كلمة البابا إلى سفيرة الجمهورية التونسية

 لدى الكرسي الرسولي

الجمعة 19 ديسمبر2008 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي الكلمة التي وجهها الأب الأقدس إلى سفيرة الجمهورية التونسية الجديدة المعتمدة لدى الكرسي الرسولي السيدة رفيا لمام بويندي

سعادة السفيرة،

يسعدني أن أستقبلكم في الوقت الذي تقدمون فيه أوراق اعتمادكم التي تفوضكم سفيرة فوق العادة ومطلقة الصلاحية للجمهورية التونسية لدى الكرسي الرسولي. أشكركم على الكلمات الطيبة التي وجهتموها لي وعلى التحيات التي نقلتموها عن سعادة السيد زين العابدين بن علي، رئيس الجمهورية. أكون في غاية الامتنان لو بلغتم شكري وتمنياتي القلبية له ولكل الشعب التونسي.

إن التقدم الاقتصادي والاجتماعي يسمح لكل فرد وعائلة بالتمتع بالرفاهية الضرورية لنموهما الكامل. لذا يسرني أن أعلم بأن بلادكم أحرزت خلال السنوات الأخيرة تقدماً ملحوظاً في هذين المجالين. وفي ظل هذا الوضع الاقتصادي الصعب الذي يشهده العالم حالياً، لا بد من وضع آلية تضامن حقيقي داخل كل بلد وبين جميع الأمم لكي تخفف معاقبة الأكثر فقراً. إذ أن تحقيق نمو اقتصادي على حساب البشر وسائر الشعوب والمجتمعات، المحكوم عليها بالفقر والتهميش، يعتبر أمراً غير مقبول به أبداً. (ملخص العقيدة الاجتماعية للكنيسة، رقم 332).

إضافةً إلى ذلك، لا بد من أن يسير التقدم الاقتصادي جنباً إلى جنب مع تقدم الإعداد الإنساني والروحي للأفراد. وفي الواقع أنه من غير الممكن اختزال حياة الإنسان ببعد مادي. وهنا أحيي الجهود التي حققتها تونس في مجال تربية الشبيبة. لأنه أمام مصاعب الحياة وشكوكها، أو أحياناً أمام اندثار النقاط المرجعية التي تعطي معنىً للوجود، لا بد من أن تحظى الأجيال الشابة بتربية صلبة تساعدها على مواجهة التحولات السريعة في المجتمعات. أما الاهتمام الخاص بالتنوع الثقافي والديني فسيتيح لها فرصة الاندماج بشكل أفضل في عالم يتميز أكثر فأكثر بامتزاج الثقافات والأديان، ويمنحها فرصة المساهمة في بناء عالم أكثر تآخياً وتضامناً.

في أيامنا الحالية يعتبر الحوار بين الثقافات والأديان أمراً محتماً بغية العمل معاً من أجل السلام والاستقرار في العالم، ومن أجل تعزيز الاحترام الحقيقي للأفراد وحقوق الإنسان الأساسية. من جهة أخرى، فإن الاعتراف بأهمية الفرد وكرامة كل إنسان، واحترام الحياة التي هي هبة مقدسة من عند الله، يشكلان قاعدتين أساسيتين من أجل بناء عالم أكثر انسجاماً وترحيباً بالتنوع المشروع. وبذلك فإن بناء مجتمع تُصان فيه كرامة كل إنسان، يتضمن كذلك احترام حرية الضمير والمعتقد لأن حرية الإنسان تتجلى بشكل حقيقي من خلال التعبير عن المعتقدات الدينية.

إن المكانة التي تحتلها الجمهورية التونسية في المغرب تدعوها إلى تأدية دور مهم على الصعيد الدولي وبخاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وفي إفريقيا. فإقامة علاقات حسن جوار بين الأمم من شأنها أن تساهم في وعي أكبر وانتماء مشترك إلى الأسرة الإنسانية الفريدة. إذاً لا بد من تشجيع التعاون والتبادل بين الأمم ليس فقط من أجل ضمان الحق في التنمية للجميع بل أيضاً من أجل تأسيس جماعة حقيقية من الإخوة والأخوات مدعوين إلى تأسيس عائلة كبيرة. لذلك وأبعد من المنطق المحدود في علاقات السوق، يجب أن ترتكز الحياة الاجتماعية على أساس متين من القيم الروحية والأخلاقية المشتركة من أجل تلبية متطلبات الخير العام والحفاظ على حقوق المستضعفين.

سعادة السفيرة، إن الكنيسة الكاثوليكية تؤكد وجودها في المجتمع التونسي بخاصة من خلال مؤسساتها التربوية أو حتى في مجال الصحة أو العناية بالمعوقين. إنها من خلال التزاماتها في خدمة السكان، من دون التمييز في الأصل والدين، تعتزم المساهمة على طريقتها في الخير العام. كما أن الاحترام والاهتمام اللذين تلقاهما هذه المؤسسات الكنسية يدلان على ثقة السلطات والسكان بها. وهذا الأمر يسعدني كثيراً.

إنكم تعلمون بأن الجماعة الكاثوليكية في تونس التي أكون ممتناً لكم لو بلغتموها تحياتي الحارة، متعلقة بتقليد قديم ميز الحياة الثقافية والروحية في بلادكم. إذ عبر فيها الكثير من القديسين والقديسات كقبريانوس، وفيليسيتي وبيربيتوي عن شهادتهم لله الواحد واهبين حياتهم له. لذا أدعو جميع الكاثوليك بالاشتراك مع أسقفهم لإظهار محبة الله المحيية حولهم على مثال آبائهم في الإيمان، ولأن يكونوا شهوداً مشعين بالرجاء الذي يحملوه في داخلهم.

فيما تباشرون برسالتكم لدى الكرسي الرسولي أقدم لكم حضرة السفيرة تمنياتي القلبية بالتوفيق لكيما تستمر وتتطور علاقات متناغمة بين الكرسي الرسولي والجمهورية التونسية. كما أؤكد لكم بأنكم ستجدون دوماً حفاوة كبيرة من قبل معاوني.

أبتهل إلى الكلي القدرة أن يمنحكم جزيل بركاته لكم ولعائلتكم ومساعديكم ولجميع سكان تونس والمسؤولين فيها.    

ترجمة وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)