كلمة البابا للمرضى في بازيليك القديس بطرس

الفاتيكان، الأربعاء 11 فبراير 2009 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها  قداسة البابا بندكتس السادس عشر في ختام القداس الإلهي الذي احتفل به الكاردينال لوتزانو باراغان، رئيس المجلس الحبري لراعوية الصحة، في بازيليك القديس بطرس مساء الأربعاء.

 أيها المرضى الأعزاء!أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! لقاؤنا اليوم ذو قيمة فريدة: إننا مجتمعون بمناسبة اليوم العالمي للمريض، الذي يتزامن مع ذكرى عذراء لورد. يذهب بي التفكير الى ذلك المعبد الذي زرته أنا أيضاً– بمناسبة الذكرى السنوية المائة وخمسين للظهورات للقديسة برناديت – وكان لي لقاء خاص بالمرضى المجتمعين أمام مغارة ماسابيال.

جئت الى هنا بفرح لأوجه إليكم تحية، في ختام الاحتفال الافخارستي الذي ترأسه الكاردينال لوتزانو باراغان، رئيس المجلس الحبري لراعوية الصحة؛ إليه أيضاً أوجه تحية قلبية، ومعه أحيي الحاضرين من أساقفة وكهنة ورهبان وراهبات ومتطوعين وحجاج، وبنوع خاص المرضى الأعزاء والمعتنين بهم. من المؤثر أن نختبر هنا في بازيليك القديس بطرس، ذلك الجو من الصلاة ومن الروحانية المريمية الذي يميز معبد لورد. أشكركم على إظهار إيمانكم ومحبتكم لمريم.

 هذا اليوم يدعو الى إظهار قرب الكنيسة الروحي من المرضى، هذه الكنيسة التي – كما كتبت في رسالتي العامة "الله محبة"، هي عائلة الله في العالم، والتي لا يجوز أن يتألم أحد فيها بسبب نقص الحاجات الضرورية" (راجع عدد 25ب). وفي الوقت عينه، تمنحنا هذه المناسبة فرصة التفكير حول خبرة المرض، والألم، وبشكل عام حول معنى الحياة.

 في رسالتي لهذه المناسبة، أردت أن أضع بدرجة أولى الأطفال المرضى، الكائنات الأكثر ضعفاً. وإذا كنا نعجز عن الكلام أمام كبير يعاني، فكم بالحري عندما يضرب الشر صغيراً بريئاً؟ وكيف يمكننا أن ننظر – في مثل هذه الحالات الصعبة – الى محبة الله الرحومة، الذي لا يترك أبداً أولاده في المحنة. هذه التساؤلات كثيرة ومقلقة، وهي في الواقع لا تجد الأجوبة على الصعيد البشري، لأن عقلنا لن يستوعب الألم والمرض والموت. غير أن المساعدة تأتينا من نور الإيمان.

 إن كلمة الله تظهر لنا بأن هذه الشرور مغمورة سرياً في مخطط الخلاص الإلهي. الإيمان يساعدنا لنحافظ على جمال الحياة البشرية ولنعيشها بالملء حتى عندما تمر بالمعاناة. لقد خلق الله الإنسان للسعادة والحياة، أما المرض والموت فدخلا العالم بسبب الخطيئة. ولكن الرب لم يتركنا وحدنا، فهو – أب الحياة – طبيب الإنسان بامتياز، ولن يمل من الانحناء بمحبته على البشرية المتألمة. الإنجيل يظهر لنا يسوع الذي يطرد الشياطين ويشفي المرضى (متى 8، 16)، وهو يهدينا الى طريق التوبة والإيمان كشرطين للحصول على شفاء الجسد والروح.

بآلامه وموته أخذ ضعفنا وحوله، ولهذا السبب فقد كتب السعيد الذكر يوحنا بولس الثاني في رسالته الرسولية Salvifici doloris ، بأن الألم يعني الانفتاح على عمل قوى الله الخلاصية، التي وهبها للبشرية بالمسيح (عدد 23). أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إننا نعي أكثر فأكثر بأن الحياة البشرية هي وديعة ثمينة ينبغي علينا حمايتها منذ لحظة الحبل بها وحتى انتهائها الطبيعي.

الحياة سر يتطلب بحد ذاته المسؤولية والمحبة والصبر من قبل الجميع ومن قبل كل فرد، ومن الضروري إحاطة المريض والمتألم بالعناية والاحترام التام. هذا كله ليس دائماً بالأمر السهل، غير اننا نعلم من أين نلتمس الشجاعة والصبر لمواجهة مصاعب وجودنا الأرضي، وبخاصة الأمراض وكل أنواع العذاب. إن الاشتراك بالذبيحة الإلهية، يضعنا في سر موت وقيامة يسوع. كل احتفال افخارستي هو تذكار موت وقيامة المسيح، الذي دحر قوة الشر بقوة محبته. وبالتالي فإننا في مدرسة المسيح الافخارستي، نتعلم أن نحب الحياة وأن نقبل ضعفنا أمام المرض والموت.

 لقد أراد سلفي الموقر يوحنا بولس الثاني أن يتزامن اليوم العالمي للمريض مع عيد عذراء لورد الطاهرة. في ذلك المكان الطاهر، جاءت أمنا السماوية لتذكرنا بأننا عابري سبيل على هذه الأرض، وأن موطننا الأزلي هو السماء. علينا ان نسعى وراء هذا الهدف.

فليساعدنا النور النازل من عل على أن نفهم ونعطي معنى وقيمة لخبرة الألم والموت. فلنسأل العذراء أن ترمق بنظرها الوالدي كل مريض وعائلته، لمساعدتهم على حمل ثقل الصليب مع المسيح. فلنوكل إليها – هي والدة البشرية – الفقراء والمتألمين، والمرضى من العالم أجمع، وبنوع خاص الأطفال المتألمين. بهذه المشاعر أشجعكم لتضعوا ثقتكم ورجاءكم بالرب، وأمنحكم من كل قلبي البركة الرسولية. 

نقله إلى العربية طوني عساف– وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2009.