الحوار اللاهوتي الكاثوليكي الأرثوذكسي وثيقة رافينا

13 تشرين الأول 2007

 

 

النتائج الاكليزيولوجية والقانونية لطبيعة الكنيسة الأسرارية

الشركة الكنسية – المجمعية والسلطة

إن اللجنة الدولية المشتركة للحوار اللاهوتي بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية قطعت شوطاً كبيراً منذ اجتماعها الأول في رودس عام 1980

 

أصدرت أولاً ثلاث وثائق لاهوتية هامة:

وثيقة ميونخ عام 1982 "سرّ الكنيسة والإفخارستيا على ضوء سرّ الثالوث الأقدس"

وثيقة باري عام 1987 "الإيمان والأسرار ووحدة الكنيسة"

وثيقة نيوفالامو، فنلندا عام 1988 "في نظام الكنيسة الأسراري وبالأخص أهمية الخلافة الرسولية في تقديس شعب الله ووحدته.

وبسبب إعادة بروز الكنائس الشرقية الكاثوليكية عقب انهيار الإتحاد السوفياتي والأنظمة الشيوعية في أوربا الشرقية توقّف السير الطبيعي للحوار، لمعالجة المعضلة الاكليزيولوجية التي تشكلها هذه الكنائس. وصدرت عام 1993 وثيقة البلمند " الأونياتية " أسلوب وحدويّ من الماضي والبحث الحالي عن الشراكة الكاملة". هذه الوثيقة لم تحظَ بقبول كافة الكنائس. وتجمّد الحوار. ولم ينجح لقاء بلتيمور عام 2000 في حلحلة الأمور. ثم قامت جهود كبيرة لتحسين جوّ العلاقات الكنسّية ويعود الفضل الكبير للبابا الراحل يوحنا بولس الثاني وللبطريرك المسكوني برتلماوس الأول.

 

وتقرّر إرجاء البحث النهائي بموضوع الأونياتية، ومتابعة الحوار اللاهوتي حيث توقّف بعد نيوفالامو. وانكبّت اللجنة على دراسة الوثيقة المعدة "النتائج الاكليزيولوجية والقانونية لطبيعة الكنيسة الأسرارية، الشركة الكنسية، المجمعية، السلطة" أولاً في لقاء بلغراد عام 2006 حيث أُثيرت حول النص بعض الملاحظات فأُعيدت صياغته ونوقشت الوثيقة وأُقرت في اجتماع راڤينا في إيطاليا في تشرين الأول 2007

إن الوثيقة تتّسم بعمقها اللاهوتي إذ تحدّد طبيعة الكنيسة كشركة وهي مرتبطة بالمجمعية كمشاركة وبالسلطة كخدمة محبّة على المستويات الثلاثة المحلي والإقليمي والعالمي. والوثيقة تشكل اختراقاً هاماً في الجدار الفاصل بين الكنيستين إذ أقر لأسقف رومة بدور "الأول" على المستوى العالمي. إذ هو في خدمة الشراكة والوحدة بين كافة الكنائس المحلية. يبقى تحديد طبيعة هذه السلطة.

نورد فيما يلي بعض المقتطفات من هذه الوثيقة:

المجمعية :

بموجب المعمودية والتثبيت (الميرون) كل عضو في الكنيسة يمارس شكلاً من أشكال السلطة في جسد المسيح. بهذا المعنى جميع المؤمنين (وليس فقط الأساقفة) مسؤولون عن الإيمان المعلن لدى معموديتهم. وتعليمنا المشترك هو أن شعب الله بموجب المسحة التي قبلها من القدوس وبشركة مع رعاته لا يمكن أن يكون في ضلال في شؤون الإيمان.

بإعلانهم إيمان الكنيسة وتوضيحهم قواعد السلوك المسيحي يتمتع الأساقفة بدور خاص بموجب الحق الإلهي. بصفتهم خلفاء الرسل، الأساقفة مسؤولون عن الشركة في الإيمان الرسولي والأمانة لمتطلبات العيش وفق الإنجيل.

المجامع هي الطريقة الفُضلى التي تمارس بموجبها الشركة بين الأساقفة … هذا يعني أنه يترتب عليهم أن يكونوا متحدين في ما بينهم بالإيمان والمحبة والرسالة والمصالحة وأيضاً أنهم يتحملون معاً المسؤولية نفسها والخدمة نفسها تجاه الكنيسة.

إنّ البعد المجمعي لحياة الكنيسة كما حدّدناه يجب أن يكون حاضراً على المستويات الثلاثة، المحلي، الإقليمي والشامل للشركة الكنسية. على المستوى المحليّ للأبرشية الموكولة إلى الأسقف. على المستوى الإقليمي لمجموعة من الكنائس المحلية مع أساقفتها الذين يعترفون بمن هو الأول بينهم (قانون الرسل 34) وعلى المستوى الشامل حيث الأّولون (protoi) من مختلف الأقاليم مع أساقفتهم يتعاونون في ما يعني الكنيسة بأجمعها. على هذا المستوى أيضاً يترتب على الأولين (protoi) أن يعترفوا بمن هو الأول بينهم

 

السلطة :

السلطة المرتبطة بالنعمة المعطاة بالرسامة ليست ملكاً خاصاً لمن تمنح لهم ولا أمراً يأتيهم بتفويض من الجماعة بل هي موهبة من الروح القدس لخدمة (ذياكونيا) الجماعة ولا تمارس قط بمعزل عنها. ممارستها تقتضي مشاركة الجماعة كلها إذ أن الأسقف في الكنيسة والكنيسة في الأسقف (القديس كبريانوس)

السلطة الممارسة في الكنيسة باسم المسيح وبقدرة الروح القدس يجب أن تكون بكل أشكالها وعلى مختلف المستويات خدمة (ذياكونيا) على مثال ما كان المسيح. السلطة التي نتكلم عنها بحيث تجسّم السلطة الإلهية لا يمكن أن تثبت في الكنيسة خارج المحبة التي تربط من يمارسونها بمن يخضعون لها. إنها إذن سلطة بدون تسلّط ولا قهر جسدي أو معنوي … إنّ التماهي الإنجيلي بين السلطة والخدمة يشكل قاعدة أساسية للكنيسة. فبالنظر إلى المسيحيين الإدارة هي الخدمة. وهكذا ممارسة السلطة الكنسية وفعاليتها الروحية تتأمّن من خلال الموافقة الحرة والتعاون الاختياري. وعلى المستوى الشخصي يترجم هذا في الطاعة لسلطة الكنيسة بغية إتباع المسيح الذي كان مطيعاً لأبيه بمحبة حتى الموت والموت على الصليب (فيلبي 2/8)

 

تنطبق المجمعية والسلطة على المستويات الثلاثة:

المستوى المحلي :

الكنيسة المحلية تبدو سينودالية أو مجمعيّة في بنيتها. هذه المجمعية لا تتجلى فقط بين مختلف الخدّام المرسومين. أجل المصفّ الكهنوتي (البرسبيتاريوم) هو مجمع الأسقف والشماس "ذراعه اليمنى" بحيث بحسب توصيات القديس اغناطيوس الأنطاكي يجب أن يتمّ كلّ شيء بالائتلاف. إلا أن المجمعيّة تعني أيضاً جميع الأعضاء في الطاعة للأسقف الذي هو الأول (protos) ورأس الكنيسة المحلّية كما تقضيه الشركة الكنسية. وفق التقليدين الشرقي والغربي مشاركة العلمانيين الفاعلة رجالاً ونساءً ومشاركة أعضاء الجماعات الرهبانية والأشخاص المكرّسين تتمّ في الأبرشية وفي الرعّية وفق أشكال متعددة من الخدمة والرسالة.

 

المستوى الإقليمي :

إنّ الكنيسة إذ تكتشف "جامعة" من خلال الاحتفال الجماعي للكنيسة المحلية عليها أن تظهر هذه الجماعية بالفعل من خلال الشركة مع الكنائس الأخرى التي تعترف بالإيمان الرسولي نفسه وتشاطرها البنية الكنسيّة الأساسية نفسها ابتداءً بالتي هي أقرب بموجب المسؤولية المشتركة للرسالة في إقليمهم…

هذه الشركة الحقيقية بين عدّة كنائس محلّية، وكل منها هي الكنيسة الجامعة في مكانٍ محدّد، قد عُبّر عنها ببعض الممارسات: مشاركة أساقفة الجوار في رسامة أسقف إحدى الكنائس المحلّية، دعوة أسقف من كنيسة أخرى للمشاركة في الاحتفال الليتورجي للكنيسة المحلية، قبول مؤمني هذه الكنائس الأخرى لتقاسم المائدة الإفخارستية، تبادل الرسائل بمناسبة الرسامة، وأخيراً تقديم المعونة المادية.

هناك قانون مقبول في الشرق كما في الغرب، يصف العلاقات بين الكنائس المحلية لإقليم واحد: "على أساقفة كلّ أمّة أن يعترفوا بمن هو الأول بينهم ويعتبرونه كرئيسهم، وأن لا يقدموا على شيء هام بدون موافقته… إلا أن الأول لا يستطيع أن يعمل بدون موافقة الجميع".

إنّ السينودس أو المجمع الإقليمي ليس له أي سلطة على أقاليم أخرى كنسيّة. بين أنّ تبادل المعلومات والمشاورات بين ممثلي عدّة سينودسات هو مظهر من مظاهر الجامعية… كل أسقف هو مسؤول تجاه الكنيسة كلّها مع زملائه في المهمّة الرسولية الواحدة نفسها.

وبهذه الطريقة تمكّنت عدّة أقاليم كنسيّة من أن توطّد روابط مسؤوليتها المشتركة وكان هذا أحد الأسباب التي عملت على نشأة البطريركيات.

 

المستوى الشامل المسكوني :

كلّ كنيسة محلية هي في شركة ليس فقط مع الكنائس المجاورة ولكن أيضا مع مجمل الكنائس المحلية.

خلال التاريخ عندما أثيرت مشاكل هامة تتعلّق بالشركة والوئام الشامل بين الكنائس… لجأوا إلى المجامع المسكونية. هذه المجامع كانت مسكونية ليس فقط لأنها كانت تجمع أساقفة كل المناطق وبالأخصّ أساقفة الكراسي الخمسة الأهمّ، رومة والقسطنطينية والاسكندرية وأنطاكية وأورشليم بحسب الترتيب القديم لكن أيضاً لأنّ قراراتها الرسمية فيما يخصّ العقيدة تُلزم كافة الكنائس وجميع المؤمنين في كلّ زمان ومكان. ولذا فقرارات المجامع المسكونية هي دوماً ملزمة.

خلافاً لسينودسات الأقاليم والمناطق ليس المجمع المسكوني مؤسسة تحدّد القوانين تواتر انعقادها. إنّه حدث (Kairos) يلهمه الروح القدس الذي يقود الكنيسة ليوجد فيها بعض المؤسسات الضرورية لها والتي تتناسب مع طبيعتها. هذا الانسجام بين الكنيسة والمجامع هو بهذا العمق حتى أنه وبعد القطيعة بين الشرق والغرب التي حالت دون عقد مجامع مسكونيّة بالمعنى الحصري ثابرت الكنيستان على عقد مجامع كلّ مرّة نشأت أزمات خطيرة. هذه المجامع جمعت اساقفة الكنائس المحلية التي هي في شركة مع كرسي رومة أو، بمفهوم آخر، مع كرسي القسطنطينية. هذا الوضع الذي أرغم جانبي المسيحية على عقد مجامع خاصة بكلّ منها غذّت الخلافات التي ساهمت في التباعد المتبادل. ولا بدّ من البحث عن الوسائل التي ستتيح إعادة التوافق المسكوني.

 

طيلة الألفية الأولى حوفظ على الشركة الشاملة للكنائس في المجرى العادي للأحداث. هذه العلاقات بين الأساقفة أنفسهم وبين الأساقفة والمتصدرين (Protoi) في منطقة كلّ منهم، وأيضاً العلاقات بين هؤلاء المتصدرين وفق الترتيب القانوني الذي تشهد له الكنيسة الأولى غذّت وثبّتت الشركة الكنسية. يسجّل التاريخ المشاورات والرسائل والاستغاثات المرفوعة إلى الكراسي الأكثر أهمية وبالأخصّ إلى كرسي رومة التي تعبّر بوضوح عن التضامن الناجم عن الشركة. إنّ الترتيبات القانونية كتسجيل أسماء أساقفة الكراسي الأكثر أهمية في الذبتيخا ، وتسليم شهادة الإيمان إلى سائر البطاركة بمناسبة الانتخابات، هي التعبير الحسّي لهذه الشركة.

الطرفان متّفقان على القول بأنّ هذا الترتيب القانوني كان معترفاً به من قِبل الجميع في حقبة الكنيسة غير المنقسمة. وهم أيضاً متّفقون على أنّ رومة بصفتها الكنيسة "المتصدّرة في المحبّة" بحسب تعبير القديس اغناطيوس الأنطاكي (مطلع الرسالة إلى الرومانيين) كانت تحتلّ المكانة الأولى في الترتيب وأنّ أسقفها كان بالتالي الأول بين البطاركة. بيد أنّهم غير متّفقين حول تأويل الشهادات التاريخية لهذه الحقبة بشأن صلاحيات أسقف رومة بصفته المتقدّم، قضيّة كانت تُفهم بأشكال مختلفة خلال الألفية الأولى.

إنّ المجمعية على المستوى العالمي… تقتضي دوراً فعّالاً لأسقف رومة بصفته المتقدّم بين الكراسي المميّزة… إنّ أسقف رومة وإن لم يكن يدعو إلى المجامع المسكونية في القرون الأولى ولم يرأسها قط شخصيّاً، كان له التزام وثيق ودور خاص في المنهج التقريري للمجامع.

في تاريخ الشرق والغرب أقلّه حتى القرن التاسع هناك سلسلة امتيازات معترف بها ضمن إطار المجمعية وحسب ظروف الأزمنة للمتقدّم. وفق كلّ من المستويات الكنسية القائمة. محلّياً للأسقف كالمتقدّم في أبرشيته تجاه مصفّ الكهنة والمؤمنين، إقليميّاً للمتقدّم في كل متروبوليتية بالنسبة إلى أساقفة إقليمه. وللمتقدّم في كل من البطريركيات الخمس بالنسبة لمتروبوليتي قطاعهم، وعالمياً لأسقف رومة بصفته متقدّماً بين البطاركة. هذا التمييز في المستويات لا يُنقص من المساواة بين كل من الأساقفة من الوجهة الأسرارية ولا من جامعيّة كلّ من الكنائس المحلّية.

 

خاتمة

علينا أن ندرس بشكل أعمق مسألة دور أسقف رومة في شركة كافة الكنائس. ما هو الدور المميّز لأسقف "الكرسي الأول" في اكليزيولوجية شركة وفي ضوء ما قلنا حول المجمعية والسلطة في هذه الوثيقة. كيف يجب أن يُفهم تعليم مجمعي الفاتيكان الأول والثاني حول الأوليّة الشاملة على ضوء الممارسة الكنسيّة في الألفيّة الأولى؟ إنها أسئلة جوهرية بالنسبة لحوارنا ولآمالنا في إعادة الشركة الكاملة بيننا.

نحن أعضاء اللجنة الدولية المشتركة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية الرومانية والكنيسة الأرثوذكسية مقتنعون بأنّ الإعلان هذا بشأن الشركة الكنسية والمجمعيّة والسلطة يمثّل تقدّماً إيجابيّاً ولافتاً في حوارنا وأنّه يضع أساساً ثابتاً للمناقشات المستقبليّة حول الأولية على المستوى الشامل للكنيسة. إننا نعي بأنّه هناك مسائل عديدة شائكة تبقى بحاجة إلى التوضيح إلا أنّنا نأمل مستندين إلى صلاة يسوع "ليكونوا واحداً… ليؤمن العالم" (يو 17: 12) وبالطاعة للروح القدس أنه بوسعنا أن نتقدّم انطلاقاً من الاتفاق الذي حصلنا عليه. وإذ نعلن ونعترف بربٍّ واحد وإيمان واحد ومعمودية واحدة (أفسس4: 5) نرفع المجد إلى الثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس الذي جمعنا معاً.

 عن موقع حلب للتعليم المسيحي