المزمور 12: كلمة الله وكلام الناس

همسات الروح

تأمل في سفر المزامير

 

المزمور الثاني عشر

كلمة الله

 وكلام الناس

بقلم الأب/ بولس جرس

 

المزمور الثاني عشر

كلمات الله وكلمات البشر

أولاً: تقديم المزمور:

المزمور الثاني عشر مزمور توسّل ينشده المرنّم، طالبًا معونة الله، ليتمكن من العيش في عالم زالت منه القيَم. فهل تتغلّب كلماتُ الناس على كلمة الرب؟. هكذا يتساءل النبي المرنّم: هل يسمح الرب أن يسود الكذب حيث يجب أنَ تملك الأمانة والصدق والرحمة؟ أم سيقوم الله ويسكت الألسنة الغاشة ويرد الأمور إلى نصابها الصحيح؟ "أقوم الآن، يقول الرب".

في البداية، كان هذا المزمور صلاة فردية، قبل أن يصير صلاة الجماعة… ويرى البعض أن المرنّم نطق بها بروح  النبوءة كمرثاة جماعية، باسم شعب الله، الذي يصرخ طالباً الخلاص من الغشاشين، وقد طال انتظاره لعمل الله القادر وحده أن ينجي من الضيق  ويحفظ من النفاق؛ ويجد النبي الإجابة الشافية على جميع تساؤلاته في كلمة الله، فهي وحدها تقدم الوعود الإلهية الأكيدة وتملا القلب سلاماً بصدق العهد الأبدي!

كتب داود هذا المزمور أثناء فترة حكم شاول، إبان انتشار الشائعات المغرضة في القصر الملكي، والوشاية والأكاذيب ضده… فالكل يُداهِنْ الملك شاول لإرضاءه ضد داود، فيصرخ داود البريء إلى لله طالباً النجدة من يد  الملك الغاضب، وكشف حقيقة الكذابين الخادعين، واثقاً في كلام الله وصدق وعوده. فيدخل في مقارنة بين فاعلية كلمات البشر الفارغة (1-4)، وكلمة الله التي على النقيض من ذلك،  نقية صالحة (5-8)؛ ثم يصلي باسم الأبرار البائسين، مستخدماً كلماتهم ومعبراً عن  صرخاتهم. . ونجد أنفسنا هنا أمام ثلاث أنواع من الكلام:

1.كلام الأشرار: كذب ورياء وكبرياء ينطقون بفم إبليس الكذاب أبو الكذاب.

2.كلام الأبرار: تنهدات المساكين بسبب ما يعانونه من ضيق ومتاعب، والله يسمع لهم.

3.كــــــلام الله: كلام نقي، محل ثقة، مصدر الخلاص. كفضة مصفاة بلا شوائب.

الحقيقة الثابتة على مدى الأيام أن كلام الأشرار المتكبرين وأكاذيبهم قد تنتشر بسرعة وربما يؤخذ بكلامهم لفترة وقد يصدقهم الناس، كما حدث في تلفيق التهمة للتلاميذ بأنهم سرقوا جسد الرب والحراس نيام، لكن فجر القيامة والحقيقة كان أقوى من الكذب الباطل وكما أشار غمالائيل المشير الحكيم"اتركوا هؤلاء الرجال وشانهم، لأن ما يبشرون به او ما يعلمونه يزول إذا كان من عند البشر أما إذا كان من عند الله فلا يمكنكم أن تزيلوه لئلا نصيروا اعداء الله" ( اعمال 5 :34-39 ).

وبينما يكون الانتظار فترة صبر من الله على الأشرار، لعل طول أناته يقتادهم للتوبة؛ يكون كفرصة تنقية، يتطهر خلالها الأبرار المضطهدون  كما تتنقى الفضة من جميع الشوائب في البوتقة، في حالة تنهد وصلاة انتتظاراً لتحقيق وعود الله بالخلاص به. حينئذ يتدخل الله في الوقت الذي يراه، لينصف الأبرار ويقطع شفاه الأشرار ويفضح كذّب كلامهم.

ثانياً: نص المزمور وتقسيمه:

ينقسم هذا المزمور إلى أربع أقسام، وهو مكوّن من تسع آيات، ثلاث من آياته التسعة تصف الأشرار وأوضاع المجتمع الشائنة الذي عاني منها النبي كما نعاني منها اليوم، واثنتان تطلبان تدخل الرب لإنقاذ أبنائه من هذه النيران وتطالبه بأن يدين المتكبرين، تليهما في القسم الثالث آية رائعة الوصف تعتبر نبوءة عن الخلاص، أما الآيات الثلاث الأخيرة فتتحدث عن كيفية تحقيق هذا الخلاص. بذا يمكن تقسيم المزمور للنقاط التالية:

القسم الأول:  توسّل وشكوى من خطيئة البشر. كذب وكبرياء باطل ورياء ( 1- 3):

1 – لكبير المغنين على ثمانية أوتار

2- خلاصك يارب، فالأنقياء انقطعوا، وزال الأمناء من بني البشر.

3- كل واحد يكذب على الآخر وبلسانين وقلبين يكلمه

القسم الثاني:  نداء إلي الرب ليتدخّل فيدين الانسان المتكبّر. ( 4- 5):

4 – الرب يقطع شفاه المتملقين وألسنة المتكلمين يكبرياء.

5 – القائلين ألسنتنا تغنينا، شفاهنا معنا فمن علينا؟.

القسم الثالث: كلمة نبويّة: سيتدخّل الله ، فيدين المتكبّرين ويخلّص المساكين. ( 6):

6– أقوم الآن يقول الرب لأن المساكين في شقاء والبائسين يئنون ظلماً، فأمنح الخلاص الذي يشتهون.

القسم الرابع: كلام يبعث على الثقة: كلمة الله حقّ تبدّد المنافقين وتحفظ أحبَّاء الله. ( 7- 9):

7- كلام الرب نقي، فضة صرف في باطن الأرض ، تصفت ونكررت سبع مرات.

8- احرستا يا رب وانصرنا على هذا الجيل إلى الأبد،

9- فهم أشرار يحولون في كل ناحية، فيما الرزيلة ترتفع بين الناس.

ثالثاً: تفسير المزمور:

القسم الأول:  توسّل وشكوى من خطيئة البشر. كذب وكبرياء باطل ورياء ( 1- 3):

1 – لكبير المغنين على ثمانية أوتار

كما شرحنا في المزمور السادس " ثمانية أوتار" يمكن أن تعني اليوم الثامن، يوم الحساب، أو هذا القرن الأبدي ( مائة عام)، الذي سيهبه الله لقديسيه عند انقضاء هذا الزمان الذي يسير على وتيرة السبعة أيام؛ يقول القديس أغسطينوس: لتؤخذ كلمة "الثامن" بمعنى "الأبدية". فإنه بعد انقضاء الزمن الحاضر، الذي هو دورة سبعة أيام متعاقبة، يأتي (الثامن) كنصيب للقديسين. يقول المرتل: "المنافقون حولنا يمشون (في دائرة)"، أي يمشون في شهوة الزمنيات، والتي تدور كعجلة في حلقات متكررة من سبعة أيام، لهذا لا يبلغون اليوم الثامن، أي لا ينعمون بالأبدية التي هي عنوان المزمور. وقد كان العبرانيون يستخدمون هذا المزمور في اليوم الثامن، يوم الختان.

2– خلاصك يارب، فالأتقياء انقطعوا، وزال الأمناء من بني البشر.

 رأي داود أن الكذب قد انتشر، والخيانة استشرت بين جميع من يحيطون بالملك والحاشية، لم يرى الصادق البار، الذي يتقي الرب، فشاول يخونه ومعه رجاله ، فصرخ خلص يا رب، فلم يبق ولا بار، فمن كثرة الاضطهاد فني الأبرار وكادوا يبيدون، وساد الشر فاحتاج العالم لمخلص، وكأن صرخة داود "خلّص يا رب " هي بروح النبوة، صرخة نداء البشرية كلها لله، كي يتجسد المسيح المخلص، حيث زاغ الجميع وفسدوا.

v   خلاصك يا رب :

الخلاص أمل كل إنسان مسحوق، رجاء كل شعب تحت الاستبداد، أنين كل قلب حزين في رجاء يرنو نحو مخلص موعود، يترجاه الجميع وينتظرون بلهف وترقب حلوله على الأرض ليخلص شعبه من العبودية. يكاد يعتبر الفعل" خلص" في الإيمان اليهودي والاستعمال الكتابي، قاصراً على الله الذي قال حين تراءى لموسى في العليقة "نظرت غلى معاناة شعبي الذين في مصر وسمعت صراخهم من ظلم مسخريهم.. نزلت لأخلصهم من ايدي المصريين" (خروج  3: 7-8 ).

وقد سبق الله فخلص شعبه بزراع قوية ويد قديرة من عبودية الفرعون في أرض مصر، فضرب مصر عشر ضربات موجعات وشق البحر الأحمر وعبر بهم وفجر لهم عيون المياه من الصخور  وقاتهم بالمن والسلوى وقادهم إلى أرض الميعاد، هذا هو معنى الخلاص عند اليهود، ولا أحد غير "يهوى" إله إسرائيل، يستطيع أن يخلص. وهكذا يجد النبي داود نفسه في ضيق يصرخ طالباً الخلاص من رب الخلاص ، أنها صرخة استغاثة ورجاء .

v   فالأنقياء انقطعوا وزال الأمناء من بني البشر :

يزيد الأمور تعقيداً وسوأً أن يجد داود  البار نفسه وحيداً. فكما يحتاج العالم إلى القديسين والأبرار كشهود لعمل الله وبركة للآخرين، يحتاج هؤلاء إلى العون الأخوي والتضامن الروحي، وعلى نقيض القديسين، فإن العالم مكتظ بالأشرار الذين يتحالفون ضد الأبرار، بينما هو يحارب وحده.

لم يجد المرتل الحق بين بني البشر، بل الكذب، وبتعبير أكثر دقة "الفراغ"، وهو تعبير يحمل معنى "البطلان"، "عدم الإخلاص" و"التسيّب". فقد تطلع النبي في مرارة نفسه ليجد جيله قد خانه ولم يبق بينهم من يثق فيه. حتى شاول الملك الذي أنقذه من العار وخلصه من جليات الجبار، جنّد كل طاقات الدولة ضده، كما خانه أهل زيف قعيلة (1 صموئيل 24، 26). لهذا شعر داود كأنه لا يوجد إنسان أمين في العالم، وهو هنا يشبه إيليا حين تصوَّر أن الأبرار انتهوا من الأرض ولم يبق سواه فصرخ قائلاً:"يا رب قتلوا أنبياءك، وهدموا مذابحك، وبقيت أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي ليهلكوها" (1ملوك 10:19).

الحالة نفسها صوّرها الأنبياء (أشعياء 7: 1؛ 59: 13؛ وهو شع 4: 1) وقال فيها ميخا النبي : "قد هلك الصفيّ من الأرض، وليس بشر مستقيم. جميعهم يكمنون للدماء، وكل منهم يصطاد أخاه بشرك" (ميخا 7: 2). أنقطع الأتقياء وليس هناك من يتقي الله سواء لأنهم ضلوا مع من ضلّ عن طريق الرب وناموسه، "الجميع فسدوا وزاغوا"، نجح الأشرار في القضاء على الكثير من الأبرياء حتى كادوا يقضون عليهم جميعاً، ولم يبق سوى المرنم يشعر بالوحدة تحيط به وتلفه ويرى حالة الكفر التي يعيشها شعب الله فيحسّ بالألم ويتوجه إلى الله مخلصه يناجيه ويبثه خلجات قلبه داعياً إيّاه للتدخّل، وتنقلب صلاته إلى دعوة على المنافقين ليقطع الرب ألسنتهم ويُسكت شفاهَهم المملوءة كذباً، كما تتعمق لتصير نداء إلى كلمة الله لكي تحميه وسط عالم يسيطر عليه الشرّ.

وفي هذا يقول القديس اغسطينوس:" فني اي لم يعد له وجود، كما نقول عندما تفرغ الحنطة والنقود، لأن الحق ضعف وهان بين البشر. لكن تظل دوما هناك باقية حقيقة تنير القلوب والعيون البارة، وتنعكس في كل نفس كما ينعكس نفس الوجه في مرايا عديدة".

3- كل واحد يكذب على الآخر وبلسانين وقلبين يكلمه:

أنقرض الأتقياء المستقيمون الذين لا يعرف الخداع والكذب والغش طريقاً إلى أفواههم، والتفت حول البار جماعة من الغشاشين المرائين المخادعين المتملقين الذين يعيشون في ازدواجية تامة، ليس فقط على المستوى الخارجي : الكلام واللسان، بل أيضاً على المستوى الداخلي، إنهم لا يعرفون الحب الحقيقي، فهم ذووا قلبين ولا يعترفون بالطيبة والصدق والأمانة كأساس للتعامل والحياة…إنهم زائفو القلب والعقل واللسان. فقد رأى داود قلة الأمانة والكذب تنشر بين الناس فهم غير أمناء ولا يقولون الحق.. ومن أبرز علامات الرياء والفساد، ازدواج القلب " بقلب فقلب يتكلمون".

القسم الثاني:  نداء إلي الرب ليتدخّل فيدين الانسان المتكبّر: (4-5):

4– الرب يقطع شفاه المتملقين وألسنة المتكلمين بالكبرياء

اللسان عطية إلهية، به نسبّح الله، وبه نتحدث مع الإخوة. فإذا أسأنا استخدامه يصير لعنة ونارًا وعالم إثم (يعقوب 3: 1-12). وكما يقول القديس أغسطينوس: "إن المرائين المتغطرسين يتكّلون على حديثهم في خداع الناس دون الخضوع لله".

لذلك يتضرع داود النبي إلى الله أن يهلك المتملقين الذين يهددون الصالحين، كوعده أن يُعين الذين في الضيق، مستجيبًا لتنهدات المساكين. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "ليته لا يخدع أحد قريبه، كما يقول المرتل، يتكلمون بشفاه غاشة وقلب مزدوج". "فما من شيء يجلب العداوة مثل الغش والخداع. الفم هو مصدر كل شر، ليس الفَم بالأحري بل الذين يُسيئون استخدامه، فمنه تصدر الشتائم، والإهانات، والتجاديف، وما يثير الشهوات، والقتل، والزنا، والسرقات، هذه جميعها مصدرها إساءة استخدام الفم".

من كثرة انتشار الأشرار وامتداد نفوذهم ، لا يجد المرنم وسيلة أخرى للتخلص من هذه الفئة المنتشرة كالوباء، القوية كالطاعون، المتغطرسة كالطاووس، سوى اللجوء إلى الرب ليخلصه منهم. فهؤلاء لم يعد يكفهم ما يعيشون من شر وخداع بل تجاوز الأمر ذلك إلى الانتفاخ والتكبر والافتخار بالشر. وحتماً سيقطع الله كل هذه الشفاه، حتى لا يظن احد انه مستثنى ( رومية 13:10)، فاللسان الذي يمجد نفسه لسان المتكبر وكما قطع لسان فرعون الذي قال في تجبر "إني لست أعرف الرب من هو الرب حتى اسمع له" ( خروج 5: 2-3  ) وقطع كذلك الشعب اليهودي ورؤسائهم الذين تجبروا ، فهجر الزيتونة العتيقة وأهملها وخلق لنفسه شعباً مبرراً، (رومية11: 17-18)" وكنت انت زيتونة برّية فطُعّمت لتشارك الفروع الباقية في اصل الشحرة وخصبها". لأن القلب الذي يتقي الله لم يعد هو المقياس بل صارت المقاييس مختلفة، ليس الإيمان والعدل والصدق والوفاء والأمانة ، بل كل ما هو عكسي والأغرب في كل ذلك هو أن مواضيع العار والخزي والخجل صارت مواضيع مجد وافتخار ( ألا نرى هذا في مجتمعنا اليوم لاسيما مجتمعاتنا الشرقية ).

5– القائلين ألسنتنا معنا شفاهنا تغنينا فمن علينا:

صارت البلاغة والفصاحة والقدرات التعبيرية لا سيما القدرة على الخداع والنفاق واستخدام الغش والتدليس هو الأسلوب الذي يسود المجتمع، وكأن لا مكان للعمل الصالح والسلوك المستقيم، وهذا هو اعتقاد المنافقين وفكر المتكبرين وأسلوبهم في الحياة والتعامل، يظنون قوتهم في لسانهم مع أنهم ينطقون بالباطل…

القسم الثالث: كلمة نبويّة: سيتدخّل الله ، فيدين المتكبّرين ويخلّص المساكين. ( 6):

6– أقوم الآن يقول الرب لأن المساكين في شقاء والبائسين يأنون ظلماً، فأمنح الخلاص الذين يشتهون:

لكن هذا الموقف المتعدي المستفز، لا يجعل النبي ييأس وينهار، فهو يعرف أن هناك رب مخلص، إله لا يرتضي الظلم ولا يقبل أن يجور الأشرار على ميراث الأبرار ونصيبهم ، هنا يتغير الحوار ويتكلم الرب بصيغة المتكلم "أقوم الآن" وقد عرفنا عبر دراستنا وتأملنا في المزامير السابقة، أن كل ما يتعلق بالرب من أفعال ( أقوم – أرفع عيني – أشرق – أطلع من السماء…) يعني أمراً وحداً: هو تحقيق الخلاص لأحبائه الأبرار المتقين لاسمه، وهلاك أعدائهم الذين يضطهدونهم.

هنا نسمع صراخ الأبرار في ألمهم، ونرى تدخل الله في الوقت الذي يراه صالحاً -ملء الزمان- ليصنع الخلاص علانية. ويقول اغسطينوس:" نسنطيع ان نرجع هذه الكلمات إلى الله الآب الذي ارسل ابنه إلى العالم ليخلص المساكين، وهي نقطة انطلاق الموعظة على الجبل" طوبى للمسكين بالروح لأنهم يعاينون خلاص الرب" ( متى5:3)، والكلام هكذا ينطبق على السيد المسيح "عيناي قد ابصرتا خلاصك" ( لوقا2: 3)، مما يعطي انطباعاً انه إنما أتي ليضع حداً لشقاء هؤلاء البؤساء".

v   لأن المساكين في شقاء والبائسين يأنون ظلماً :

لا يحتاج الرب العادل القدوس إلى مسوغات أخرى ليصدر حكماً نهائياً، فالقضية واضحة، وعدله لن يقبل أبداً أن يرى مختاريه المساكين والبؤساء يعيشون تحت نير الظلم والاستبداد والعبودية في بؤس وشقاء .

v   فأمنح الخلاص الذين يشتهون :

قوة الرب للخلاص، وهو لا يتوانى أن يحقق الاستجابة الكاملة لصرخة البار المسكين، حقاً أنه عظيم وهو الوحيد الذي يخلص وهو يعرف قلوب أصفياءه وما يعتمل فيها من شهوة سامية في أن يتحقق ملكوته وعدله على الأرض، فصلاتهم "ليأت ملكوتك" ملكوت البر والعدل والسلام والفرح والاستقامة تاني في المقام الأول قبل الخبز… لذلك قرر الرب أن يقوم ويحقق لهم بغيتهم ومنية قلبهم لأن في ذلك الأمر عينه تحقيق لملكوته ومجده .

القسم الرابع: كلام يبعث على الثقة: كلمة الله حقّ تبدّد المنافقين وتحفظ أحبَّاء الله. ( 7- 9):

7– كلام الرب كلام نقي فضة صرف قد تصفت وتكررت سبع مرات:

الآن بعدما تحدث النبي عن كلمات الأشرار التي تكشف عن طابع أبيهم: الخداع مع العنف؛ يقدم عمل كلمة الله في من يقبلها. فإن كان عدو الخير قد أوجد في البشرية – إن صح التعبير – قلبين أو وجهين، بالواحد ننطق بالكلمات اللطيفة اللينة، وبالآخر نحمل فكرًا دنساً شرساً، بالواحد نعيش داخل الكنيسة وبالآخر نتعامل مع الآخرين؛ فإن علاج الأمر هو إبدال عمل عدو الخير بعمل الله و كلمته بالكلمة الإلهية التي تهب الخلاص. وإذا كانت  كلمات البشر المتغطرسة تقود الإنسان إلى الكفر والإلحاد،" قال الجاهل في قلبه لا إله" فأن كلمات الله النقيّة، كالفضة المصفاة بالنار سبعة أضعاف تقود إلى الحياة " الكلمة التي أكلمكم بها روح وحياة" وفي كلمته وعد مقدم للبشرية يضمن لها الحياة .

يعطي النبي كلام الله قدره من الكرامة والمجد؛ فإذا كانت كلمة الإنسان تميّزه عن بقية الخلائق وتساعده أن يصرخ طالبًا النجدة  وإذا كان لكلمات البشر الكاذبة ظاهر الفضة لتحارب كلمة الله، فلا قوّة له، لأن كلمة الله وحدها القادرة الصافية كالفضّة النقيّة تظل الأقوى والأقدر. ولهذا يتعلّق المؤمن بكلمة الله، لأنها تفعل فيه فعلها، ولأنها اليقين الوحيد الذي يستطيع أن يتمسّك به في هذا العالم.

وهل هناك شك في ذلك؟ وهل تجوز المقارنة بين كلام الرب الذي لا يزول" السماء والأرض تزولان وكلامي لن يزول" ( متى 24 :24) و كلمات البشر الفانية؟ إن كلام الله، في الكتاب المقدس والرسل والأنبياء والقديسين والكنيسة، كلام نقي لا يقاربه نجس أو يدنو منه فساد، والنبي يؤكد هذا المعنى الذي نعيشه في حياتنا وكنيستنا، في طقوسنا وعقائدنا.

         الآن بعدما تحدث عن كلمات الأشرار التي تكشف عن الخداع والعنف، يقدم لنا المرنم عمل كلمة الله فينا. تقود كلمات البشر المتغطرسة إلى الإلحاد، إذ يقولون "شفاهنا هي منا؛ فمن هو ربنا؟!" أما كلمات الله فنقيّة، " كفضة صرف قد صُفّّيت وتكررت سبع مرات". والكتاب المقدس كلمة الله منزه عن كل خطأ وشبه خطأ أو تضاد أو كلمة بشرية ساقطة، فالكتاب كله موحى به من الله، والأبرار يثقون في وعود الله التي لا غش فيها ولا تسقط أبداً بل تنقي النفس "أنتم الان أنقياء بفضل الكلام الذي كلمتكم به" ( يوحنا 15 :3 ) فالرب حين يعطينا من مواهب الروح القدس ينقي حياتنا سبع أضعاف.

v   "صفيت سبعة أضعاف":

 اضطهاد للمساكين، يجعلهم يمحصون كلمة الرب في قلوبهم سبع مرات، ورقم سبعة يشير إلى الكمال، كما يشير إلى قول أشعياء عن روح الرب، روح الحكمة والفهم… (إشعياء 11: 2) وذلك:

1. بمخافة الرب.          2. بالصلاح.

3. بالمعرفة.               4. بالقدرة.

5. بالمشورة.             6. بالفهم.       7. وبالحكمة.

 توجد إذاً سبع درجات للتطويب، صعد عليها الرب كما جاء في الموعظة على الجبل (متى 5: 3-9) فيما يُسمى "إنجيل التطويبات" وكأنها الأعمدة السبعة الرئيسية التي يقوم عليها الإيمان المسيحي، أما الطوبى الثامنة التي يقول فيها " طوبى للمضطهدين لأجل البر" فهي تصف تلك النار المطهرة التي يتحدث عنها داود النبي في هذا المزمور، نار الاضطهاد، إنها تلك النار التي تصهر معدن المؤمن وتصل به إلى هذا النقاء … لذلك قالوا عن كلمات يسوع على الجبل" إنه يعلّم كمن له سلطان وليس كالكتبة والفريسيين" (متى 7 :29).

8– أحرسنا يا رب وانصرنا على هذا الجيل إلى الأبد:

قوة الرب عظيمة ولكلمته قدرة هائلة، فلا مجال للخوف أو القلق أو التوتر والجزع، الرب هو السيد والحارس "وإذا لم يحرس الرب المدينة فباطل يسهر الحراس" لذلك فبعد صرخة الاستغاثة الأولى، يصلي النبي بإيمان يقين بوجود الله في حياته ومعرفته بكل ما يحيط به من ظروف وأشخاص واثقاً من تدخله في ليخلصه وجميع الذين يعانون من الظلم … يزداد المرنم فرحاً فيطلب لا مجرد تدخل طارئ وعابر وإن كان ساحقاً ماحقاً … يطلب الحراسة أي أن يكون تحت نظر ذلك الحارس الجبار كل ساعات الليل والنهار، فهذا هو السبيل الوحيد لإدخال السكينة والسلام إلى قلبه المضطرب …

9– فهم أشرار يجولون في كل ناحية فيما الرذيلة ترتفع بين الناس:

وهو إذ يطلب حراسة مستمرة، وعيناً ساهرة لا تغفل ولا تنام، يقدم مبررات هذا الطلب الغالي: أنا مسكين ضعيف وحيد خائف مختبئ، وهم أشرار أقوياء يتحركون بحرية ويعربدون بعجرفة ويسيرون في جماعات كثيفة تبغي على حقوق البائس والمسكين الذي ليس لي من معين أو ملجأ سوى الرب . وهكذا لحال فحيث قد انتشرت الرذيلة والفساد في المجتمع الذي يعيش فيه النبي فلم يعد بإمكانه وحده، الحفاظ على نفسه ومبادئه وتعاليم الرب وناموسه، سوى تحت الحماية الإلهية والحراسة المستمرة، ففي ظلهما يكون مطمئناً فيضجع في سلام لا يبالي بجيوش ملتفة حوله ولا جموع هائجة تبغي إهلاكه.

الأشرار مقاومون لأولاد الله في كل جيل وفي كل موقع في العالم حتى انقضاء الدهر؛ لذا تبقى كلمة الله مُخَلّصة لنا وحافظة إلى التمام. إن كان المنافقون قد التفوا حولنا من كل جانب، يسلطون ألسنتهم الشريرة ضدنا بخداع وعنف داخلي… تظل كلمة الله تقدم لنا وعوداً إلهية، تحول حياتنا إلى "تسبحة" مفرحة، نرى هنا خلاص الرب لعبيده وأنه سينجيهم في هذا الجيل وكل جيل وإلى نهاية الدهر رغم أن نجاح الأشرار  المؤقت  وسيطرهم "يتمشون من كل ناحية ويرتفعون".

رابعاً: تطبيق المزمور:

o      كيف عاش الرب يسوع هذا المزمور؟

 نستطيع القول أن المزمور ينطبق على حياة الرب يسوع فالمسيح هو:

كان داود النبي يتكلم بالروح القدس باسم البشرية المتألمة، طالباً من الرب ان يخلص العالم . والخلاص كما عرفنا هو عمل خاص بالذات الإلهية فقط ويتم عبر يسوع المخلص الذي يفتدي البشرية التي فسدت طبيعتها بالخطيئة ويحررها من أسر أبليس، ضاع الحق من حياة الإنسان، لذلك فالخلاص يتم بتجديد الطبيعة البشرية وإعادة الاتحاد بالله في التور والحق، والعودة لا يمكن ان تتم  إلا بخلاص المسيح، لهذا يبدأ المرتل بصرخة قصيرة وقوية: "خلصني يارب".

– خلاصك يارب: الرب المسيح هو "يشوع" الذى يجلص شعبة وليس يأحد غيره الخلاص. واذ يبشر الملاك مريم " يدعى اسمة يسوع وهو الذى يخلص شعبة" ( لوقا 2: ؟). وقد حمله سمعان الشيخ الذي كان ينتظر تعزية اسرائيل وأنشـــــــد: " الآن يا رب تطلق عبدك بسلام كقولك لأن عيتاي قد ابصرتا خلاصك نوراً تجلى للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل" ( لوقا2 :30  ) وخلاصة يختلف عن مفهوم اليهود فى الخلاص حيث كانوا يعيشون رجاء من يحررهم من أسر المستعمر الرمانى ويقيم مملكة داود … فجاء من حررهم من أسر المستعمر الاساسى ابليس وأقام مملكة ابناء الله الى الابد.

   الانقياء انقطعوا: عاش الرب فى وسط عالم  من  المرائين، يتربصون به ويكمنون له ويكلمونه بألسنة كاذبة، ليصطادوه بكلمة من فمه، وهمهم الوحيد ليس تحقيق الخلاص، بل البقاء فى مناصيهم والحفاظ على مراكزهم التى يعتزون بها ويتباهون دوناً عن الله وخلاصة، ومن البديهي بعد ذلك أن يسعوا الى هلاك الانقياء لان مجرد وجودهم يعرى حقيقة نواياهم الشريرة.

   أشرار يجولون في كل ناحية: كان يسوع  خلال حياته محاطًا بأعداء أرادوا مرارًا أن يوقعوه في أشراكهم (يوحنا 8: 6؛ مرقس 12: 13)، كما كان بقربه أحد رسله، صاحب الشفة الكاذبة والقلب المخادع. ولكنه بقي ذلك الحقّ الأمين (رؤيا 19: 11) الذي أعطاه الآب النصر والعزة (رؤيا 12: 10) والخلاص والراحة.

– الرب يقطع شفاة: هو وحده بموته وقياتة استطاع ان يعرف رياءهم ويعرى كذبهم، وبتواضعة استطاع ان يفصح كبريائهم الباطل، وهو وحده ليس سواة أو غيره قادر أن يرفع رايات انتصارنا عليهم:

Ø    بصدقه استطاع ان يكشف كذبهم

Ø    ببره استطاع ان يعلن فسادهم

Ø    بطاعته استطاع ان يعري عصيانهم

Ø    بوحدته مع أبيه بيّن مدى انفصالهم

   اقوم الان : هكذا كانت قوة قيامة الرب من بين الاموات إعلاناً لخلاصه وتحقيقاً له، وقد قام الرب من سكوتة ورقدتة وكسر شوكه الموت وابطل سياده الشيطان واهلك كل اتباعة وحطم  كل فخاخه وحرر بنى البشر فعادوا من جديد الى حض الاب. هكذا كانت قيامة الرب يسوع عربوناً لخلاص جميع الذين يؤمنون به من المسحقوين والبائسين والمهمشين.

   امنح الخلاص الذى يشبهون :تحققت فى شخص الرب يسوع الاستجابة الكاملة والاكيدة لكل وعود الله "أعدّ للرب شعبا مبرراً"وقد منح الرب بموته وقيامته خلاصا لكل البشر وافتدى الجنس البشري من صك العبودية وحقق كل مشتهى الأجيال .

    كلام الرب كلام نقي: كانت كلمات الرب يسوع واقوال فمه كلمات نوراً ونقاء وعدلا وقد عدّل النواميس القديمة ووضع شريعة جديدة "قيل لكم اما انا فأقول لكم" ( متى 5: ؟) واعطى"وصية جديدة اعطيكم احبوا بعضكم بعضاً كما أحبببتكم أنا" ( يوحنا ؟:؟).

o      كيف نعيش هذا المزمور ‏في حياتنا كمسيحيين:

الكنيسة الأمينة لكلمة المعلّم تجعلنا نصلي هذا المزمور في صلاة باكر فنبدأ يومنا بالثقة في حماية الله وخلاصه رغم مؤامرات العالم حولنا. ونتذكر فيه قيامة المسيح، فنرى أنه برغم مؤامرة اليهود عليه ونجاحهم المؤقت بصلبه إلا أنه قام وصنع خلاصاً عظيماً.. لذلك في عالم زال منه معنى الحبّ والأمانة وأخذ الانسان يُظهر غير ما يُبطن، نحن بحاجة إلى هذا المزمور نتلوه اليوم أكثر من أي يوم. نصليه  في بدء يومنا" الآن أقوم يقول الرب".

    تُضطَهد الكنيسة والمسيحي في بسبيل  الحقّ، ويموت منها أناس عديدون بسبب إعلانهم كلمة الحقّ. لكنها دوما تحاول ان تعيش المحبّة التي تصدّق كل شيء (1 كورنثوس 13: 7) وتستر جمًا من الخطايا. ولا ننسى أن عليها أن تكون نورًا للعالم وملحاً للأرض وسط جيل ضال ملتوٍ فاسد (فل 2:). وان تكون مصدر ثقة ومحطة رجاء في عالم كثُر فيه الكلام فأخذ الواحد حذره من الآخر.

   خلاصك يارب : تطلب الكنيسة الخلاص من الرب وحده وعليه تتكل وتثق في قدرته فليس بغير الخلاص، فالله ابوها والمسيح فاديها وإليه نلجأ فى وقت والضيق.

       الانقياء قد فنوا: كثير ما يشعر الانسان المسيحى أنه وحيد فى بيئة مليئة بالغش والخداع، وكثيراً ما يشعرنا العالم حولنا بأن:

Ø    أمانتنا      هباء         وصدقنا غباء

Ø    طهارتنا   هدر وعفافنا  عناء

Ø    كفاحنا  عبث            ورجاؤنا ضياع

·       كثيراً ما نشعر بالزيف والرياء والخداع والخسة والاحتيال يحيطون بنا يريدون تحطيمنا وإيقاف مسترينا الروحية …

·       كثيرا ما يخدعنا الاصدقاء ويغدر بنا من وضعنا فيهم ثقتنا،

·       كثيراً ما يهجرنا الاحباء ويتخلى عنا الاتباع…فنشعر بالوحدة والعزلة والانزعاج.

 لكن لا يجب أبداً ان نحزن ونأسى أو نفكر حتى في التخلى عن مواقفنا ومبادئنا وايماننا، بل يجب أن نستمر ونواصل العمل، عمل الملح فى الطعام، عمل الجبز فى العجين، عمل الشمعة لا يطفيء نورها كل ظلام العالم مهما حاول وطغى.

   اقوم الان…الرب يقطع… يثق المسيحى فى قدرته على الانتصار والتغلب على الفساد بتمسكه بالرجاءو التصاقه بالمخلص وابتعاده عن الشر واتّباعه لفاديه، ثم كما فعل المرنم بالصلاة وطلب المعونة والنجدة : فالمسيح المخلص الذى قام قاهراً قوى الظلام، لن يترك احباءة وقد وعدهم "اكون معكم مدى الايام والى انقضاء الدهر "( متى 28: 20) لذلك يعلمنا الاباء أن على المسيحي ان  يلوذ بجراحات سيده عندما يشتد عليه العدو.

   المساكين فى شقاء: احباء الله الذين منحهم الطوبى الاولى فى الانجيل، يئنون ظلما و يصل صراخهم حتماً إلى أُذني الرب  فيقوم ويمنح الخلاص  هو الذي تالم مثلهم وهو الوحيد القادر ان يشعر بألآمهم وقد تحمل كل العذاب وقاسى كل الاهانات والاوجاع وصار لاشكل لة فنظر إليه ( اشعيا53: 2) وذاق الموت ليخلصنا.

   كلام الرب: هذا هو غذاء النفس المسيحية، فهي مع الكنيسة، تتامل كلام الله وتردده فى قلبها، وتلهج به نهاراً وليلاً، إنه  كالشهد فى حلقها، في الحزن تجد فيه عزاءها، فى الضيق فرجها، فى الشده خلاصها وفى الخطر نجاتها… ان كلمة الله عند المسيحى:

Ø    اثمن لديه من الحياة فهى كلمة الحياة

Ø    اعز عندة من البنين فهى التى ولدته في الله

Ø    اعلى عندة من النجوم فهى التى تهديه

Ø    اسمي من حياته ففبها يحيا ويتحرك ويوجد

Ø    انها تجسيد للكلمة المتجسدالذى فيه الحياة ونور الناس الذي جاء إلى الظلمة فلم تدركه.

       فضة…سبع مرات: اشارة الى نقاء الكلمة الموجودة فى الكتاب ثابتة منذ الدهر والأزل والى الأبد هى بدون تغير ولا تزول:

§       خالدة لا تهرم ولا تعرف الشيخوخة وهى اكثر نقاء من أى شىء آخر

§       لا يقربها زيف ولا تعرف التحريف منذ أن نطقت بها شفاة الانبياء

§       ثابتة لا تحرّف ولا يحذف منها حرف او نقطة.

   أحرسنا يارب: ممن يطلب المسيحى الحراسة؟ من الرب الهه وراعية وفى حراسته ورعايته يسير مطمئنا مهما واجة من اخطار واهوال، فالرب يعزيه بوعد اكيد بالخلاص  والانتصار على جميع اعداءه، ومهما عانى من ظلم وبطش وكبرياء العالم،  فالله وحدة قادر ان يحرسه وان يعطي قلبه السلام الذى لا يدركة العالم…..

    حرس الرب دوماً كنيسته منذ ظهورها ايام الى اليوم  ولم تقدر قوات الطغيان عليها برغم ما عانت من إضطهاد وآلام في كل بقاع الأرض، ظلّت باقية رافعة الراس راسخة الأقدام ناصعة الجبين. واثقة ان قوات الجحيم لن تقوى عليها وان راعيها يحرسها ويحميها ويقود خطاها في وادي ظلال الموت.

خامساً: خاتمة:

يدخلنا هذا المزمور الجميل إلى مقارنة بين كلمة الله وكلمات البشر، ونخلص منه إلى اعتقاد أكيد وإيمان وثيق بان الفرق شاسع وبأننا يجب أن نتمسك فقط وفي كل حين بكلمة الرب مهما كلفنا ذلك من آلام. أجل، إن إيمان  الكنيسة يدعو المسيحي ، كي يتعلّق بكلمة الله التي فعلت في البدء وما زالت تفعل بكل قوّة. هذه الكلمة تأنّست في شخص يسوع المسيح فحملت لنا قدرة الله، وثقة ما بعدها ثقة، ووهبتنا وعدًا بالحياة لا يخيب.. لذا يطلب المؤمن المساعدة، ويصرخ ملتمسًا العون… وكلمة الله وحدها يقدمها الرب ويحفظها لنا، قادرة أن تقودنا إلى الخلاص وتعزينا وتدخل السلام إلى نفوسنا ككلمة صادقة وشفّافة، كفضة لا زغل فيها.

ومهما صارت الفضيلة أمراً  مضنياً فيجب أن نتمسك بها، ومهما ازدادت صعوباتها لاسيما حين يعيش المسيحي وحيداً وسط عدد قليل من الأخوة؛ كلما وجدنا في جماعة الاخوة المتمثلة في الكنيسة أقوى تشجيع، ومن خلالها نتعلم معنى مسئولينا عن الآخر.

 إن ما يجعل الآباء جديرين بكل مديح، ليس أنهم ساروا دومًا في طريق الفضيلة، بل لأنهم مشوا فيها وحدهم ساعة لم يُرَ على الأرض بذار فضيلة، ولم يوجد انسان يتبع الفرائض (الالهيّة). هذا ما يعبّر عنه الكتاب حين يقول: "كان نوح بارًا وكاملاً وسط رجال عصره" (تكوين 6: 9). لهذا، نحن نُعجب بابراهيم ولوط وموسى، لأنهم عاشوا كالنجوم المضيئة وسط ليل عميق، وكالورد بين الأشواك، والزهر بين العوسج، وعانوا كخراف وسط الذئاب، بما أنهم اتبعوا طريقًا تعارض طرق الآخرين، وتبنوا أسلوباً يخالف أساليبهم.

فإذا كان من الصعب أن نقاوم العدد الكبير… إذا كان من الصعب أن نوجّه السفينة ضد عنف الرياح والأمواج… ومن المستحب عدم الوقوف امام التيار او في وحه القطار كما نقول في لغتنا الدارجة؛ فكم هو صعب ممارسة الفضيلة حين نكون وحدنا ضدّ الجميع. لهذا يتوسّل داود الذي تجرّأ وحده فظل أمينًا: "خلّصني يا رب".

وختاماً فالكلام الشرير أكثر الشرور تدميرًا لنفس الإنسان وللشركة الأسرية وللكنيسة. قد يبدو هذا الأمر تافهاً، وأنه لا وجه للمقارنة بينه وبين باقي خطايا الشهوات الجسدية السلوكية وجرائم العنف من قتل واستعباد وسرقة. هذه المعصية التي تبدو هينة تنخر في إنساننا الداخلي، وعائلاتنا والكنيسة، وهكذا تقدر أن تمزق أوصال الوجود الإنساني ذاته. إن كنا لا نصدق زوجًا أو زوجة أو أخًا أو أختًا أو كاهناً، فإن البناء الكامل للأسرة والكنيسة ينهار من أساسياته.

أننا اليوم أكثر من اي وقت مضى بحاجة إلى الحماية الالهية، إلى عون من العلاء، إلى قوة من السماء. فنحن  نسير في طريق معاكس لطرق سائر ابناء العالم، عالم الظلمة، ولذا يصير سندُ عناية الله الأبويّة أمرًا لا غني عنه.

صلاة

كمتك يا ربي روح وحياة

الى متى يارب تنسانى

هكذا اصرخ فى أنييني

عندما تشتد على حرب العدو

فيخوننى الصديق ويهملنى القريب

ويسيء إلىّ من أحسنت اليهم،

عندما أشعر بالوحدة تكتنفنى…

أصرخ نحوك: إلى متى يارب تنسانى

أسمعك تردد لا تخف انا معك الى انقضاء الدهر

أسمعك تقول لى إن نسيت الأم رضيعها أنا لا أنساك

أسمعك تهمس يا قليل الايمان لماذا تشك

تقول توكل على رحمتى فيبتهج قلبك بخلاصى

أرفع نحوك يداي وقلبي يهتف: نجني يارب

أراك تمدّ يدك وتنتشلنى من عمق البحر من جوف الموج أشعر بذراعك تحيط بي وتختطفني من فم الأسد

أشاهدك واقفا بجبروت قوتك تنتهر الريح وتسكن البحر

واحس بلمسة يدك الحانية تربت على لأكون في سلام

تدفئني وتسربلنى برداء حبك،بصوت هامس تؤكد لى من جديد: يابنى لا تخف عندما تشعر انى لست بجوارك

ففى تلك الحظات احملك على منكبى

حينئذ يصرخ قلبى وتبتهج نفسى ويردد لساني:

لتنطلق ألسنة الأشرار ضدي،

ولنسدد سهامها القاتلة نحوي،

ولترتشق تلك السهام في جسدي

لكنها لن تطال روحي او حتى تمسها

فإن كلمتك يارب تهبني الخلاص،

هي حصني وخلاصي، هي بهجتي وكل حياتي!

أنر عينيْ بنوركلمتك فلا يكون للظلمة موضع في أعماقي!

 إحملني في وسط وادي الدموع، وقدني في مدرسة الألم، لكي استعذب شركة صلبك وأنعم بقوة قيامتك.

كي يبتهج قلبي بخلاصك، وينفتح فمي بتسبيحك

وارنم لك خلاصك يارب ما اعظمه.

آمـين