الكرسي الرسولي حول الأشخاص المتنقلين

"عولمة العدالة والتضامن، أفضل ضمانة للسلام"

جنيف، الثلاثاء 14 أكتوبر 2008 (Zenit.org).

 ننشر في ما يلي التصريح الذي أدلى به رئيس الأساقفة سيلفانو توماسي، المراقب الدائم للكرسي الرسولي لدى الأمم المتحدة في جنيف، في الاجتماع السنوي للجنة التنفيذية الذي عقدته وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقد اختتم الاجتماع يوم الجمعة.

***

سيدي الرئيس،

1- حالياً، يسلط الرأي العام الضوء على أزمة الأسواق المالية، على الشكل الحالي للنظام الاقتصادي، وعلى عدم مسؤولية بعض المدراء وجشعهم، الأمرين اللذين أديا إلى هذا الوضع. وتؤثر نتائج هذه الأزمة الكثيرة التعقيد تأثيراً خطيراً على المجموعات الأكثر فقراً في المجتمع، وتدل فعلاً على الترابط، وعدم الإنصاف في عالم اليوم.

هذا وتواجه الأسرة الدولية تحديات إضافية ملحة جداً، إذ أن التغير المناخي يؤدي إلى النقص في الأغذية والمياه، إلى التدهور البيئي وازدياد الكوارث الطبيعية. إن هذه العوامل مجتمعةً مع صراعات متصلة في بعض المناطق، تسبب في ارتفاع حدة النزوح القسري، وتزيد شكنا في قدرتنا على تأمين الحماية والمساعدة للنازحين. ومن جهة أخرى، يمكن لهذا الوضع أن يوقظ من جديد الوعي بأن تحديد ازدهار أو معاناة "القرية العالمية" هو مسؤولية مشتركة فعلاً.

2- أما الكوارث التي تحدثها الطبيعة والإنسان فإنها تعرض ملايين الأشخاص والعائلات لظروف فقر مدقع، ولانتهاكات في حقوق الإنسان الأساسية الخاصة بها. هذه الأوضاع التي لا تحتمل تحول دون بقائهم في مكان عيشهم الاعتيادي، على الرغم من رغبتهم في ذلك. وبالنظر إلى المستقبل، تبدو أوضاع الأشخاص المهجرين أكثر اكتئاباً وغموضاً من أي وقت مضى. وبسبب ظهور هذه التعقيدات الجديدة وتشابكها، تقوم أمام مناقشاتنا عن الحماية عوائق مهمة. لذا فإن الاستجابات السياسية، والمساعدة الفورية، والمهارة التقنية هي ضرورية. من ناحية أخرى، يجب أيضاًَ الإقرار ببعد أخلاقي واضح، ووضعه في محور النقاش بصوغ قرارات حول كيفية التقدم مع حماية مناسبة.

لقد شارك وفد الكرسي الرسولي باهتمام كبير في المناقشات حول الحماية، داعماً الأولوية المعطاة إلى هذه المسألة الملحة في المبادرات الأخيرة للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة مثل المقررات عن الشرط حول الحماية الدولية بما فيها أشكال الحماية الملحقة (2005)، القرار حول النساء والفتيات المعرضات للخطر (2006)، القرار حول الأطفال المعرضين للخطر (2007)، حوار اللجنة حول تحديات الحماية (2007)، وجدول الأعمال من أجل الحماية (2002). وفي الواقع، فوضت الجمعية العمومية المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة من أجل توسيع قدراتها على الحماية لتساعد جماعات جديدة: الأشخاص اللاجئين، العائدين، ومجموعات من الأشخاص النازحين داخل البلد الواحد. على مر السنوات، كان مفهومي "تحديد المجموعات"، و"الحماية المؤقتة" يُطرحان عند درس حالات حركات النزوح الكبيرة. إضافةً إلى أن الاتفاقيات الإقليمية ومقاربة المجموعة وسعت مجال الحماية والقدرة على الاستجابة.

3- إن عملية إنذار الدول بالمتطلبات الجديدة للحماية تظهر طريقة عملية وفهماً فعالاً لتضمين اتفاقية اللاجئ 1951، وبروتوكول 1967 المتعلق بها. ضمن هذا النشاط، ومن خلال اتفاقيات إقليمية، قامت دول بالاطلاع على واقعها المحلي، ووافقت على مقاربة أكثر شمولية وملاءمة بتكييف شروط قانونية مع تطور التنقل القسري ومع الأوضاع الجغرافية. أما القرار العام الأخير حول الحماية الدولية الذي أُحيل إلى الموافقة، فإنه يشير بحق إلى بعض المشاكل الحالية من تعصب وفشل في تلبية حقوق اللاجئين، في الوقت الذي يشجع فيه على الحفاظ على قانون حقوق الإنسان الدولي المناسب كنقطة مرجعية مهمة. وفي الواقع، يبدو أن هناك حاجة إلى توسيع دائرة التفكير والشروط القانونية لتشمل مجموعة أوضاع الأشخاص المهجرين قسراً التي تتغير باستمرار.

4- لقد نجحت الأسرة الدولية في إبرام اتقاقيات واضحة وشجاعة لحماية اللاجئين من العنف والاضطهاد من خلال اتفاقية اللاجئ 1951، وبروتوكول 1967، ومن خلال اتفاقيات إقليمية إضافية. وتشكل اتفاقيات اللاجئين الموجودة بداية المجموعة التي يمكننا أن نضع على طرفيها الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية من أجل حماية المهاجرين العمال وعائلاتهم. والآن، بين هذين القطبين، هناك الملايين من الأشخاص الآخرين المهجرين قسراً جراء التصحر، والمجاعة، والتغير المناخي، والقمع العام، وانتهاك حقوقهم الإنسانية. ويبقى العديد من الأشخاص داخل بلادهم من غير الحصول على الحماية الضرورية، فيما يعبر العديد منهم حدود البلدان المجاورة بحثاً عن الراحة. من الممكن أن يصبح البعض من هؤلاء الأشخاص المهجرين في حماية المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، كما يحصل للنازحين. وعلى الرغم من أن العديد منهم لا يصنفون من بين اللاجئين، أو العمال المهاجرين، إلا أن الأسرة الدولية لا تستطيع تجاهل حالتهم، ولا إنكار الواجب الأخلاقي لمدهم بالحماية، مهما كانت المهمة صعبة.

5- في عالمنا المترابط، نحن متصلون بجميع الأشخاص المتنقلين من خلال طبيعتنا الإنسانية المشتركة، ومن خلال إدراكنا بأن عولمة العدالة والتضامن هي أفضل ضمانة للسلام والمستقبل المشترك. والسؤال الذي يُطرح الآن هو عن كيفية بدء عملية من أجل تحديد خطط ووسائل لحماية ملايين الأشخاص وسط المجموعة: مسؤولية حمايتهم، تأمين المساعدة لبقائهم الحالي، والمعيار لقبولهم في أماكن أخرى، وتركيبات التنسيق. إن أفضل الأعراف الموجودة وتعهدات حقوق الإنسان بإمكانها أن تخدم كنقطة انطلاق بغية التقدم نحو اتفاقية قانونية.

6- إن تجربة الأسرة الدولية بتطبيق الاتقاقيات القانونية الملزمة تظهر قيمة لجان الخبراء التي تراقب وتنصح بترجمة متقاربة لمضمونها. ولربما تشكل مجموعة مماثلة لاتفاقية اللاجئين ملحقاً مفيداً، ربما ضمن التركيبة الموجودة في المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، في هذا الوقت الذي تختلف فيه المحاكم أحياناً بشكل كبير في قراراتها التاويلية.

7- ختاماً، سيدي الرئيس، إن الجهود المستمرة للحفاظ على حقوق الإنسان الخاصة بالأشخاص المتنقلين قسراً تتوافق مع علم أخلاق ثابت حول الحياة، ومع تطبيق تام للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نحتفل هذه السنة بذكراه الستين. إن التنقل ليس ظاهرة منفصلة عن الوقائع الإجتماعية الأخرى. إنه ينتج عن القرارات السياسية، والإهمال والنقص في العمل الوقائي، وعن الأحداث الطبيعية غير المتوقعة. كما أنه يدخل ضمن مسؤوليات الدول والأسرة الدولية. لذلك، فإن الاستجابة الملائمة غير ممكنة من غير التماسك في عمل الوكالات والفاعلين المعنيين والمفوضين للعمل على إيجاد أفضل الحلول. ويجب على الإنذار المبدع المطلوب لحلول كهذه أن يدفع بالأسرة الدولية إلى القيام بخطوات جديدة في الحماية. وفيما نشهد ضرورة وجود اتفاقيات قانونية، إلا أن ثقافة التضامن، واستئصال أسباب التنقل من شأنهما دعم نظام الحماية.

شكراً سيدي الرئيس

نقلته إلى العربية غرة معيط – وكالة زينيت العالمية

 

عودة الى أعلى الصفحة