رسالة بندكتس السادس عشر إلى المدير عام لمنظمة الفاو

بمناسبة اليوم العالمي للتغذية

روما، 20 أكتوبر 2008 (Zenit.org).

ننشر فيما يلي النص الكامل للرسالة التي وجهها قداسة البابا لمدير عام منظمة الامم المتحدة للتغذية والزراعة ( الفاو ) السيد جاك ديوف، بمناسبة اليوم العالمي للتغذية.

* * *

الموضوع المختار  هذا العام ليوم التغذية العالمي: " الأمن الغذائي العالمي : تحديات تغيُّر المناخ والطاقة الحيوية "  يسمح بالتفكير حول ما تم انجازه في مجال مكافحة الجوع والعقبات التي تواجه نشاط منظمة الامم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) بمواجهة التحديات الجديدة التي تهدد حياة الأسرة البشرية.

يحتفل بهذا اليوم في وقت بالنسبة للوضع الغذائي العالمي، في حين ان توافر الأغذية يبدو غير كاف بالنسبة للاستهلاك ، كما ان الظروف المناخية تساهم  بتعريض للخطر لوجود الملايين من الرجال والنساء والأطفال

 المكرهين على ترك ارضهم للتفتيش عن شيء يقتاتونه. هذه الظروف تؤكد انه بامكان الجميع التجاوب مع الفاو من خلال التضامن ، من خلال نشاطات حرة خالية من الشروط وفعلا في خدمة المصلحة المشتركة.

في يناير الماضي ، كانت مناسبة للجنة العليا  لمنظمة الفاو لتذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته المباشرة تجاه عدم الامان الغذائي في حين ان الاشكال الاساسية للمساعدة في  الأوضاع الطارئة مهددّة بخطر المحدودية. في الرسالة التي توجهت بها للمشاركين، كنت قد اشرت الى ضرورة تبني " تدابير شجاعة لا تستسلم امام الجوع وسوء التغذية ، كما لو ان الامر يتعلق ببساطة بظاهرة مرضية لا علاج لها" ( رسالة للجنة الرفيعة المستوى حول الامن الغذائي العالمي، 2 يناير 2008).

الالتزام الاول هو ازالة الاسباب التي تمنع الاحترام الصادق لكرامة الانسان. الوسائل والموارد الموضوعة بتصرف العالم اليوم يمكنها ان تؤمن غذاء كاف لحاجات نمو الجميع. أول نتائج الجهود لرفع المستوى الاجمالي للانتاج بمواجهة النقص المسجل كما تظهره المحاصيل الأخيرة . اذا، لما لا يمكن تفادي ان عددا من الاشخاص يعاني من الجوع لأبعد الحدود؟

دوافع هذه الحالة  حيث يجتمع غالبا الوفر والقحط متعددة . بامكاننا ان نسمي السباق على الاستهلاك الذي لا يتوقف بالرغم من توافر كميات أقل من الأغذية والتي تفرض تدني اجباري في القدرة الغذائية للمناطق الاكثر فقرا من الكرة ، حيث النقص الارادي المتعمد لعقد المفاوضات ولردع  أنانية الدول ومجموعات البلدان ، او حتى لوضع حد لهذا "الاستغلال اللامحدود" الذي يمس آلية الأسعار والاستهلاك.

غياب الادارة الصحيحة للموارد الغذائية الناتجة عن فساد الحياة العامة حيث يزداد الاستثمار في مجال الاسلحة والتقنيات العسكرية الاكثر تطورا على حساب الحاجات الاولية للانسان تلعب دورا كبيرا.

هذه الدوافع الجد متنوعة تجد جذورها في التفسير المغلوط للقيم التي يجب ان ترتكز عليها العلاقات  الدولية، وبالاخص في هذا الموقف المنتشر في الثقافة المعاصرة التي تفضل فقط السباق على الاموال المادية ، متناسيا الطبيعة الحقيقية للانسان وتطلعاته العميقة. التيجة هي، للأسف، عدم قدرة الكثيرين في أخذ حاجات الفقراء على عاتقهم، بتفهمها، وبانكار كرامتهم غير القابلة للتقييد.

حملة فعالة فيما خص الجوع تتطلب اذا أكثر من دراسة علمية بسيطة لمواجهة التغيرات المناخية أو لتوجيه بدرجة أولى الانتاج الزراعي للاستعمال الغذائي. من المهم قبل كل شيئ ، اعادة اكتشاف معنى الانسان، بابعاده الفردية والجماعية، منذ تأسيس الحياة العائلية، نبع الحب والعاطفة من حيث يأتي معنى التضامن والمشاركة.

يتجاوب هذا الاطار مع حاجة بناء علاقات بين الشعوب مبنية على الاستعداد الثابت والصادق، لجعل كل بلد قادر على ضروريات الانسان عند الحاجة، ولكن أيضا نقل فكرة العلاقات المبنية على تبادل المعارف، القيم ، المساعدة السريعة، والاحترام.  يتعلق الامر هنا بالالتزام بدفع العدالة الاجتماعية الفعالة في العلاقات بين الشعوب والتي تتطلب من كل فرد ان يكون واعيا بأن أموال الخليقة هي للجميع وبأنه في الجماعة العالمية الحياة الاقتصادية يجب ان توجه نحو مشاركة هذه الخيرات، نحو الاستعمال المستمر والتوزيع العادل للارباح الناتجة عنها.

في الاطار المتغيّر للعلاقات الدولية، حيث يبدو تنامي الشك ورؤية تحديات جديد، الخبرة التي اكتسبتها الفاو لغاية الآن – بالاضافة الى خبرة باقي المؤسسات التي تعمل في مكافحة الجوع والتي يمكنها ان تلعب دورا اساسيا  في اطلاق طريقة مجددة للتحدث عن التعاون الدولي شرط اساسي لزيادة معدل الانتاج، لضمان هوية جماعات السكان الاصليين ، وكذلك السلام  والامن في العالم، هو تأمين الوصول الى الارض، مفضلين بذلك العمال الزراعيين والمطالبة بحقوقهم.

في كل هذه الجهود، الكنيسة الكاثوليكية قريبة  منكم كما يدل عليه الاهتمام الذي يتابع به الكرسي الرسولي نشاط الفاو منذ 1948، والذي غالبا ما يدعم جهودكم كي يستمر الالتزام في القضية الانسانية . هذا يعني الانفتاح الملموس على الحياة، احترام ترتيب الخلق والانضمام الى مبادئ الاخلاق التي ومنذ الازل كانت اساس العيش الاجتماعي.  

بهذه الامنيات ، استدعي بركات العلي عليك ، حضرة المدير العام، كما وعلى كل ممثلي الامم، كي تتمكنوا من العمل بسخاء وبحسّ العدالة تجاه الاشخاص الاكثر تهميشاً.

الفاتيكان 13 اوكتوبر 2008

بندكتس السادس عشر

نقله من الإيطالية إلى العربية الأب ماجد مارون – وكالة زينيت العالمة

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008