كلمة الأب الأقدس إلى الأساقفة الكلدان

الاثنين 26 يناير 2009 (ZENIT.org)

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر خلال لقائه مع الأساقفة الكلدان في زيارتهم إلى الأعتاب الرسولية:

***

أصحاب الغبطة،

إخوتي وأخواتي الأعزاء في الأسقفية،

في حين أنكم تقومون بزيارتكم إلى الأعتاب الرسولية، أستقبلكم بفرح كبير، أنتم رعاة الكنيسة الكلدانية، برفقة غبطة البطريرك الكاردينال عمانوئيل الثالث ديلي الذي أشكره على الكلمات الطيبة التي وجهها لي باسمكم. هذه الزيارة تعتبر فرصة مهمة إذ تسمح بتوطيد روابط الإيمان والاتحاد مع كنيسة روما ومع خليفة بطرس. كما أنها تتيح لي فرصة توجيه التحية لكم ومن خلالكم لجميع المؤمنين في كنيستكم البطريركية الموقرة، وللتأكيد لكم على صلواتي الحارة من أجلكم وعلى مقربتي الروحية منكم في هذه الأوقات العصيبة التي تشهدها منطقتكم عامة والعراق خاصة.

اسمحوا لي أن أذكر هنا بانفعال ضحايا العنف في العراق خلال السنوات الأخيرة. أفكر بالمونسنيور بولس فرج رحو، رئيس أساقفة الموصل، بالأب رغيد عزيز غاني، وبالعديد من الكهنة والمؤمنين من كنيستكم البطريركية. إن تضحيتهم هي علامة حبهم للكنيسة ولبلادهم. أصلي إلى الله لكيما يتمكن عشاق السلام من رجال ونساء في منطقتكم الحبيبة من مضافرة قواهم لإنهاء العنف وللسماح للجميع بالعيش في أمان ووئام متبادل! في هذا السياق، أتلقى بكل تأثر هبة الغفارة التي كان يرتديها المونسنيور فرج رحو في القداديس اليومية، والبطرشيل الذي كان يضعه الأب رغيد عزيز غاني. هذه الهبة تترجم محبتهما السامية للمسيح والكنيسة.

إن الكنيسة الكلدانية التي تعود إلى أوائل قرون العصر المسيحي لها تقليد طويل ووقور يعبر عن تجذرها في مناطق الشرق حيث هي حاضرة منذ نشأتها، وعن تقدمتها الفريدة إلى الكنيسة جمعاء، بخاصة من خلال علمائها اللاهوتيين ومعلميها الروحيين. كما يظهر تاريخها بأنها لطالما شاركت بطريقة فعالة ومثمرة في حياة أممكم. أما اليوم فإن الكنيسة الكلدانية التي تحتل مكانة مهمة بين مختلف الجماعات في بلادكم، فإنه يجب عليها متابعة هذه الرسالة في خدمة تنميتها الإنسانية والروحية. في سبيل ذلك، لا بد من تعزيز مستوى ثقافي رفيع لدى المؤمنين وبخاصة لدى الشبيبة. إذ أن التنشئة الجيدة في مختلف مجالات المعرفة، الدينية منها والدنيوية، يعد استثماراً ثميناً للمستقبل.

من خلال الحفاظ على العلاقات الودية مع أعضاء الطوائف الأخرى، تُدعى الكنيسة الكلدانية إلى تأدية دور اعتدال أساسي في سبيل بناء مجتمع جديد يتمكن فيه الجميع من العيش في وئام واحترام متبادل. وأعلم بأن التعايش بين الطائفتين المسلمة والمسيحية لطالما تعرض للمخاطر. إلا أن المسيحيين الذين عاشوا في العراق منذ الأزل هم مواطنون في هذا البلد لهم حقوق وعليهم واجبات من دون التمييز بين الأديان. وهنا، أود أن أقدم دعمي لجهود التفاهم والعلاقات الجيدة التي اخترتموها كمسار موحد للعيش على أراضي مقدسة للجميع.

وبغية إتمام رسالتها، يجب على الكنيسة أن توطد روابط الوحدة مع ربها الذي يوحدها ويرسلها إلى جميع البشر. هذه الوحدة يجب أن تعاش أولاً في الكنيسة لكيما تكون شهادتها قابلة للتصديق، كما يؤكد يسوع بنفسه على ذلك قائلاً: "ليكون الجميع واحداً؛ أيها الآب، كما أنك أنت في وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا، لكي يؤمن العالم أنك أنت أرسلتني" (يو 17، 21). لذلك، فلتكن كلمة الله دوماً ضمن مشاريعكم وعملكم الرعوي! فمن خلال الإخلاص لهذه الكلمة، تقوم الوحدة بين جميع المؤمنين بالاتحاد مع رعاتهم. من هذا المنظور، تتيح توجيهات المجمع الفاتيكاني الثاني حول الليتورجية للجميع إمكانية تقبل منتج أكثر فأكثر للهبات التي قدمها الرب لكنيسته في الليتورجية والأسرار.

فضلاً عن ذلك، فإن الجمعية السينودسية ضمن كنيستكم البطريركية هي ثروة أكيدة يحب أن تكون وسيلة ممتازة للمساهمة في تعزيز وتفعيل روابط الاتحاد وعيش المحبة بين الأسقفيات. إنها المكان الذي تتحقق فيه المسؤولية المشتركة بشكل فعال بفضل تعاون حقيقي بين أعضائها، ولقاءات منتظمة معدة على نحو جيد تسمح بإعداد توجيهات رعوية مشتركة. أسأل الروح القدس أن ينمي فيكم دائماً الوحدة والثقة المتبادلة لكيما تتحقق الخدمة الرعوية المكلفون بها بالكامل لمصلحة الكنيسة وأفرادها. من جهة أخرى، وبخاصة في العراق، تقع على الكنيسة الكلدانية التي تضم الأكثرية مسؤولية خاصة في تعزيز وحدة جسد المسيح السري. أشجعكم على مواصلة لقاءاتكم مع رعاة مختلف الكنائس ومع المسؤولين عن الكنائس المسيحية الأخرى للتحفيز على توحيد الكنائس.

في هذه الأبرشية، تشكل لكم مختلف الهيئات الرعوية والإدارية والاقتصادية المنصوص عليها في القانون، عوناً ثميناً من أجل تحقيق فعال للوحدة ضمن الطوائف وتشجيع التعاون.

ومن ضمن الحالات الملحة التي يجب أن تواجهوها، تندرج حالة المؤمنين المعانين من العنف اليومي. إنني أحيي شجاعتهم ومثابرتهم في وجه المحن والتهديدات التي يتعرضون لها بخاصة في العراق. فالشهادة التي يقدمونها للإنجيل هي علامة بليغة عن إيمانهم الحي ورجائهم القوي. أشجعكم على تقديم الدعم للمؤمنين في سبيل تخطي المصاعب القائمة وإثبات وجودهم، داعياً بخاصة السلطات المعنية من أجل الاعتراف بحقوقهم الإنسانية والمدنية، كما أحثهم على محبة أرض أجدادهم التي ما يزالون متشبثين بها تشبثاً عميقاً.

إن عدد المؤمنين في الشتات لم يتوان عن النمو بخاصة إثر الأحداث الأخيرة. هنا أشكر جميع الذين يشاركون في مختلف البلدان في استقبال أخوي للأشخاص الذين اضطروا مع الأسف إلى مغادرة العراق لبعض الوقت. ومن الجيد أن يحافظ المؤمنون الكلدان الذين يعيشون خارج الحدود الوطنية على الأواصر مع بطريركيتهم ويكثفوها لكي لا ينقطعوا عن مركز وحدتهم. كما أنه لا بد للمؤمنين من المحافظة على هويتهم الثقافية والدينية، وللشباب من اكتشاف وتقدير غنى إرث كنيستهم البطريركية. ونظراً إلى أن المؤمنين المنتشرين في العالم بحاجة إلى المساعدة الروحية والمعنوية، فإنه يجب على الرعاة وإخوتهم أساقفة الكنائس المحلية المتواجدين فيها أخذها بالاعتبار. كما يجب عليهم أن يحرصوا على أن يظهر الكهنة المستقبليون المعدون في الشتات كل التقدير للأواصر مع كنيستهم البطريركية وأن يعملوا على ترسيخها.

أخيراً أود أن أوجه تحية قلبية إلى الكهنة والشمامسة والإكليريكيين والرهبان والراهبات وجميع الأشخاص الذين يشغل بالهم عونكم في إعلان الإنجيل. بإرشادكم الأبوي فليقدم الجميع شهادة حية عن وحدتهم وعن الأخوة التي تجمعهم! إنني أعلم تعلقهم بالكنيسة وحماستهم الرسولية. لذا أدعوهم إلى تنمية تعلقهم بالمسيح تنمية دائمة، ومواصلة التزامهم بخدمة الكنيسة ورسالتها بكل شجاعة. كونوا لكهنتكم آباء وإخوة وأصدقاء واهتموا بخاصة بتنشئتهم تنشئة أساسية ودائمة لا تتزعزع، وادعوهم من خلال كلماتكم وعلى مثالكم إلى المحافظة على تقربهم من الأشخاص المحتاجين والمعسورين، من المرضى والمتألمين.

إن شهادة محبة الكنيسة المترفعة تجاه جميع المحتاجين من دون تمييز في المنشأ أو الدين لا يمكنها إلا أن تقوي تعبير تضامن جميع الأشخاص ذوي النوايا الحسنة. كما أنه من المهم تنمية الأعمال الخيرية لكيما يتمكن أكبر عدد من المؤمنين من الالتزام فعلياً في خدمة الأكثر فقراً. وإنني أعلم أنه في العراق، وعلى الرغم من الأوقات الرهيبة التي تمرون بها والتي ما زلتم تعيشوها، قد تشكلت جمعيات خيرية صغيرة تقوم بأعمال تمجد الله والكنيسة والشعب العراقي.

أصحاب الغبطة، إخوتي الأحباء في الأسقفية، أرجو لكم أن تكملوا بشجاعة ورجاء رسالتكم في خدمة شعب الله الذي أوكل إليكم. ترافقكم صلوات ومساعدات إخوتكم في الإيمان والعديد من ذوي النوايا الحسنة عبر العالم لكيما يسطع وجه محبة الله دوماً على الشعب العراقي الرازح تحت وطأة المعاناة. فبالنسبة إلى المؤمن، إذا ما اتحدت الصلوات والمساعدات مع تضحية المسيح، أضحت عناصر وحدة ورجاء. كذلك فإن دم الشهداء الذي يسيل على هذه الأراضي هو شفاعة بليغة أمام الله. بلغوا تحيات خليفة بطرس وتشجيعه إلى أبناء أبرشيتكم. أعهد بكم جميعاً إلى الشفاعة الوالدية للعذراء مريم، أم الرجاء، وأمنحكم بقلب كبير بركتي الرسولية، لكم وللكهنة والشمامسة والمكرسين وجميع المؤمنين في الكنيسة الكلدانية.

نقلته من الفرنسية إلى العربية غرة معيط (ZENIT.org)