ندوة نداء مكة للحوار بين الأديان

 

معرض الإعلام المسيحي السابع " وسائل الإعلام وحوار الاديان" في يومه الثاني : نشاطات وندوات

أنطلياس / لبنان، الأحد 30 نوفمبر 2008 (zenit.org).

أوسيب لبنان – شهد اليوم الثاني لمعرض الإعلام المسيحي السابع الذي ينظمه الاتحاد العالمي الكاثوليكي للصحافة _ لبنان بعنوان "وسائل الاعلام وحوار الأديان" في دير مار الياس _انطلياس سلسلة من النشاطات التربوية والثقافية والسينمائية والفكرية . إذ عرضت أفلام وثائقية ثقافية منها فيلم "أنت وأنا : معرفة دين الآخر" من اعداد جمعية التسلح الخلقي ، وتوقيع  كتاب  للزميلة مهى نعمة بعنوان "آخر الهنود الحمر" ينقل صرخة المسيحيين العرب الذين تتناقص أعدادهم في مهد المسيحية بصورة درامية واضعة على المحك مصداقية  نموذج التعايش في لبنان والدول العربية. وأقيمت ندوة بعنوان "الرسالة ، مسألة محبة " قدمتها مؤسسة الأعمال الرسولية البابوية ، حاضر فيها الأب بول كرم والآنسة ندى حجار والآنسة كارين عساف . كما عقدت ندوة ثانية بعنوان: "نداء مكة للحوار بين الأديان " شارك فيها كل من رئيس مؤسسة أديان الأب فادي ضو والدكتور رضوان السّيد الباحث في القضايا الإسلامية والحوار الإسلامي المسيحي .

ندوة "نداء مكة للحوار بين الأديان"

إستقطبت الندوة التي إستغرقت ساعتين من العرض والتقاش نخبة من رجال الدين والمثقفين والمربيّن من مختلف الأديان والمذاهب .  إستهلها رئيس مؤسسة أديان ومدير معهد الدروس الدينية في الجامعة اليسوعية في بيروت الأب فادي ضو  بمداخلة  حول الإطار العام لحوار الأديان والحضارات في العقدين الأخيرين ، وبخاصة بعد سقوط الجدار بين المعسكرين الغربي والشرقي وإنتهاء الحرب الباردة بين النظامين الشيوعي والليبرالي ، إلى بروز المقولة التشاؤمية التي أطل بها فلاسفة ومفكرون عالميون مثل فوكوياما وهنتنغتون وغيرهما في حتمية  وقوع صدام متعدد الأبعاد  بين ست الى ثمانية كتل جغرافية – بشرية – ثقافية على وجه الكرة الأرضية، مع إحتمال إختزال هذا الصراع الكوني بين عملاقين غربي من جهة  وإسلامي شرق أوسطي من جهة أخرى أزكت هذا التوقع – مع الأسف – ما وقع من إعتداءات متكررة في كل من الغرب والشرق وأماكن أخرى من العالم تحمل في طياتها بصمات إرهاب منظّم مطبوع بالطابع الحضاري والمتلبّس بالدين .

ثم توقف الأب ضو عند عدد من الإختبارات الرائدة في الحوار بين المسيحية والإسلام  التي كان من بواكيرها في مطلع النصف الأول من القرن العشرين ما جرى في لبنان (مؤتمر بحمدون 1954) وما تلاها في الستينات من ندوات تاريخية في "الندوة اللبنانية "، وصولا" الى المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الذي أقّر وثيقة عبرّت بكلمات بليغة عن تقدير الكنيسة للدين الإسلامي وعن المجالات الإجتماعية والإنسانية الممكنة للتعاون بين أتباع الديانتين في خدمة البشرية. في ضوء قيّم مشتركة .

 وذكّر الدكتور السّيد بأن الزيارة التاريخية الأولى التي قام بها وفد من المملكة السعودية كانت  في العام 1969، وكانت الثانية في العام الماضي قام بها حارس الكعبة والحرمين إلى الفاتيكان بعد أحداث  مؤسفة وقعت في أماكن عدة من العالم ، ومنها ما أصاب لبنان أدّت الى تشويه بالغ لصورة الإسلام في وجدان العالم فكان لا بد من إتخاذ المبادرة – بعدما تغافلت عن إتخاذها هيئات إسلامية عريقة مثل الأزهر غير أن جميع هذه اللقاءات – بقيت دون المستوى الذي كانت قد قطعته  الحوارات بين الهيئات الثقافية والروحية  في الضفة الجنوبية من البحر المتوسط  أو شمالي أفريقيا وبين الفاتيكان. ولعل ذروة هذه اللقاءات ما تحقق في عهد البابا يوحنا بولس الثاني من خلال  زياراته  إلى كل من المغرب وتونس والسودان وغيرها من الدول الإفريقية ، قبل قيام  قداسته  بزيارات لاحقة إلى كل من لبنان والأراضي المقدسة ومصر وسوريا.

نقاش وتعليقات

بعد العرض الذي قدمه كل من المحاضرين حول الإطارين الدولي والعربي الإسلامي والمناخات النفسية التي سيطرت  وما تزال تسيطر في الشرق والغرب وقد تجلّت على نحو خاص  من خلال  الشعور السائد لدى المسلمين بأن حقوقهم مهضومة من قبل الغرب ، كما تجلت في المقابل في شعور أهل العرب بالارهاب الإسلامي أو الإسلاموفوبيا  فتح باب النقاش ، فتمحورت الأسئلة والتعليقات على جملة  من القضايا منها :

1- تبدو المبادرة السعودية  في توقيتها والإطار  التي جرت فيه وكأنها مضاربة  للمبادرة الأردنية الهاشمية  التي إنطلقت من أساس سابق وعريق يقوم منذ سنوات على مؤسسة آل البيت . تحت شعار " كلمة سواء "، في حين إن المبادرة السعودية  كادت تكون مرتجلة  وذات أهداف سياسية  في ظاهرها أكثر منها ثقافية او دينية .

2- يعزز هذا الإنطباع السرعة التي أعد بها مؤتمر نيويورك حول ثقافة السلام في الوقت الذي كان المنتدى الإسلامي الكاثوليكي ، أو بالاحرى الفاتيكاني الأردني معدا"  له  منذ حوالي سنتين ومن قبل مجموعة مؤلفة من  138 مثقفا" وفقيها" مسلما" من مختلف المذاهب والبلدان  .

 3- مع ذلك تبقى للمبادرة السعودية قيمة عظمى نظرا" لما تمثله من  خطوة غير مسبوقة بالنسبة  لدولة  لم تعترف بعد كليا" بالشرعة العالمية لحقوق الإنسان، ولكونها الأرض الوحيدة في العالم التي لم تقر بعد  لا حرية العبادة ولا حرية  المرأة ولا حرية  التجمّع ، على الرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها العاهل الحالي لنقل بلاده من حالة سلفية ماضوية الى حالة  إنسانية منفتحة على قضايا الإنسان المعاصر والمجتمعات المواكبة  للشؤون الحديثة التي تليق بدولة ذات أرض مقدسة قدر لها ان تضطلع  بدور إقتصادي وايماني وثقافي عظيم.

4- عن دور  لبنان واللبنانيين والعلاقات الأخوية بين المسلمين  والمسيحيين العرب أكّد المحاضران والحضور على أهمية كشف أصالة الاخّوة والمواطنية بين مختلف مكونات الدولة العربية ، لما في ذلك من أهمية قصوى لجهة إزالة الصورة الخاطئة في الغرب والعالم حول عجز الحضارة العربية  عن إستيعاب ابنائها الأصيلين، ولا سيما منهم  أحفاد  نصارى العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية  في العهدين الأموي والعباسي  وفي النهضة العربية الحديثة .

ولفت المشاركون إلى أن إستمرار تناقص المسيحيين في الدول العربية بصورة مأسوية حتى اصبحوا  لا تتعدى نسبة عددهم  اليوم أكثر من عشرة بالمئة بعدما كانت أكثر من عشرين بالمئة في مطلع القرن الفائت والأكثرية الساحقة في القرن الثاني عشر ، إنما هو من سؤولية الدولة العربية والمجتمع العربي بكامله ، وذلك جراء الضغوط المتعددة المباشرة وغير  المباشرة التي تمارس على هؤلاء المسيحيين العرب  بقصد تهجيرهم الى خارج المنطقة ، أقباطا" وأشوريين وسريان  وروم وأرمن وسواهم .

الى هذه المأساة تضاف بعد حروب الخليج والعراق مأساة أخرى هي الصراع الإسلامي الإسلامي  الذي قسّم العالم العربى الى جماعات على أساس عرقي ومذهبي وايديولوجي بحيث ظهر الصراع الشيعي- الشيعي من جهة والصراع الاسلاموي – الإسلامي(Islam- Islamisme ) بين الأصولية السلفية الجهادية  والإسلام التقلييدي المعتدل من جهة أخرى الى الصراع العربي – الكردي وسواها من أشكال الصراعات ، وكأنه علة تفتيتية  ليست أسبابها كلها  عوامل خارجية  تقف وراءه اميركا واسرائيل وايران وحلب  بل هناك علة أساسية يجب البحث عنها في صلب الثقافة  والتراث لمعاجتها قبل فوات الاوان. كما قدم الحضورفي سياق المناقشة سلسلة من الأقتراحات في ما يختص بالدور اللبناني تحديدا عن الحوار بين الأديان والمؤمنين ، واستلهاما" مما جاء في خطاب رئيس الجمهورية  ميشال سليمان في مؤتمر ثقافة السلام في الامم المتحدة منذ ايام :

– ترسيخ الوعي بأهمية رسالة لبنان الحضارية في وجدان وسلوك الأجيال اللبنانية – ايلاء" أقصى الإهتمام بمناهج التعليم الديني في المدارس الرسمية والخاصة ،وتنشئة مربين ذوي كفاءة وقدوة  أدبية وروحية  لتقديم هذه المادة التعليمية الى النشء اللبناني.

– تفعيل دور المؤسسات الحوارية التي كان لبنان سباقا" إلى تأسيسها ، ومنها تحديدا" الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي- مراقبة خطب يوم الجمعة من قبل المسؤولين في المؤسسة الدينية الرسمية ضمانة لإحترام مبدأ التعدد ية التي أوصت بها التعاليم الدينية السامية والتي أكدت على مشيئة الخالق بانه خلق البشرية شعوبا" وقبائل لكي تتعارف في ما بينها ولم يشأ أن يجعلها أمة واحدة  لما في ذلك من حكمة إلهية عميقة وغنى وافر للبشرية جمعاء.