ندوة وثيقة الاحترام المتبادل بين الأديان

ندوة وثيقة الاحترام المتبادل بين الأديان

معرض الاعلام المسحي حول حوار الأديان في يومه السادس

بقلم منى طوق رحمة

 

أنطلياس، الخميس 4 ديسمبر 2008 (Zenit.org).

يواصل معرض الاعلام المسيحي السابع حول وسائل الاعلام وحوار الأديان نشاطاته لليوم السادس على التوالي في دير مار الياس انطلياس ،حيث قدمت جماعة الملاك الحارس ضمن مسرح الدمى عروضاً مسرحية لعدد من المدارس ، ووقعت الفنانة غرازيللا  CD بعنوان " De Venise avec amour"  " Mamans Spéciales et   وأُقيم حفل تكريم لـ "التبادل الطلابي"  ووزعت جوائز رمزية على المشاركين .

 ومساء كانت ندوة بعنوان " وثيقة الاحترام المتبادل بين الأديان " نظمها الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة – لبنان بالتعاون مع مؤسسة أديان والفريق العربي للحوار بين الأديان . شارك فيها كل من رئيس الفريق العربي للحوار الاسلامي المسيحي القاضي عباس الحلبي ، الأب جورج مسّوح والأستاذ محمد السماك ، بحضور نخبة من المفكرين والأساتذة الجامعيين والباحثين في هذا المجال.  

 

الحلبي : الحوار مأزوم وتعترضه صعوبات جمة

بداية ، تحدث القاضي الحلبي عن وثيقة الاحترام المتبادل بين الأديان قائلاً : " أتت وثيقتنا في هذه الظروف الصعبة لتعيد التذكير بالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها العيش المشترك " ، وسأل : هل من عيش مشترك دون احترام الشراكة الوطنية ودون مراعاة الخصوصية والحرص على حفظ حرمة أصحابها ، ودون المشاركة في الوطن على أساس المواطنة وأن تكفل كل دولة لمواطنيها مساواة حقيقية يحميها القانون . وهل من احترام بين أهل الأديان اذا ساد التعصب الذي هو وفق الوثيقة " وقود الفتن واساس الفرقة الممزقة لوحدتهم". وهل من احترام اذا خاض أهل كل دين او مذهب في خصوصيات دين آخر او مذهب آخر والخوض المقصود بحسب الوثيقة هو الخوض العلني الذي ينشر على الكافة وجوه الاختلاف بما لا يستطيعون ادراك أًُسسها الفكرية والفلسفية ".

ورأى الحلبي ان الحوار مازوم ويجب الاعتراف بأن هناك أزمة في الحوار بين الأديان وبين أهل الأديان والمذاهب . وان مرد هذه الأزمة في الحالة العربية واللبنانية هو ضعف الدولة المدنية وعدم وجود وصلابة مفهوم المواطنة الذي يؤمن للأفراد والجماعات التساوي في الحقوق والواجبات وفي التعبير عن الخصوصيات على قاعدة الاحترام المتبادل والتمسك بمقومات الهوية الجامعة كما في تنامي العنصر الديني في ادارة الدول والتأثير البالغ في المجتمعات وبأبشع مظاهره في لبنان في هذه الطائفية البغيضة المشحونة بخطابات بعض الزعماء " .

وأكد ان هناك ثمة صعوبات تعترض مسار الحوار نتيجة اقتناع البعض ان ثقافتهم ودينهم افضل من ثقافة الآخر ودينه فضلاً عن عدم المعرفة الحقيقية لا بل انعدام او قصور الجهد من طرف تجاه الطرف الاخر بما يؤدي الى سوء الظن واعاقة مسار الحوار ، وتنامي مشاعر الاستعلاء والأفضلية والتميز كما ورد في الوثيقة  ، مشيراً الى عدم الفائدة من الحوار " اذا انحصر في المنتديات الفكرية ولم يشمل بنعمه الشباب في المدارس والجامعات فيستعيضون عن الضرب بالحوار وعن النبذ بالتعارف وعن الشتيمة بالاحترام ".

مسّوح : تواجه الوثيقة واقعاً مريراً

وألقى الأب مسّوح كلمة بعنوان " وثيقة "الفريق العربي للحوار" عندما يكون التأكيد على البديهيات ضرورياً " جاء فيها : " تأتي وثيقة الاحترام المتبادل في أوانها . فالنظرات المتبادلة بين أهل الأديان يسودها بعامة عدم الاحترام وغلبة الصور المنمطة المحكومة بتاريخ حافل من الحروب الدينية او من الرغبة الجامحة باقصاء الآخر المختلف . ولا يمكن فهم الأزمات المتتالية التي عصفت بالعلاقات بين المؤمنين في معزل عن تراكمات الأحكام المسبقة التي أنتجتها الذاكرات الجماعية للأديان والمذاهب والطوائف بعضها عن البعض الآخر . وقد ساهمت بعض الآيات او المقولات الدينية في تبرير استعلاء الجماعات الدينية واستكبارها على الجماعات الأخرى ، وذلك بعد اضفاء قيمة مطلقة عليها واعتبارها حصرية ، كعبارتي "شعب الله المختار" او " كنتم خير أمة أخرجت للناس" .

وأكد ان الوثيقة " تواجه واقعاً مريراً يحكم العلاقات بين المسلمين والمسيحيين اليوم ، وتحاول في الآن عينه وضع قواعد للتعامل بين المؤمنيين في أوقات الشدة وأزمنة الفتن كي لا تستفحل المشاكل وتتضخم التوترات فتؤدي الى حروب لا تبقي ولا تذر ، والتوترات هذه قد تنشأ من خارج السياق الديني كما في قضية الرسوم الكاريكاتورية ، وقد تنشأ بسبب تصريح غير مستقيم من رأس الهرم الديني لهذه الجماعة او تلك ، لكن سرعان ما تتحول هذه التوترات في كلا الحالتين الى أزمات كبرى تنذر بالويل والثبور وعظائم الأمور " .

ولفت الى بعض بنود الوثيقة التي تشدد على " عدم جواز الاساءة الى الانسان بسبب عقيدنه ولا بسبب دينه ، وعلى المواطنة وما ينتج عنها من مساواة بين المواطنين كافة في الحقوق والواجبات ، وعلى الابتعاد عن التعصب الذي هو وقود الفتن وعلى ضرورة الاعتذار وتصحيح الخطأ الواقع بحق احدى الجماعات وعدم البحث عن تبرير الخطأ او تأويله ، وعلى كون حرية اختيار الدين حرية فردية وعلى كون الهوية الوطنية توحّد المواطنين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وعقائدهم " .

 

السماك : سوء تفسير للاسلام من بعض المسلمين

وفي المسيحية الحالة مماثلة أيضاً

وسأل الأستاذ السماك في محاضرته : كيف ننتقل من التنظير الى التأصيل التربوي ؟ ومن ثم الى التفعيل السلوكي ؟ للاجابة على هذا السؤال لا بد من ملاحظة الأمر التالي وهو كثرة الحديث عن الاسلاموفوبيا لدى المسيحيين وقلة الحديث عن المسيحانوفوبيا لدى المسلمين . وفي الحالتين فان المعنى واحد وهو كراهية ما لا يعرف  أو كراهية سوء ما يعرف سواء عن الاسلام او المسيحية .

وقال: " على الصعيد لاسلامي هناك سوء تفسير للاسلام من بعض المسلمين ، وهناك سوء فهم للاسلام من بعض المسيحيين . والأمران يتكاملان في تكوين وجهي صورة مشوهة من شأن ترسيخها في الثقافة العامة تبديد أسس الاحترام واقتلاعه من جذوره . لذلك لا بد من العمل من داخل الاسلام لتقويم التفسير الخاطئ ومن دون ذلك يكون الاحترام مجرد مجاملة او مسايرة ويبقى بعيداً عن الاحترام الحقيقي والأصيل ."

وأضاف :" وعلى الصعيد المسيحي هناك حالة مماثلة ، على سبيل المثال حركات مسيحانية انجيلية متطرفة خاصة في الولايات المتحدة تطلق على نفسها اسم الصهيونية المسيحية . وهناك سوء فهم للمسيحية متأصل في ثقافة حركات التطرف والغلو الاسلامية التي تحتكر لنفسها فهم الدين وتفسيره".

وشرح باسهاب المسيحانوفوبيا التي ترتكز الى سوء فهم اسلامي يتمثل بعدد من النقاط لا سيما ربط المسيحية المشرقية بالغرب واعتبار الغرب رأس حربة مسيحية ضد المسلمين واتساع رقعة الفكر التفكيري مع تصاعد واستقواء حركات التطرف والغلو في الاسلام . أما الاسلاموفوبيا فترتكز الى عوامل عدة أيضاً منها تحميل الاسلام وزر ما يقوم به بعض المتطرفين من أبنائه ممن يدّعون الدفاع عنه وأقوال تتنافى مع سماحة الاسلام وشريعته وتتناقض مع القوانين الدولية والمواثيق الانسانية ، والمزج بين ما هو ديني وما هو تقاليد وعادات ، وتصوير الاسلام وكأنه رافض للآخر وانه لا يتعايش الا مع نفسه بل وأحياناً لا يتعايش حتى مع نفسه . 

وأكد ضرورة العمل على " تصحيح كل هذه المفاهيم المغلوطة سواء منها المكونة للمسيحانوفوبيا وللاسلاموفوبيا ، بحيث يمكن اقامة قاعدة صحيحية للاحترام المتبادل . فالاحترام المتبادل الذي يقوم على الجهل بالآخر هو نوع من انواع النفاق ، وبالتالي فانه لا يؤسس لعلاقات سليمة وصحية . ويبقى مجرد استجابة اجتماعية للتعامل مع الأمر الواقع . اما الاحترام الذي يقوم على معرفة الآخر ومشاركته في الايمان فهو احترام صادق وبنّاء قادر على ان يرتفع بالاحترام الى مستوى المحبة " . ولفت الى ان " لو يتمتع الانسان العربي بحقوق المواطنة الكاملة ، ربما ما كانت هناك حاجة اليها ، او ربما ما كانت الحاجة اليها ماسة . فاحترام حقوق المواطنة وحقوق الانسان وحقوق الجماعات يرسي قاعدة وطنية وانسانية لضمان كل هذه الحقوق وتعزيز صلابة النسيج الوطني وتماسكه " .

ورأى السماك ان " في مجتمعاتنا الشرقية حيث يلعب الدين دوراً اساسياً في تكوين الشخصية الفردية والهوية الجماعية لا تكفي القوانين وحدها ولا بد من الارتكاز على الدين كمرجع وأساس للتربية على احترام هذه الحقوق واحترام أهلها وما يؤمنون به . فاحترام الخائف ليس كاحترام المحب . ان الاحترام الذي يفرضه الخوف من القانون والعقاب جراء انتهاك هذه الحقوق شيء والاحترام الذي يكون تجلياً من تجليات الايمان الديني وترجمة واقعية شيء آخر ".  وقال: لقد رأينا انه في الوقت الذي يظلم فيه الدين بتحميله مسؤولية بعض ما يتعرض له الانسان العربي من انتهاكات لحقوقه على قاعدة دينه المختلف ، فان وثيقة احترام الأديان ترسم خطاً فاصلاً بين تعاليم الدين وقيمه وهذه الانتهاكات ، بل وتذهب الى أبعد من ذلك فتستقرئ الدين لاستخراج قواعد احترام الين الآخر وأهله".

وأكد ان " القاعدة الأساس التي يمكن التأكيد عليها هي ان الدين كل دين هو أسمى من ان يكون في قيمه وتعاليمه سبباً لعدم احترام الدين الآخر او مبرراً لانتهاك او للانتقاص من حقوق المؤمنين بالدين الآخر "، مشدداً على ان الهدف من هذه الوثيقة هو التأكيد على " اننا لا نريد احتراماً تكاذبياً ومفروضاً بين أهل الأديان بل نريده احتراماً مخلصاً يعبر بصدق وأمانة عن جوهر الدين ومن الايمان به " .

والجدير بالذكر ان هذه الندوة كانت عميقة وطريفة في الوقت عينه ، إذ أوضحت مسائل وقضايا كانت مشوشة وغير واضحة في أذهان الناس ، وتؤدي أحياناً الى سوء فهم بين الناس وخلق مشاكل ونزاعات لا أساس لها لا في الدين ولا في العقائد الديتية .