ميراث لوقا – حياة يسوع العلنيّة

 

إعلان الملكوت

 

بوجه عام، لا يبدّل لوقا كثيراً في المادّة الّتي يستعيرها من إنجيل مرقس. ونقل عظة يسوع في مجمع الناصرة إلى بداية رسالته يشير إلى أنّ لوقا يريد أن يقول شيئاً مهمّاً.

 

لقد كشف لوقا عن مخطّط رسالة يسوع، وتشدّ الرواية انتباهنا إلى الأفكار الرئيسة لخطابه.

 

عظة يسوع في الناصرة (لوقا 4/14-30)

 

تبعت رتبة الصلاة في صباح السبت مسارها الطبيعيّ: صلوات، قراءة من التوراة تليها قراءة من أحد الأنبياء يقرأها علمانيّ يجلس بعدها ليشرحها. وكان من الطبيعيّ أن يُطلَبَ الوعظ من يسوع وقد ذاع صيته معلّماً.

 

كان المقطع من أشعيا 61/1-2 وأشعيا 58/6، الّّذي يعلن كيف سيتحرّر المسبيّون ليعودوا إلى أورشليم ويحتفلوا «بسنة اليوبيل» (لا 25/10) الّذي بدأ يعتبره الشعب نبوءة غير مكتملة للعصر الجديد. وافتتح يسوع عظته بإعلانٍ خطر وهو أنّ هذه النبوءة قيلت فيه. فالله يعمل فيه ليتمّم رجاء إسرائيل وليحقّق ملكوت الله والفداء المنتظَرَين منذ وقتٍ طويل.

 

في هذا الخطاب الرئيس تظهر عدّة مواضيع أساسيّة في تصوّر لوقا لشخصيّة يسوع، ويمكن إظهار هذه المواضيع انطلاقاً من أدواتٍ نجدها عند لوقا فقط:

 

نشاط الروح القدس الّذي عزّز امتداد يسوع إلى الغرباء (آيات 18،19،24).

 

بشرى تحرّر المهمّشين والمقهورين وخصوصاً الفقراء والنساء والخطأة (آيات 18-19؛ 25-27).

 

البشرى للوثنيّين (آيات 23-27).

 

عهد الله سينتقل إلى الوثنيّين

 

ألمح يسوع بأنّ رسالته، على مثال محبّة الله، لا يمكنها أن تتحدّد بشعبه فقط. وذكّر يسوع شعبه بأنّ كثيرين من أنبياء الله لم يلقوا إقراراً واسعاً بهم بين شعبهم، وأنّ الله اختار الوثنيّين ليمنحهم معجزاته (أرملة صرفت ونعمان السوري).

 

وعلى مثال يسوع، انطلق بطرس وبولس إلى شعبهم أوّلاً حاملين بشرى أنّ وعود الله لإسرائيل قد تمّت بيسوع المسيح. لكنّ الغالبيّة لم تقبل هذا الرأي، فالتفت أتباع يسوع إلى الوثنيّين.

 

مواضيع رسالة يسوع

 

 

1- عصر الروح القدس

 

افتتح يسوع خطابه في الناصرة بإعلان أنّ زمن الروح قد حان وأنّه حامل ذلك الروح.

 

وخطاب بطرس في يوم العنصرة يوازي عظة يسوع في الناصرة، ويذكّرنا بأنّ الروح القدس هو الّذي افتتح تعليم يسوع ورسالته للعالم أجمع.

 

الروح القدس وحده يمكّن الكنيسة بأن تخترق حواجز الثقافات واللغة والتنوّع.

 

2- بشرى للمهمّشين والمقهورين

 

لرسالة يسوع، بالنسبة إلى لوقا، اتّجاهين خاصّين برزا في خطابه: عمله لرفع قدر المهانين والوثنيّين.

إنّ نبوءة أشعيا تركّز على الحزانى والفقراء والمقهورين. وألحّ لوقا، من خلال إنجيله، على أنّ هؤلاء هم الناس الّذين تتوجّه رسالة يسوع إليهم أوّلاً.

 

3- سخاء الله للفقراء

 

لقد أتى يسوع لينقذ الّذين يعيشون في فقرٍ مادي، الجياع والعطاش الآن.

 

في إنجيل لوقا، لم يمتدح يسوع الصفات الروحيّة بل أعلن تطويب الله لمّن نبذهم العالم.

 

وحذّر تحذيراً شديداً لمسؤوليّات الأغنياء وخطر الغنى.

 

4- الرجال والنساء متساوون أمام الله

 

كانت النساء يعانين القهر والتهميش في زمن يسوع. وكان اليهوديّ يشكر الله في صلواته الصباحيّة لأنّه لم يخلقه وثنيّاً ولا عبداً ولا امرأةً.

 

أليصابات ومريم وحنّة شخصيّات رئيسة في رواية لوقا لميلاد يسوع. وشخصيّات النساء بارزة في أعمال لوقا.

 

5- إنقاذ المقهورين

 

يمكن للقهر أن يتّخذ عدّة أشكال: القهر الجسدي والمرض النفسي والذنب والاستياء والأحكام المسبقة والتمييز.

 

أتى يسوع ليعيد إلينا كرامتنا كأبناء لله وليعلن العهد الموعود، حين سيحرّر الله جميع الّذين تسحقهم الخطيئة. فمحبّة الله الرحيم للخطأة كانت موضوعاً رئيساً في إنجيل لوقا.

 

كان جباة الضرائب منبوذين بحكم عملهم. وبالتالي، فإنّ التضاد بين تباهي الفرّيسيّ وندامة جابي الضرائب يوضح أنّه لا يهم ما فعلناه، فالبساطة والتوبة الصادقة هي مفتاح الغفران والقبول والتحرّر من الخطيئة. « لأنَّ هذا الرَّجُلَ هوَ أيضًا مِنْ أبناءِ إبراهيمَ. 10فاَبنُ الإنسانِ جاءَ ليَبحَثَ عَنِ الهالِكينَ ويُخَلِّصَهُم» (لو 19/10).

 

لوقا وكنيسة اليوم

 

لولا كتابات القدّيس لوقا لضعُفَ تصوير شخصيّة يسوع والكنيسة الأولى.

 

إنّ لوقا يدعونا على الدوام إلى أن نحرّر الإنجيل من الأحكام المسبقة الدينيّة أو العرقيّة أو التعصّب الأعمى، ويسمح لسخاء الإله المحِب وضيافته وللكنيسة الشفوقة بأن يشملا الجميع.

 

إنّ منظوره يناسب خصوصاً الكنيسة والعالم في أيّامنا، وقد تساعدنا على تهديم الحواجز والانشقاقات الّتي تؤجّج الصراعات الحاليّة.

 

عن موقع جمعية التعليم المسيحي بحلب