كلمة البابا إلى أساقفة تركيا خلال زيارتهم القانونية إلى الأعتاب الرسولية

روما، الثلاثاء 3 فبراير 2009 (ZENIT.org)

ننشر في ما يلي كلمة البابا بندكتس السادس عشر خلال لقائه البارحة مع أساقفة تركيا في زيارتهم القانونية إلى الأعتاب الرسولية:

***

إخوتي الأحباء في الأسقفية والكهنوت،

يسعدني أن ألتقي بكم في هذا الصباح فيما تقومون برحلة حجكم إلى ضريحي الرسولين بطرس وبولس التي ترمز ببلاغة إلى اتحادكم مع خليفة بطرس. أشكر رئيس مؤتمر أساقفة تركيا، المونسنيور لويجي بادوفيز، على الكلمات الطيبة التي وجهها لي باسمكم. من خلال وجودكم هنا، تأتي جماعاتكم ذات الأوجه المتعددة هي أيضاً إلى لقاء كنيسة روما مظهرة الوحدة العميقة التي تجمعها. أرجو منكم عند العودة إلى دياركم، أن تبلغوا تحياتي الحارة إلى الكهنة والرهبان والراهبات وجميع المؤمنين في أبرشياتكم. قولوا لهم أن البابا يظل قريباً منهم جميعاً، قريباً من مخاوفهم وآمالهم، من خلال ذكرى زيارته إلى تركيا الحاضرة دوماً في ذهنه.

إن زيارتكم التي تحصل بتدبير من العناية الإلهية في هذه السنة المكرسة للقديس بولس تنطوي على أهمية خاصة لكم أنتم رعاة الكنيسة الكاثوليكية في تركيا، هذه الأرض التي ولد فيها رسول الأمم وأسس فيها العديد من الجماعات. وكما ذكرت مسبقاً في البازيليك التي يوجد فيها الضريح، أردت إعلان هذه السنة البولسية "بغية الإصغاء إليه هو معلمنا والتعلم منه "الإيمان والحق" اللذين تتجذر فيهما أسباب الوحدة بين تلاميذ المسيح" (بازيليك القديس بولس خارج الأسوار، 28 يونيو 2008). أعلم أنكم في بلادكم أردتم إضفاء رونق خاص إلى هذه السنة اليوبيلية وأن العديد من الحجاج يزورون المقامات العزيزة على التقليد المسيحي. أرجو أن يتم دوماً تسهيل دخول الحجاج إلى هذه الأماكن المهمة للإيمان المسيحي، وتسهيل إقامة شعائرهم. فضلاً عن ذلك، يسعدني جداً البعد المسكوني الذي منح لهذه السنة البولسية مظهراً أهمية هذه المبادرة للكنائس والطوائف المسيحية الأخرى. فلتساعد هذه السنة على إحراز المزيد من التقدم على الدرب نحو وحدة جميع المسيحيين! فوجود كنائسكم المحلية على اختلافها يندرج ضمن امتداد تاريخ غني تميز بنمو الجماعات المسيحية الأولية. كما أن العديد من الأسماء العزيزة على تلاميذ المسيح ما تزال مرتبطة ببلادكم من القديس يوحنا، والقديس أغناطيوس الأنطاكي، والقديس بوليكارب أسقف سميرنا والعديد من آباء الكنيسة الأجلاء، إضافة إلى مجمع أفسس الذي أعلنت فيه العذراء مريم "أم الله". كذلك في الحقبة الأخيرة، ترك البابا بندكتس الخامس عشر والطوباوي يوحنا الثالث والعشرين أثراً كبيراً في حياة الأمة والكنيسة في تركيا. أود أيضاً المجيء على ذكر جميع المسيحين الكهنة والعلمانيين الذين شهدوا لمحبة المسيح شهادة أدت أحياناً إلى التضحية بحياتهم كالأب أندريا سانتورو. فليكن هذا التاريخ المجيد لجماعاتكم التي أعلم عن قوة إيمانها وتفانيها في المحن، ليس فقط مجرد ذكرى ماض بهي بل تشجيعاً على مواصلة هذه الدرب بشجاعة بالشهادة بين الإخوة لمحبة الله لجميع البشر.

إخوتي الأحباء، لقد قام كل من مجمعي نيقيا والقسطنطينية بإعطاء الإيمان تعبيره الحاسم. فليحثكم هذا الأمر مع جميع المؤمنين في بلادكم على تعميق إيمان الكنيسة وعيش الرجاء الناجم عنه باضطرام أكبر. سوف يجد شعب الله دعماً فعالاً لإيمانه ورجائه في وحدة كنسية حقيقية. ففي الواقع أن "الكنيسة هي وحدة منتظمة تتحقق ضمن تناسق بين مختلف المواهب والسلطات والخدمات، ويقع عليها واجب نيل الغاية المشتركة المتمثلة في الخلاص" (رعاة القطيع، رقم 44)، كما أن الأساقفة هم المسؤولون الأوائل عن تحقيق هذه الوحدة بشكل فعلي. أما الوحدة العميقة التي يجب أن تسود بينهم على اختلاف الطقوس فتتضح بخاصة من خلال أخوة حقيقية وتعاون مشترك يسمح لهم بالقيام بخدمتهم بروح من المشاركة وبتعزيز وحدة جسد المسيح.

هذه الوحدة تجد منهلاً حيوياً لها في كلمة الله الذي كرر سينودس الأساقفة الأخير التشديد على أهميتها في حياة الكنيسة ورسالتها. لذا أدعوكم إلى تنشئة المؤمنين في أبرشياتكم لكي لا يكون الكتاب المقدس كلاماً من الماضي بل كلاماً ينير وجودهم ويفتح لهم المجال لمعرفة الله. في هذا السياق، يسرني التذكير بأن التأمل في كلمة الله الذي تلاه به برتلماوس الأول بطريرك القسطنطينية المسكوني، كان وقتاً مهماً في هذه الجمعية السينودسية.

اسمحوا لي أيضاً بتوجيه التحية إلى الكهنة والرهبان الذين يتعاونون معكم من أجل إعلان الإنجيل. وبما أن العديد من بينهم قادمون من بلدان أخرى، فلا بد من أن مهمتهم غالباً ما تكون مرهقة. إنني أشجعهم على اندماج أفضل في وقائع كنائسكم المحلية لكيما يقدموا العناية الرعوية اللازمة إلى جميع أعضاء الطائفة الكاثوليكية وبخاصة إلى الأكثر ضعفاً وتوحداً. كما أن عدد الكهنة الضئيل الذي غالباً ما يكون غير كاف في نطاق العمل من شأنه أن يحثكم على تنمية راعوية نشيطة للدعوات.

إن راعوية الشباب تعتبر أحد اهتماماتكم الأساسية. فمن المهم أن يحصلوا على تنشئة مسيحية تساعدهم على ترسيخ إيمانهم وعيشه في ظروف كثيراً ما تكون صعبة. من المنظور عينه، يجب أن تسمح لهم أيضاً تنشئة العلمانيين بتحمل مسؤولياتهم المطلوبة منهم ضمن الكنيسة بكل جدارة وفعالية.

تعيش الطائفة المسيحية في بلادكم في أمة ذات دستور يؤكد على علمنة الدولة، إلا أنها ذات أغلبية مسلمة. لذا من المهم جداً أن يتمكن المسيحيون والمسلمون من الالتزام معاً من أجل الإنسان والحياة والسلام والعدالة. فضلاً على ذلك، إن التمييز بين النطاق المدني والنطاق الديني هو من دون شك قيمة لا بد من حمايتها. بالمقابل وفي الإطار عينه، يجب على الدولة أن تضمن بفعالية للمواطنين وللجماعات الدينية حرية العبادة وحرية المعتقد، رافضة ممارسة كافة أشكال العنف ضد المؤمنين أياً كانت ديانتهم. في هذا السياق، أعلم أنكم ترغبون في حوار صادق مع السلطات وأنكم مستعدون لذلك من أجل إيجاد حل لمختلف المشاكل التي تواجهها جماعاتكم ومنها مشكلة الاعتراف القانوني بالكنيسة الكاثوليكية وبثرواتها. إن اعترافاً مماثلاً لا يمكنه إلا أن يحمل نتائج إيجابية للجميع. لذا نتمنى التمكن من إقامة علاقات دائمة من خلال لجنة ثنائية على سبيل المثال، من أجل البحث في المسائل التي ما تزال عالقة.

إخوتي الأحباء، أود في ختام لقائنا أن أذكركم بكلمات الرجاء هذه التي وجهت إلى كنيستي أفسس وسميرنا في كتاب الرؤيا: "وقد تألمت من أجل اسمي بصبر وبغير كلل… دع عنك الخوف مما ينتظرك من آلام… فابق أميناً حتى الموت، فأمنحك إكليل الحياة" (رؤ 2: 3، 10). فلتمنحكم شفاعة القديس بولس وأم الله نعمة العيش في هذا الرجاء النابع من المسيح القائم من بين الأموات الحي بيننا. من كل قلبي أمنحكم بركتي الرسولية لكم وللكهنة والرهبان والراهبات وجميع المؤمنين في أبرشياتكم.

نقلته من الفرنسية إلى العربية غرة معيط (ZENIT.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2009