الفقرة 3- الكلّي القدرة

 

الفصل الأول: أؤمن بالله واحد، المقام الأول من 268- 278

268- من جميع الصفات الإلهية لم يُذكر في قانون الإيمان إلا صفة واحدة هي القدرة الكلية: وللاعتراف بها مدى بعيد لحياتنا. نؤمن بأنها شاملة، لأن الله الذي خلق كل شيءٍ[i] يسوس كل شيء، ويقدر على كل شيء؛ ومحبة، لأن الله أبٌ[ii]؛ وسرية، لأن الإيمان وحده يستطيع أن يكتشفها عندما «يبدو كمالها في الوهن» (2كو9:12)[iii].

كل ما شاء صنع (مز3:115)

269- الأسفار المقدسة كثيراً ما تعرف بقدرة الله الشاملة. فهو يُدعى «عزيز يعقوب» (تك24:49؛ أش24:1 وغ)، «رب الجنود»، «العزيز الجبار» (مز8:24-10). فإذا كان الله كلي القدرة «في السماوات وعلى الأرض» (مز6:135) فلذلك أنه صنعها. فما من أمر يستحيل عليه[iv] إذاً، وهو يتصرف بصنيعته كما يشاء[v]؛ إنه رب الكون الذي أقام له نظاماً يبقى خاضعاً تاماً وطوع إرادته. وهو سيد التاريخ: يسوس القلوب والأحداث وفق ما يشاء[vi]:«عندك قدرة عظيمة في كل حين، فمن يقاوم قوة ذراعك؟» (حك22:11).

«ترحُم الجميع لأنك قادرٌ على كل شيء» (حك23:11)

270- الله هو الآب الكلي القدرة. أُبوته وقدرته تجلو إحداهما الأُخرى. وهكذا فهو يُظهر قدرته الكلية الأبوية بالطريقة التي يهتم فيها لحاجاتنا[vii]؛ بالتبني الذي يعطيناه («أكون لكم أباً وتكونون لي بنين وبنات يقول الرب القدير»، 2كو18:6)؛ وأخيراً برحمته الغير المتناهية، إذ إنه يُظهر قدرته إلى أقصى حد عندما يغفر خطايانا غفراناً حُراً.

271- القدرة الإلهية الكلية ليست تَعَسفيَّة البتة:«في الله القدرة والإنية، الإرادة والعقل، الحكمة والعدل، حقيقةٌ واحدة، بحيث لا شيء يمكن أن يكون في القدرة الإلهية ولا يمكن أن يكون في إرادة الله العادلة أو في عقله الحكيم»[viii].

سرُّ عجز الله الظاهر

272- الإيمان بالله الآب الكلي القدرة قد يوضع على محك الامتحان بتجربة الشر والألم. فقد يبدو الله في بعض الأحيان غائباً وعاجزاً عن منع الشر. والحال أن الله الآب قد أظهر قدرته كليةً على أعجب صورة بتنازل ابنه الطوعي وبقيامته اللذين تغلب بهما على الشرّ. وهكذا فالمسيح المصلوب هو «قدرة الله وحكمته؛ لأن ما هو جهالةٌ عند الله أحكم من الناس، وما هو ضعفٌ عند الله أقوى من الناس» (1كو25:1). في قيامة المسيح وتمجيده «بسط الآب عزة قوته» وأظهر «فرط عظمة قدرته لنا نحن المؤمنين» (أف19:1-22).

273- الإيمان وحده يستطيع أن يلزم السبل العجيبة لقدرة الله الكلية. وهذا الإيمان يفخر بضعفه لاجتذاب قدرة المسيح إليه[ix]. والعذراء مريم، أسمى نموذج لهذا الإيمان، هي التي آمنت بأن «لا شيء يستحيل على الله» (لو37:1)، والتي استطاعت أن تُمجد الرب:«القدير صنع بي عظائم، فاسمه قدوس» (لو49:1).

274- «لا شيء من شأنه أن يثبت إيماننا ورجاءنا مثل اليقين العميق المحفور في نفوسنا بأن لا شيء يستحيل على الله. فكل ما يعرضه قانون الإيمان بعد ذلك لإيماننا: أعظم الأمور، وأغلقها، وكذلك أشد الأمور تعالياً على نواميس الطبيعة العادية، فحالما تخطر لعقلنا مجرد فكرة القدرة الإلهية الكلية، يُبادر إلى تقبلها بسهولة وبدون أي تردد»[x].

بإيجاز

275- مع أيوب الصديق نعترف:«علمت أنك قادر على كل أمر فلا يتعذر عليك مُراد» (أي2:24).

276- في أمانةٍ لشهادة الكتاب المقدس، كثيراً ما توجه الكنيسة صلاتها إلى «الله الكلي القدرة والأزلي»، معتقدة اعتقاداً راسخاً أن «لا شيء يستحيل على الله» (لو37:1)[xi].

277- يُظهر الله قدرته الكلية بتحولنا عن آثامنا وبإنابتنا إلى صداقته بالنعمة: «يا الله، الذي تُعطي البرهان الأعلى على قدرتك عندما تصبر وترحم …»[xii].

278- ما لم نؤمن بأن حُب الله كلي القدرة، كيف نؤمن بأن الآب استطاع أن يُخلصنا، والابن يفتدينا، والروح القدس أن يقدسنا؟



[i] رَ: تك1:1؛ يو3:1

[ii] رَ: متى 9:6

[iii] رَ: 1كو18:1

[iv] رَ: إر17:32؛ لو37:1

[v] رَ: إر5:27

[vi] رَ: أش17:4 ج؛ أم1:21؛ طو2:13

[vii] رَ: متى32:6

[viii] توما الأكويني، خ ل1، 25، م1

[ix] رَ: 2كو9:12؛ في13:4

[x] ت ر1، 2، 13

[xi] رَ: تك14:18؛ متى 26:19

[xii] ق ر، صلاة الأحد السادس والعشرين