تهجير مسيحيي الشرق: المؤامرة الكبرى

 

لكفاح العربي

 

المؤامرة واضحة المعالم والأهداف: تهجير مسيحيي الشرق الأوسط، بتواطؤ أميركي اسرائيلي متعدد الوجوه، من أجل تكريس الأحادية الدينية وتبرير محاربة "الارهاب" بالحروب المفتوحة، في الحوض النفطي، وعلى حدود اسرائيل، انطلاقاً من النظرية الاستراتيجية القائلة بأن "تدمير لبنان كله أفضل وسيلة للضغط على حزب الله". والمؤامرة لا تقتصر على لبنان وفلسطين والعراق، وانما تتجاوز المشرق الى مصر والسودان وبلدان أخرى افريقية، من أجل تفجير صراع الأديان أو الحضارات وطرد المسيحيين حيثما وجدوا كي تخلو الساحة للطموحات الاسرائيلية. كيف يمكن معاينة هذه المؤامرة، وما علاقتها بلبنان؟

الأسبوع الذي مضى شهد نزوحاً مسيحياً كثيفاً عن مناطق الشمال العراقي الكردية والمختلطة حيث يقيم المسيحيون منذ ألف عام. البعض قدر حجم النازحين بألفي عائلة، والبعض الآخر توقع أن تكون الوتيرة أكبر في الأسابيع المقبلة. والمسيحيون الذين كانوا يعدون اكثر من مليون قبل سنوات الحصار (1991) تقلصوا الى النصف بعد الاجتياح الأميركي في العام 2003، رغم ان اي احصاء رسمي لم يحصل منذ بدأ العراق حروبه قبل أكثر من ربع قرن.

والذين شاهدوا قوافل النازحين بعين دامعة على طرقات الموصل، كما على الطرقات التي تقود الى سوريا ولبنان، ادركوا حجم المعاناة التي يعيشونها، ومدى شعورهم بانعدام الحماية، وسط تجاهل اميركي فاضح للخوف الذي يلازمهم، ووعود رسمية عراقية لم تتحقق، وتجاهل كردي، ولا مبالاة عالمية.

النزوح الأخير، وهو الاكبر منذ سنوات خمس، شغل الاعلام اللبناني والعربي والاوروبي بصورة غير عادية، وذهبت معظم التحليلات الى انه يحصل تحت عيون الاميركيين واصحاب القرار في العراق الجديد، فضلاً عن الأوساط الاوروبية، في ما اعتبر مؤامرة مفتوحة لاستكمال تهجير مسيحيي الشرق أينما وجدوا لأغراض سياسية واستراتيجية مشبوهة.

نصل الى الوقائع

المعلومات التي وصلت من الشمال العراقي تقول ان مئات العائلات هربت بالفعل بسبب الضغوط الأمنية التي تتعرض لها، ويقول وزير الدفاع عبد القادر العبيدي (الخميس الفائت) ان ما جرى للمسيحيين هو تهديد منظم، وان هناك اسباباً ادت الى هجرة 1894 عائلة على الاقل من منطقة الموصل. وقد التقى العبيدي الذي قدم الى الموصل على رأس وفد ارسله رئيس الوزراء لمتابعة الوضع، مع عدد كبير من وجهاء وممثلي الاحزاب والعائلات المسيحية في ناحية برطلة شرق الموصل، لكن حركة النزوح لم تتوقف طوال الاسبوع الفائت.

وقد اثارت عمليات القتل والتهجير غير المسبوقة التي تستهدف المسيحيين في الموصل مخاوف كبيرة من ان يتأجج محور ثان للتوتر الطائفي في العراق في موازاة التصارع الناشب منذ الغزو الاميركي بين السنة والشيعة, فضلاً عن الاحتقان العرقي السائد في كركوك بين العرب والتركمان والكرد.

وينذر مقتل 15 شخصا وتهجير نحو الفي عائلة مسيحية خلال الايام الماضية بموجة عنف لن تقف تداعياتها عند محافظة نينوى وعاصمتها الموصل ثالث مدن العراق، وسط مؤشرات على علاقة وثيقة بين الميليشيات الكردية المعروفة باسم "البيشمركة" وهذه الاحداث العرقية. وتقول مصادر امنية ان التصعيد الامني في اشده بعدما ندد دريد كشمولة محافظ نينوى بصمت حكومته على الجريمة، كما اعترف بتهجير العدد الكبير من العائلات من ديارها، في وقت اشار بعض اهالي المناطق المسيحية الى ان مسلحين مجهولين يتجولون بسياراتهم ويقتلون مواطنين مسيحيين ويهجرون عائلات وهم يمرون عبر السيطرات الامنية التابعة للجيش الحكومي او تلك الواقعة تحت سيطرة البيشمركة من دون ان توقفهم او تعتقلهم.

ووسط تجاهل تام ابدته الحكومة الموالية للقوات الاميركية في بغداد، اشارت وزارة الهجرة والمهجرين في هذه الحكومة الى انها بادرت الى انشاء مخيم موقت للنازحين مؤلف من 100 خيمة في ناحية برطلة نظراً للظروف المعيشية الصعبة للنازحين، حسب وصفها.

ويشدد مراقبون في الاقليم على ان استهداف المسيحيين خصوصا في محافظة نينوى يدخل ضمن حسابات سياسية واطماع استحواذ، ويعتقد المسيحيون على نطاق واسع بأن جهات داخلية في اشارة الى الاكراد ترغب في الهيمنة على الموصل تنفيذا لأجندات باتت معروفة وهي محاولة السيطرة على المدينة.

وتخشى المنظمات الانسانية ان يؤدي استمرار الاوضاع الراهنة على حالها واستمرار تهجير وتهميش الاقليات العراقية في النهاية الى هجرة هذه الاقليات من البلاد ويكون مصيرهم مثل مصير يهود العراق الذين اختفوا منه نتيجة السياسات التي مورست ضدهم في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.

وفي بغداد حمل ممثل المسيحيين الكلدوآشوريين في البرلمان النائب يونادم كنا ما سماه الارهاب الدولي الخارجي والخلافات السياسية مسؤولية ما يتعرض له مسيحيو الموصل، وقال ان ما جرى من احداث سياسية اخيرا، خصوصا الجدل حول المادة 50 من قانون انتخابات مجالس المحافظات انعكس سلبا على الواقع الاجتماعي ما ادى الى الاحتقان في الشارع. وتتهم المنظمات المسيحية السلطات المحلية في الموصل بالتقاعس عن حماية المسيحيين، وذكرت في بيان لها مطالبتها الحكومة المركزية في بغداد بتحمل مسؤولياتها بتوفير الامن ووقف سفك دماء المواطنين الابرياء، كما اتهم المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري الحكومة بالصمت ازاء هذه الممارسات الاجرامية التي يتعرض لها مسيحيو الموصل.

وكانت وكالة الصحافة الفرنسية قد نقلت عن دريد كشمولة، محافظ نينوى اعترافه بأن "هناك عملية نزوح جماعي في الموصل" لان ما لا يقل عن 932 عائلة غادرت اثر تفجير ثلاثة منازل خالية تعود لمسيحيين في حي السكر، شمال المدينة، واضاف «لقد غادرت 500 عائلة الجمعة ولحقت بها 432 عائلة السبت من الاسبوع الفائت.

واشار كمشولة الى ان النازحين توجهوا الى منطقة سهل نينوى حيث الغالبية مسيحية وخصوصا في نواحي برطلة والقوش وتل اسقف وبعشيقة وتل كيف والحمدانية، مؤكدا ان المسيحيين الذين اضطروا الى مغادرة منازلهم واعمالهم يعيشون ظروفا صعبة للغاية في هذه المناطق. ووجه كشمولة انتقادات لاذعة الى كبار المسؤولين قائلا: "لم يتصل بنا رئيس الوزراء (نوري المالكي)  او اي مسؤول ووصل وزير الدفاع عبد القادر جاسم العبيدي الى الموصل فعرفت ذلك من التلفزيون، لم يتصل بنا او باعضاء مجلس المحافظة".

وكان رئيس اساقفة الكلدان في كركوك المطران لويس ساكو حذر من حملات التصفية التي يتعرض لها المسيحيون في العراق. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية "ما نتعرض له من اضطهاد وملاحقة وبطش اهدافه سياسية. من يستهدفنا يبحث عن مكاسب والهدف هو إما دفع المسيحيين الى الهجرة او اجبارنا على التحالف مع جهات لا نريد مشاريعها". واكد ساكو: تم استهدافنا في الموصل وكركوك وبغداد والبصرة ما ادى الى هجرة حوالى 250 الفا وتعرضنا لحوالى مئتي تفجير وعملية خطف وقتل، قتل فيها اكثر من مئتي شخص.

وتعرض المسيحيون في الموصل لسلسلة من الاعتداءات ابرزها خطف اسقف الكلدان المطران بولس فرج رحو في 29 شباط الفائت والعثور عليه ميتا بعد اسبوعين في شمال الموصل.

كما شهدت كنائس في الموصل وبغداد في كانون الثاني الفائت موجة اعتداءات اسفرت عن سقوط قتيل واربعة جرحى والحقت اضرارا طفيفة بالمباني المستهدفة. وقتل مسلحون كاهنا وثلاثة شمامسة في حزيران 2007 امام احدى كنائس الموصل، فضلا عن عمليات خطف تعرض لها اساقفة وكهنة في المدينة الشمالية. وتتعرض كنائس المسيحيين في العراق باستمرار الى اعتداءات ما ارغم عشرات الألوف منهم على الفرار الى الخارج او اللجوء الى سهل نينوى واقليم كردستان العراق. ووفقا لمصادر كنسية، يعيش في محافظة نينوى حوالى 750 الف مسيحي يمثل الكلدان سبعين بالمئة منهم فيما يشكل السريان الارثوذكس والكاثوليك والآشوريون الباقي. لكن تقديرات اخرى تشير الى ان عدد المسيحيين في العراق كان اكثر من 800 الف قبل الاجتياح الاميركي لكنه تضاءل كثيرا بسبب الهجرة في سنوات الاحتلال الاخيرة.

الاكراد متهمون

قبل فصل التهجير الاخير نشر موقع عراقي الكتروني (موقع البصرة المقرب من المقاومة العراقية) تقريراً عن احوال المسيحيين في العراق جاء فيه:

"المسيحيون العراقيون جزء لا يتجزأ من الشعب العراقي ومكوناته، فهؤلاء سكنوا العراق من آلاف السنين وعاشوا جنبا الى جنب مع باقي مكونات الشعب العراقي على مر العصور، عاشوا عراقيين اسوة بغيرهم من العراقيين المسلمين ذاقوا حلاوة العيش ومرارته، ساهموا ببناء العراق، ضحوا من اجل العراق، اخلصوا للعراق وقدموا الغالي والنفيس للعراق، حالهم حال كل العراقيين، لم يكونوا ابدا هدفا للقتل او التهجير او التفرقة الدينية، فكما قدموا للعراق فالعراق اعطى لهم، كنائسهم وطقوسهم الدينية كانت، واجبة الاحترام على مر الزمان.

تغيرت الحال وتغيرت الظروف بعد الاحتلال الاميركي للعراق وذاق مسيحيو العراق مرارة الاحتلال حالهم حال باقي مكونات الشعب العراقي فطاولهم الارهاب الاميركي كما طاول كل مكونات الشعب العراقي. تعرضوا للتهجير والى حملات ابادة منظمة من قبل عصابات الاحتلال، كنائسهم فجرت كما فجرت الجوامع، اغتيل من رجال الدين المسيحيين كما اغتيل من رجال الدين المسلمين، اما ما يحصل الآن للمسيحيين العراقيين خصوصا في مدينة الموصل، فهذا امر آخر، امر له اهداف اخرى مرتبطة باجندة انفصالية لمصلحة العصابات الكردية".

ويضيف التقرير: شهدنا في الآونة الاخيرة وما زلنا نشهد هجرة العائلات المسيحية العراقية من محافظة نينوى، بعد تهديدهم وقتل عدد منهم من قبل الميليشيات الكردية في الموصل، اذ: "افاد مواطنون من اهالي احياء السكر والحدباء والبلديات والكفاءات والبكر والعربي في الساحل الايسر من مدينة الموصل ان مسلحين من عناصر الاسايش (الامن الكردي)  كانوا يتجولون بسياراتهم المعروفة لابناء المدينة ويكتبون بالصبغ الاسود على جدران البيوت تهديدات موجهة الى المسيحيين تحثهم على مغادرة بيوتهم والا واجهوا مصير الموت، حيث تقول الارقام ان 2600 عائلة مسيحية قد هجرت واصبح هؤلاء يعيشون في قرى سهل نينوى وضواحيه بالتحديد وليس في اماكن اخرى.

والمضحك والمبكي ان كبار رؤساء العصابات الكردية قد روجوا لمهزلة جديدة وهي ان من يقوم بقتل وتهجير المسيحيين هم الجماعات البعثية الوهابية القاعدية، الى آخره من هذه التسميات التي اصبحنا نسمعها ونقرأها في اعلامهم، تصوروا في مدينة كبيرة مثل الموصل وفيها قواعد للاحتلال الاميركي وقوات للجيش والشرطة والميليشيات الكردية كل هؤلاء موجودون في الموصل ورغم هذا تأتي هذه الجماعات البعثية الوهابية القاعدية ال… ال… الخ وتستعمل سيارات الحكومة وسيارات الشرطة وتستعمل مكبرات الصوت مهددة العائلات المسيحية العراقية في وضح النهار (بالمناسبة كل هذا جرى في الجانب الايسر لمدينة الموصل والذي هو مسير من قبل الميليشيات الكردية) . بربكم هل هذا قابل للتصديق؟ لكن من جانب آخر لم لا يتهمون من يشاؤون طالما ان المتهم جاهز على شماعة البعثية والوهابية والقاعدة ووو الخ، كما وان الصاق التهمة بمن يشاؤون سهلة في ظل الديمقراطية الاميركية.

حقيقة الامر ليست كما يدعون وكما يكذبون، حقيقة الامر ان وراء كل هذا تقف العصابات الكردية والسبب هو ابعد من البعد الديني او الهوية الدينية لمسيحيي العراقي. ان تهجير هؤلاء الغرض منه ان يتم تجميعهم في قرى سهل نينوى بالذات كي تكون هناك كثافة سكانية مسيحية. ومعروف ان قرى واقضية سهل نينوى يسكنها مسيحيو العراق، وبعد ذلك تتم المطالبة من قبل البعض من المتأكردين المسيحيين من ضعاف النفوس بحكم ذاتي او اقليم فدرالي سموه ما شئتم للمسيحيين وبعد حصول الموافقة على هكذا مطلب يطالب هؤلاء بضم الاقليم المسيحي الى الاقليم الكردي، وعندها يكون الاكراد قد ضمنوا سيطرتهم الكاملة على محافظة نينوى وضمها الى نفوذهم الكامل.

ان هذا المخطط يقف وراءه الاسرائيليون وتنفذه العصابات الكردية (لأن هذه العصابات الكردية ليست بهذا الذكاء ان تخطط لوحدها عملاً كهذا) وبالتعاون مع البعض من الاحزاب المسيحية الموالية للعصابات الكردية، والبعض الآخر من الخونة من امثال المدعو سركيس باذنجان احد القياديين في حزب البرزاني حيث قد بدأ هذا الباذنجان نشاطه في هذا الاتجاه من فترة مبكرة من خلال بناء تجمعات وقرى للمسيحيين في هذه المناطق بحجة مساعدتهم وقام بشراء ذمم ضعاف النفوس من الاخوة المسيحيين، وقبل ايام طالب هذا الباذنجان باقليم سهل نينوى للمسيحيين العراقيين"..

تقرير شبكة البصرة يتهم الحكومة بارسال قوات الجيش والشرطة والطوارئ بعد فوات الاوان، وبعد ان تكون بيوت الذين هجروا قد لغمت بصورة كاملة كي تصبح العودة اليها متعذرة. ويضيف:

"ان ما يحصل الآن في الموصل هو كارثة حقيقية يجب الانتباه اليها جيداً فكما حصلت حملات للتهجير في مناطق معينة من بغداد لتغيير الطابع الديموغرافي من قبل الاحزاب العميلة الموالية لايران يحصل الشيء نفسه في الموصل من قبل الاحزاب الانفصالية الكردية، وفي كلتا الحالتين الهدف واحد، تقسيم العراق وتفتيته وبث الفرقة والكراهية بين ابناء العراق، الرابح الوحيد من كل هذا هو الاحتلال. من هنا لا نتفاجأ بقرار البرلمان المنصب من قبل الاحتلال تهميش المسيحيين العراقيين وباقي الاقليات واعتبارهم جاليات وكأنهم ضيوف على العراق وكأنهم ليسوا منتمين للعراق، ثم زيارة نغروبونتي لشمال العراق لعدة ايام وبعدها حصول جرائم قتل وتهجير المسيحيين في الموصل بالتحديد، واجبار العائلات النازحة بالتوجه الى قرى سهل نينوى.

وهناك سؤال يطرح نفسه وهو ان كانت الجماعات البعثية الوهابية القاعدية… الخ. من هذه الوصفات والتسميات، ان كانت هي المسؤولة عن تهجير مسيحيي العراق في الموصل، فلماذا اختارت الموصل؟ لماذا لم تهاجم قرى سهل نينوى البعيدة عن وحدات الجيش والشرطة وجيش الاحتلال الاميركي؟ أليس من الأسهل مهاجمة الناس في القرى عن مهاجمة الناس في مدينة كبيرة مثل الموصل؟

في معلومات اخرى نشرتها شبكة اخبار النجف الشريف (موقع الكتروني آخر) ان هوية الجهة التي تقف وراء تهجير المسيحيين العراقيين لم تتضح بعد، ويبدو ان الحكومة اخذت على حين غرة.

نقرأ ايضا في الموقع:

عقب مقتل 12 مسيحيا وتفجير 3 بيوت خالية في حي السكر خلال العشرة ايام الاخيرة، تلقى المسيحيون تهديدات بالقتل من خلال مناشير كان يلقيها اشخاص مسلحون في سيارات تجوب الاحياء المسيحية، وتضع المنشورات المسيحيين امام ثلاثة خيارات: إما التحول الى الاسلام، او مغادرة المدينة، او القتل، بالاضافة الى تهديدات بالقتل ارسلت عبر هواتفهم النقالة.

ووصف محافظ نينوى، دريد كشمولة ما يجري بقوله ان "الهجمة التي يتعرض لها المسيحيون هي الاسوأ منذ العام 2003" وحمل المحافظ المجرمين من اذناب القاعدة مسؤولية تهجير المسيحيين. بينما القى نائب مسيحي في البرلمان بالمسؤولية على قوات الامن العراقية، في حين اتهم اسامة النجيفي، النائب عن مدينة الموصل، الميليشيات الكردية بالوقوف وراد تهجير المسيحيين، وقال النجيفي المعروف بمناوأته للاحزاب الكردية "ليس من مصلحة اي جهة تهجير العائلات المسيحية واجبارها على النزوح الى قصبات للمسيحيين تقع ضمن حدود او مناطق قريبة من اقليم كردستان سوى الاكراد الذين يرومون تكريد الموصل". ومن جهتها اتهمت "جبهة الجهاد والتغيير" في العراق، الاحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية بالقيام بحملة تستهدف تشويه صورة المقاومة العراقية، من خلال استهداف المسيحيين في الموصل، وتحميل الجبهة مسؤولية ذلك.

وفي تطور جديد اعلنت القوات الاميركية انها اعتقلت 6 اشخاص يشتبه في تورطهم بارتكاب لاعمال عنف ضد المسيحيين في الموصل وقالت في بيان لها، ان ثلاثة من المعتقلين خلال عملية عسكرية في المدينة لهم ارتباطات مع مجموعات ارهابية اجنبية وان "احدهم كان مطلوبا بسبب تورطه في هجمات ضد العراقيين وقوات التحالف". ولكن البيان لم يبين هوية المعتقلين.

وكانت الحكومة قد واجهت هذه التطورات بارسال فوجين من الشرطة الى المدينة، كما شكل مجلس الامن الوطني لجنة وزارية امنية، لتقديم الدعم للمسيحيين المهجرين، والحماية لمن بقى في المدينة، والبدء في فتح تحقيق شامل لمعرفة المسؤول عن استهداف المسيحيين. وقال ممثل دائرة الهجرة والمهجرين في الموصل، اياد اسماعيل، ان دائرته تقوم الآن بتوزيع المساعدات على النازحين، وانها تقيم مخيما لاستقبال المهجرين، وكانت وزارة الهجرة والمهجرين قد امرت بنصب مئة خيمة في منطقة برطلة كحل موقت، وسيتم توزيع العائلات فيما بعد على بيوت مؤجرة.

وحذر رئيس اساقفة الكلدان في كركوك، المطران لويس ساكو من حملات التصفية التي يتعرض لها المسيحيون قائلا: ان ما نتعرض له من اضطهاد وملاحقة وبطش اهدافه سياسية، من يستهدفنا يبحث عن مكاسب. والهدف هو اما دفع المسيحيين الى الهجرة او اجبارنا على التحالف مع جهات لا نريد مشاريعها، من دون تحديد ماهية هذه المشاريع او من يقف وراءها، واكد قائلا "تم استهدافنا في الموصل وكركوك وبغداد والبصرة ما ادى الى هجرة حوالى 250 الفا وتعرضنا لحوالى مئتي تفجير وعملية خطف واغتيال قتل فيها اكثر من مئتي شخص".

وفي اتصال هاتفي مع اذاعة هولندا العالمية، قال هرمز اسحق، ممثل الحركة الديمقراطية الاشورية في هولندا: "اوضاع الشعب العراقي بشكل عام غير جيدة، والعراق كله مستهدف بما فيه من مسحييين ومسلمين وديانات اخرى، وبما فيه من عرب واكراد، الكلدان والاشوريين، والقوميات الاخرى، وما يجري هو جزء من مخطط يرمي الى اتجاهين: الاتجاه الاول هو استعمال الاقليات القومية كوقود وحطب لصراعات سياسية بين الاحزاب السياسية المتناحرة، سواء كانت في الائتلاف الحكومي او خارجه، والاتجاه الثاني تقف وراءه التيارات الاسلامية المتطرفة، وهنا لا اقصد الاسلام كدين، وانما الحركات الاسلامية والتي تسعى للضغط على ابناء الطائفة المسيحية من اجل ترك الدين، دفع الجزية او التهجير".

ويؤكد هرمز اسحق ان "المخطط يستهدف الاقليات الصغيرة، وان هذا المخطط بدأ منذ زمن، وجاء الغاء المادة 50 من قانون مجالس المحافظات ليؤجج العملية بكاملها، فمنذ سنتين تم استهداف المسيحيين في الموصل بشكل مركز، ولكنه خف بعض الشيء ليعود قويا مرة اخرى، ومنذ نهاية تموز ازداد التركيز على المسيحيين، بعد اغتيال رجل في منطقة المعارض امام اطفاله، وكبقية الحوادث الاخرى قيدت الجريمة ضد مجهول".

ويرى اسحق انه اذا كانت الدولة تسقط الكوتا التي تخص الاقليات، فهذه اشارة قد يلتمسها بعض الذين يصطادون في المياه العكرة، ومن يفهمون ان الحكومة لا تهتم بامر هذه الاقليات، وبهذا قد تكون الدولة وبرلمانها ساهما في هذه النتيجة.

الأسباب والنتائج

يتردد بين وقت وآخر التحذير من هجرة المسيحيين العرب، هجرة تتصاعد منذ عقود في البلدان التي يشكلون جزءا اساسيا من بناها الديموغرافية مثل العراق ولبنان ومصر وفلسطين وبلدان اخرى. في درس اسباب هذه الهجرة ونتائجها يمكن التوقف عند الآتي:

 

– في فلسطين تعتبر سياسة المحتلين الاسرائيليين حيال الفلسطينيين والمسيحيين منهم خصوصا سببا رئيسيا لهجرتهم، من دون اغفال تأثير التشدد الديني الاسلامي في حملهم على هذا القرار. وقد تدهورت اعدادهم في شكل لافت في الاربعين عاما التي انقضت، وكان انخفاض عدد هؤلاء واضحا في المدن والقرى المسيحية او المختلطة مثل القدس وبيت لحم، واتجه جزء من هؤلاء في البداية الى البلدان العربية بقصد العمل او الدراسة او الاقامة الموقتة، لكن كثيرين منهم غادروا لاحقا الى بلدان الغرب التي شجع العديد منها هجرة الفلسطينيين اليها في اطار عملية توطين تمثل جانبا من جوانب حل سياسي لصراع الفلسطينيين مع اسرائيل.

– في لبنان تعددت الاسباب وابرزها البحث عن فرص افضل للعمل او الهرب من الحرب المتعددة الجوانب والاوجه التي اندلعت اواسط السبعينيات وهي حرب لا تزال تفاعلاتها السياسية والاقتصادية وخصوصا في المرحلة الحالية تدفع باللبنانيين الى الخارج.

– يصل تعداد المسيحيين في المنطقة العربية الى ما بين 12 الى 15 مليون نسمة غالبيتهم يعيشون في مصر، ويتوقع بعض المراقبين ان يهبط الرقم الى 6 ملايين نسمة فقط بحلول العام 2020، نتيجة موجات الهجرة المتوالية للمسيحيين.

– تشير الدراسات الى ان تعداد المسيحيين في تركيا بلغ مليوني نسمة في العام 1920 وتناقص الى بضعة آلاف وهو ما يهدد الحضور المسيحي التاريخي هناك.

– في سوريا كان تعداد المسيحيين في بداية القرن العشرين يقارب ثلث السكان، وتناقص حاليا الى اقل من 10 بالمئة من مجمل الشعب السوري.

– في العام 1932 كان المسيحيون يشكلون ما يقرب من 55 بالمئة من السكان المقيمين في لبنان واصبح يدور حول 36 بالمئة من السكان فقط, فيما تعتبر مصادر ان هذا الرقم غير دقيق وان النسبة لا تقل عن 40 بالمئة.

– التقديرات في مصر متضاربة، حيث يرى بعض الاسلاميين ان تعداد الاقباط لا يزيد على 6 بالمئة من السكان، فيما ترى المصادر القبطية ان العدد يراوح ما بين 12 او 15 بالمئة من السكان.

– في الناصرة كان تعداد المسيحيين يصل الى 60 بالمئة من السكان في العام 1946 وتناقص الى 40 بالمئة في العام 1983 والعدد آخذ في التناقص يوما بعد يوم. اما القدس فإن حالة المسيحيين فيها تبدو اكثر ايلاما، اذ كان تعداد المسيحيين فيها في العام 1922 يبلغ 15 الف نسمة في حين اصبح تعداد المسلمين 13 الف نسمة. اما في الوقت الحالي لم يعد المسيحيون يشكلون اكثر من 2 بالمئة من السكان في القدس الغربية.

– الوضع في العراق اكثر سوءا، ففي ظل حكم صدام حسين بلغ تعداد المسيحيين 800 الف نسمة من مجمل السكان الذين يعدون 26 مليون نسمة، وتضاءل عددهم كثيرا في ظل الاحتلال الاميركي وتنامي عمليات القتل والترويع.

وباختصار ان التقلبات السياسية لبلدان الشرق الاوسط وما خلفته من آثار اقتصادية واجتماعية دفعت الملايين من مسيحيي المنطقة الى الهجرة الامر الذي اسفر عن مجموعة من النتائج السلبية في حياة المنطقة وبلدانها ابرزها:

– تغييرات في البنية الحضارية والثقافية للمنطقة والتي كانت في الاساس منطقة تنوع ديني يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود الى جانب أتباع ديانات اخرى.

– مزيد من الكراهية على اسس مذهبية وعرقية.

– اظهار الاسلام مظهر غير القادر على التعايش مع الآخر واظهار المسلمين في ثوب الرافضين للحوار المسيحي الاسلامي، الامر الذي يضر بالاسلام والمسلمين ويهدر قرونا من التعايش.

– فقدان المنطقة جزءا من طاقاتها وقدراتها البشرية والمادية، وهي طاقات تحتاج اليها في عملية التنمية وفي مسيرتها من اجل التقدم في جوانبها المختلفة لمواجهة التحديات الحالية والمستق