كلمة بندكتس السادس عشر عن العناية بالأطفال المرضى

روما، الجمعة 21 نوفمبر 2008 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي الكلمة التي وجهها البابا بندكتس السادس عشر يوم السبت 15 نوفمبر إلى المشاركين في المؤتمر الذي نظمه المجلس الحبري لراعوية الصحة حول موضوع: "الراعوية في العناية بالأطفال المرضى".

نيافة الكاردينال،

إخوتي الأجلاء في الأسقفية والكهنوت،

أيها الأساتذة الكرام،

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!

يسعدني أن ألتقي بكم بمناسبة المؤتمر السنوي العالمي الذي ينظمه المجلس الحبري لراعوية الصحة للمرة الثالثة والعشرين. أوجه تحية قلبية إلى الكاردينال خافيير لوزانو باراغان، رئيس المجلس، وأشكره على الكلمات الطيبة التي وجهها لي باسمكم. كما أشكر أمين السر، والمعاونين في هذا المجلس الحبري، والمقررين، والسلطات الأكاديمية، والشخصيات، والمسؤولين عن جمعيات العناية، وهيئة الصحة وإلى من قدموا تعاونهم من خلال المشاركة بشتى الطرق في إتمام هذا المؤتمر الذي يتناول هذه السنة موضوع: "الراعوية في العناية بالأطفال المرضى". أنا على ثقة بأن هذه الأيام من التأمل والتفكير في موضوع عصري جداً ستساهم في توعية الرأي العام حول واجب إيلاء كل الاهتمام الضروري للأطفال من أجل نمو جسدي وروحي متناغم. وإن كان هذا الأمر ينطبق على جميع الأطفال، فإنه يصبح ذات أهمية أكبر إذا ما انطبق على المرضى منهم وذوي الاحتياجات الطبية الخاصة.

إن موضوع مؤتمركم الذي يختتم اليوم قد سمح لكم بفضل مساهمة الخبراء المشهورين عالمياً، والأشخاص الذين هم على اتصال مباشر مع الطفولة التي تعاني من ظروف صعبة، بالتشديد على الوضع الصعب الذي ما يزال يعاني منه عدد كبير من الأطفال في الكثير من المناطق حول العالم، وباستدراك التدخل الضروري والطارئ لتقديم المساعدة لهم. لقد شهد الطب خلال السنوات الخمسين الماضية تقدماً ملحوظاً، إذ تمكن من تخفيض نسبة وفيات الأطفال بشكل كبير، على الرغم من أنه ما يزال هناك الكثير من العمل في هذا المجال. ويكفي التذكير بالأمر الذي أشرتم إليه سابقاً بأن هناك 4 ملايين مولود جديد لا يزيد عمرهم عن 26 يوماً يموتون كل سنة.

في هذا السياق، تعتبر العناية بالطفل المريض دليلاً لا يمكنه سوى أن يثير اهتمام من يكرسون أنفسهم لراعوية الصحة. ولا بد من إجراء تحليل متنبه للوضع الراهن من أجل المتابعة الثابتة أو المباشرة بعمل يهدف إلى الوقاية القصوى من الأمراض، والعناية بالمرضى الصغار خلال مرضهم بفضل اكتشافات العلوم الطبية الحديثة، وكذلك إلى تعزيز ظروف أفضل من النظافة والصحة، بخاصة في البلدان الأكثر حرماناً. والتحدي الذي يواجهنا اليوم هو تجنب ظهور العديد من الأمراض النموذجية لدى الأطفال، وعموماً إلى تحسين النمو، والحفاظ على وضع صحي ملائم لجميع الأطفال.

يجب على الجميع المشاركة في هذا العمل الضخم من عائلات وأطباء وأفراد المجتمع وعالم الصحة. إن البحث الطبي يواجه في ظروف معينة خيارات صعبة عندما يتعلق الأمر مثلاً بإيجاد توازن عادل بين الإصرار والعزوف عن العلاج بغية توفير علاجات تناسب الاحتياجات الفعلية لدى المرضى الصغار، من دون الاستسلام لتجربة الاختبار. وتجدر الإشارة إلى أنه لا بد من البحث الدائم عن خير الطفل الذي يتمتع بكامل حقوقه، وبكرامته الإنسانية، خلال كل مداخلة طبية. لذا يجب دوماً الاعتناء به بمحبة لمساعدته على مواجهة المعاناة والمرض، قبل الولادة أحياناً، إلى حد يتلاءم مع وضعه.

بعدها، ومع الأخذ بالاعتبار التبعات الحساسة التي تنجم عن المرض والعلاج الذي يخضع له الأطفال، والذي غالباً ما يكون جسيماً، من المهم أن نوفر لهم اتصالاً دائماً مع أعضاء عائلاتهم. وإذا ما شعر خبراء الصحة، والأطباء والممرضون، بالمعاناة التي تثقل كاهل المرضى الصغار الذين يخدمونهم، يمكنهم فقط تصور قسوة الألم التي يعيشها الأهالي! كما ينبغي عدم الفصل بين الجانبين الطبي والإنساني، ويجب على كل هيئة إسعاف وطب، بخاصة إن كانت تحييها روح مسيحية حقيقية، أن تقدم أفضل جدارة وإنسانية. والمريض، بخاصة الطفل، يفهم بخاصة لغة الحنو والمحبة، التي يُعبَر عنها من خلال خدمة مليئة بالاهتمام، والصبر، والسخاء، تحركها لدى المؤمنين الرغبة في إظهار التفضيل عينه الذي كان يسوع يخصه للصغار.

« Maxima debetur puero reverentia » (Juvénal, Satire XIV, v. 479)  : كان القدامى يعرفون أهمية احترام الطفل، الذي يعتبر هبة وخيراً ثميناً للمجتمع، والذي يجب أن يتم الاعتراف بكرامته الإنسانية التي يتمتع بها بالكامل في أحشاء أمه وقبل ولادته. إن كل إنسان له أهميته الخاصة لأنه خُلق على صورة الله، الذي يعتبره ثميناً في الوقت الذي ينظر إليه الإنسان وكأنه مخلوق ضعيف. إذاً، ما كبر المحبة التي يجب أن نقدمها في استقبال طفل لم يولد بعد وقد تعرض لأمراض طبية! "دعوا الصغار يأتون إلي" يقول يسوع في الإنجيل (مر 10، 14)، مظهراً لنا موقف الاحترام والقبول الذي يجب أن نعتني من خلاله بكل طفل، وبخاصة عندما يكون ضعيفاً ومتألماً، عندما يعاني ويعجز عن الدفاع عن نفسه. وأفكر بخاصة باليتامى الصغار أو الأطفال المنبوذين بسبب الفقر والتفكك العائلي، أفكر في الأطفال، الضحايا الأبرياء لمرض الإيدز أو للحرب والصراعات المسلحة المتعددة في مختلف مناطق العالم، أفكر في الطفولة التي تموت بسبب البؤس، والجفاف، والجوع. فالكنيسة لا تنسى أبداً صغارها، وإن كانت تفرح من جهة بمبادرات الأمم الغنية لتحسين ظروف نموهم، فإنها من جهة أخرى تشعر بقوة بواجب الدعوة إلى الاهتمام أكثر بإخوتنا لكيما يتمكنوا من مواجهة الحياة بثقة ورجاء، بفضل تضامننا.

إخوتي وأخواتي الأعزاء، فيما أرجو أن يتم إيجاد حلول فورية لهذه الأوضاع الراهنة من فقدان التوازن، من خلال مداخلات تجد حلولاً لصالح إخوتنا الصغار، أعبر عن تقديري العميق لجميع من يكرسون شخصياً نشاطهم وموارد مادية في سبيل خدمتهم. وأشكر بخاصة مستشفى الطفل يسوع، ومختلف الجمعيات والمؤسسات الإجتماعية الطبية الكاثوليكية، التي تعمل بمحبة على مثال يسوع المسيح السامري الصالح، وتقدم الدعم والتعزية الإنسانية والأخلاقية والروحية إلى العديد من الأطفال المتألمين الذين خصهم الله بمحبته. أصلي من أجل أن ترعى العذراء القديسة، أم كل إنسان، الأطفال المرضى، وتحمي جميع من يبذلون قصارى جهدهم من أجل الاعتناء بهم باهتمام إنساني وبروح الإنجيل. وفيما أعبر عن تقديري الصادق لعمل التوعية الذي أُنجز في هذا المؤتمر العالمي، أؤكد على ذكركم دوماً في صلواتي وأمنحكم جميعاً بركتي الرسولية.

نقلته من الفرنسية إلى العربية غرة معيط – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.