقدس أنَّ الزَّواج مؤسّسة ذات حقّ طبيعيّ، خواصّها قائمة في الكائن ذاته الرَجُل والمرأة : " فخَلَقَ الله الإنسان على صُورته على صُورةِ الله خلقَه ذكراً وأُنثى خَلَقَهما (تكوين 1: 27). لهذا السبب تُوجَدُ صورة الله في الثُنائيّة رَجُل – امرأة وفي اتحادهما كأشخاص، أي أنَّ البعد الميتافيزيقي منذ البدء مُتضمن في نظام الخلق وفي واقعيّة الزَّواج نفسه. يقول الله: "لا يَحسُنُ أن يكونَ الإنسانُ وحده، فلأصنَعَنَّ له عوناً يُناسِبه…وبنى الربُّ الإلهُ الضّلْعَ الَّتي أخذها الإنسان امرأةً، فأتى بها الإنسان. فقال الإنسان: "هذه المرَّةَ هي عظمٌ من عظامي ولحمٌ من لحمي" (تكوين 2: 18؛ 22-23). فالرباط الذّي ُخْلَق بين الرَجُل والمرأة في العلاقة الزَّوجيّة هو أسمى من كلّ الروابط الأخرى بين الأشخاص. "لذلك يتركُ الرجل أباه وأمَّه ويلزم امرأته فيصيران جسداً واحداً (تكوين 2: 24). فالرَجُل والمرأة، سواء في مساعدتهما المُتبادَلة أوفي خصبهما، يُشَارِكان في شيء ما مُقدّس وديني. إذاً الزَّواج "ليس نتيجة تطور اجتماعي وثقافي خاضع للتغيرات" ولا إلى القوانين البيولوجية وحدها، "أو وليد مصادفة أو نتيجة تنامي قوى طبيعية عمياء" ، إنما هو حقيقة من حقائق الخلق يندرج ضمن نظام الخلاص. فلا يعتمد على اللقاء الحُرّ بين الرجل والمرأة فقط، وإنَّما على الإرادة الإلهيّة التي لم تترك للإرادة البشرية حريّة حَلِّه أو استمراره حسب هواهما وإنَّما تركت لهما حريّة تشكيل وتحقيق الوثاق الزَّوجيّ، فليس في إمكان أي سلطان بشري أن يعوّضه ؛ وبقوة الشرع الإلهي، هذا اللقاء يجب أن يكون غير قابل للانحلال.

هذه هي الخطوط الأساسيّة للمؤسّسة الزَّوجية، للبنيّة العائليّة في منشئها واستمرارها، فهي حقيقة واقعيّة لها جذور عميقة في الطبيعة البشريّة نفسها، ومتأَثَّرة بالشروط الثقافيّة والتاريخيّة لكلّ الشُعُوب، لأنَّ "قصْدَ الله من الزَّواج والعائلة يتناول الرجل والمرأة في واقع وجودهما اليومي في هذه أو تلك من الحالات الاجتماعية والثقافيّة" ، وإن َّ وُجِدت أحياناً بعض الثقافات وكان لها التأثير السلبيّ على مؤسّسة الزَّواج، مما يناقض مخطط الله مثل تَعَدُّد الزَّواجات والطلاق؛ فبات لزاماً على الكنيسة أمام هذه الثقافات أن تقف في مواجهتها، إتماماً لمُهِمَّتها ولرسالتها، مقدّمة التعليم العقائدي الموحى إلى الجِنْس البَشَرِيّ.ففي العصور الأولى للكنيسة في تَعَرُّضها لثقافة يونانيّة – رومانيّة، وَجَدَتْ أرضيّة ملائمة وهو القانون الرومانيّ Ius Romanum Eccleasiae Romanae، الذي من جهة خسر الكثير من خشونته، بسبب الاختراقات الإِنْسانِيَّة الإنجيليّة تحت تأثير المسيحيين، ومن جهة قدَّم للدين الجديد وسائل علميّة مساعدة للتَشْرِيعات القانونية منّها ما يتعلّق بالتشريعات الزَّوجية . فالكنيسة الغربية بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، حملت راية الشرع الروماني، أمام الشرع البربري . وخصوصاً الكنيسة الشرقية، في مَفْهومها للزَّواج، تأثرت ببعض جوانب المفهوم الروماني؛ ففي بداية الجيل الثالث يقول المشترع موديستينوس "الزَّواج هو اتحاد بين الرجل والمرأة لإقامة مشاركة في الحياة مصدره مزيج من الحق الإلهي والطبيعي على السواء". بهذا التعريف الكلاسيكي الروماني أُظهر الطابع المقدَّس للزَّواج والطابع القانوني ، والذي فيما بعد انضمَّ إلى مجموعة قوانين جوستينيانوس (527-565). إلاّ أنَّ الكنيسة الكاثوليكية وقد استنارت بالإيمان والإنجيل اللذين يُفهمانها كل حقيقة متعلقة بما للزَّواج من قيمة ومعنى عميق اعتمدت في صياغة نصوصها القانونية عن الزَّواج على مفهوم القديس توما الأكويني الذّي استوحى من القانون الرومانيّ مبدأ " "consensus facit nuptia الرضى كعنصر أساسي لصحّة الزَّواج ، وكالعلّة الفاعلة للعلاقة القانونية القائمة بين زوج- زوجة وبين الحقوق والواجبات القانونية المتعلقة بهذه العلاقة. ولكنها أكّدت، في السنوات اللاحقة من خلال الإرشادات والوثائق الكنسيّة، حقيقة أخرى للزَّواج، وترتكز في أساسه على مفهوم النصوص الإنجيليّة (مرقس 10:11؛ لوقا 16: 18؛ متى 19: 6) وتعاليم آباء الكنيسة بعبارة "العهد" بين الرجل والمرأة "صورةً ومثالاً" لعهد الله مع البشر والذي يتحقق بوجه نهائي في يسوع المسيح "mysterion" من خلال السرّ الفصحيّ سرّ اتحاد المسيح مع الكنيسة. فحقيقة الزَّواج الأصلية بكونها مؤسّسة تثبتها الشريعة الإلهية، كشف عنها السيد المسيح (متى 19، 5) في المحبة التي يجود بها كلمة الله على البشرية باتخاذه طبيعة البشر، وفي ذبيحته وتضحية ذاته على الصليب من أجل عروسته. وهكذا يصبح الزَّواج بين المعمّدين رمزاً واقعياً للعهد الجديد الأبدي المختوم بدمه" . فالحبُّ بين الرجل والمرأة الذّي أقرَّه التعهّدُ المتبادل، والذّي، فوق كُلّ شيءٍ، قدَّسه سرُّ المسيح يبقى في السَّراء والضَرَّاء على أمانته الثابتة جسداً وفكراً، ويأبى من ثمَّ كُلَّ زنىً وكُلَّ طَلاقٍ (الكنيسة في عالم اليوم، عدد 49). فالزَّواج الصحيح المقرّر والمكتمل لا تحلّه أية سلطة بشريّة ولا أي سبب كان ما خلا الموت . بينما ترى الكنائس غير الكاثوليكية أنّ الزَّواج المقرّر والمكتمل يمكن أن يُحلَّ بالفسخ أو بالطلاق لأسباب تعرفها التشريعات المختصة بها.

فأوصدت الكنيسة الكاثوليكية الباب أمام إمكانية فسخ الزَّواج الصحيح أكان ذلك بالطلاق أو لغير علة أخرى غير الموت. وأنّ الله يستطيع وحده وبسلطانه الإلهي أن يحلّ عقد الزَّواج وهو حق إلهي حصري لا تستطيع أية سلطة بشرية تجاوزه "ما جمعه الله لا يفرقه إنسان" (متى 19: 5). وهذا ما تؤمن به الكنيسة ، والذي ينتمي إلى وديعة إلهيّة للكنيسة جمعاء (دستور في الليتورجيا، 59) ، "فينقله التقليد الذّي يضمن استمراريّته وأصالته على مدى العصور، منذ القدَم ولربّما منذ شهادة الرسل…إنه وديعةٌ إلهية لا تُمسّ" . لذلك من مهمّات السلطة العليا للكنيسة، بهدي الروح القدس،الحفاظ على الوديعة الإلهيّة، وكشفها بعمق، وعرضها بأمانة والتعبير عنها تعبيراً سوياً ( نور الأمم، عدد 25). وهذه السلطة تتمثل في الحبر الروماني وفي المجمع المسكوني، التي هي وحدها لها الحق في تحديد شروط لصحّة الاحتفال بالأسرار وفقاً للشرع العام .

وقد وردت بعض الاستثناءات فيما يعود لإمكانية فسخ الزَّواج في الكنيسة الكاثوليكية عن طريق الإنعام البولسي، وفسخ الزَّواج المقرَّر وغير المكتمل بين المعمّدين وأيضاً عن طريق الإنعام البطرسيّ أي بالسلطان النيابيّ والرسولي المعطى للحبر الروماني. ويمكن لقداسة البابا منح فسخ الزَّواج بسلطانه النائبي الذي هو من حق طبيعي وإلهي، لأسباب محددة، وموجبة أولها هو صالح الإيمان، وثانيها خلاص النفوس . وأيضاً وفقاً لأصول يقتضي اتباعها واستناداً إلى طلب تفسيح يرفع من أصحاب العلاقة إلى الكرسي الرسولي بواسطة الدائرة الفاتيكانية المختصة.

فإنَّ الطابع السَّريّ للزَّواج لا يضاف ظاهرياً إلى طبيعة الزَّواج كعقد طبيعي، لكنه مرتبط به بشكل باطني، أي أن بين المعمّدين لا يوجد زواج صحيح إن لم يكن سرّاً. ويؤكد الوحي الإلهي، أنَّ هناك التحاماً للزَّواج في النظام الطبيعي وسرّيّ، فإنَّه مقدَّس بطبيعته وبتأسيسه وسر من أسرار العهد الجديد، وإنّ مبدأ اللاانفصال بين الزَّواج الصحيح والسرّ كنقطة مركزية للعقيدة الكاثوليكية "gratia perficit, non destruit naturam" أُعطيت من السلطة التعليمية الكنسية بشكل ثابت . فالوثاق غير القابل للانحلال الذّي ينتج عن العقد الزَّوجيّ، يكتسب بفضل السرّ، استقراراً خاصاً (ق. 776 البند3) بين المعمَّدين –يعلن المجمع التريدنتيني- "النعمة التي تقود هذا الحبّ الطبيعي إلى كماله تُثبتُ هذه الوحدة التي لا تقبل الحلَّ، وتُقدّس الزّوجين" . وقد وضّح البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي إلى الأساقفة والكهنة ومؤمني الكنيسة الكاثوليكية جمعاء في وظائف العائلة المسيحيّة في عالم اليوم عن هذه العلاقة الأساسية والمتبادلةّ: "يتميّز سرّ الزَّواج عن سائر الأسرار بالخصائص التالية: إنَّه سرّ لشيء كان جزءاً من تدبير الخلق ونظامه، إنَّه العهد الزَّواجي الذّي أنشأه الخالق "منذ البدء". وعزم الرجل والمرأة على عقد الزَّواج وفقاً لقصد تقييد حياتهما بالرضى الزَّوجي الذّي لا رجعة عنه، وبالحب غير المنفصم، وبالأمانة غير المشروطة، يتطلب، في الحقيقة، ولوبطريقة غير واعية، نية الطاعة التامة لإرادة الله، وهي نيّة لا يمكن أن تتوفر دون نعمته تعالى، فهذان قد بدأا، واقعاً وحقاً، مسيرة الخلاص التي تقدّر الاحتفال بالسرّ والإعداد القريب له أن يكمّلاها ويصلا بها إلى نهايتها، شرط أن تكون نيّتهما سليمة " . فالاتحاد والوثاق الزَّوجيّ بين المعمَّدين يتخذان ليس المعنى الطبيعي للحبّ بين الزوجين فقط، إنَّما المعنى الفائق الطبيعي الخاص بالزَّواج كسرّ. فسرّية الزَّواج هي صيغة خاصة للزَّواج بين المعمّدين. فالزَّواج الصحيح بين المعمّدين هو سرّ بذات الفعل، به يجمع الله بين الزوجين على مثال الاتحاد السرمدي بين المسيح والكنيسة، ونعمة السرّ تمنحهما نوعاً من التكريس والحصانة" (ق. 776 البند 2). فإنَّ العبارة المذكورة أعلاه، eo ipso " بذات الفعل" تُوضح تعليم المجمع التريدنتيني: الأسرار تعمل ex opere operato أي بذات الفعل يتم عمل الخلاص بعمل المسيح الخلاصي لمرة واحدة وإلى الأبد. وهذا ما تؤكده الكنيسة بقولها "إنّ الأسرار تعمل تلقائيًّا (أي بمجرد القيام بها)، أعني بقوة عمل المسيح الخلاصيّ الذّي حقَّقه دفعة واحدة. ويتبع ذلك أنّ السرّ لا يتحقّق ببّر من يمنحه أو يناله، بل بقدرة الله. فكل مرة يُحتفل بالسرّ وفقاً لنيّة الكنيسة، فإنّ قدرة المسيح وروحه تعملان فيه بمعزل عن قداسة القائم به. بيد أنّ ثمار الأسرار رهنٌ باستعدادات من ينالها" . فالمعمّد الذّي يتحد بزواج في الكنيسة فهو يتحد في الزَّواج كسرّ؛ فيُفترض أن يكون لديه الإيمان بالمسيح وبالكنيسة وبكرامة الزَّواج السرّي . فمن يعقدون زواجا (لأسباب اجتماعية تدفع الخطيبين إلى طلب الاحتفال بالزَّواج في الكنيسة) فقد ارتبطوا، بقوة عمادهم، ارتباطا حقيقياً بالعهد الزَّواجي مع الكنيسة، وقبلوا، بنيّة سليمة، قصد الله من الزَّواج، وهم يرضون بالتالي، ضمنا على الأقل، بما تقصد الكنيسة فعله عندما تحتفل بالزَّواج…هذا وإن الأسرار، على ما علّم المجمع الفاتيكاني الثاني، تغذّي الإيمان وتقويه بالكلام والعناصر الطقسيّة: نعني الإيمان الذّي بات العازمون على الزَّواج يسعون إليه بقوّة نيّتهم الطيبة التي ترعاها، ولا شك، نعمة المسيح وتثبتها…عندما يجاهر علنا وصراحة الراغبون في عقد الزَّواج، بأنهم يرفضون ما تقصده الكنيسة من الاحتفال بزواج المعمّدين، لا يجوز إذ ذاك لراعي النفوس أن يقبل بمباركة زواجهم. وعليه، برغم ما في ذلك من صعوبة ولوعلى كره منه، أن يأخذ علماً بهذا الأمر، ويقنع المعنيين به بأن الكنيسة، في هذه الحالة، ليست هي التي تمنع الاحتفال الذّي يطلبونه، بل هم عينهم . مما ينتج عن ذلك أنّ الكنيسة لا تعترف بصحّة سرّ للمعمّدين الذّين يرفضون بشكل صريح سرِّية الزَّواج .

فمن ينفي بفعل إرادة وَضْعي السرّ أو ديمومته أي عدم قابليته للانحلال، بحيث يحتفظ لنفسه عند إجراء العقد الحق بطلب فسخ الشراكة الزّوجيّة بوسيلة قانونية قد تكون أمام القضاء المختص أو سواه من المراجع الأخرى والتي قد يلجأ إليها سعياً للتخلص من الرباط الذّي يجمعه بالفريق الآخر فهو يرفض عنصراً رئيسياً من عناصر العقد فيكون زواجه باطلاً: حسب القانون 824 البند 2: " إذا نفى أحد الزوجين أوكلاهما بفعل إرادة وضعي الزَّواج نفسه، أو أي عنصر جوهري من عناصر الزَّواج، أو ميزة جوهرية من ميزاته، يكون الزَّواج باطلاً". إن وجود هذه الإرادة قد تكون نتيجة لتربية خاطئة دينياً ومدنياً، مع العلم بحقيقة الزَّواج المسيحي يمكن أن تُقدَّر بقرينة لصالح التلجئة. فالمؤمنون الكاثوليك عندما يُقدِمون على الزَّواج مع طرف غير كاثوليكي، لديه إمكانية القيام بفعل إرادة وضعي إلى اللجوء للطلاق في ظروف معيّنة، يصعب تحديد ما إذا كان الطرف غير الكاثوليكي ينويّ رفض ديمومة الزَّواج أو السرّ وخصوصاّ إذا كان منتمياً إلى جماعات مسيحية كالبروتستانت، شهود يهوه… إلخ. على كل حال تظل القاعدة القائمة في القانون 779 في حالة الشك، تكون المسألة لصالح صحّة الزَّواج.

قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في خطابه أمام أعضاء روتا رومانا سنة 2003 يوضّح: أنَّ أهمية الطابع السرّيّ للزَّواج، وضرورة الإيمان للمعرفة ولإحياء هذا البعد بشكل تام، قد يمنح المجال لبعض الغموض، سواء أثناء قبول الأعراس أو أثناء الحكم على صحتها. فالكنيسة لا ترفض الاحتفال بالأعراس لمن هو مستعد بشكل مقبول، أو كان مُستعداً بشكل غير كامل من المنظور الفائق الطبيعة، بشرط أن تكون لديه النيّة في الزَّواج حسب الحقيقة الطبيعيّة الزَّوجيّة. هذه الحقيقة ينبغي ألاّ تنتسى أثناء تحديد نفي سّرية الزَّواج (ق. 1101 البند2) وغلط في ما يخصّ كرامة الزَّواج كسرّ (ق. 1099) التي تُعتبر أسباباً للبطلان. لذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار قطعياً أنَّ سلوك أحد المتعاقدين بدون البُعد الفائق الطبيعة في الزَّواج، يمكن جعله [الزَّواج] باطلاً فقط إذا أثُلِم الصحّة على الصعيد الطبيعي الذي وضع فيه علامة سريّة. فقد اعترفت الكنيسة الكاثوليكية دائماً بزيجات بين غير المعمّدين، التي تصبح سراً مسيحياً بواسطة معمودية الزوجين، وليس لديها أي شك حول صحة الزَّواج بين كاثوليكي مع شخص غير معمّد إذا احتُفل مع التفسيح القانوني.

 

المفهوم القانوني للزَّواج

إنَّ مَفْهوم الزَّواج اللاهوتي، كعهد له مفاهيم ومعالم قانونيّة تشكل كيانه، والمحتفلون يجب أن يلتزموا بها بشكل مطلق، فلا يمكنهم تحديد أو نفي الزَّواج بوضعه القانوني. فالقانون 1490 الشرقي يُلزم المعمّدين في الكنيسة الكاثوليكيّة بالقوانين الكنسيّة البحتة ويُحكم زواج الكاثوليك من الشرع الإلهي والشرع الكنسي أيضاً (ق. 780 البند1).وللسلطة التعليميّة الكنسيّة الحيّة وحدها مهمّة التفسير الصحيح للوجهات القانونية للزواج ( دستور عقائدي "الوحي الإلهيُّ"، رقم 10)، لكي تتحاشى أي خطأ حول بعض النقاط التي تخصّ القانون الطبيعي ومعطيات الوحي وخطورة التفسير الذاتية في تطبيق القانون وحفظ الوحدة الزَّواجيّة . وفيما يتعلق بالمعمّدين غير الكاثوليك فهم مُلزمون بالشرع الإلهي الطبيعي، المذكور في القوانين الشرقية الكاثوليكية: 776؛ 801؛ 802 البند1؛ 808؛ 818؛ 820؛ 819؛ 822؛ 824 البند2؛ 853 .والشرع الإلهي والكنسيّ قد حدّدا الأهليّة الزوجيّة للأشخاص، كالموانع، والصيغة القانونيّة للاحتفال ومفاعيل الزّواج.

أقر َّ الشرع القانوني للكنيسة اللاتينية سنة 1917أنَّ الزَّواج يُعتبر صحيحاً (ex iure naturae) بين المعمّدين بوجود الأهلية القانونية لدى الزوجين والتبادل الحر لرضاهما الزوجيّ بدون ذكر الأهمية القانونيّة لحضور الكاهن، وأنَّ الرضى ساعة العقد لم يشبْه أيّة شائبة يحدّدها القانون. أمّا فيما يخص مسار الحياة الزَّوجية ونتائجها فالقوانين لم تأخذها بعين الاعتبار، فنتج عن ذلك عقيدة تضع حداً فاصلاً بين صحّة العقد وبين مسار الحياة الزّوجيّة، بنوع أنّ أي خلل يصيب الحياة الزّوجيّة بعد إبرام العقد لا يمكنه أن يشكل سبباً لبطلان العقد وبالتالي لبطلان الزَّواج . إلى درجة أنّ القانون الغربيّ سنة 1917 المستند على مبدأ القديس توما، كان يعتبر الرضى الزَّواجيّ صحيحاً حتى لدى المصابين بمرض عقلي.

أمام هذا المنظار، أحدث المجمع الفاتيكاني الثاني ثورة حقيقيّة في تحديده لطبيعة الزَّواج المسيحيّ، من خلال الدستور العقائدي "فرح ورجاء"، كجواب للمتغيرات العصرية في ذلك الوقت، وخصوصاً لمفهوم الشخص البشريّ، الذّي كان ضمن دائرة الأبحاث العلمية النفسيّة والأنتروبولوجيّة، التي ساهمت بتوضيح القوى النفسية والانفعالات كجزء مهّم ومؤثر في توازن حياة الإنسان. فأظهرت أن الضابط القانوني للمؤسٍَّسة الزَّواجية يقوم على العلاقة الحتميّة السببيّة بين الرضى الزَّوجي القائم على أساس كلمة "عهد" بين شخصين تم تصميمه (in fieri) لحظة تبادل الرضى بين الزّوجين اللذّين أظهرا النيّة في تأسيس مجتمع حياة زوجية؛ وموضوع الزَّواج، الذّي يجعل الرضى الزَّواجيّ في التصميم زواجيًّا (in facto esse) ويجب أن يتم تنفيذه في مسار الحياة الزَّوجيّة: في العدد 48 نقرأ: إنَّ الشركةَ الحميمية في الحياة والحبّ الزوجيّ… قائم على رِضى شخصيّ غير قابل للنقضَ والتراجع. وهكذا فالعمل الإنسانيَُ الذّي يتبادلُ به الأزواجُ العطاء والتقبُّل هو توافقٌ ترابطيٌَ ثبَّتَتْه الإرادة الإلهية…والرجلُ والمرأةُ اللذان برباط الزَّواج "ليسا هما اثنين من بعدُ، بل جسدٌ واحد" (متى 19: 6)، يتعاونان ويُساند أحدهما الآخر بما بيْنهما من اتّحادٍ حميم في الشَّخص والعمل…وهذا الاتّحاد الحميم، في كونه عطاءٌ متبادلٌ بين شخصين، وكذلك خيرُ البنبن، كُلُّ ذلك يقتضي أمانةً تامةً عند الزوجين، وارتباط الواحد بالآخر ارتباطاً لا ينفصم…وكما أنّ الله قطعَ مع شَعبه قديماً عهدَ محبةٍ وأمانة، هكذا أراد الآن مُخلّصُ البشر، عروس الكنيسة، أن يقابل الأزواج المسيحيّين بسرّ الزَّواج. إنّه لن يبرح مُقيماً معهم حتى يستطيعوا، وقد تبادلوا العطاء الذاتي، أن يحبّ بعضهم بعضاُ بأمانة متواصلة، كما أحبّ هو الكنيسة وبذل ذاته لأجلها". وفي العدد 49 نقرأ ما يلي: "إنّ الحب الحقيقي القائم بين الزوج والزوجة والذّي يظهر بوجوهٍ تختلف باختلاف ما للشعوب والأجيال من عادات وتقاليد سليمة، وبكونه انعطافاً إراديا من شخص إلى شخص آخر، يشتمل على خير الشخص البشري بكامله…وحبٌّ كهذا يجمع في ذاته الإنساني والإلهيّ، يقود الأزواج إلى تبادل في العطاء الذاتي الحُرّ يظهر في العاطفة والتعامل، ويتخلّل في الحياة كُلّها…".

ففعل الرضى مؤسّس على وحدة الشخص البشري غير القابلة للتجزئة، الذّي هو واحد وفريد، رغم تعددية مقوماته من : روح وجسد وقلب وضمير وعقل وإرادة (الكنيسة في عالم اليوم، عدد 3). لذلك لمعالجة قضية زوجية ما، لا بُدّ من الانطلاق من واقع الإنسان التاريخي، إنسان بواقعه المتألم والمُفتدى حسب الوحي الذّي يضيء عقولنا وخبراتنا؛ وأيضاً من منطلق قوة وضعف وجوده الإنساني . البابا بولس السادس في الرسالة البابويّة "الحياة الإنسانية" في 25/ 7/ 1968شدّد فيها على العلاقة الشخصانية في الحياة الزّوجيّة وعلى الحب الزوجي الذّي هو عطاء متبادل وأمانة حصريّة لا مثيل لها: "هو أيضاً حبّ أمين لا إشراك فيه، حتى الموت. وهكذا يراه الرجل والمرأة عندما يلتزمان بحريّة ووعي كامل وثاق الزَّواج. وقد تكون هذه الأمانة أحياناً صعبة، ولكنها دائماً ممكنة ودائماً نبيلة تستحق التقدير" .

فالعلاقة بين فعل الرضى، الذّي يُبنى على أساسه الزَّواج، والوضع الزَّواجي الذّي ينبثق من الفعل، أدى بالضرورة إلى الانتقال من التفكير المؤسّساتي للزّواج إلى التفكير الشخصاني بدون الفصل بينهما. لأنّه لا يمكن الفصل بين الإرادة في الزَّواج وموضوع الزَّواج كما يقول غروكولفسكي، عميد محكمة التوقيع الرسولي اليوم: "إن من يعقد زواجاً يفترض أنه أراد الزَّواج، وموضوع الزَّواج هوأن يريد بفعل إرادة صريح كل ما بدونه لا يمكن أن يقوم زواج" . على هذا الضوء ينبغي معالجة صحّة الزَّواج ليس فقط بالعودة إلى العناصر الأساسية المكوَّنة للعهد الزَّوجيَ، بل أيضاً الأخذ بعين الاعتبار مسار الحياة الزَّوجية، لأنَّها ليست حقيقة معزولة عن حياة الإنسان الشاملة وكأنّ لها مقاييسها وغاياتها المطلقة، بل هي حقيقة بشريّة إنسانية تتبع الإنسان.

هذه النظرة الشخصانيّة عالجها البابا يوحنا بولس الثاني في خطابه أمام قضاة الروتا الرومانية في 2/ 4/ 1980 حيث قال: "طبعاً إن الرضى الزَّواجيّ يصنع العقد، ولكن الرضى لا يُعتبر صحيحاً، وبمعنى آخر، لا يكون زواجيّاً، إلاّ إذا وجد العنصر الأساسي الذّي يضمن له صحّته، وهو الحب". وفي خطابه الموجّه إلى القضاة في 28/ 1/ 1982 يقول: "إن مهمتكم هي في خدمة الحب. والزَّواج هو عطاء متبادل بواسطة تبادل الرضى. هذا الرضى، وإن أعطي في زمن محدّد فإن له امتداداً مدى الحياة. هذا الرضى هو تبادل شراكة في الحياة والحب كما أن الحب الذّي تحكمه الإرادة يتوجّه ليصبح موضوع عهد الزَّواج". لكن هذا الانتصار لم يؤدِ إلى إدراج كلمة الحب في قانون الزَّواج، خوفاً من تبرير المطالبة بفسخ الزَّواج في حال غاب الحب خلال الحياة الزّوجيّة. فالشركة في الحياة الزَّوجية تستند إلى الاختيار المتبادل الذّي هو، أو الذّي من شأنه أن يكون واعياً وحراً ملء الوعي والحرية… وأن يتقاسم سوياً الرجل والمرأة، الشخصان البشريّان، القدرة على الحياة "في الحقيقة وفي المحبة" . فإن "خير الزوجين" يمكن اعتباره تعبيراً ذا معنى واسع يتناول عن حق كل ما من شأنه تعزيز شركة الحياة الزوجية، فهو يرتبط بمثل وقيم إنسانية أولاها الحب البشري، انعطافاً إراديا من شخص إلى شخص آخر يشتملُ على خير الشخص البشريّ بكامِله…، يقود الأزواج إلى تبادل في العطاء الذاتي الحُرّ يظهر في العاطفة والتعامل، ويتخلّلُ في الحياة كُلّها. فهناك علاقة بين الفعل (إقامة عهد) الذّي يُبنى على أساسه الزَّواج، والوضع الزَّواجي الذّي ينبثق من الفعل (مسيرة الحياة الزَّوجيّة).هذا التفكير الجديد أُدخِل في الشرع الجديد للكنيسة اللاتينية 1983 ، والشرع الشرقي الجديد، سنة 1991 اللذّين استخدما في تعريف الزَّواج العبارات ذاتها كعبارة "مشاركة في الحياة" Consortium vitae مشيراً لشموليّة الحقوق وواجبات الزوجين ، وألغى عبارة "عقد الزَّواج" بعبارة "عهد الزَّواج" الذّي ينبغي أن تُوضح طبيعة الفعل الذّي يعطي بدءاً للزَّواج. فالجوهر الأساسي للمؤسّسة الزّوجيّة قائم على العهد الذّي يقطعه الزوجان لإقامة شركة في الحياة بينهما تعود لخير الزَّوجين بالدرجة الأولى والتي تكتمل كلياً بإنجاب الأولاد . "إن عهد الزَّواج الذّي وضعه الخالقُ وحصّنه بشرائعه، وبه يُقيم الرجلُ والمرأة، برضًاهما الشخصيّ الذّي لا رجعة فيه، شركةً بينهما تشمل الحياة بأسرها، مرتّب بطبيعة أمره لخير الزوجين وإنجاب البنبن وتربيتهم" (ق. 776).

القانون الشرقي لا يلغي أهمية الرضى الزَّواجيّ الذّي يصنع الزَّواج وهو حق طبيعي، لكنه تبنّى توجيهات الدستور العقائدي "فرح ورجاء" معتبراً أن المشاركة في الحياة هي أيضاُ من حق طبيعي . في هذا الإطار نجد أن شريعة الزَّواج الجديدة أصبحت تشمل، موضوع الرضى الذّي هو الزوجان نفساهما إضافة إلى فعل الرضى الزَّواجيّ كمرحلة التصميم، وأصبح مسار الحياة الزّوجيّة كمرحلة التنفيذ جزءاً لا يتجزأ من الرضى الزَّواجيّ المتبادل. المجلس الحبري للعائلة وجّه انتباهاً إلى أنَّ "الحبّ هو أساس الزَّواج، وأن الزَّواج هو شركة حياة وحبّ، ولكن لا يُشدَّدُ دائماً، بما فيه الكفاية، على واقع أن الزَّواج يشكّل المؤسّسة الزّوجيّة، مهملين هكذا بُعد العدالة الخاصِّ بالرضى. الزَّواج مؤسّسة. ونكران هذه الحقيقة غالباً ما يسبّب خلطاً خطيراً بين الزَّواج المسيحيّ وقرانات الأمر الواقع" .

بناء على هذا الضوء يجب المحافظة بقوة على القيم القانونية للزواج بأنَّ الزَّواج يصبح له وجود من خلال الوثاق الزَّواجي، ولدى معالجة قضية زواجية، يجب الانطلاق من تحديد جوهر وطبيعة الرضى الزَّواجيّ، بحيث أن الذّين يتزوجون لا يتبادلون رضاهم حول حقوق وواجبات نظرية وغريبة، تنظّمها الشرائع وتحدّدها القوانين، بل حصراً وتحديداً حول شخصهما، بحيث تتكون بينهما علاقة شخصانية. هذا الواقع الجديد سيؤدي بالضرورة من الوجهة القضائية إلى توسيع الأسباب لصحّة الزَّواج، أكان يتعلق بمؤسسة الزَّواج أو بشخصية الطرفين. في الحقيقة ظهرت أسباب لبطلان الزَّواج بشكل أوسع ومنها نذكر: بطلان الزَّواج لعدم القدرة على تحمل مسؤوليات الزَّواج لأسباب ذات طبيعة نفسية نسبيّة؛ بطلان الزَّواج لفقدان الحب المؤدي لخير الزوجين؛ بطلان الزَّواج لعدم تضمين الرضى الزَّواجيّ التأكيد الإيجابي على المشاركة في الحياة كلّها. لذا لم يعد بطلان الزَّواج محصوراً بأسباب تطال صحّة عناصر السرّ ساعة الاحتفال به، بل بأسباب عدم إمكانية تنفيذ هذا السرّ.

 

شروط لصحّة الزَّواج وفقاً للشرع العام

حسب القانون 824 الشرقي الجديد البند الثاني، إنَّ قيام فعل زواج يعتمد على عناصر محددة، جوهرية مطلوبة من طبيعة الزَّواج وفقاً للشرع العام. ففي حالة النفي والرفض لهذه العناصر، يعتبر الفعل غير قائم فيكون الزَّواج باطلاً. والتقليد القانوني والاجتهادات الروتاليّة طالبا دائماً بوجود فعل إرادي وُضْعي لإثبات نفي أحد الطرفين أوكلاهما خاصة جوهرية أو رفض غاية جوهرية للزَّواج. فالعنصران الأساسيان لكلّ الأفعال القانونية هما العقل والإرادة. فالإنسان لا يمكنه أن يرغب في شيء ما لم يدركه العقل. لذلك فكل ما يعترض أو يعرقل عمل العقل (كالقاصر سناً أو عقلاً) أو الإرادة، من شأنه أن يعيب الفعل القانوني، ويجعله ناقصاً وغير كاف لصحّته. فالفعل القانوني ينتج عن إرادة حرّة وفاعلة، تقتضي أن يعمل الشخص باختياره الواعي بدافع داخلي ذاتي لا غَريزيّ أو خارجيّ قَسريّ، لاسيما إذا تعلّق الأمر بالأعمال المهمّة التي تخصّ الاختيار الأساسي الحرّ لنوع الحياة الذّي يُريد ، في أنّ يتحملَّ الشخص في الزَّواج مسؤوليّة الالتزام بوعي، لإقامة علاقة شخصانيّة، وفقاً للأنظمة المقرّرة في الشرع وبالشروط الضرورية لكي يكون للفعل قوة قانونية، وإلاّ اعتبر الزَّواج باطلاً. فالشرعية القانونيّة ضرورية لكي يعترف الشرع بالمفاعيل الناتجة عنه . فإذا كان لدى أحد الزوجين أوكلاهما نيّة باطنية وليدة إرادة وضعي غير معلنة intentio non contrahendi في رفض الزَّواج، مثل هذه الحالة يعتبر الزَّواج باطلاً بسبب التلجئة الكاملة. ولتثبيت فعل التلجئة يقتضي التفتيش عن الأسباب الدافعة لتأييده وتمييزه عن سبب الزَّواج. العناصر الجوهريّة للزَّواج التي يمكن أن ينفيها أحد الزَّوجين بفعل إرادة وضعي محدّدة بالقانونين 817 و776، هي:

1- الرضى الزَّوجي : إنَّ الإرادة الزَّوجية لقيام الزَّواج ليست كافية، فمن الضروري وجود سبب، حيث من شأنه أن تقرر الإرادة في عقد زواج، وإلاّ لا وجود للحدث: والعقد غير موجود إذا نقُص الموضوع الذّي يقع عليه الرضى ، وهو هبة الذات المتبادلة بين الزوجين التي تتضمَّن الأفعال الزَّوجية (القانون 817، بند 1). بواسطة رضى الرجل والمرأة اللذين يهبان كلاهما ذاته للآخر ويقبلانه بعهد لا رجعة فيه، فيُقيمان حالة شخصيّة، موجَّه لإقامة الزَّواج (ق. 817 البند 1) ، به الحب يصبح شيئاً واجباً. لذلك لا يمكن القول أنَّهما يؤسسان زواجهما، إنَّما هما يدخلان في عهد مُقرَّر سابقاً من الله . والكنيسة تقبل رضى الزّوجين الناطق في الألفاظ ً، لأنَّّه "مكتوب في قلوبهم" (روم 2: 15)، والذي يُعبّر عن قوام خير الزّوجين العامّ: المحبة، الأمانة، الاحترام، ثبات اتحادهما حتى الموت. فخير كليهما الذّي هو في الوقت نفسه خير كلّ واحد منهما، يجب أن يصبح في ما بعد خير الأبناء" .

فموضوع الزَّواج يَتطلب النوعية أو الطريقة التي يفرضها على نفسه طالب الزَّواج للقيام بالواجبات والحقوق الزَّواجيّة. فمن لا يتمتع بحكم في موضوع الواجبات والحقوق الزَّواجيّة يعقد زواجاً باطلاً. كوجود عاهة نفسية خطيرة متكونة ومتأصلة في الإنسان قبل الزَّواج ينتج عنها استحالة القيام بالواجبات الزّوجيّة التي تتطلبها مؤسسة الزَّواج. أو أن الشخص الذّي ينجز الفعل غير مؤهل وعاجز، فهنالك عدم الأهلية العقلية وهي أكثر أهمية وأساسيّة لأنها تنظر بجميع الأفعال. فقد أكد قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في الخطاب الذّي ألقاه أمام عميد وأعضاء هيئة محكمة الروتا الرومانية (15/2/1978): "أن ليس كُلّ عائق أوكل فشل يصيب حياة الزوجين يكون برهاناً على عدم قدرة هذين الزوجين على تحمل مسؤولياتهما الزّوجيّة… فلا يجوز اعتبار هذا الخلل انتقاصاً في الإرادة التعاقدية ودليلاً على عدم القدرة النفسية لتحمل مسؤوليات الزَّواج… لذلك على رجال القانون أن يأخذوا بعين الاعتبار أنّ ما يُبطِل الزَّواج هو انعدام القدرة النفسية الذّي يعطلّ الإرادة التعاقدية وليس صعوبة هذه الإرادة على تحمّل الحياة الزّوجيّة المشتركة، إذ أنَّ فشل هذه الحياة ليس الدليل القاطع على عدم القدرة النفسية عند أحد الزوجين على تحمل مسؤوليات الزَّواج حيث يكون قد أهمل الوسائل الطبيعية أو الفائقة الطبيعة المتوفرة لديه، ولم يلجأ إليها لتحمل الصعوبات التي ترافق حياته الزوجية، فيصاب بنوبات عصبية عابرة كانهيار الأعصاب مثلاً Dépression أوالوهن، لا صلة لها بتعطيل جوهر الإرادة التعاقدية ساعة إبرام العقد .

إذاً يجب التمييز بين صعوبة القيام بمسؤوليات الحياة الزوجية المشتركة وبين عدم القدرة النفسية على تحمل المسؤوليات. وقانون الشرع الشرقي 818 يطلب أهلية قانونية محددة من طبيعة الفعل ذاته: القانون 818- غير مؤهل للاحتفال بالزَّواج:

(1) من ينقصه الإدراك الكافي؛

(2) من يعاني من نقص جسيم في التمييز والحكم على الحقوق والواجبات الزّوجيّة الجوهريّة الواجب على كليهما تقديمها وقبولها؛

(3) من لا يستطيع تولّي واجبات الزَّواج الجوهرية لأسباب ذات طابع نفسي.

فعل الرضى الزَّوجي إن كان صحيحاً، لاحتوائه على جميع العناصر المطلوبة لصحته، يمكن أن تشوبه عيوب تعطل الفعل بحد ذاته وتؤثر على حرية القرار التي هي من جوهر الزَّواج. هناك بعض العيوب يمكنها أن تكون قوة ضاغطة صادرة عن عوامل خارجية لا يمكن مقاومتها مثل الإكراه والخوف (ق. 825) ؛ اضطرابات نفسيّة بسبب خطر وشيك أوفي المستقبل؛ عنف أخلاقي ينبثق من الخارج ويؤثر على نفسية الشخص والتي تجمّد فعل الإرادة الحرة أو تنزعها بقصد انتزاع الرضى. ولكن الفعل المنجز من الشخص بخوف هو صحيح لأنه يحتوي على جميع العناصر الضرورية . ويجب أن تكون هذه العوامل المذكورة سبباً لعقد الزَّواج وبدونه لا يتمّ العقد . أمّا العيوب الصادرة عن العوامل الباطنية، التي تؤثر بعضها على العقل فهي: الجنون، الجهل، الغلط، الغش؛ وبعضها تؤثر على الإرادة (العنف الجسدي) وبأمور جوهرية تتعلق بطبيعة الزَّواج (ق. 819). بسبب هذه العيوب، الفعل القانوني يمكن اعتباره غير قائم (ينقصه عنصر أساسي وجوهري؛ مثلاً الرسامة الكهنوتية للمرأة) أو باطل (ينقصه شرط جوهري مقرّر من الشرع، مثلاً الصيغة القانونية للزّواج) أو عديم المفعول (ينقصه الشرط الذّي يطلبه الشرع لكي ينتج الفعل مفاعيل قانونية، مثلاً تثبيت السلطة المختصة لاستقالة إنسان مكرس ذي النذور المؤقتة، وفقاً للقانون 499؛ أو غير صحيح، أو قابل للبطلان . كما هناك أسباب أخرى تعطل الرضى القائم بحد ذاته، في حال أصبح السبب لدى المتعاقد شرطاً أساسياً بدونه لا يتم الاحتفال بالزَّواج. فالقانون الشرقي الجديد يُقرر ما يلي: "لا يمكن عقد زواج بشرط" (826). فتبنّى وجهة نظر معتبراً أن أي شرط إذا ثبت وضعه من قبل العاقد أو العاقدين قبل الزَّواج أو أثناء انعقاده يبطل الزَّواج. فهو الظرف الذي تتعلق على تحقيقه أو عدم تحقيقه قيمة الزَّواج القانونية أي أن يصبح العقد قائماً وينتج كافة مفاعيله. ففي حالة التعليق، يتوقف مفعول العمل القانوني للرضى حتى يتحقق العارض. فإذا لم يتحقق الشرط الموضوع يلغي العمل القانوني ويعتبر العقد كأنه لم يكن. هنالك ظروف تحد من قيام الرضى من جهة وجوده لا من جهة موضوعه. مثلاً: أتزوجك على أن يعطيني والدك أسهماً من المصنع. فهذا الظرف لا يمس بحد ذاته قيمة الزَّواج القانونية إذ يريد الزوج الزَّواج عقداً صحيحاً، ولكن يصبح هذا الظرف شرطاً مبطلاً للزواج من حيث مفاعيله القانونية. وفي هذه الحالة يريد الزوج تحقيق الزَّواج بكافة مفاعيله فور تنفيذ الموجب.

نصّ المشترع في القانون الغربي 1102 الجديد على أن كل زواج ملحق بشرط يتعلق بأمر مستقبلي لا يمكن أن يُعقد صحيحاُ. فأسقط الشرط الضروري والمستحيل والمباح وغير المباح والمتعارض مع جوهر الزَّواج. وقيّد وضع الشرط الماضي والحاضر بصورة شرعية بإذن خطي من الرئيس المكاني. إنّ الاختلاف بين التشريع اللاتيني والشرقي بخصوص الشرط، يضع تساؤلاً في حال الطعن بزواج اُحتفل به تحت شرط بين طرف شرقي كاثوليكي وطرف لاتيني، للحصول على إعلان بطلانه؛ فأيّ من التشريع يجب تطبيقه في المحكمة؟ وفقاً لرأي البروفسور القانوني جوزيف برادير "أنّ في هذه الحالة، فاعلية الرضى تعتمد على قانون الطرف الذّي عقد الزَّواج تحت شرط. بالنسبة للطرف الشرقي فهوملتزم بالقانون 826 بخصوص صحة رضاه. بينما الطرف اللاتيني فهو ملتزم بالقانون 1102 بخصوص صحة رضاه. إذا عقد الطرف اللاتيني زواجه مع الطرف الشرقي تحت شرط أن تكون عذراء، في القرار القضائي يجب تطبيق القانون 1102 البند 2 وليس القانون 826" .

2- شركة حياة كاملة بين الزوجين: إنَّ الغاية من الزَّواج والحب الزوجي بحد ذاتهما، هي الإنجاب والتربية. فالأولاد هم أغلى هبات الزَّواج، يساهمون كثيراً في خير الأهل أنفسهم. وهذا ما يتماشى مع الشرع الإلهي الذي حدّد غاية الزَّواج الرئيسية وهي نقل الحياة البشرية. إنَّ رفض مبدأ الإنجاب يمس بالشرع الإلهي الطبيعي وليس فقط بالشرع الكنسي. قد ينفي الزَّوجان أو أحدهما بفعل إرادة وضعي إما الأفعال المترتبة بذاتها لإنجاب البنبن أي الفعل الزَّواجيّ الكامل وإما مبدأ الإنجاب بحد ذاته بحيث تقطع بطريقة أو بأخرى الأفعال المرتبة لولادة البنين عن بلوغ مسارها الطبيعي المؤدي إلى الإنجاب.

ويكون الزَّواج باطلاً :

1-عندما يقرر الزوجان أو احدهما تجنّب الإنجاب باستعمال وسائل مشروعة وغير مشروعة للحيلولة دون حبل الزوجة.

2-عندما يريد أحد الزوجين الاتحاد الزوجيّ فقط لمدة معينة، مثلاً حتى ولادة ولدين أو لمدة ثلاث سنوات، ومن بعدها يرفض هذا الاتحاد وضعياً ونهائياً. الزَّواج في هذه الحالة يكون باطلاً لأنَّ رفض الاتحاد الزوجيّ الطبيعي بعد هذه المدة يعني رفض الحق الزوجي الدائم على أفعال مرتبة للإنجاب . يقول القديس أغوسطينوس مستشهداً بكلام القديس بولس: إن الرسول أضاف صفة على الأمانة، أي على العلاقة القانونية بين الزوج والزوجة، إلى أن يسميها السلطان قائلاً: إنّ الزوجة ليس لها سلطان على جسدها، لكن الزوج؛ وفي نفس الطريقة أيضاً الزوج ليس له السلطان على جسده، لكن الزوجة" . الوحدة والانحلال هما خصائص جوهرية مطلوبة في عمق شركة حياة (ق 776، بند 3). فأنَّ الشخص الذي يرفض أو ينفيَّ باطنياً بفعل إرادة وُضْعي ميزة جوهرية من ميزات الزَّواج (خاصة الأمانة أو الوحدة في الزَّواج) كمنح الحق على جسده لشخص واحد فقط ومحتفظاً بحقه في إقامة أكثر من علاقة جنسية مع شخص آخر، سبق وأقام معه علاقات في الماضي ، فهو في مثل هذه الحالة يرفض مبدأ الأمانة نفسه. حسب نظرية سرّانو: الذّي يعتبر المشاركة الزّوجيّة من الحق الطبيعي، يؤدي إلى جعل الأمانة الزّوجيّة في الحقيقة حقًّا للزوج وللزوجة. وأيضاً المشاركة في الحياة والحب حقًّا للطرفين. ويقول: "حيث أن حقوق الزوج هي في الوقت نفسه واجبات الزوجة والعكس بالعكس، بنوع أنه لا يمكن أن نتصور الحقوق والواجبات في أحد الزوجين دون الآخر" . نفهم من هذا أن الخيانة الزّوجيّة تبطل الزَّواج تماماً كما يبطله نفي الأمانة بفعل إرادة صريح ساعة تبادل الرضى.

 

الصيغة القانونية للزَّواج

السرّ الزوجي بكونه فعل دينيّ في الكنيسة يقتضي أن يتم وفقاً لمراسيم دينية معينة. فقد حدّد الشرع الكنسيّ الصيغة القانونيّة التي من خلالها يُوضع الفعل القانوني، ليس لهدف إثبات انعقاد الزَّواج بشكل علني فقط وإنَّما لإظهار الطابع المقدّس والسرّيّ للزواج من خلال الاحتفال الديني في وسط الجماعة التي إليها ينتمي الزوجان . وتنتمي الصيغة القانونية في الشرع الشرقي إلى جوهر فعل الزَّواج القانوني، فمن دونه يُعتبر الزَّواج غير قائم. فكثير من الأحيان يمكن إعطاء التفسيح من الصيغة القانونية لسبب صوابي، أوفي حال وجود عيب في الصيغة القانونية، بخصوص صلاحية حضور أو مباركة الزَّواج مثلاً، تُعوضه الكنيسة (ق. 994). ومن خصائص الصيغة القانونيّة أنَّها غير مُلتزمة بمبدأ "locus regit actum" أي شريعة المكان، كالنظام المدني، لكن تلتزم بالشرع الشخصي الذّي يُلزم المؤمنين، حتى ولو كانوا خارج أراضي الكنيسة المتمتّعة بحكم ذاتي والتي ينتمون إليها . بينما الصيغة القانونية في الكنيسة اللاتينية تستوجب الرضى المتبادل فقط بحضور كاهن وشاهدين، الصيغة القانونية الشرقية تقتضي مع الرضى الزَّوجي عنصر جوهري وهو"بركة" من قبل كاهن أو رئيس كنسي مختص لصحّة الزَّواج: ق 828 البند 1- ليست زيجات صحيحة إلا التي يحتفل بها بطقس مقدس، أمام الرئيس الكنسي المحليّ أو الراعي المحليّ، أو الكاهن الذّي منحه أحدهما صلاحية مباركة الزَّواج، وأمام شاهدين لا أقل، ولكن وفقاً لأحكام القوانين التالية ومع عدم الإخلال بالاستثناءات المذكورة في القانون 832 والقانون 834 البند 2. البند 2- بالطقس المقدس يعني هنا اشتراك الكاهن بحضوره وبركته.

الزَّواجات بين الشرقيين وإن كان أحد الطرفين ينتمي إلى الكنيسة الأرثوذكسية لا تعتبر صحيحة إلاّ إذا احتفلت برتبة مقدسة، أي التي يُحتفل بها بحضور وبركة الرئيس الكنسيّ المحليّ أو الخوري المحليّ، أو كاهن حصل من أحد هذين الاثنين على صلاحيّة مباركة الزَّواج وبحضور الشاهدين فقط. فالمحتفلون –أساقفة أو كهنة- هم شهود على الرضى المتبادل بين الزوجين، ولكنّ بركتهم ضروريّة أيضاً لصحّة السرّ" . والكاهن الشرقي له حضور فعّال وجوهري، ليمنح البركة بموجب الطقس الكنسي، كخادم حقيقيّ للسرّ، فإذا لم يحضر فلا يحسب الزَّواج كنسياً، لأن حضوره لصحّة الزَّواج وبالطقس المقدس يُعبر عن الطابع المقدس للزَّواج وكعنصر قانوني أساسي للصيغة الاحتفال العادية للزَّواج . فمهمّة الكاهن المختص هي بمثابة عمل ليتورجى وإداريّ، فحضوره وتدخّله لمباركة زواج يبقيان عنصرين أساسيين لصحّة الزَّواج في الحالات العادية .

بينما الاحتفال الليترجيّ للزَّواج والبركة الزوجيّة في الكنيسة اللاتينية لا يُعتبران عناصر أساسية لصحّة الزَّواج. فتدخّل الكاهن الممثل عن الكنيسة في الاحتفال بالزَّواج يُعتبر عملاً قانونياً حيث يطلب ويقبل الرضى الزَّوجي (ق. 1108 البند2) والذي يمكن أن يُنجز بواسطة مؤمن علماني رجل أو امرأة بمهمّة خاصّة (ق. 1112). وكما أنَّ الكنيسة اللاتينية تمنح للشماس الإنجيلي صلاحيّة حضور ومباركة الزَّواج وفقا للقانون اللاتيني 1111 البند 1 . فالزَّواج بين طرف لاتيني وشرقي كاثوليكي، إذا أحتُفِل به في الكنيسة اللاتينية، يُعمل بالصيغة المقرَّرة وفقاً للقانون 1108 اللاتيني وذلك لصحّة الزَّواج؛ أمّا إذا تَمّ الاحتفال به في كنيسة شرقية كاثوليكية، فيُعمل بالصيغة المقرَّرة وفقاً للقانون 828 أيضاً لصحّة الزَّواج، آخذين بعين الاعتبار أن بركة الكاهن في الشرع الشرقي عنصر جوهري للصيغة القانونية للاحتفال بالزَّواج.

فإذا تمّ احتفال بالزَّواج بحضور شماس أو علماني مُفوّض من الأسقف المحلّي اللاتيني في كنيسة شرقية كاثوليكية أو أرثوذكسيّة يعتبر غير صحيح (ق. لاتيني 1127 البند 1؛ ق. 834 البند2). إنَّ الرئيس الكنسي اللاتيني لا يمكنه إعطاء التفسيح من الصيغة القانونية إلى مؤمن شرقي وفقاً للقانون 916 البند5 ليعقد زواجاً مختلطاً . إنّما له صلاحية للتفسيح في حالة انعقاد زواج مختلط يكون أحد طرفيه كاثوليكياً لاتينياً فقط (ق. 1127 البند2): يجوز للرئيس الكنسيّ المحليّ، لأسباب خطيرة أن يُعفي الطرف الكاثوليكيّ الخاضع له من التقيّد بصيغة الزَّواج التي يقرّها الشرع، مع مراعاة شرع الكنائس الشرقية (ق. 835)، وبعد استشارة الرئيس الكنسيّ في المكان الذي يُقام فيه الزَّواج. من أسباب هذا الإعفاء المحافظة على تناغم الأسرة، والحصول على موافقة الأهل على الزَّواج، وتمسّك الطرف غير الكاثوليكي بدينه، وصلة القربى بينه وبين خادم من كنيسة أو جماعة كنسيّة أخرى . فمراعاة لشرع الكنائس الشرقية (فيما يخص الزَّواجات المختلطة) التفيسح من الصيغة القانونيّة يُعطى من الكرسي الرسولي ومن البطريرك بشكل حصريّ.

الرئيس الكنسي المحليّ أو الراعي المحليّ ما داما هما في حكم الوظيفة القانونية، ضمن حدود أراضيهما يستطيعان أن يحضرا وأن يباركا بشكل صحيح الزَّواج في "أي مكان"، حتى في الأماكن المنتمية إلى كنيسة أخرى متمتّعة بحكم ذاتي ، "شريطة أن يكون أحد الطرفين منتمياً إلى كنيستهما المتمتّعة بحكم ذاتي"( ق. 829 البند 1) ، أي إلى كنيسة الرئيس الكنسي المحليّ أو الراعي المحليّ، وذلك لتجنّب أي شك حول اختصاصهما في تلك الأماكن والايبارشيات حيث يعيش مؤمنون بالطقس المختلف .

إنّ عبارة "غير الخاضعين" تُشير إلى المؤمنين المنتمين إلى كنيسة متمتّعة بحكم ذاتي للرئيس الكنسيّ المحلّي أو الراعي ولا تُشير للمؤمنين المنتمين إلى كنيسة أخرى متمتّعة بحكم ذاتي . في هذه الأماكن، يبارك الرئيس الكنسي المحليّ أو الراعي المحليّ الزَّواج على وجه جائز، ما لم يرفض ذلك صراحة الرئيس الكنسي الذّي يمارس سلطانه في ذلك المكان (ق. 831 البند 1 رقم 3) . لجواز الزَّواج يُطلب الاحتفال به ضمن منطقة الرعيّة حيث أحد الطرفين لديه موطن أو شبه موطن (ق. 911-917) أو المكوث لمدّة شهر (30 يوماً)؛ أوفي حال الرحّيل، فالزَّواج يجب أن يُحتفل به في الرعيّة حيث الطرفان يمكثان. في حالة أن الزوجين يريدان الاحتفال بزواجهما في مكان أخر، يُطلب دائما لجواز الاحتفال الترخيص من الرئيس الكنسيّ أو راعي موطن أو شبه موطن أحد الطرفين (ق. 831 البند 1 رقم 2). الترخيص ليس بمثابة صلاحية وإنما إذن. اختلافاً عن الشرع اللاتيني الجديد، الشرع الشرقي الجديد يُعطي الأسبقية لمباركة الزَّواج إلى راعي العريس ما لم يقتض الشرع الخاصّ غير ذلك (ق. 831 البند 2) حسب التقاليد وعادات كلّ كنيسة متمتّعة بحكم ذاتي وحسب متطلبات أحوال الأشخاص. ولكن لسبب صوابي، يمكن الاحتفال بالزَّواج بمباركة راعي العروس .

إن الشرقيين الذّين لديهم إقامة أو شبه إقامة في أراضي الكنيسة اللاتينية، هم خاضعون للرئيس الكنسي المحليّ اللاتيني مع كل ما يخص بالآثار القانونية وفقاً للقانون 916 البند 5، لكنهم ليسوا خاضعين بشكل مباشر لكاهن الرعية اللاتيني المحلّي . فجميع الكهنة الذين لديهم تفويض من الرئيس الكنسيّ المحلّي اللاتيني يستطيعون حضور ومباركة الزَّواج بشكل صحيح وفقاً للقانون اللاتيني 383 البند 2. وبالمقابل، وفقاً للقانون 830 البند1، يمكن للرئيس المحلّي وللراعي ذي الطقس الشرقي منح صلاحية مباركة زواج بين الشرقيين لكهنة كنيسة اللاتين. وفقاً لدليل تطبيق مبادىء الحركة المسكونية وقواعدها سنة 1993، يجوز لكاهن كاثوليكيّ أو لشماس إنجيليّ، بموافقة مسبّقة من الرئيس الكنسيّ المحليّ، أن يشترك، بطريقة ما، حضوراً أو فعلاً، في الاحتفال بزواجات مختلطة، إذا دُعي إلى ذلك، وإذا تمّ الإعفاءُ من الصيغة القانونيّة .

 

الصيغة القانونيّة للزَّواجات المختلطة

في بلدان الشرق الأوسط، الزَّواجات المختلطة ليست بحالات استثنائية في أيامنا. فهناك العديد من الكاثوليك يعيشون كأقليّة يرغبون في زواج مختلط أي مع شخص معمّد غير كاثوليكي. فالزَّواج يجب أن يتمّ وفقا للعادات والتقاليد حسب طقس كنيسة الزوج. فليس للزوجين حرية الاختيار للاحتفال بالزَّواج بين كاهن كاثوليكي أو أرثوذكسي بين كنيسة كاثوليكية شرقيّة وكنيسة أرثوذكسية. بدون شك لا يوجد اختلاف جوهري فيما يخص الصيغة القانونيّة إلاّ فيما يخص بعض فروقات في مفهوم الزَّواج. فالكنيسة الشرقية الكاثوليكية وأيضاً الأرثوذكسية، تَعًدُّ الزَّواج سرّاً ولا يكون صحيحاً إلاّ إذا تمّ عقدُه أو الاحتفال به كنسيا مع بركة كاهن. فالزَّواج المختلط بين طرف كاثوليكي وطرف شرقي غير كاثوليكي، وإنّ تَمّ في الكنيسة الأرثوذكسية كان صحيحاً(ق. 781 البند 1)، لا يمكن أن يتم الاحتفال به بشكل جائز أمام كاهن أرثوذكسي بدون أذن أو ترخيص من الرئيس الكنسي المحلّي الكاثوليكي. وهذا الترخيص، لا يعني هنا، التفسيح إن صحّ التعبير عن الصيغة، لأن بركة الكاهن الأرثوذكسي كافية لصحة الزَّواج . أمّا الزَّواج المختلط بين طرف كاثوليكي وطرف بروتستانتي، فهناك اختلاف جوهري لأنّ الجماعات المسيحية البروتستانتية تُخالف المفهوم الكاثوليكي بنكرانها سرّية الزَّواج وسرّيّة الكهنوت.

فالشرع الكنسي اللاتيني لا يعتبر الزَّواج صحيحاً إلاّ إذا تمّ عقده في الكنيسة وإلاّ فيجب الحصول على إعفاء صريح من "واجب الصيغة". أما الشرع الشرقي الكاثوليكي، في حال الزَّواج مع طرف بروتستانتي، ألزم أحد الطرفين بصيغة قانونيّة لصحّة الزَّواج وفقاً للشرع الكاثوليكي. وهي في الحالة العادية مباركة الكاهن مع العمل بالأمور الأخرى التي يقتضيها الشرع. أو إذا تّمّ وفقاً للصيغة البروتستانتية، ينبغي الحصول على التفسيح من الصيغة القانونية المذكورة في القانون 834 من قبل البطريرك والكرسي الرسولي فقط (ق. 835) وإلاّ كان الزَّواج باطلاً. فيجب على الطرفين الالتزام بصيغة قانونية موحدة متطابقة مع متطلبات الشرعين معاً، وهذا ما يتوافق مع المبدأ المُتخذ في كل الأنظمة التشريعيّة المدنيّة . وإن تمّ إجراء مراسيم هذه الزَّواجات في الحالة غير العادية بموجب نصوص القانون 832 البند 1 هو باطل، عملاً بالقانون 781 وحتى في الكنيسة الكاثوليكية بسبب عدم توفر الشعائر الدينية المطلوبة بمقتضى أنظمة الكنائس الشرقية غير الكاثوليكية والتي تستند إلى القانون 781. فالكنيسة الأرثوذكسية تطلُب دائماً تدخُّل الكاهن في الاحتفال الزوجي ليمنح البركة . القانون اللاتيني 1127 البند 2، ينصّ أنَّه في حالة الزَّواج بين اللاتين والشرقيين غير الكاثوليك، الصيغة القانونية المقرَّرة هي للجواز؛ بينما للصحّة، يُطلب تدخل خادم السرّ. فلا يمكن الافتراض أن الرئيس الكنسيّ المحلّي اللاتيني يمكنه منح التفسيح من الطقس المقدّس، أي من بركة الكاهن في حالة زواج بين طرف لاتيني وشرقي أرثوذكسي .

 

الموانع الإلهيّة والكنسيّة

إنَّ طبيعة الزَّواج نفسه، كعهد من خلاله الرجل والمرأة يقيمان بينهما الحياة المشتركة للحياة كُلّها بواسطة رضاهما الشخصي، هو فعل قانوني (ق. 931) يلزم أن يقوم به شخص ذو أهلية واختصاص، وأن تتوفّر فيه مقوَّمات الفعل الجوهريّة والإجراءات الرسميّة وما يقتضيه الشرع لصحّة الفعل. وأنَّ الشرع يمنع الأشخاص غير المؤهّلين بالطبيعة للزَّواج حسب حالات قد ذكرناها سابقاً في القانون 818. فالشرع ذاته، لأسباب ظهور ظروف خاصة أو أوضاع، يمنع صراحةّ الاحتفال بالزَّواج الأشخاص الذين يتواجدون في تلك الظروف أو الأشخاص غير المؤهلين. فالمبدأ المذكور في القانون 790 أنَّ المانع المبطل يجعل الشخص غير أهل للاحتفال بالزَّواج على وجه صحيح. فإذا تمّ الاحتفال بالزَّواج بوجود سبب ما يمنع الإنسان بأن يمارس الحقّ الطبيعي والمرتكز على واقع أو ظرف موضوعي خاص يعتبر الزَّواج باطلاً وكأنه لم يكن. فالمانع نهي قانوني له مصدران: الشرع الإلهي الطبيعي أو الوضعي؛ فهذا الشرع يشمل جميع الناس وهو غير قابل للتفسيح؛ والشرع الكنسي، يشمل فقط أبناء الكنيسة أو الطائفة وهو قابل للتفسيح. هناك حالات من الموانع ذُكرت في القانون 789 تمنع الاحتفال بالزَّواج بدون ترخيص من الرئيس الكنسيّ المحلّي . ولكن لا تُصنَّف من الموانع المحرَّمة، لأنها لا تجعل الشخص غير قادر على الاحتفال بالزَّواج. وهناك موانع محرمة تنهي نهياً شديداً عن عقد الزَّواج. ولكن الزَّواج لا يضحي باطلاً إذا عقد مع وجود هذا المانع.وموانع مبطلة مبنيّة على أسباب ثابتة لا تزول تمنع من حصول الزَّواج بصورة عامة، وتحول أيضاً دون صحّة عقده، فتجعل الشخص غير أهل لإبرام الزَّواج مع أي شخص كان وتجعل عقد الزَّواج باطلاً . ويجب أن يتَّضح لرعاة النفوس، وفقاً لاحتياجات المكان والزمان، قبل الاحتفال بالزَّواج، عدم وجود ما يحول دون صحّة الاحتفال به وجوازه (ق. 785 البند 1)، وأنَّ كلا الزوجين حُرّ من الموانع المقرَّرة حسب شرعه العام والخاص.

يُعدّد الشرع العام اللاتيني اثني عشر مانعاً مبطلاً (ق. 1083-1094)؛ بينما الشرع العام الشرقي الكاثوليكي ثلاثة عشر مانعاً (800-812). ويوجد بين التشريعين بعض القوانين المختلفة والتي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار، لأنَّ الجهل أو الغلط في القوانين المبطلة أو المعدمة للأهلية لا يعيقان مفعولها (ق. 1497). وخصوصاً أنّ هذا الاختلاف التشريعي القائم بشكل واضح بين الشرع العام اللاتيني والشرع العام الشرقي، يمكنه أن يكون قائماً بين الكنائس الشرقية الكاثوليكيّة، مما يجعل الزَّواج المحتفَل به بوجود مانع وإن تعلّق بواحد فقط من الطرفين، غير صحيح إذا لم يُعطَ التفسيح (ق. 790 البند 2). وهذه القوانين هي:

مانع الخطف (ق. 806) هو المانع المُبطِل للزَّواج، يقوم بأن ينتقل الرجل بالمرأة رغماً عنها إلى مكان غير آمن أوبأن يضبط عليها في مكان ما لينتزع منها رضاها بالزَّواج؛ القانون الشرقي لا يمييز بين الرجل والمرأة، ويتحدث بشكل عام عن شخص مخطوف ليتزوجه. أما القانون الغربي فيميز بشكل صريح ويتكلم عن الرجل الخاطف والمرأة المخطوفة (1089). مانع قرابة المصاهرة الذّي يبطل الزَّواج في الدرجة الثانية من الخطّ المنحرف (ق. 809) بينما في الشرع اللاتيني محدّد فقط في أي درجة من الخطّ المستقيم (ق. 1092). مانع الحشمة (ق. 810) الذّي يصدر عن زواج باطل أو عن التسري الشائع. والتسري concobinato هو علاقة بين رجل وامرأة كعلاقة الزوجين تكون معروفة وشائعة ومستمرة ودون أن يجمعهما عقد زواج كنسي. ولتحقيق هذا المانع يجب أن يكون هناك زواج باطل أي له هيئة زواج بحيث يُعقد وفقا للصيغة القانونية ولكن تنقصه عناصر مهمة جوهرية ليصبح صحيحاً. فإذا حضر الزَّواج شاهد واحد مثلاً أو صدرت بركة الإكليل عن كاهن غير صالح يكون الزَّواج في هذه الحالة باطلاً. ومانع الحشمة سواء صدر عن الزَّواج الباطل أو التسري الشائع أو المشتهر يبطل زواج الرجل بأقارب المرأة الدمويين وزواج المرأة بأقارب الرجل الدمويين في الدرجتين الأولى والثانية في الخط المستقيم. مانع القرابة الروحية: هو عدم الأهلية على عقد زواج بين العراب والطفل المعمّد ووالديه بداعي سرّ العماد (ق. 811 البند 1). قد ألغي هذا المانع في الشرع اللاتيني العام. في حالة وجود قرابة روحية بين طرف لاتيني مع طرف شرقي هل يمكن الاحتفال بالزَّواج بشكل صحيح؟ وفقاً للقانون 790 البند 2، لصحّة الزَّواج يُطلب التفسيح للطرف الشرقي الذي يمكن إعطاؤه سواء من قبل الرئيس الكنسي الشرقي أو الرئيس الكنسي اللاتيني . مانع الزَّواج مع غير المعمّدين: القانون 803 ينظم حالة المؤمنين الكاثوليك الذي يحتفلون بزواج مع طرف غير معمّد، ويؤكد على وجود مانع كنسي للاختلاف الديني سواء كان أحد الطرفين عند الاحتفال بالزَّواج يُعتبر في العرف العامّ معمّداً، أوإذا كان عماده مشكوكاً فيه والآخر غير معمّد. وفقاً للشرع اللاتيني 1086 يُعتبر المسيحيّون الكاثوليك المنفصلون عن الكنيسة معفيين من مانع الزَّواج باختلاف الدين، هذا الاعفاء غير مقبول في الشرع الشرقي ق. 803 البند 1.

فالزَّواج بين الكاثوليك، أحدهم ينتمي إلى كنيسة متمتّعة بحكم ذاتي والآخر إلى الكنيسة اللاتينية، موانع الطرف الشرقي تُحكم حسب الشرع الشرقي، وموانع الطرف اللاتيني حسب الشرع اللاتيني. إنَّ معالجة مانع مطلق للزَّواج كالسن مثلاً ليس هناك أدنى شك أنَّه يجعل الشخص غير أهل للاحتفال بالزَّواج إذا لم يُعط التفسيح من السلطة المختصّة. بينما لمعالجة مانع نسبيّ (كقرابة المصاهرة بين أرمل ينتمي لكنيسة اللاتين وزوجة الأخ التي تنتمي للكنيسة الشرقية، أو: القرابة الروحية بين أم شخص مُعمّد شرقي وعرّاب لاتيني)، فالراعي اللاتيني الذي تم الاحتفال بالزَّواج أمامه، قد لا يطلب بالضرورة التفسيح، بسبب عدم الذكر في التشريع اللاتيني موانع المصاهرة في الخط المنحرف والقرابة الروحية وفقاً للقوانين الشرقية 809 البند 1 و811 البند 1. فإذا لم يُعطَ التفسيح فالزَّواج باطل، تطبيقاً للقانون 790 البند 2 الذي أقرَّ عدم صحّة الزَّواج، إذا تعلّق المانع بواحد من الطرفين. هذا المبدأ أُسِّس على الحق الطبيعي كما كان مذكوراً في الشرع اللاتيني القديم سنة 1917 ق. 1036 البند 3، الذي لم يندرج في الشرع اللاتيني الجديد . النهي المؤقت عن الزَّواج: القانون 794 البند1، بوسع الرئيس الكنسي المحلّي في حالة خاصّة، لكن لمدّة محدودة فقط ولسبب هامّ أن ينهي عن الزَّواج المؤمنين الخاضعين له أينما مكثوا، وكذلك سائر مؤمني كنيسته المتمتّعة بحكم ذاتي، المقيمين حالياً ضمن حدود منطقة الإيبارشية. وهذا ما يتوافق مع القانون اللاتيني 1077 البند1. أما في البند 2 من ق. 794 يوجد اختلاف بين التشريعين، فالبطريرك، ضمن حدود أراضي الكنيسة البطريركية، يمكنه أن يضيف لهذا النهي بنداً مُبطِلاً. هذا المانع المؤقت يُلزم الكاثوليكي الشرقي حتى وإن كان خاضعاً للرئيس المحلّي اللاتيني. أما الرئيس المحلّي اللاتيني فلا يمكنه إضافة بنداً مُبطِلاً للنهي . ويجدر بالذكر الإمكانية المعطاة من القانون 792 حيث يسمح للكنيسة المتمتعة بحكم ذاتي أن تَسنّ في الشرع الخاص موانع مبطلة، لأسباب بالغة الأهميّة وبعد تبادل الآراء مع الأساقفة الإيبارشيّين المعنيّين بالأمر، من كنائس أخرى متمتّعة بحكم ذاتي، واستشارة الكرسي الرسولي. في هذه الحالة، نجد أنفسنا أمام قضية صحّة الزَّواج المحتفل به بين كاثوليك شرقيين، أحدهما خاضع للمانع حسب الشرع الخاص لكنيسته، بينما الأخر حُرّ.

 

الافتراض في صحّة الزَّواج

ثمة قاعدة تقول: " ينعم الزَّواج بحماية الشرع، ولذلك في حال الشكّ يجب الأخذ بصحّة الزَّواج، إلى أن يثبت العكس" (ق. 779). أيّ أنَّْ الزَّواج كفعل قانوني إذا أُنجز بمقتضى الشرع مع احتوائه على عناصره الخارجية يُفترض أنه صحيح (ق. 931 البند 2). وهذا ليس بنظام سطحي، إنما هو ضروري، لأنَّه ليس هناك نظام واضح في الحق القانوني، يُظهر متى تكون الأفعال غير صحيحة سواء منذ البدء أم مع الوقت. فقد يبدو فعلاً صحيحاً منذ البداية، ومن ثمَّ، لسبب عنصر لاحق يمكن أن يصبح غير صحيح. إنَّ الافتراضية لا تشير إلى العناصر الجوهرية الأساسية للفعل القانوني، لأنَّ الشرع الإيجابي لا يمكن أن يُعوّض بشيء لم يكن، كحالة نقصان أحد العناصر . وقد أكَّد قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في خطابه أمام عميد وأعضاء المحكمة رومانا 29/ كانون الثاني 2004(رقم 4) أنَّ الافتراض القانوني لصحّة الزَّواج لا يُعتبر قاعدة استثنائية أمام النظام العام بالمعنى العكسي. إنَّما يتعلّق بتطبيق افتراضية على الزَّواج التي تُشكل مبدأ أساسي لكل نظام قانوني: فالأفعال الإنسانية الجائزة في حد ذاتها والتي تؤثر في العلاقات القضائية يُفترض أنَّها صحيحة، وإن قُبلت البيّنة لعدم صحته بشكل واضح. فهذا الافتراض لا يمكن أنْ يُفسر كمحض حماية لوضع ثابت"status quo" كما هو، بما أنَّ إمكانية الطعن بالفعل ضمن حدود المعقول، قد أُخذ بالحسبان. مع ذلك، الشيء الذي يبدو ظاهرياً قائماً بشكل صحيح، بقدر ما أنَّه يدخل في مجال الجواز، يستحق مبدئياً اعتباره صحيح والحماية القانونية، بما أنَّ المرجع الظاهري هو الوحيد الذي من خلاله النظام يُعِِدّ بشكل واقعي للتمييز بين الظروف والذي يجب أن يُقدم لها الحماية. فالافتراض العكسي، أي واجب تقديم البيّنة الايجابية لصحة الأعمال المذكورة، يعني عرض الأشخاص إلى مُستلزم مستحيل التنفيذ تقريباً. بالفعل البيّنة يجب أنْ تتضمَّن عديد من الافتراضات المسبقة والمستَلْزمات الفعل، التي لها امتداد واضح غالباً في الزمان والمكان والتي تشمل سلسلة واسعة جداً من أشخاص وأعمال مسبقة ومترابطة".

لذلك الزَّواج المحتفل به قد يبدو صحيحاً وفقاً للشرع الكنسي، ولكنّه في الحقيقة باطل، إما بسبب مانع مُبطِل لم يُنتبه إليه، وإمّا لعيب ما جوهري في بذل الرضى أوفي الصيغة القانونية. فمن الطرق لمعالجة الزَّواج الباطل إمّا إعلان بطلان الزَّواج بوسيلة قضائية في المحاكم الكنسيّة وفقاً للقوانبن (1357-1377) وإمّا بتصحيح الزَّواج الباطل (ق. 843-852). فتصحيح زواج معيّن، محتفل به باطلاً، هو إعلان صحّته بوسيلة الإجراءات الإدارية.

والمحكمة الكنسيّة المختصة الابتدائية والاستئنافية، لكي تعلن بطلان الزَّواج، تقتضي أن يتولّد لدى القاضي الكنسيّ قبل النطق بالحكم اليقين الأدبي والقضائي بخصوص بطلان الزواج، يستمدَّه من الأعمال والبيّنات القانونية. وعندما لا يتوصّل القاضي إلى اليقين الأدبي بسبب نقص في الأدلة والإثباتات، عليه أن ينطق بعدم اتضاح حقّ المدّعي ويصرف المدّعى عليه مبرّءاً (ق. 1291). ما ينتج عن هذا، أنه غير جائز الاحتفال بزواج أخر قبل أن يتضح شرعاً ويقيناً عدم صحّة الزَّواج السابق أو انحلاله (ق. 802 البند2). في حالة الشكّ حول صحّة الزَّواج فالافتراض يجب أن يحمي مؤسسة الزَّواج وليس الشخص، سواء في حالة الشكّ بالقانون أو الشكّ بالواقعة.إنَّ مبدأ حماية الشرع "favor iuris" يرتكز على الاعتبارات التالية: 1) الافتراض بصحّة الأعمال القانونية؛ 2) المطلب الطبيعي بحماية ملائمة لمؤسّسة الزَّواج من طرف السلطة العامة لكي تستطيع إتمام غايتها الفردية والاجتماعية.

القانون 827- وإن كان قد تمّ الاحتفال بالزَّواج على وجه غير صحيح بسبب مانع أو عيب في صيغة الاحتفال بالزَّواج المقرّرة في الشرع، يُفترض استمرار الرضى الذّي أبدي إلى أن يثبت العدول عنه. هذا النص يتحدث عن افتراض قانوني بسيط، يتعلق باستمرارية الرضى الزَّوجي، وإنْ اُحتفل بالزَّواج بشكل غير صحيح بسبب وجود مانع أو عيب في صيغة الاحتفال؛ فهنا يتعلق بوجود بطلان موضوعي لكن مجهول بشكل ذاتي . إن المبدأ المذكور في القانون يفتح المجال لتطبيق القوانين 843-852 حول تصحيح الزَّواج العادي ومن الأصل . مثلاً: يكتشف كاهن الرعية وجود مانع كنسي مبطل مجهول من طرف (ب) متزوج، فيمكنه طلب التفسيح بافتراض استمرارية الرضى. عندما يُمنح الطرفُ (ب) التفسيح لا يمكنه الطعن بذات الزَّواج زاعماً عدوله عن الرضى. إلاّ إذا كان بإمكانه أن يبرهن بواسطة محكمة على هذا العدول فالزَّواج سيكون معلناً باطلاً، وإلاّ فالزَّواج سيبقى اعتباره صحيح من منطلق القانون 827.

 

الخاتمة

ألقت الكنيسة الكاثوليكيّة لربع قرن خلا، من خلال الإرشادات والوثائق الكنسيّة، نظرة شاملة وواضحة على الأسباب والنتائج الناجمة عن الواقع المؤلم أمام الزَّواجات الفاشلة التي تشعر الجماعة المسيحيّة أنها معنيّة بها. من هذه الأسباب، كما أوضحها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في خطابه أثناء افتتاح السنة القضائيّة للروتا رومانا، 28كانون الثاني سنة 2003، "هي العلاقة بين العَلْمَنَة وأزمة الزَّواج والعائلة. فإنَّ الأزمة حول معنى الله وحول معنى الخير والشر الأدبي قد أدّت إلى حجب المَعرفة أُسُس الزَّواج نفسه والعائلة الّتي تتأصل فيها. فلاسترداد الحقيقة في هذا المجال، ينبغي إعادة الكشف عن البعد الإلهي الذي هو جوهر حقيقة للزَّواج والعائلة، للتغلب على كلّ الانقسامات التي تَمِيلُ إلى تفريِقَ النواحي الوثنيّة عن الدينيّة كما لو كَانَ هناك زواجان: أحدهما وثنيّ والآخر مُقدّس" . فالعقلية المعاصرة المُعلمَنة تميل إلى تثبِيتَ قيَّم إنسانيّة لمؤسّسة العائلة وتمييزها عن القيم الدينيّة واستقلاليّتها الكاملة عن الرب. فهي خاضعة لنماذج الحياة التي كثيراً ما تُعْرَضُ بواسطة وسائل الإِعْلام. فوسائل الإعلام تُظهِر الأوضاع من منطلق مبادئ إيديولوجية خاصّةً تلك التي تلقي الظّلمة على بعض مفاهيم (حبّ، حرية، عطاء مجرَّد، شخص، حقوق الشخص )، فتجعل العديد من الشبان والشابات يشكّون في إمكانية وجود عطاء حقيقي في الزَّواج يخلق رباطاً أميناً، خصباً وعديم الانفساخ . فهناك من يتسأل اليوم: لماذا ينبغي أن يكون الزوج أميناً إلى الآخر دائماً؟ وهذا السؤال يتحَوَّل إلى شك وجوديّ في لحظات الأزّمة. فنجد انخفاضاً في نسبة الزَّواجات الكنسيّة، أو تأجيّل الزَّواج إلى ما بعد، وزيادة عدد الطلاقات والانفصالات، حتى في السنوات الأولى من الحياة الزّوجيّة.

علاوة على ذلك، هناك الأوضاع الاقتصادية والسيكواجتماعية التي على ضوء تقدّم العلوم الأنتروبولوجيّة والاجتماعية والنفسيّة تحاول التأثير في طبيعة الإنسان البشريّ في بعث اضطرابات ذهنيّة وعاطفيّة أو ضغوطات على الأسرة لتشويه المؤسّسة الزوجيّة . أو ظهور الثورة الجنسيّة التي جعلت من الجنس مادة استهلاكية تتغلّب فيه الأنانية والنرجسيّة على المحبّة الحقيقيّة. فهذه موجة من التيارات ليست بمقصورة على ما يسمى بالمجتمعات المتحضرة، بل إنّها تحدث في كل مجتمع وتصيب مختلف الطبقات الاجتماعية، وخصوصاً تلك المجتمعات التي مازال يعوزها التطور الاقتصادي والتي ينخفض فيها مستوى معيشة الفرد إلى حد الجوع المزمن، فيعمد الشخص إلى تأمين أساسيات الحياة ويؤجل حاجته إلى الكمال من القيم والمبادئ.

والكنيسة تعلم أنَّ هناك ثقافات ونظريات، يحاول بعضها للأسف تشويه رسالة الكنيسة المقدسة، كالمجتمع الاستهلاكي الذي يضع صعوبات تُحدد من قيَّم الحياة الزَّوجية والعائلية، كالذاتيّة أو الفردانيّة التي تفترض "حرية"، يمارس فيها المرء ما يشاء، و"يحدّد" هو نفسه "حقيقة" ما يرضيه أو يعود عليه بالنفع. ولا يرضى أن "يريد" الآخرون منه شيئاً، أو يفرضوا عليه أيّ شيء باسم حقيقة موضوعيّة. وهولا يُريد أن "يعطي" الآخر وفقاً للحقيقة، أو أن يصبح "عطاء مجرداً" . ولا يمكن أن ننكر أن الإنسان يتمركز دائماً في ثقافة خاصّة، لكن لا تحدّده تلك الثقافة بأكمله، فأنَّ في الإنسان شيئاً يسمو فوق الثقافات، وهذا الشيء هو في الواقع طبيعة الإنسان: هذه الطبيعة هي مقياس الثقافة والشرط كي لا تستأثر بالإنسان أيٌ من تلك الثقافات، لكن كي يؤكّد كرامته الشخصيّة في حياة تتفق وحقيقة كيانه العميقة .

لذا أعتقد أنَّ كلمات القديس بولس الرسول "فسيأتي وقتٌ لا يحتملُ فيه النَّاس التَّعليمَ السَّليم، بل يُكدِّسون المعلِّمين لأنفسهم وفق شهواتهم لما فيهم من حكَِّةٍ في آذانهم فيُحوِّلون سمعهم عن الحقّ وعلى الخُرافات يُقبِلون" (الثانية إلى طيموتاوس 4، 3-4) تجد نفسها في واقع حياة الكنيسة، وفي حياة المجتمع أيضاً بشكل عام، ويمكن أن يكون لها صدى واضحاً في حقل العائلة، والزَّواج. لكنَّ الكنيسة موقنة كل اليقين أنَّ ما يضعه الإنسان بحقّ في الزَّواج والعائلة من آمال لا يتحقّق إلاّ بالقبول الإنجيل" . فهي حفاظاً على كل ما يتعلق بالزَّواج من حقيقة، أعطت العديد من الردود أمام المصاعب الزَّوجيّة، من بينها الاعتراف بموضوعية الزَّواج، كهبة متبادلة ممكنة أُعطيت من الله نفسه. فالكنيسة ترجو من الزَّوجين "تحمّل الالتزامات الناتجة عن زواجهما بمحبة وتضحية، ففي كلّ زواج يُصْبحُ سرّ الخلاص حاضراً، بواسطة مشاركة حقيقيّة في صليب المسيح، وفقاً لتناقض المسيحي الذي يربط السعادة بتحمّل المعاناة بروح الإيمان. فإن الخلافات الزّوجيّة يجب ألا تكون مخرجاً إلى بطلان الزَّواج، بل بالأحرى مدخلاً إلى التفتيش عن حلول ترتكز على سر الفداء وقيامة السيد المسيح، لتؤدي إلى عودتها للمصالحة مع الله ومع بعضهما معاً". بهذا البعد الديني يجب على الأزواج المسيحيّين أن ينموا باستمرار في شراكتهما عبر أمانتهما اليومية لوعديهما الزوجي وأن لا يسيرا على هواهما، بل أن يخضعا أبداً لسلطان ضميرهما، على خطّ الشريعة الإلهيّة، وأن يُذعنا لسُلطة الكنيسة التعليميّة التي تفسُّر هذه الشريعة على ضوء الإنجيل تفسيراً صحيحاً (الكنيسة في عالم اليوم، عدد 50). من هذا المنْظُور لا بُدّ من مسار تعليميّ دينيّ يؤمنّه رعاة الكنيسة للأزواج من خلال الإعداد للزَّواج الذّي لا يمكن أن يقتصر على إطلاع بسيط لما هو عليه الزَّواج بالنسبة إلى الكنيسة، بل يجب أن يكون هناك مخطط تثقيف حقيقيّ للأشخاص، بواسطة تربية على الإيمان والفضائل .

بهذا الشكل يمكن أن تُثار في نفوس هؤلاء الذّين يتهيؤن للاحتفال بزواجهم، الشروط الأخلاقية والعقلية والروحية الضرورية لتحقيق حقيقة الزَّواج الطبيعي والأسراري . هذا الإعداد يتّسم بأهميّة بحيث لا يمكن أن يخضع الزَّواج للارتجال ولخيارات متسرّعة. وإلاّ فالنتائج الناجمة عن مثل هذا التصرّف كثيرة، علاوةً على الشريك في الحبّ، ثمّ الأولاد الذّين يُحرمون من عطف والدهم أو والدتهم، ويُقضى عليهم بأن يكونوا، في الواقع، يتامى والدين مازالا على قيد الحياة" .

فإنَّ العمل الإيجابي لتجاوز الخلافات الزوجية ولمساعدة المؤمنين الذين يعيشون في أوضاع زوجية غير نظاميّة، ينبغي وجود مشاركة الجميع في الكنيسة: الكهنة، رِجال القانون، المختصون في العلوم النفسيّة والتحليل النفسيّ، لاسيّما أولئك الّذين تَزَوَّجُوا وعندهم تَجْربة حياة .

وأخيراً، يجب الإشارة إلى المسؤولية التي تنصّب على رعاة النفوس أولاً:"وفقاً لاحتياجات المكان والزمان، اتّخاذ الوسائل الملائمة لدرء جميع الأخطار المؤديّة إلى الاحتفال بالزَّواج على وجه غير صحيح وغير جائز؛ ولذلك يجب قبل الاحتفال بالزَّواج، أن يتّضح عدم وجود ما يحول دون صحّة الاحتفال به وجوازه (ق. 785 البند1). ثانياً ومن يتعاون معهم بالا يستسلموا إلى الوجه البيروقراطي في الاستجوابات ما قبل الزَّواج وفقاً للقانون اللاتيني 1067(الشرقي 784)؛ تدّخلهم الرعويّ يجب أن يتوجَّه لمساعدة الأزواج مُدركين بأنَّهم يستطيعوا كشف الخير الطبيعي والفائق الطبيعي للزَّواج في تلك اللحظات، وأن يلتزموا في متابعتها . من هذا المنظار ينبغي على القاضي الالتزام الجديّ المنصوص بشكل شرعي وفقاً للقانون 1676 (1362 الشرقي) في تفضيل والبحث عن إمكانية تصحيح الزواج والمصالحة بشكل فعليّ. طبعا هذا السَنَد يجِبُ أن يَسُودَ قبل اللْجوء إلى المحاكم: فتُضاء الضمائر على وجه الهدوء بالحقيقة من خلال المساعدة الرعويّة حول الواجب الأمانة الفائق الطبيعي بطريقة أفضل وجذاب . لذا على القضاة ألاّ يُظهروا استعدادهم في تسهيل إعلان بطلان الزَّواج في الأحكام الصادرة عن المحاكم الكنسيّة وأن يَجِدُوا وسائل فعليّة لتفضيل الاتّحاد الزوْجيّ؛ وكما ينبغي على المُحَامين أن يَرْفُضُوا استعمال مهنتهم لهدف ضُدّ العدالة كما هو الطلاق. "فالميل إلى توسيع بطلان الزَّواج بشكل آلي، مع نسيان الأفق لحقيقة الزواج الموضوعية، يؤدي إلى التواء عنيف للمسار الشكلي والداخلي للمحاكمة" .

 

 

مصادر هذا الحديث

كتب :

*      الياس رحّال، فسخ الزَّواج لصالح الإيمان…والإنسان، بيروت- لبنان، 2001.

*      بشاره الراعي، "التلجئة في الرضى الزواجي"، ندوات "مجلة قوانين الكنائس الشرقية"، الكسليك – لبنان 1992.

*      دنتسنغر-هونرمان، الكنيسة الكاثوليكية في وثائقها، الجزء الأول والثاني ، ترجمة المطران يوحنّا منصور –الأب حنّا الفاخوري، منشورات المكتبة البولسية، 2001.

*      ALWAN, H., in "Commento al Codice dei Canoni delle Chiese Orientali", a cura di Pio Vito Pinto. Città del Vaticano, 2001

*BERSINI, F., Il Diritto Canonico matrimoniale, Torino 1994, 131

  *      EID, E., “La definizione del matrimonio e le sue proprietà essenziali”, Studi Giuridici XXXII, (1994) Città del Vaticano, 98.

*      GAETANO Lo Castro, “Il Foedus matrimoniale come consortium totius vitae”, Studi Giuridici XXXI, Città del Vaticano 1993, 72.

*      GROCHOLEVSKI. "De Communione Vitae in novo schemate: De matrimonio juridico amoris Conjugalis", Periodica 68 (1979).

*      JULIO GARCIA MARTIN, Le norme generali del Codex Iuris Canonici, Roma 1999.

*      MARIO Francesco Pompedda, in "Commento al Codice dei Canoni delle Chiese Orientali", a cura di Pio Vito Pinto. Città del Vaticano, 2001.

*      NAVARRETE, U., “Il matrimonio, contratto e sacramento”, Studi Giuridici XXXI,Citta del Vaticano (1993).

*      NAVARRETE, U., "Questioni sulla forma canonica ordinaria nei Codici Latino e Orientale", Periodica 85 (1996).

*      NAVARRETE, U., “Acta IOANNIS PAULI PP. II Allocutio ad praelatos officiales Rotae Romanae die 27 Ianuarii 1997 Habita”, Periodica 86 (1997).

*      Pio Vito Pinto, Commento al Codice Dei Canonci delle Chiese Orientali, Città del Vaticano 2001.

*      PRADER, J., Il Matrimonio in Oriente e Occidente, in Kanonika 1, Roma 1992.

 *      PRADER, J., La Legislazione Matrimoniale Latina e Orientale, Roma 1993.

*      PRADER, J., "Differenze fra il diritto matrimoniale del Codice Latino e quello del Codice Orientale che influiscono sulla validità del matrimonio", Ius Ecclesiae, 5 (1993).

*      SALACHAS, D., Il Sacramento del matrimonio nel Nuovo Diritto Canonico delle Chiese Orientali, 32.

 

وثائق :

    *  البابا يوحنّا بولس الثاني، إرشاد رسولي إلى الأساقفة والكهنة ومؤمني الكنيسة الكاثوليكية جمعاء في وظائف العائلة المسيحية في عالم اليوم1980.

*      المجلس الحبري لتعزيز الوحدة بين المسيحيين، دليل لتطبيق مبادئ الحركة المسكونية وقواعدها، حاضرة الفاتيكان 1993.

*      البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة إلى الأسر، 2 شباط 1994.

*      مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، منشورات المركز الفرنسيسكاني للدراسات الشرقية المسيحية، القاهرة 1995.

*      المجلس الحبري من أجل العيلة، الإنسان والجنس حقيقة ومدلول. توجيهات من أجل التربية في العيلة، حاضرة الفاتيكان، 8 كانون الأول 1995.

*      توجيه لتطبيق المبادىء الليترجيّة الواردة في "مجموعة قوانين الكنائس الشرقية"، أٌصدر من مجمع الكنائس الشرقية 1996.

*      المجلس الحبري للعيلة، الإعداد لسر الزَّواج، 1996.

*      المجلس الحبّري للعائلة، الأسرة، الزَّواج و"قرانات الأمر الواقع" حاضرة الفاتيكان، 2000.

عن موقع جمعية التعليم المسيحي بحلب