من اجل مرافقة إنسانية وروحية لذوى الحاجات الخاصة

 

ماجيستسر في اللاهوت الراعوي والتربية الدينية

جامعة الآباء السالزيان – روما

 

الأشخاص الذين جرحوا في سلامتهم

 

مقدمة:-

أليس ما يجمعنا هو التفكير معا عن كيفية إعلان يسوع المسيح، وإيصال "البشرى السارة" ، لكل طفل، لكل شاب، ولكل راشد، مهما كانت قدرته الإنسانية والصحية ؟

في هذا الإطار لا بد من سؤال :

         هل تقتصر بشرى يسوع على الذين يتمتعون بكامل قدراتهم ؟

         هل تقتصر بشرى يسوع المعلنة في إنجيله على الذين يتمتعون بالصحة والذكاء والعلم دون سواهم ؟ ….

         ماذا يمكن أن يحقق حضور يسوع من خلال حياة أشخاص مصابين بإعاقة ؟

         ماذا يمكنه أن يقدم لهم ؟

         لعائلاتهم وللجماعة الكنسية والبشرية ؟

         هل يمكن أن تعنى بشرى يسوع الجديدة ، إنجيله ، الأشخاص المصابين بإعاقة بقدر ما تعنينا نحن ؟

   هل يريد يسوع أن يدخل إلى حياتهم ، إلى قلوبهم ، أن يقيم علاقة محبة مع كل واحد ، انطلاقا من حياته على الأرض ، لينميه ويكبره كانسان وابن الله ؟

         هل يود أن يعطى لكل واحد إمكانية مشاركته ملء الحياة والحب ؟

         هل يهبه أباه، أمه، روحه، حياته، جسده غذاءه، كما يهبنا نحن ؟

         هل مات يسوع وقام لأجله أيضا، كما فعل لأجل كل واحد منا ؟

   هل يمكن أن يعيش ناشئين مصابين في سلامتهم ، وذوى حاجات خاصة ، بسعادة ويسعدوا الآخرين بدورهم ؟ وأن يحيوا حرية أبناء الله ، أحرارا من الإعاقة ، أحرارا من نظرة الرفض والكره ، أحرارا في الصعوبات ورغم وجودها ؟

   هل بمقدورهم مواجهة الصعوبات ، مهما ثقل حملها ، بسلام وطمأنينة وفرح لأنهم عرفوا أن يسوع يحبهم وهم منذ الآن ، أبناء بالابن ، أعضاء في عائلة الله ؟

   هل يمكنهم أن يصبحوا شهودا لفرح يسوع الحي القائم من الموت ورجائه ؟ فيثيرون تساؤل الأشخاص الأصحاء بالنسبة إلى حياتهم ، ويخلقون عائلة شاهدة لعائلة الله ، حيث يعيش أشخاص أصحاء وآخرون مصابون بإعاقة ، باختلاف وتكامل ، متحدين بالفرح ، والسلام والأخوة ؟

نعم إن أولادنا المصابين بإعاقة الذين كبروا في "إيمان ونور" وعاشوا كراشدين في "الأرش"، قد وقعوا في حياتهم، وحتى النفس الأخير، أن العيش كشاهد ليسوع الحي ليس مستحيلا، ولا مقتصرا على الذين يتمتعون بكامل طاقتهم.

كثيرون من شبيبتنا المصابين بأمراض تراجعية ، اظهروا لنا ، حتى النفس الأخير من حياتهم ، أنهم ربحوا معركة الحياة ، وعاشوا كل لحظة من هذا الصراع المحتم ، بكبر ، كأسياد ، في حين أن مظهرهم يوحى لنا بأننا نتعامل مع "أشباه بشر" ، لقد وجدنا أنفسنا أمام عمالقة في الإنسانية ، أنضجتهم نار الألم بسرعة خارقة بل أكثر ، لقد كان لهم في بعض الأحيان، قدرة الكشف لنا عن ذاتنا، وتنمية إنسانيتنا، المطورة والمنسية, إذ نحن "الأصحاء"، لنا الكثير من الأمور التي تشغلنا عن الأساس في حياتنا، عن ذاتنا .

حتى النفس الأخير ، عاش كل واحد من شبيبتنا المجروحة بسلام وهدوء ، يسمع كل منهم ، من عمق ألامه وقلبه ، صوت الأب السماوي ، أبى يسوع وصوت مريم أمه يرددان له ما قالاه ليسوع : أنت ابني الحبيب الذي به افرح .

لقد سمعوا صوت الأب في نهاية مطافهم وبعد تتميم الرسالة على الأرض يقول :

تعالى يابني ، ادخل فرح أبيك ، تعال شاركني حياتي ، حبي ، فرحى ، سعادتي وكمالي .

         لقد قبله يسوع في حياته ، في عائلته ، فأي مكانه اعددنا له نحن في وسط شعب الله ؟ في الكنيسة؟

         أي نظرة القينا عليه ؟

         من هو بالنسبة إلينا ؟

تعرفوا جيدا انه لا يمكن أن نتكلم عن مستلزمات المرافقة الإنسانية والروحية للأشخاص المصابين في سلامتهم ، موضوع صغير كهذا ، لذلك سنكتفي بعرض بعض الأسس الواجبة لهذه المرافقة ، انطلاقا من وحدة المضمون في الرسالة الموجهة سواء إلى الأصحاء أو إلى الأشخاص المصابين والتي ترتكز على الإنجيل ، والإيمان والرجاء .

 

القواعد الأساسية

لأجل رسالة واحدة ، متماسكة

1- ما هو موقفنا من الأشخاص المصابين في سلامتهم : من انأ بالنسبة إليك ؟

إن لم نكن واثقين بعد من أننا أمام شخص كامل الإنسانية، ابن لله ، مساو في القيمة والكرامة لاى شخص أخر، مهما كانت درجة إعاقته وانعكاساتها على مظهره وقدراته الجسدية والعقلية ، فان تصرفنا ونوعية حضورنا أمام هذا الطفل أو الشاب أو الراشد، ونظرتنا وعباراتنا، سوف تكشف له ولأهله ومحيطه حقيقة موقفنا. لا يمكن أن نغش مع الشخص المصاب بإعاقة ، فهو يفرض علاقة حقيقية ، علاقة تقوم على الصدق والشفافية والبساطة والوداعة .

       حتى لو رفض القسم الأكبر من مجتمعنا أن يعترف بقيمتهم الذاتية كأشخاص كاملين في إنسانيتهم، وجاء موقفه منهم على هذا الأساس، فان موقفنا نحن يجب أن يبقى واضحا : مهما كانت طبيعة الإعاقة ، ومهما بلغت تأثيراتها، فان كل ولد مصاب هو شخص كامل الإنسانية، عضو في العائلة البشرية، ابن لله، وعضو في عائلته.

         إن الإعاقة تقلص الإمكانية والملكات، لكنها لا تنال أبدا من كيان الإنسان – "بصفة كونه شخصا بشريا " – لذلك فان الأطفال والشبيبة، المصابين في سلامتهم الجسدية والعقلية وغيرها ….يمكنهم أن يحيوا كامل كرامتهم، بحسب المنطق الالهى الذي عبر عنه يسوع في إنجيله. لكن ، من جهة أخرى، نحن عرضة لان نعكس لهم قيم مجتمعنا السائدة التي تختزل هويتهم في حالة الإصابة والمرض والمحدودية .

إن موقفنا منهم سيكشف إذا ما كنا نتصرف ونسلك بحسب منطق الله ، أم منطق العالم .

لكي نرافقهم علينا أن نغير قلوبنا أولا كي تصبح نظرتنا إليهم نظرة يسوع ومريم :أنت ابني الحبيب ، بك افرح .

وبإدخالهم إلى عالم يسوع، لابد أن نعبر معهم، لنغير في طريقة وجودنا، في أحكامنا وفى نظرتنا .

2- ما هو موقفنا من مشروع الله بالنسبة إلى الإنسان، والعالم، ما هو موقع الله في حياة الإنسان ؟

إن الاتصال بالأشخاص المصابين في سلامتهم سوف يلقى الضوء على موقفنا الجذري من الحياة، ومما ينشئ قيمتها، من معنى الألم والإعاقة والموت ، من الإنسان نفسه ….

من أين نأتي ؟ إلى أين نذهب ؟ بأي اتجاه نسير ؟

ما هو مصدر طاقتنا الحياتية ، كيف يمكننا أن نواجه الصعوبات ؟

ما هو نصيبنا من الحياة ، ودورنا فيها ، ومسؤوليتنا عنها ؟ ومسؤولية الله ؟

ما هو مشروع يسوع لحياتي وحياة الذين أوكلوا إلى ؟ ما هي مصلحتي من الدخول في مشروع يسوع ، وإتباع المسيرة التي رسمها واعدها لي ؟

 

3- ما هو موقفنا كجماعة من الأشخاص المصابين في سلامتهم ؟

أي مكان نولى من هم الأصغر والأضعف والأكثر فقرا في مجتمعنا الإنساني ، الكنسي ، والعائلي ؟

         لمن ولم الأهمية ؟

         لمصلحة من وما نقف حياتنا ؟

فنعطى من ذاتنا ، من وقتنا ، من طاقتنا ،من مواردنا البشرية والمادية ؟

عن أي نتيجة نبحث ولمن ؟

إن الأشخاص المصابين في سلامتهم يكشفون لنا من نحن في الحقيقة . لقاؤنا بهم يفضحنا .

عندما نلبى معا أصحاء ومصابين عم يعبر تصرفنا ، نظرتنا للشخص المصاب في سلامته ؟ ولعائلته ؟

هل نثير رغبة الذين ينظروننا نعيش معا ، في مشاركتنا ؟ وأي قيم نبلغهم ؟ بأي مناخ حياتي نشعرهم ؟

 

4- نعتبر واقع حياتهم

بينما نستطيع إبلاغ الرسالة إلى الأولاد الأصحاء بواسطة التعليم دون الأخذ حتما بعين الاعتبار إطار حياتهم ومسيرتهم الشخصية .

فلا يمكننا البتة أن ندخل في علاقة مع الأشخاص المصابين في سلامتهم ونعلن لهم محبة يسوع إلا أن اعتبرنا واقعهم الحالي والمستقبلي ، وموقف أهلهم منهم ، وموقفهم هم من الإعاقة ، وتساؤلاتهم :

         ما نفع حياتي ؟

         أليس الموت أفضل لي ؟

         حياتي صعبة جدا .

الأمور البسيطة والسهلة بالنسبة للآخرين هي جد معقدة بالنسبة إلى : التنقل، التواصل والتعبير، النظافة، الأكل,الملابس ….الخ.

هل تستحق حياتي أن تعاش لتواجه كل هذا العناء، وبذل هذا القدر من الطاقة والمال، والخدمات والوسائل، مقابل نتائج قد لا تذكر ؟

         لمَاذا أنا بالذات مصاب ويوجد آخرون أصحاء ؟

         كيف يكون الله محبة ويخلقني على هذه الصورة ؟

         لمَ لا يشفيني وبمقدوره أن يفعل ذلك ؟

          ألا يقول الله :كل ما تطلبونه في الصلاة، أعطيكم إياه أطلب منه أن يشفيني، فلا يفعل. انه كاذب !

         أنا عبء على عائلتي ، عار لإخوتي وأخواتي .

         إني لا انفع في شيء ما، محكوم علىّ أن أعيش وحيدا، فريسة الشك والقلق ….الخ.

         من سيسهر على حياتي وعلى مستقبلي عندما يرحل أهلي من هذا العالم ؟

 

5- توحيد الرسالة ، إدراجها في الإطار الحياتي والسهر على دوام مصداقيتها

من الحيوي جدا أن يتمكن كل الأشخاص الذين يتعاملون مع الشخص المصاب بصورة دائمة ، (إن على الصعيد الطبي، التربوي، الاجتماعي، أو الثقافي والروحي ، وان على الصعيد العائلي) ، من نقل الرسالة نفسها، أقله على مستوى الجوهر والأساس :

         رسالة متعلقة بقيمته كانسان وابن لله .

         رسالة عن محبة يسوع وعائلته له .

         رسالة عن كيفية مواجهة التساؤلات والصعوبات الحياتية ، كانسان وابن لله .

يمكن أيضا أن تكرس أوقاتاً للتعرف على يسوع والحياة معه ومن خلاله – وذلك من خلال أشخاص معدين لمهمة كهذه – لكن يبقى على كل المساهمين في تحسين حالته ، إنسانيا وروحيا، أن يلتزموا بالعمل في الاتجاه عينه :

ü  ليعلموه كيفية مواجهة حياته، والتعامل مع الأشخاص الذين يشكلون نسيج حياته، لكي يعيش بانسجام مع  ذاته ومع الآخرين .

ü  لا يمكن أن نفصل ما بين التنشئة الإنسانية والتنشئة الروحية ، فكل واحدة هي جزء لا يتجزأ من عملية المساعدة على تحقيق برنامج حياته ، مع الأخذ بعين الاعتبار ، قدراته ، حدوده ، وواقع حياته الخاص .

ü  مطلوب منا مرافقته ومساعدته على تحقيق حلم يسوع وأمه عليه أي إعداده للحياة التي دعاه إليها يسوع في نهاية مطافه على الأرض، أي حياته بعد العبور .

 

 

6- إعداده ليكون شاهدا لقيامة يسوع الحي فيه وفى الكنيسة

أن نعيش الفرح في الإيمان معا، أن نزرع الرجاء المجبول بالحب. إن الشخص المصاب الذي يكشف لنا عن ذاتنا ، يمكنه كذلك أن يكشف لنا حضور الله في عالمنا ، فتكون رسالته بالتالي أن ينمى أبناء الله ويجمعهم في الكنيسة ؛ أن يدعم روابط الشركة ويدفعنا لان نرتعش ونحيا مركزين على الأساس : على حياة الله في حاضرنا وغدنا .

أخيرا نتمنى، انطلاقا من دراستنا بجامعة الآباء السالزيان بروما لهذا الموضوع، أن نتمكن من المساهمة، من وضع الثوابت والأسس لتنشئة المنشئين، والتي من شأنها تأمين النمو للأشخاص وتحديد البنى الآيلة إلى تأمين المرافقة الإنسانية والروحية للأشخاص المصابين في سلامتهم و ذلك:  

·        لمواجهة جهل المسئولين في الكنيسة والمجتمع لعالم الإعاقة .

·        لمواجهة موقف الكثيرين الخاطئ في تنكرهم بقيمة الشخص المصاب كانسان وابن لله . نعرض كبداية :

·        الإعداد لبرنامج تنشئة يضع القواعد الثقافية الأساسية، لطريقة معينة في الوجود والعمل، للتفاعل والتطابق مع منطق يسوع الجديد المتجلي في إنجيله، لكي يتمكن أشخاص أصحاء وآخرون مصابون في سلامتهم، من العيش معا في كرامتهم كبشر وأبناء لله، في الاختلاف والتكامل، في السلام والفرح،كإخوة حيث يغدو كل واحد منهم شمعة مضاءة في حياة الأخر ، لنكون معا شهودا لفرح يسوع الحي القائم من الموت ، ورجائه، وهذا ليس مستحيلا .

·   وضع إستراتجية للنشر والتعميم تحدد ماذا ننشر، لمن، بأية وسائل ولأجل أية أهداف ؟ وتحقن في عروق عالمنا الحاضر، الكنسي والدنيوي، قيم المنطق الالهى، التي تحمل الرجاء لكل من الأصحاء والأشخاص المصابين في قلوبهم وأجسادهم وذكائهم، إذ لا بديل لما يهب هؤلاء لعالمنا ولكنيسة يسوع :اختبارهم الخاص بأن الحب في قلب الألم هو مصدر رجاء ، يعطى المعنى للحياة كما للموت . وأختم بكلمة لأسقف فرنسي المونسنيور روزييه،  في مرافقة الحياة حتى النهاية :

"إن الكنيسة التي لم يعد لديها ما تعمل أو تقول حيث الألم والموت، حيث الرجاء والشفاء، هل يمكنها أن تكون كنيسة يسوع المسيح ؟" .

 

v  هذا المقال هو ترجمة وتلخيص بتصرف لحلقات دراسية تحت عنوان "المرافقة الروحية والنفسية للمجروحين في إمكاناتهم"ضمن برنامج جامعة السالزيان بروما