كلمة مفتي البوسنة الكبير لبندكتس السادس عشر

روما، الجمعة 7 نوفمبر 2007 (ZENIT.org).

ننشر في ما يلي الكلمة التي وجهها مفتي البوسنة الكبير، الشيخ مصطفي سيريتش، لبندكتس السادس عشر خلال مقابلة البابا مع المشاركين في حلقة الدراسة الأولى التي عقدها المنتدى الكاثوليكي الإسلامي من الرابع ولغاية السادس من نوفمبر الجاري في روما.

* * *

باسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على رسول الله وإخوانه

صاحب القداسة،

أيها الأصدقاء،

إنه لفرح كبير لي يا صاحب القداسة، أن أكلمكم باسم البعثة الإسلامية، بقلب مفعم بالمحبة نحو الله والقريب، كما تحثنا إليه كلمة سواء بيننا وبينكم في سبيل السلام والعدالة في العالم.

إن لقاء قداستكم ببعثتنا لا يشكل فقط خطوة هامة في التقدم في الحوار الكاثوليكي الإسلامي، بل هو مدعاة لرجاء كبير من أجل مستقبل أفضل للبشرية جمعاء.

يقال بأن الخليفة هارون الرشيد، طلب من رجل قضاء مسلم أن يتحدث عن كتاب الله فأجاب: "عن أي كتاب تتكلمون يا خليفة المؤمنين؟ الله، في الواقع، كتب العديد من الكتب".

بروح الانفتاح الديني هذا على التقليد الإسلامي، نعرب نحن المسلمون عن تقديرنا لرسالة المجمع الفاتيكاني الثاني في وثيقة "نوسترا إيتاتي". إن ذلك يولد فينا رجاء كبيراً بقاعدة صلبة لكلمة سواء بيننا وبينكم لأننا نواجه تحديات عديدة.

إن القرآن الكريم يقول لنا: " وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ "(103) في السلام والعدالة.

أما الكتاب المقدس فيذكرنا: " لِكُلِّ أَمرٍ أَوان ولكُلِّ غَرَض تَحتَ السَّماءَ وَقْت. " (جا 3: 1)

ما هي إذن غاية عصرنا؟ هل هي صراع الحضارات أم تحالفها ؟ هل هي العنف أم المصالحة؟

ما هي مخاوف عصرنا؟ وما هي آماله؟

المخاوف كثيرة. إن زمننا زمن خطايا فظيعة: غنى من دون تعب، لذة من دون وعي، تنشئة من دون أخلاق، أعمال من دون خلق، سياسة من دون مبادىء، علوم من دون مسؤولية، إيمان من دون تضحية ودين من دون رحمة.

ولكن الآمال أيضاً كثيرة. إن زمننا هو زمن فرص كبيرة بمعنى أنه على الأمم الغنية أن تتقاسم ثرواتها الخاصة مع الأمم الفقيرة. على المكتفين أن يفهموا معاناة الجوعى، وعلى الأطفال الفقراء أن يتقاسموا مع أترابهم فرح التعليم والنجاح في المجتمع. على اللاجئين أن يعودوا الى منازلهم وأن يشعروا بالأمن والاستقرار والحرية كباقي العالم، بعيداً عن كل عنصرية وخوف من الأجانب وتمييز.

يمكن لزمننا أن يكون زمناً أفضل إذا عرفنا أن الشريعة الحقيقية هي شريعة القلب. إن مسألة الحرب والسلام، تاريخ البغض والمحبة، حالة الخوف والرجاء، سبب السلطة والواجب: كل هذه الظواهر محفورة في القلب البشري.

علينا، نحن أبناء آدم، أن نندم على خطايانا كما فعل أبانا بتواضع وخشوع لله الكلي القدرة، من أجل بزوع شمس أزمنة جديدة في الحياة البشرية.

على زمننا أن يكون زمن شفاء القلب، وليس زمناً لقتل العقل. على زمننا أن يكون زمناً لنتعانق فيه بمحبة الله الذي خلقنا جميعاً وليس للابتعاد عن القريب. على زمننا أن يكون زمن محبة وليس زمن بغض؛ زمن سلام وعدالة وليس زمن حرب. ليس زمن صمت بل زمن نرفع فيه أصواتنا من دون خوف، كمسيحيين ومسلمين – لكيما تصبح الأرض المقدسة مكان سلام مقدس.

إن ضرورة الحوار الكاثوليكي الإسلامي جلية، ليس فقط لنستعيد تراثنا المشترك كأبناء لإبراهيم، بل أيضاً من أجل تراث التفاعل التاريخي الذي لم يكن بالاستطاعة تفاديه في الماضي، ومن أجل مسؤولية تاريخية لا يمكن تجنبها في المستقبل.

في هذه الحتمية التاريخية في اللقاء بين الإسلام والكاثوليكية، يكمن دافع تقدم كلمة سواء بيننا وبينكم، في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك مثل: الحرب والسلام والعدال والظلم، والجوع والفقر، والثقة والازدهار في العالم.

إن المحبة تتقوى وتتعزز من خلال العمل معاً على تخطي الصراعات.

صاحب القداسة، أيها الأصدقاء الأعزاء: أنا واحد من الذي نجوا من الاعتداء على ساراييفو الذي دام أربع سنوات، في نهاية القرن الماضي. كما تعلمون، إن مسلمي البوسنة عانوا من المجزرة. لقد أتيت الى هنا لنصلي معاً من أجل الحقيقة والسلام والمصالحة في أرضنا الأوروبية المشتركة.

صاحب القداسة، لن ننسى أبداً ما قاله سلفكم يوحنا بولس الثاني مرات عدة: "أنتم لستم بمفردكم، نحن معكم في صلواتنا"!

أطفال البوسنة الذين فقدوا آباءهم في سريبينيكا، لدى سماعهم بأنني سأتوجه إليكم بكلمة اليوم، طلبوا مني أن أقرأ لقدسكم صلاتهم البوسنية:

أيها الرب

لا تدع النجاح يخدعنا

ولا الفشل يقودنا الى اليأس!

أيها الرب

علمنا بأن التسامح

هو أسمى درجات السلطة

وبأن الرغبة في الثأر

هو أول علامات الضعف!

أيها الرب

إن جرّدتنا من ممتلكاتنا

أعطنا الرجاء!

وإن سمحت لنا بالنجاح

أعطنا أيضاً الإرادة

لنتغلب على الفشل!

وإن جردتنا من عطية الصحة

إمنحنا عطية الإيمان!

أيها الرب

إذا اقترفنا خطيئة ضد أحد،

أعطنا القوة لطلب المغفرة!

وإذا خطىء إلينا أحد،

أعطنا القوة لنغفر!

إذا نسيناك أيها الرب

فلا تنسنا!

*****

نقله الى العربية طوني عساف – وكالة زينيت العالمية (zenit.org)