الكنيسة القبطية الكاثوليكية تودع البطريرك الأنبا أسطفانوس الثاني إلى الأمجاد السماوية
في قداس جنائزي مهيب وعلى أنغام اللحن الفرائحي حسب الطقس القبطي للكنيسة الإسكندرية في الصلاة على البطاركة ، ودع الآلاف من أبناء الكنيسة القبطية الكاثوليكية في مصر صاحب الغبطة الأنبا أسطفانوس الثاني غطاس كاردينال الكنيسة الجامعة وبطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية للأقباط الكاثوليك الشرفي وذلك خلال صلاة القداس الإلهي وصلوات الدفن التي أقيمت يوم الجمعة 23 يناير 2009 بكاتدرائية السيدة العذراء بمدينة نصر . وقد ترأس الصلوات صاحب الغبطة الأنبا أنطونيوس نجيب بطريرك الأقباط الكاثوليك بمصر وبلاد الانتشار وعاون غبطته في الصلاة أعضاء المجمع المقدس الآباء الأساقفة في الكنيسة القبطية الكاثوليكية ولفيف رفيع من القمامصة والكهنة من مختلف الإيبارشيات القبطية الكاثوليكية إلى جانب خورس كلية العلوم اللاهوتية والإنسانية بالمعادى .
الضيوف الكرام
تقديراً من الجالس سعيداً على كرسي مار بطرس للكنيسة الإسكندرية أوفد قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر صاحب الغبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير بطريرك إنطاكيا للموارنة الكاثوليك مبعوثاً شخصياً عن قداسة البابا لحضور الصلاة وإلقاء كلمة الحبر الأعظم إلى أبناء الكنيسة القبطية الكاثوليكية بمصر في هذه المناسبة التاريخية . وعلى الصعيد الوطني أوفد فخامة الرئيس محمد حسنى مبارك رئيس الجمهورية اللواء محمد هشام كارم مندوباً عن فخامته في حضور الصلاة ، كذلك أوفد الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء اللواء عصام عبد المعين مندوباً عن سيادته في حضور الصلاة كما أوفد اللواء حبيب العادلى وزير الداخلية اللواء حسن عبد الحي مندوباً عن سيادته في حضور الصلاة ، إلى جانب ذلك شارك في الصلاة عدد من السادة السفراء وأعضاء مجلسي الشعب والشورى . وعلى الصعيد الكنسي شارك في الصلاة القاصد الرسولي رئيس الأساقفة مايكل فيتزجيرالد سفير الفاتيكان بمصر و نيافة الأنبا بطرس الأسقف العام في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مندوباً عن قداسة البابا شنودة الثالث ، كذلك شارك بالحضور الدكتور القس صفوت البياضى رئيس الطائفة الإنجيلية والدكتور منير حنا مطران الكنيسة الأسقفية والأستاذ جرجس صالح أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط . كما شارك في الصلاة رؤساء الطوائف الكاثوليكية بمصر ورؤساء الرهبانيات الرجالية والنسائية ورؤساء الجمعيات الاجتماعية والتنموية بالكنيسة المصرية الكاثوليكية إلى جانب جمع غفير من أبناء الكنيسة القبطية الكاثوليكية الذين توافدوا من مختلف الإيبارشيات للصلاة وإلقاء نظرة الوداع على وجه راع قلما يجود الزمان بمثله .
إكليل البر
في ختام القداس الإلهي والصلوات الجنائزية ألقى غبطة البطريرك الأنبا أنطونيوس نجيب عظة بليغة حول رسالة الراحل الكريم في خدمة الكنيسة قال فيها : إننا نجتمع الآن لنودع راعينا الجليل ، غبطة البطريرك الكاردينال الأنبا أسطفانوس الثاني ، ونعيدَ إلى الرب الوديعة التي أضاء بها كنيستنا 89 سنة. نريد أولا أن نشكر الله لأنه أعطانا هذا الراعي الصالح الأمين ، نشكر الله من أجل شخص غبطته ، ومن أجل صفاته ، ومن أجل أعماله ، ومن أجل المحبة التي زرعها فى كل قلب تعامل معه . نشكر الله من أجل السنين الطويلة التي قاد فيها كنيستنا وطائفتنا . كان يجول يعمل الخير ، على مثال معلمنا الإلهي . كان للجميع أبا ومرشدا مُحبّا ومحبوبا . سوف نحفظ له في ذاكرة قلبنا الكثيرَ من الكلمات والنصائحَ والأحاديث ، ومن مواقف صمت بليغ ، ستبقى كلها تراثا روحيا يضيء لنا الطريق ، ويحوّل حزننا إلى عزاء وسلام . إنني لا أجد خيرا من كلمات بولس الرسول لألخـّص بها الحياة الحافلة التي عاشها غبطته وأغنى بها الكنيسة . " جاهدتُ الجهادَ الحسن ، وأتممتُ شوطي وحافظتُ على الإيمان ، والآن ينتظرني إكليل البر ، الذي سيكافئني به الرب الديان العادل " .
المنهج الرعائى
وفي قراءة بديعة لأبرز ملامح المنهج الرعوي للأنبا أسطفانوس الثاني قال غبطة البطريرك الأنبا أنطونيوس نجيب : يضيق الوقت للكلام عن صفات وأعمال غبطته . وقد حدّد هو نفسه في شعاره الأسقفي والبطريركى برنامجَ حياته ، في كلمات ثلاث الطيبة والحكمة والتدبير . وقد كان أمينا للغاية لهذا البرنامج الروحي والرعائى … كان غبطته صبورا وطويل الأناة . لا يَغضب ولا يحتدّ ، شفوقا ورفيقا . لا يحبُ أن يزعَلَ أحدٌ منه . يحاول إرضاءَ الجميع . يصمت أمام الإساءة ، يصفح ويعفو عن المخطئ . يسارع إلى تقديم الخدمة المطلوبة ، دون مراعاة للوقت أو التعب . يبادر إلى السؤال عن القريب والبعيد ، في كل أنحاء مصر وفى الخارج . يشارك في كل المناسبات ، ولا يتأخر عن تلبية دعوة . يفرح مع الفرحين ويتألم مع المتألمين . يشجّع كل عمل بَنـّاء ، ويساند كل مجموعة ونشاط ومؤسسة ورهبانية. يرشد ويوجّه إلى السلوك الصحيح والحلول الحكيمة . يغذى النفوس بالعظات الروحية العميقة والبسيطة . يَكسب القلوب بطيبته وتواضعه . كان في مصر مُحِبّا للجميع ومحبوبا من الجميع. أما في الخارج ، فقد أدهشني حقا عدد الذين يسألون عن غبطته معبّرين عن ارتباطهم به بكل تقدير ومودّة ومحبة .
المثال الكهنوتي
وعن روحانية الراحل الكريم قال الأب البطريرك : عاش غبطته بأمانة المثالَ الكهنوتي والرهبانى . عمل بدعوة المسيح : " إذا أردتَ أن تكون كاملا ، فاذهب وبِع ما تملكه ، ووزّع ثمنه على الفقراء ، فيكونُ لك كنزٌ في السماوات ، وتعالَ اتبعني " ( متى 19 : 21 ) … فلنسمع ما كتبه غبطته بهذا الصدد في وصيته الروحية : " وُلِدتُ فقيرا وعشت فقيرا وسوف أموت فقيرا ، زاهدا العالمَ وما فيه لخير الفقراء . وأصرّح بأن كل ما لي أو أمتلكه أو مكتوب بأسمى ، ليس لي بل للبطريركية " … عاش زاهدا ، متجرّدا ، مكتفيا بالقليل ، مقتديا بالقديس بولس الرسول القائل : " تعلـّمت أن اقنعَ بما أنا عليه ، فأنا أعرف أن أعيش فئ الضيقة، كما أعرف أن أعيش في السِعة " ( فيلبى 4 : 11 – 12 ) .
منأجـــاة
وأختتم الأنبا أنطونيوس نجيب عظته المؤثرة بمناشدة بنوية للراحل الجليل إذ خاطبه قائلاً : يا أبانا البار ، نعدك أن نعملَ بوصية الكتاب المقدّس القائلة : " أذكروا مرشديكم الذين خاطبوكم بكلام الله ، واعتبروا بحياتهم وموتهم ، واقتدوا بإيمانهم " ( عبرانيين 13 : 7 ) … إننا نرافقك بالصلاة والحب والوفاء ، إلى عرش رب القيامة والمجد . نبتهل إليه أن يمنحك الراحة الأبدية ، مع الأبرار والقدّيسين ، ومع كل من سبقوك إلى الأمجاد السمائية … ليتقبّلك الرب يسوع مع الرسل الأطهار . لتتقبّلك أمنا العذراء مريم البتول . ليتقبّلك شفيعك القدّيس أسطفانوس أولُ الشهداء ، والقدّيس منصور دى بول ، الذي اخترتَ أن تكونَ له تلميذا ، واقتديت بتقواه وتجرّده وحبّه للفقراء ، واحتفلنا أمس بعيده … اذكرنا لدى عرش المسيح . له المجد ، الآن وإلى الأبد .
الراعي الأمين للكنيسة
كان قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر قد بعث ببرقية عزاء جاء فيها : وقد علمنا ببالغ الأسى نبأ وفاة غبطة البطريرك الكاردينال الأنبا أسطفانوس الثاني غطاس ، بطريرك الإسكندرية الشرفي للأقباط الكاثوليك ، أؤكد اتحادي في الصلاة مع كنيستكم البطريركية ، ومع عائلة المتنيح ، ومع كل الذين يمسّهم هذا الفراق . إنني أصلى إلى المسيح القائم من بين الأموات أن يقبل في فرحه وفى سلامه هذا الراعي الأمين للكنيسة ، الذي بذل نفسه بغيرة وبساطة لخدمة شعب الله، أولا ككاهن مُرسَل في رهبانية الآباء اللعازريين ، ثم كمطران لإيبارشية الأقصر ، وأخيرا كبطريرك ، بروح الحوار والمشاركة . وإنني أمنح البركة الرسوبية لمطارنة وكهنة وشعب كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك ، وللآباء اللعازريين ، ولأعضاء عائلة المتنيح ، ولجميع الذين سيشتركون في مراسيم الصلاة بروح الرجاء .
مقبرة البطاركة
اختتمت المراسم المهيبة بالتطواف بجثمان مثلث الرحمات الأنبا أسطفانوس الثاني بين أرجاء الكاتدرائية محمولاً على أعناق الكهنة والرهبان والمحبين حتى المقبرة التي أعدت لغبطته إلى جوار أسلافه البطاركة أسفل مذبح الكاتدرائية .
تقرير- ناجح سمعـان