كلمة مديرة برنامج الأغذية العالمي عن الصوم الكبير

"إطعام الجياع هو فعل محبة كبير"

حاضرة الفاتيكان، الخميس 5 فبراير 2009 (ZENIT.org)

 ننشر في ما يلي التصريح الذي أدلت به البارحة جوزيت شيران المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي في المؤتمر الصحفي الذي قدمت خلاله رسالة بندكتس السادس عشر للصوم الكبير.

***

أود أن أقدم الشكر الجزيل لقداسة البابا بندكتس السادس عشر على دعوة برنامج الأغذية العالمي إلى المشاركة بهذا الحدث الخاص. إننا نقدر كثيراً دعم الأب الأقدس للعمل الذي نقوم به. كما نقدم كل الشكر إلى الكاردينال كورداس وإلى المجلس الحبري "قلب واحد" على مساعدتهما.

من خلال لفت انتباهنا إلى الصوم الاختياري، وفيما يشجعنا قداسته على هذا الصوم، نتذكر بأن الجوع ينتشر حول العالم بوتيرة متزايدة. إن خدمة الجوع هي دعوة أخلاقية توحد الشعوب على اختلاف معتقداتها. فكل ديانة رئيسية تدعو مؤمنيها إلى أن يكونوا مثل السامري الصالح وإلى أن يختاروا مساعدة الآخرين. ويقول النبي أشعيا: "إذا أبرزت نفسك للجائع وأشبعت النفس المعناة يشرق نورك في الظلمة ويكون ديجورك كالظهر" (58، 10).

أرغب في التأكيد لكم جميعاً بأنكم تستطيعون إحداث فرق عندما يتعلق الأمر بالجوع. فإطعام الجياع يعتبر فعل محبة كبير ويعيد الكرامة إلى أم أو أب لا يستطيعان تأمين لقمة العيش لطفلهما الجائع. فقد قال المهاتما غاندي أن كسرة خبز تمثل وجه الله بالنسبة إلى إنسان جائع. دعونا نؤمن بأعجوبة عالم خال من الجوع. ألا يشمل قلب المسيح رؤية نبيلة مماثلة بين المؤمنين؟

إنه هدف قابل للتحقيق. بإمكاننا خفض الجوع المنتشر في عداد تلاميذ المدرسة بشكل فعال وبين ليلة وضحاها في حال هب عدد كاف من الأشخاص لتقديم المساعدة. فإن برنامج الأغذية العالمي يقدم أملاً مماثلاً إلى 20 مليون تلميذ بالعمل الوثيق مع مختلف الجماعات القائمة على الإيمان.

في ظل التحديات الاقتصادية التي يشهدها العالم حالياً، دعونا لا ننسى أن الأزمة الغذائية والأزمة المالية تؤثران بشكل كبير على الأكثر فقراً. فمنذ سنة 2007 أضيف 115 مليون شخص إلى عداد الجياع ليرتفع بذلك عددهم إلى ما يقارب المليار ممن لا يحصلون على غذاء مناسب، أي أننا نتحدث هنا عن شخص من أصل ستة حول العالم. إلا أن المشكلة ليست قائمة على عدم توفر الأغذية وإنما على سوء التوزيع وعلى الجشع والتمييز والحروب ومآس أخرى. والأغذية المتوفرة على الأرض تكفي الجميع وتسمح لهم باتباع نظام غذائي معين. وهذا ما يشكل فعلاً تحدياً لقلب الإنسان.

إنها مرحلة حرجة. وفيما يجب على جميع العائلات القيام ببعض التضحيات من أجل أفقر الفقراء أي الانقطاع عن الوجبات ليوم أو يومين أو ثلاثة، فإن النقص المأساوي في التغذية هو خطير بالنسبة إلى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن السنتين حيث أنه مثبت بأن الحرمان الغذائي يعوق عقولهم وأجسادهم مدى الحياة. واليوم يموت طفل من أصل ستة كل ست ثوان بسبب الجوع.

والسؤال المطروح هنا هو: هل هناك ما يمكن القيام به من أجل التخفيف من تبعات الذل والوجع والظلم التي يسببها الجوع؟ هل هناك من حلول تساعد الأشخاص على التخلص من شرك الجوع مرة إلى الأبد؟ والجواب هو "نعم" بكل تأكيد. ولأننا نملك كافة الوسائل والتكنولوجيا، فنحن إذاً قادرون على تحقيق هذا الأمر وقد رأيناه يتحقق في عدة أماكن حول العالم.

اسمحوا لي أن أعطيكم بعض الأمثلة. لقد ذهب برنامج الأغذية العالمي إلى دارفور سنة 2003 فيما كانت القرى ما تزال مشتعلة. وقد عانى ملايين الأشخاص من الخوف والجوع. وفي أعجوبة عصرية كما أسميها، رفض العالم مشاهدة شعب دارفور المشرد جائعاً. اليوم، وبفضل سخاء العديد من الأمم – وشجاعة عمالنا المحبين للخير – يقوم برنامج الأغذية العالمي يومياً بإطعام 3 ملايين شخص عالقين بعيداً عن بيوتهم في الصحراء المقفرة والخطيرة. وقد حذر العالم – بأقل من 50 سنتاً يومياً لكل شخص – من مجاعة كبيرة في دارفور.

هذا ووقعت مؤخراً أزمة في ستين دولة بما فيها السنغال في أعقاب الارتفاع الأعنف في التاريخ لأسعار الأغذية العالمية الذي حدث العام المنصرم. هذا وتركت الأسعار المرتفعة حوالي 40% من العائلات في القرى السنغالية معرضة لخطر الجوع وسوء التغذية. وقد اعتمد برنامج الأغذية العالمي برامج مبتكرة ليس فقط من أجل تأمين الغذاء لمليوني شخص بل أيضاً من أجل تمكينهم من تأمين لقمة العيش لأنفسهم.

إحدى طرق الابتكار هي ما أسميه بـ "نساء الملح في السنغال". فالسنغال أمة تعاني من نقص في الأغذية إلا أنها تنتج فائضاً من الملح. والمشكلة هي أن الملح ليس مدعماً باليود لذا تعاني البلاد من أمراض شائعة يسببها نقص اليود منها الجوثر (تضخم الغدة الدرقية) وتسبب ضرراً دائماً لعقول الأطفال وأجسادهم. لذا قرر برنامج الأغذية العالمي شراء كل الملح من 7000 قرية منتجة ومنحها الوسائل لمزج الملح باليود. وكانت النتيجة الربح الأكيد. إذ بدأت تحصل النساء على مدخول ثابت وبدأنا نحن نحصل على الملح اليودي لبرامجنا، كما أنهن يبعن الآن الملح اليودي لقراهن ليساعدن على مكافحة الخلل. والمثال على مساعدة السكان المحليين على مساعدة أنفسهم هو من خلال الحفاظ دوماً على كرامة من نخدمهم. ففي الواقع أن برنامج الأغذية العالمي اشترى السنة الماضية أغذية من البلدان التي هي في طور النمو بقيمة تفوق المليار دولار من أجل استخدامها في برامجه ومن أجل المساعدة على كسر حلقة الفقر من جذورها.

هذا وتسلك برامج التغذية في المدارس مسلكاً قوياً يقضي بتأمين الوجبات والخدمات الاجتماعية الأخرى للأطفال في الوقت الذي تؤمن لهم التربية أيضاً. ولربما ما من مثل عن برامج التغذية ضمن المدارس أفضل من ذلك الذي نقوم به في أفغانستان. فقد شهدنا هناك جيلاً كاملاً من الفتيات اللواتي يذهبن إلى المدارس للمرة الأولى مما يعد تغيراً مثيراً في بلاد منعت سابقاً ذهاب الفتيات إلى المدرسة. إننا نعلم بأن العائلات ترسل على الأرجح أبناءها إلى المدرسة في حال حصولهم على وجبة خلال النهار. حالياً ساهمت برامج الأغذية العالمية برفع معدل الالتحاق بالمدارس بنسبة 28% لدى الفتيات و22% لدى الفتيان وذلك من خلال خدمتها بطريقة فعالة وميسورة من أجل تأمين التربية والأغذية ومساعدة النساء والفتيات.

والمثال الآخر على قدرة العالم على القيام بالأعمال الصالحة هو في غزة اليوم. لقد سمعنا جميعاً عن الأزمة الإنسانية التي شاهدتها بنفسي منذ أسبوعين. إذ أن الناس غير قادرين على الحصول على طعامهم الاعتيادي بسبب الأعمال العسكرية وحتى في حال أن لديهم طعام فهم غير قادرين على طبخه. لقد أصدرت برامج الأغذية العالمية دعوة من أجل مساعدة القطاع الخاص على تأمين أغذية جاهزة ومغذية جداً لأطفال غزة. واليوم يتم توزيع ألواح تمر مغذية في غزة بالتعاون مع شركات الأغذية من مصر إلى هولندا. هذا هو مثال مؤثر عن عمل البشرية بقلب تملأه المحبة.

يجب علينا العمل معاً. ومن جهتنا نحن نشترك في العمل مع الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية حول العالم من أجل ضمان تنظيم برامجنا وفقاً للاحتياجات المحلية. إن الجمعيات الخيرية الكاثوليكية هي الشريكة الأساسية لبرنامج الأغذية العالمي. إذ أن برنامج الأغذية العالمي يعمل مثلاً مع كاريتاس المحلية في أبرشيات حوالي 40 بلداً في برامج تأمين الأغذية والصحة والتربية. كما أننا نعمل مع خدمات الإغاثة الكاثوليكية حيث نتعاون معها في 15 بلداً.

لقد التقيت بالبابا بندكتس السادس عشر وتأثرت جداً بالتزامه بالجوع الذي يحصل في العالم وبتعاطفه معه. ففي كلمته الأخيرة، ناشد البابا الحكومات بالاهتمام بالفقراء بخاصة في أيامنا هذه قائلاً: "نحتاج إلى إعطاء أمل جديد للفقراء. كيف لنا ألا نفكر بالعديد من الأفراد والعائلات الذين يرزحون تحت وطأة المصاعب والتقلبات التي أحدثتها الأزمة الاقتصادية على الصعيد العالمي؟ وكيف لنا ألا نذكر الأزمة الغذائية والاحتباس الحراري اللذين يصعبان بشكل أكبر حصول الأشخاص الذين يعيشون في أفقر بقاع الأرض على الغذاء والماء؟" (الكلمة إلى الهيئة الدبلوماسية، 8 يناير 2009). ونقلاً عن القديس يوحنا، يقدم لنا البابا درباً نسلكها في رسالة الصوم لهذه السنة: "وإن الذي يملك مالاً يمكنه من العيش في بحبوحة، ويقسي قلبه على أحد الإخوة المحتاجين، فكيف تكون محبة الله متأصلة فيه؟" (1 يو 3، 17).

هناك العديد من الأشخاص الذين يريدون أن يعرفوا كيفية المساعدة بخاصة في زمن الصوم. هذا جلي في رسالة الصوم التي سمعناها للتو، في تحدياتها للنمو في روح السامري الصالح. فالمساعدة الإنسانية غير ممكنة من دون السامريين الصالحين المندفعين إلى مساعدة الأشخاص المحتاجين. أكانت التبرعات السخية تصدر عن حكومات وطنية، أم كانت أعمال الجمع تتم في الكنائس والمساجد والمدارس، فإن التبرعات من أجل إغاثة الوكالات هي أساسية من أجل الاستمرار في مساعدة الجياع حول العالم.

بعد فترة وجيزة على انضمامي إلى برنامج الأغذية العالمي، أطلقت حملة "املأ الكوب" التي سميت كذلك نسبة إلى الكوب الأحمر البلاستيكي الذي تقدم فيه العصيدة كوجبة غداء إلى ملايين الأطفال. هذه الوجبة البسيطة تكلف فقط يورو واحد أسبوعياً وتستطيع إنقاذ حياة طفل. لقد قمنا بالحساب الذي أفضى إلى أنه من الممكن إنهاء الجوع الذي يعاني منه أطفال المدارس مقابل 3 مليارات دولار سنوياً. من هنا فإن تقليد الصوم الاختياري خلال زمن الصوم الكبير والتبرع بالأموال من شأنهما إحداث فرق فعلي في حياة طفل.

كما أننا بحاجة أيضاً إلى أن تأخذ الحكومات الوطنية زمام المبادرة. إضافة إلى هذه المساعدات المالية البالغة قيمتها ثلاثة مليارات دولار، نحتاج أيضاً إلى مساعدة إنسانية. لقد دعونا إلى أن يخصص 0.7% من الخطط التحفيزية لمكافحة الجوع. ويجب أن تخدم المساعدات المالية ليس فقط وول ستريت وماين ستريت لا بل أيضاً الأماكن التي ليس فيها أي شوارع.

على كل واحد منا أن يختار من بين أمرين: إما التغاضي عن مساعدة المحتاجين وإما التحرك لمساعدتهم. في هذا الصوم الكبير دعونا نختار عالماً خالياً من الجوع.

 نقلته من الإنكليزية إلى العربية غرة معيط (ZENIT.org)