سر المحبة: إرشاد رسولي للبابا بندكتوس

الهدف : أحيا حماس جديد وتقوى إفخارستية في الكنيسة انطلاقاً من التراث العقائدي والتقليدي عبر الأجيال وتعميق العبادة الإفخارستيا والعمل الطقسي كسر للمحبة .

 

الفصل الأول : الإفخارستيا سر الإيمان

         " عمل الله هو أن تؤمنوا بمن أرسله " ( يو 6 : 29 )

         " عظيم هو سر الإيمان " هذه العبارة تلي كلام التقديس في الطقس اللاتيني ، ومعناها أن ما تم من تحول جوهري للخبز والخمر حقيقة لسمو كل مهتم بشرى ، فالإفخارستيا هي " ملخص الإيمان ومجمله " ، كلما زاد الإيمان الإفخارستي في شعب الله كلما تعمقت شركته في سر الكنيسة ، كل نهضة كنسية مرتبطة بتعمق العلاقة بالحضور الإفخارستي

 

الثالوث والإفخارستيا

         يسوع في الإفخارستيا لا يقدم لنا شيئاً بل يعطي ذاته جسداً دوماً ، فهو الابن عطية الآب "أبي يعطيكم الخبز " ( يو 6 : 32 ) " أنا هو خبز الحياة " ( يو 6 : 5 ) وهذا يتم بالروح سواء في التجسد أم في التحول الإفخارستي ، يلتزم الثالوث كله بوضعنا البشري ز خبز – خمر – جسد – دم  ليقدم ذاته كحياة أبدية كاملة ، المسيح هو نفسه يشركنا في سر الحب الثالوثي ويدعونا " إن رأيت الحب فقد رأيت الثالوث "

 

افخارستيا حمل حقيقي

         عهد جديد أبدي في دم الحمل الجديد ابن الله الذي أتم كل شيء ففي جسد المسيح الابن الحمل المصلوب عادت لتلتقي من جديد حرية الله بحرية الإنسان في عهد لا ينفصم إلى الأبد ، تم التحرير من الموت والشر ، وفي الإفخارستيا تكلم المسيح عن كدم مهرق فقد شهد يوحنا حين رآه "هذا هو حمل الله حامل خطايا العالم " ( يو 1 : 29 )

 

         بتأسيسه الإفخارستيا في عيد الفصح يشير المسيح وينبئ إلى ذبيحة الصليب ويضمها إلى انتصار القيامة والتحرر النهائي من الشر .

 

         حين يوصي الرب " أصنعوا هذا لذكري " يلغي الذبيحة الفصحية القديمة فالصورة قد تحولت إلى حقيقة وتم تجاوز الرمز إلى الحقيقة .

 

الروح القدس والإفخارستيا

         في الكلمة والخبز والخمر تكتمل العناصر الأساسية للعبادة الجديدة والاحتفال يقوده ويتممه الروح القدس في كل زمان ومكان وهو كلي الحضور في حياة يسوع منذ الحبل به وفي عماده وفي كرازته به يتهلل ( لو 10 : 21 ) وبه يقدم ذاته وهو الذي يعلم التلاميذ ، إذن بقوة الروح القدس يبقى المسيح ذاته حاضراً أو فاعلاً في الكنيسة من خلال الإفخارستيا ، حيث نطلب في صلاة حلول الروح القدس أن يحل ويقدس القرابين ويحولها وهو نفس الروح الذي يجمع المؤمنين في جسد واحد جاعلاً منهم تقدمة روحية ترضي الله الآب .

 

الإفخارستيا والكنيسة

         ولدت الكنيسة من جنب المسيح على الصليب وبواسطتها وبالتحديد عن طريق الافخارستيا يُدخل المسيح المؤمنين في " ساعته "

 

         وبما أننا نشارك في جسد ودم المسيح فلنكن متحدين في جسد واحد الافخارستيا في جسد الكنيسة هي سر الوحدة ، وحدة جسد الرب السري واحتجابه تتضمنان وحدة جسده السري الذي هو الكنيسة الواحدة وغير المنقسمة ، إنطلاقاً من مركزها الافخارستي يتحقق للكنيسة هذا الانفتاح الضروري ويجد كل مؤمن ذاته وتتجلى الطبيعة الكاثوليكية للكنيسة .

 

 

الإفخارستيا والاسرار

كل الأسرار والخدمات الكنسية مرتبطة بالافخارستيا

الافخارستيا والتربية الكنسية والمسيحية

         هدف التربية الكنسية وغايتها هو الوصول إلى ماهية هو السر فنحن تعمدنا وتثبتنا إعداداً للإفخارستيا التي تكمل فينا مواهب الروح القدس ونقبل بالتنشئة المسيحية إلى كمالها وتتثبت كمركز وغاية كل حياة الأسرار لمساعدة كل مسيحي على النضوج بإعطاء حياته ركيزة إفخارستيا فيصير شاهد للرجاء .

 

الافخارستيا وسر المصالحة

         محبة الافخارستيا تعطي قيمة عظيمة لسر المصالحة وعلاقتها جوهرية وحضارة العصر تريد إزالة معنى والإحساس بالخطيئة والتناول من الافخارستيا يتطلب البقاء في حالة النعمة فقدان الشعور بالخطيئة يقود إلى السطحية ، العلاقة بين الافخارستيا والمصالحة تذكرنا بأن الخطيئة ليست أبداً حقيقة شخصية محضة ، فهي تترك دوماً جرحاً داخل الجماعة الكنسية ، لذا فسر المصالحة كمعمودية متعبة كما يقول القديس يوحنا الدمشقي وغايتها العظمى هو إعادة الشركة الكنسية الكاملة التي تتجلى في الافخارستيا

·        ضرورة العودة إلى تربية توبة افخارستية

·        تكوين كهنة مسحاء واجتهاد لسر المصالحة

·        أن يسهر الرعاة ملياً على خدمة هذا السر

·        ممارسة الغفرانات تكسب توبة وغفراناً

 

الافخارستيا ومسحة المرضى

         أرسل يسوع تلاميذه ليشفوا المرضى وأسس لهم هذا السر الذي يعلن أن آلام المسيح وموته تحولا إلى سر محبة ، فالمسحة تدمج الشخص المتألم بتقدمة ذبيحة المسيح وتشركه في خلاص العالم ومن ثم العبور إلى الآب فبالتناول ينفتح أمام المرضى طريق العبور إلى الآب من خلال الاتحاد بجسد أبنه .

 

الافخارستيا والكهنوت

         أسس يسوع الافخارستيا والكهنوت عشية موته في خميس العهد والعلاقة بينهما جوهرية فلا يستطيع أن يرأس القداس سوى الكاهن وهو هنا يمثل المسيح الرأس والراعي وكأداة طبيعية في يدي المسيح بكل تواضع وطهارة وتجرد من الذاتية ، فالكهنوت هو رسالة عمل حب حسب قول القديس أغسطينوس .

         فلا افخارستيا بدون كهنوت ولا كهنوت بدون افخارستيا .

 

الافخارستيا وبتولية الكهنوت

         الكهنوت تشبه تام بالسيد المسيح ومع الاحترام الكامل للتقليد الشرقي في إمكانية عدم بتولية الكهنة فالبتولية في معناها العميق تعتبر كنزاً حقيقياً لا يقدر يدلك على ذلك التقليد الشرقي نفسه فيما يتعلق برسامة الأسقف ، فالبتولية تقدمة مطلقة للملكوت والمسيح عاش حتى ذبيحة الصليب في البتولية وهو المرجع الأكيد . فالبتولية الكهنوتية المعاشة بنضج وفرح وغيرة هي بركة للكنيسة وللمجتمع ذاته .

 

الافخارستيا والزواج

         الافخارستيا سر المحبة وهي سر الفداء ، سر حب العريس للعروس وقد شبهت العلاقة في الزواج بعلاقة المسيح بالكنيسة ، والافخارستيا تعمق بصورة لا تحد الرباط الزوجي ، والعائلة هي الكنيسة المنزلية وهي النواة الأساسية في حياة وعمل ورسالة الكنيسة ودورها حاسم في تربية الأولاد ، والرباط الأمين غير المنفصم والواحد الذي يجمع بين الكنيسة بالمسيح يجد تعبيره في الافخارستيا وعدم انحلال الزواج في الكنيسة الكاثوليكية إشارة إلى الحب الدائم من الله لكنيسته .

 

الافخارستيا والاسكاتولوجيا

         هي الوليمة الاسكاتولوجية السماوية عطية الله للإنسان المسافر والمنتقل من هذا العالم ، فالإنسان مخلوق للسعادة الحقيقية التي لا يمنحها إلا حب الله " نحن أناس عابرون " وليس لنا في هذا العالم من مدينة ثابتة ، فعن طريق الافخارستيا تشترك منذ الآن بالإيمان بكمال حياة المسيح القائم من الموت ، والافخارستيا في بعدها الاسكاتولوجي القوي تأتي في عون حريتنا المسافرة .

 

الافخارستيا ومريم العذراء

         نرى في مريم العذراء عمل الله السري الذي يشركها في عملية الخلاص ، فمنذ البشارة حتى العنصرة تبدو مريم بنت الناصرة كشخص جاهز وقابل بحرية كاملة الخضوع لمشيئة الله ، فالإيمان المطيع هو طابع حياتها منذ الحبل بها بلا دنس حتى كل مراحل حياتها ، نراها عذراء بتول متناسقة منصته بعمق وتحيا في تناغم تام مع إرادة الله .

 

         كل مرة نقترب إلى الافخارستيا نحول نظرنا نحو تلك التي قبلت باسم الكنيسة جمعاء ذبيحة الصليب واتحدت بها اتحاداً كاملاً وقد أكد أباء المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني أن مريم تدشن اشتراك الكنيسة في الذبيحة الخلاصية .

 

الفصل الثاني : الافخارستيا سر يجب أن نحتفل به

شريعة الصلاة وشريعة الإيمان

         ركز سينودس الأساقفة طويلاً على العلاقة الجوهرية التي تربط بين الإيمان الإفخارستي والصلة ، وأكد على الربط بين الصلاة والإيمان ، فمن الضروري أن نعيش الافخارستيا كسر إيمان مرتبط بطقوس الكنيسة فلا يمكن أن نهمل صيغة السر التي وضعها الرب يسوع ذاتهع لكن من جهة أخرى لا يمكن عزل العمل الطقسي عن سر الإيمان منها من نبع واحد أصله عطاء يسوع لنفسه على خشبة الصليب .

 

         العلاقة بين السر الذي نؤمن به والسر الذي نحتفل به تعطي للجمال قيمة لاهوتية " أنها بهاء الحقيقة " ففي الطقوس وغيرها يسطع السر الفصحي الذي يجذبنا إلى المسيح ويتحدنا به .

 

         جمال الطقوس هو جزء من جمال سر الافخارستيا وهو بموسيقاه وألحانه وزهوره وألوانه وحسن الإعداد له والخشوع في تأديته هو أسمى تعبير عن بهاء الله ومجده .

 

الاحتفال بالافخارستيا يمثل عمل المسيح كله

         الجمال في الافخارستيا موضوعه ذبيحة المسيح ويسوع القائم من الموت والممجد في الروح القدس والذي يشمل الكنيسة جمعاء في عمله " هذا الخبز الذي ترونه على المذبح وقد تقدس بكلام الله ، هو جسد المسيح والكأس وبالأحرى ما تحويه الكأس وقد تقدس بكلام الله هو دم المسيح بهذه العلامات أراد المسيح أن يوكل إلينا جسده ودمه الذي أحرقه لأجلنا لمغفرة الخطايا ، إن كنتم قد قبلتموهما كما يليق ، فأنتم قد قبلتم ذواتكم " ( عظة للقديس أغسطينوس 227 ) لذلك " أصبحنا ليس فقط مسيحيين بل المسيح ذاته " ( القديس أغسطينوس ، يو 21 : 8 ) ، " فالمسيح ليس موجوداً في الرأس فقط دون أن يكون موجوداً في الجسد ، المسيح موجود بكماله في الرأس وفي الجسد " ( المرجع السابق )

 

الافخارستيا احتفال بالمسيح القائم من الموت

         يؤكد القديس بولس ( 1 كور 11 : 23 ) : أنه لا ينقل لنا عقيدة شخصية بل ما قد تسلم هو ، ويزيد في ( 1 كو 3 : 11 ) : " لا يقدر أحد أن يضع أساساً غير الموضوع وهو يسوع المسيح" . الاحتفال الافخارستي هو تقليد الكنيسة الحي تحتفل به تنفيذاً لوصية الرب يسوع انطلاقاً من آلامه وموته وصولاً إلى قيامته وانتظاراً لمجيئه ، لهذا ومنذ البدء كانت الجماعة المسيحية تجتمع وتلتف وتتوحد معاً مواظبين على الصلاة وكسر الخبز والاحتفال الطقسي يجب أن يساعد المؤمنين على فهم المقدسات لذلك يجب احترام الطقوس سواء في المباني الكنسية أو الكتب الطقسية أو حتى الخدمة الأسرارية والألحان الكنسية ، فكما يقول القديس أغسطينوس " الإنسان الجديد يعرف ما هو النشيد الجديد ، الترانيم هو تعبير عن الفرح ، تعبير عن الحب " لذلك يجب تجنب الارتجال أو استخدام عناصر غير مناسبة طقسياً في الاحتفالات وكل ما يخص الطقوس .

 

ليتورجية الكلمة والعظة

         يجب أن تعد القراءات وأن تعاش كما يجب فهي إعلان حكمة الله يجب أن نسمعها بكل اهتمام فعبرها يتكلم الله مع شعبه ويبشر المسيح بإنجيله .

 

         لذلك من الضروري مساعدة المؤمنين أن يتعرفوا على قيمة الكتاب المقدس من خلال الاحتفال بالافخارستيا أو باقي الأسرار أو حتى في احتفالات الكلمة بالقراءة المصلية ، فصلاة كالمزامير والقراءات الكتابية قادرة  أن تقودنا إلى اختبار عميق لعمل المسيح وتدبيره الخلاصي .

 

( 1 )   العظة " هي جزء من العمل الليتورجي " ووظيفتها مساعدة المؤمنين على فهم كلمة الله بحيث يعيشوا بها في حياتهم بطريقة أفضل ، لذلك على الكهنة " أن يعدوا العظة بعناية مرتكزين على إلمام جيد بالكتاب المقدس " ( نفس المرجع ) يجب تجنب العظات العامة والنظرية ، بل يجب أن تضع العظة كمحور لها العلاقة بين الكلمة والحياة ، علينا ألا ننسى أبداً أن هدف العظة كرازة وبشارة بالفصح مستوحاه من تعليم الكنيسة الرسمي ذي الركائز الأربع

1 –     إعلان الإيمان

2 –     الاحتفال بالسر المسيحي

3 –     الحياة في المسيح

4 –     الصلاة المسيحية

( المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ، الليتورجية المقدسة ، المقدمة العامة للقداس في الطقس اللاتيني ، عدد 7 ، 33 ، 52 )

 

الصلاة الافخارستية ( صلاة التقديس )

         أو الأنافورا وهي مركز وزروة كل الاحتفال وقد وصلت إلينا عبر التقليد الكنسي الحي وفيها غنى لاهوتي وروحي عميق لا ينصب حيث تتم الذبيحة التي أسسها المسيح ذاته في العشاء الأخير لذا تدعو الكنيسة الروح القدس بطريقة خاصة أن يحل فيقدس القرابين الموضوعة ويحولها إلى جسد ودم المسيح من أجل خلاص كل الذين يتناولونه بإيمان .

 

         كذا قبلة السلام التي تسبق ( في طقسنا القبطي ) كلام التقديس تعطي بعداً سرياً خاصاً وقيمة روحية مهمة ، نطلب من الرب نعمة السلام والوحدة للكنيسة وللأسرة البشرية بأجمعها ، والمسيح وحده هو الحاضر في الافخارستياوهو القادر أن يصالح الشعوب والأشخاص ويوحدهم في جسده .

 

         لا شك أن الاشتراك العام في الافخارستيا يتحقق عندما نتقدم شخصياً من المذبح لقبول المناولة .

 

مشاركة المسيحيين الغير كاثوليك [ لا داعي ]

         المسيحيون المنتسبون إلى كنائس أخرى غير متحدة مع الكنيسة الكاثوليكية ، هل يمكن أ، يشاركوا في التناول ؟

 

أولاً :   هناك علاقة جوهرية بين الإفخارستيا ووحدة الكنيسةورجاؤنا جميعاً أن تصل يوماً إلى أن نحتفل بها جميعاً سوياً .

ثانياً :   احترامنا لسر الافخارستيا يمنعنا من استخدامه كأداة أو " وسيلة " للوصول إلى الوحدة دون تمييز لذلك نطلب " بألم " لكن ليس " بيأس " المسيحيين غير الكاثوليك بعدم التقدم إلى المناولة في الكنائس الكاثوليكية ، فالمناولة والوحدة مرتبطان بعمق بحيث يصبح مستحيلاً للمسيحيين الغير كاثوليك أن يتمتعوا بالواحدة ( أي التناول ) ودون الأخرى وهي الوحدة.

 

          لكن لحالات معينة " حالة الضرورة " يمكن أن يُقبل مسيحيون غير كاثوليك ، بطريقة فردية في الافخارستيا والمصالحة ومسحة المرضى تحت ظروف معينة واستثنائية وبشروط دقيقة .

 

احترام الافخارستيا والسجود القرباني

         ازدياد الوعي بسر الله الحاضر بيننا هو علامة احترامنا للافخارستيا وذلك من خلال الحركات الطقسية والوضع الجسدي كالركوع والسجود " لا يأكلن أحد هذا الجسد قبل أن يسجد له فإن لم نسجد له نخطأ " ( القديس أغسطينوس ) ففي هذا السر يأتي ابن الله إلى لقاءنا ويرغب في الاتحاد بنا وقبولنا للافخارستيا يعني أن نأخذ موقف العبادة نحو ما نقبله ، فهكذا فقط نصبح واحداً معه ونتذوقه والاستقبال العميق الحقيقي لا ينضج فعلاً إلا في السجود .

 

         أوصي رعاة الكنائس وشعب الله بممارسة العبادة الافخارستيا فردية كانت أم جماعية ، وفي الإعداد للمناولة الاحتفالية أن ينشأ الأطفال على معنى وجمال وجودهم برفقة يسوع .