المسيحيون أصل الشرق ودرته.. وفاكهته

الشراع

المسيحيون درة هذا الشرق وأصله.. واليوم فاكهته، هم أصل مصر التي حملت اسم مسيحييها الصَبط (Egypt)، كما أعطى السريان المسيحيون اسمهم لسوريا، أما أصل العراق بلد الحضارات المتكاملة بين الآشوريين والكلدانيين فهم مسيحيوه، دون أن ننسى أن الموارنة هم سر لبنان كياناً ودولة.

هذا الذي حصل ويحصل في الموصل أياً يكن المجرم المعروف من وراء حدود العراق وداخله، هو تحد جديد للعرب الذين أوصاهم رسول الله عليه الصلاة والسلام بصَبط مصر خيراً، وعليهم واجب الطاعة، والذين بنوا أمجادهم بتكافل وتكاتف عناصرهم الاجتماعية: مسلمين ومسيحيين دون أي نبذ لليهود إلا الذين أراد منهم الغدر وتوجهوا إلى فلسطين ليشاركوا الصهاينة بناء كيانهم على حساب أبنائها.

العرب الغساسنة حموا هذا الشرق وكانوا خط الدفاع الأول عن حياض العرب في مواجهة التوسع الفارسي، وكانوا جنوداً في جيش سعدب بن أبي وقاص في معركة القادسية التي قوضت إمبراطورة كسرى، وانوا كأقباط مصر اساساً في جيوش صلاح الدين الذي واجه حملات الفرنجة ضد بلاد الشرق وأهله مسلمين ومسيحيين.

المسيحيون العرب لم يكونوا فقط رواداً في الثقافة وحماية وحمل لغة القرآن الكريم فقط، ولا كانوا بناة التربية العربية، وحماة الشخصية العربية في مواجهات محاولات التتريك أو التغريب بل كانوا وسيبقون حملة مشعل الحضارة العربية التي أخذت مكانها تحت الشمس بسبب وحدة نسيجها الاجتماعي دون عنصرية أو طائفية أو مذهبية.

قوة المسيحيين العرب أنهم يعطون للعرب مكانة بين العالم في التسامح وفي الالتـزام بحق المواطنية في الحكم، وفي استمرار النظام المديني تعبيراً أو خطوة نحو المجتمع المنفتح.

ومن يريد إضعاف العرب يبدأ بإضعاف المسيحيين، بعد أن فتك التخلف والتفرقة والفتن بين المسلمين خلال قرون خلت تحت السيادة العثمانية، وخلال عقود تمر بسبب السياسة التوسعية الفارسية.

إخراج المسيحيين من الموصل بهذه الطريقة الهمجية دعوة لتدمير ما تبقى من شخصية العراق بلداً جامعاً يحفظ لبنيه كلهم حقهم في أرضهم لأنهم من أصله ومن بناته ومن أسباب استمراره وطناً ومجتمعاً وسيادة ودولة.

ومن عجائب الأمور وأغربها أن يتم تهجير المسيحيين من الموصل في عهد الاحتلالين الأميركي والإيراني.

الاحتلال الأميركي للعراق تم في عهد رئيس يقرأ الإنجيل مساء قبل النوم وعند الصباح، وكأن من المفترض أن يتدخل لحماية المسيحيين دون غيرهم وفق أهوائه الدينية، لكن الذي يحصل هو تهجير قسري تحت سمعه وبصره.

أما الاحتلال الإيراني فهو يقدم نفسه نموذجاً بديلاً عن الغرب وعن النظام العربي الذي ساد العراق قبل 20-3-2003، فإذا الوحدة الوطنية في عهد البعث كانت في أفضل حالاتها، وإذا المسيحيون عراقيون قبل أي أمر آخر كما المسلمين وإذا الاثنان عرباً كما هم عراقيون وأبناء بلد واحد.. ولم يفت في عضو هذا الوطن سوى الاحتلال الفارسي البغيض، ففتن بين السنة وبين الشيعة، وأطلق عقاله لتدمير حضارة بلاد ما بين النهرين وفي معظمها سورية – آشورية – كلدانية – بابلية.

هذا الذي جرى ويجري في الموصل هي مسؤولية قوات الاحتلاليين أولا أميركيا وفارسياً، وهي من صنائع أدوات هذين الاحتلاليين، وهي سياسة وإستراتيجية تقوم على إفراغ العراق من عناصر القوة فيه.. وأبرز مداميكها وحدة المجتمع العراقي، وفي قلبه المسيحيون.. مرة أخرى أصل العراق ودرته وفاكهته.