عظة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير

بكركي، الاثنين 19 يناير 2009 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي عظة الأحد 18 يناير للبطريرك صفير بعنوان: "لا أحد يشرب خمرة معتقة، ويبتغي خمرة جديدة" والتي تابع فيها الكلام عن كتاب البابا بندكتس السادس عشر "يسوع الناصري" حيث يتحدث عن تلامذة يسوع.

* * *

"لا أحد يشرب خمرة معتقة، ويبتغي خمرة جديدة"

في قسم آخر من جماعة الأثني عشر، نجد متى – لاوي، العشار الذي كان يعمل بمعاونة وثيقة مع السلطة القائمة، والذي كانت حالته تضعه حتما في جماعة الخطأة المشهورين. وجماعة الأثني عشر الأهم كانت مؤلفة من صيادي بحيرة جناشر. وهم سمعان، الذي كان الرب سيخلع عليه اسم كيفا-بطرس، والذي كان يدير تعاونية صيد، وكان يشتغل فيها هو وأخوه البكر اندراوس، وابنا زبدى، ويوحنا ويعقوب الذين أعطاهم الرب اسم "ابناء الرعد"، وهو اسم اراد بعض البحاثة، عن خطأ دونما شك، أن يقتربوا به من حركة الغير. واراد الرب أن يلمح بهذا الى طبعهم الحاد الذي جاء انجيل يوحنا ليثبته بكل دقة. وفي الختام، كان هناك رجلان يحملان اسمين يونانيين، وهما فلبوس وأندراوس اللذان توجه اليهما، يوم أحد الشعانين، بعض أناس جاؤوا ليحضروا فصح اليهود، وهم يتكلمون اليونانية، وتوجهوا اليهم بطلب، وهو رؤية يسوع.

يمكننا أن نفترض أن الأثني عشر في مجملهم كانوا يهودا مؤمنين وممارسين، وكانوا ينتظرون خلاص اسرائيل.غير أن وضعهم الحسي، وطريقة وعيهم خلاصهم، جعلا منهم رجالا مختلفين كل الاختلاف. ويمكننا أن نتمثل الى اي حد كانت صعبة قيادتهم شيئا فشيئا نحو طريق يسوع الجديدة والعجيبة، وعلى أية تشنجات كان يجب التغلب، وكم من تطهيرات كان يجب القيام بها، مثلا، لتهدئة حماس الغيارى، لكي لا يكونوا الا واحدا هم و"غيرة" يسوع الذي يتكلم عنه انجيل القديس يوحنا، وهي غيرة تجد كمالها على الصليب. وان الأثني عشر، بسبب تباين أصولهم، وأطباعهم، وعقلياتهم، يجسدون كنيسة كل الأزمنة، وصعوبة رسالتها التي تقوم على تطهير الناس وجمعهم في غيرة يسوع المسيح.

لوقا وحده يخبر أن يسوع ألف جماعة أخرى ثانية مؤلفة من سبعبن (أو اثنين وسبعين) تلميذا أرسلهم وحملهم رسالة شبيهة بتلك التي حملها الأثني عشر . وكما أن الرقم اثني عشر، وسبعين (أواثنان وسبعون والمخطوطات تختلف على هذه النقطة) هو أيضا رقم رمزي. ولدى ترتيب العناصر التي يعطيها سفر تثنية الاشتراع ( 32:2) وسفر الخروج (5:1) كان الرقم سبعين يعتبر عددَ شعوب الأرض. وبحسب سفر الخروج ، كان هناك سبعون شخصا يرافقون يعقوب عندما دخل مصر:" وكان نسل يعقوب كله سبعين شخصا ". وفي رواية سفر تثنية الاشتراع، الأحدث، التي قبلت بالاجماع، والتي تقول:" عندما قسم العلي …أبناء ابراهيم، وضع تخوم الأمم على عدد بني اسرائيل . وكانت العودة هنا الى سبعين عضوا من بيت يعقوب، عندما هاجروا الى أرض مصر. والى جانب الأثني عشر ابنا الذين كانو يؤلفون اسرائيل أصلا، كان هناك سبعون يمثلون العالم كله، وكانوا، بطريقة أو بأخرى، وضعوا، هم أيضا، على علاقة مع يعقوب واسرائيل.

وهذا التقليد يشكل خلفية الاسطورة التي نقلها كتاب أريستي الى فيلوكرات، وبحسبها ان ترجمة العهد القديم الى اليونانية في القرن الثالث قبل المسيح، قام بها سبعون علامة ( أو اثنان وسبعون، أي ستة أعضاء من كل سبط من أسباط اسرائيل الأثني عشر ) ، وذلك تحت تأثير الهام خاص من الروح القدس. وهذه الأسطورة سمحت بترجمة الكتاب المشار اليه على أنه انفتاح ايمان اسرائيل على باقي الشعوب.

والتوراة السبعينية قامت في الواقع بدور حاسم في هذا الأمر، وهو انه في نهاية الزمن القديم اتجه الى اله اسرائيل عدد كبيرمن الرجال الملتزمين بالبحث عن طريقة روحية . وهذه الاسطورة سمحت بترجمة الكتاب المشار اليه على أنه انفتاح ايمان اسرائيل على ياقي الشعوب.

والتوراة السبعينية قامت في الواقع بدور حاسم في هذا الأمر، وهو أنه في نهاية الزمن القديم، اتّجه عدد كبير من الرجال الملتزمين ببحث روحي، الى اله اسرائيل. وأساطير ذلك الزمن القديم كانت قد فقدت صدقيتها، ووحدانية الاله الفلسفيةّ لم تكن كافية لتقود الناس نحو علاقة حيّة مع الله. وكان هناك عدد كبير من الناس المثّقفين وجدوا طريقة جديدة للاقتراب من الله في مذهب التوحيد لدى اسرائيل، وهذا لم يكن بناء فلسفيا، بل هبة معطاة في اطار تاريخ الايمان. وقامت في عدد كبير من المدن حلقات " خائفي الله"، و"الوثنيين" الأتقياء الذين لم يكونوا قادرين، ولا كانوا يريدون أن يصبحوا يهودا كليا، ولكنهم كانوا يشاركون في طقوس الهيكل، وبالتالي في ايمان اسرائيل. وفي هذه الحلقة، في زمن المسيحية الأولى، وجد التبشير بالأنجيل ما يسانده، وما مكنه من الانتشار. ومنذ ذلك الحين، كان بامكان هؤلاء الرجال أن يكونوا خاصة اله اسرائيل، لأنهم عبر يسوع، كما كان يعلنه بولس، هذا الاله أصبح حقا اله جميع الناس. ومنذ ذلك الحين، كان بامكانهم، بالايمان بيسوع ابن الله، أن يكونوا جزءا من شعب الله. وعندما يذكر لوقا مجموعة السبعين الى جانب مجموعة الأثني عشر، كان ذلك يعني بوضوح انهم يعلنون طابع الانجيل الشمولي الموّجه الى جميع شعوب الأرض.

ما من شك في انه من المناسب أن نذكر هنا فرادة أخرى للأنجيلي لوقا. وهي أنه في الفصل الثامن ( 1-3)، يخبر أن يسوع الذي كان يبشر صحبة الأثني عشر، كانت تصحبه بعض النسوة. ويورد لوقا ثلاثة أسماء، ويضيف: وغيرهن كثيرات كن يبذلن من أموالهن في خدمتهم" .ان الفرق، القائم بين الأثني عشر والنسوة في وجودهم كرسل، واضح: ان رسالة كل منهم تختلف في طبيعتها. ولكن لوقا يشير، مع ذلك، الى وجه يظهر أيضا في الأناجيل الأخرى تحت أشكال متعددة. وكان: "عدد كبير من النسوة" يؤلفن جزءا من جماعة المؤمنين الضيقة. وكن يرافقن يسوع بايمانهن، وهذا هو جوهري في تشكيل هذه الجماعة، كما سنرى ذلك خاصة عند أقدام الصليب ولدى القيامة.

لعله من الحكمة توجيه الانتباه هنا الى بعض معالم خاصة لدى الأنجيلي لوقا. وكما أنه شديد الشعور بأهمية النساء، فهو انجيلي الفقراء، ويجب أن نقر، لديه، "باختيار الأفضلية للفقراء".

وتجاه اليهود أيضا، يظهر أنه متفهم خاصة، الأهواء التي أبرزها الفصل الذي ظهر بين الكنيس والكنيسة الناشئة، واذا كانت قد تركت آثارا لدى متى ويوحنا، فهي غائبة في كتابات لوقا. والطريقة التي ختم بها تاريخ الخمرة الجديدة والزقاق القديمة أو الجديدة انما هي مميزة. ومرقس يقول: ما من أحد يضع الخمرة الجديدة في زقاق قديمة: والا فجر التخمير الزقاق فتتلف الخمرة والزقاق معا.الخمرة الجديدة يقتضي لها زقاق جديدة . ونص متى مشابه . ولوقا ينقل الينا المحادثة عينها، لكنه يضيف في الختام:" ولا يشرب أحد خمرة معتقة، ويبتغي خمرة جديدة". لأنه يقول:"المعتقة أطيب" . ويحق لنا، دونما شك، أن نترجم هذه الأضافة على أنها عبارة ملأى بالتفهم تجاه الذين يريدون أن يظلوا على الأبقاء على الخمرة العتيقة.

وختاما، مع البقاء في مجال نوعية لوقا، لقد رأينا مرار أن هذا الانجيلي كان يعير صلاة يسوع انتباها خاصا، وهي ينبوع وعظه وعمله. وهو يظهر لنا أن كل ما يعمل يسوع ويقول يأتي من اتحاده كل الاتحاد بأبيه، ومن الحوار بين الآب والابن. واذا كنا نقتنع بأن الكتب المقدسة هي " موحاة"، وأنها نضجت بطريقة خاصة، بالهام الروح القدس، يمكننا أيضا أن نقتنع بأنه، في الوجوه الخاصة بتقليد لوقا، قد حُفظ لنا بعد جوهري لوجه يسوع الأصلي.

ان تلامذة يسوع كانوا قسمين: اثنا عشر وقد عدد الانجيل اسماءهم، وهناك اثنان وسبعون تلميذا كانوا يتقيدون بتعليم يسوع المسيح. وكانوا نواة الكنيسة الأولى التي انتشرت لاحقا في العالم كله، شأنها شأن الشجرة التي تأتي طيور السماء وتفيء الى ظلها، على ما يقول السيد المسيح عينه.(متى 13: 32).

وقد لفت نظرنا غير واحد من أبنائنا الى ما نشرته الصحف عن مستشفى مرجعيون الحكومي الذي كانت الراهبات الشويريات الباسيليات يقمن بادارته، وقد ضيق عليهن بعض المسؤولين، فاضطررن الى مغادرة المستشفى على كره منهن. وانا نأمل أن يصار الى تسوية هذا الأمر بحيث تتابع الراهبات خدمتهن للمرضى، كما كن يفعلن في ما مضى.

وتقدم الينا بعريضة ثلاثة عشر معلما يشكون فيها أمرهم من ادارة ثانوية قصر الصنوبر الحديثة في الشويفات الذين قضت المحكمة بارجاعهم الى وظائفهم، ولكن الأحكام لم تنفذ. فالأمل من المعنيين أن ينظروا في هذا الأمر بالعدل والانصاف.