معركة المعاقين بين الدمج والفرز على خريطة المجتمع

 

إن الطبيعة النفسية لذوي الإحتياجات الخاصة تقود المتعاطين معهم إلى ابتكار لغة فريدة فى التخاطب تتكون مفرداتها من البسمة الصافية واللمسة الحانية والفعل الصادق . وعليه فإن قادة المعاقون تقع عليهم مسئولية جليلة فى تكوين المعاق وتأهيله للدخول إلى معترك الدنيا . وفى محاولة محفوفة بالأمل والمغامرة تجئ فكرة الدمج المجتمعى للمعاقين فى المجالات التعليمية والثقافية والمهارية ، تلك الفكرة التى يقف ورائها فريق من المتخصصين وأولياء الأمور وقادة المجتمعات المحلية ، تحت مظلة جمعية الصعيد للتربية والتنمية ، وفى محاولة للاقتراب من الفكرة وتقويمها كان لنا هذا التحقيق .

 

الفكرة والدعم المجتمعى

عن فكرة دمج المعاق فى المجتمع يقول كميل عبده باسيلى مدير مكتب جمعية الصعيد بأسيوط بأن مشروع دمج المعاق فى المجتمع المحلى أحد البرامج التكوينية التى تقوم بها الجمعية بالتعاون مع المجلس القومى للأمومة والطفولة وبتمويل من الإتحاد الأوربي ، وتقوم فكرة المشروع على محاولة دمج الأطفال المعاقين فى المدارس والمكتبات والحرف المهنية ، بهدف تحسين أوضاع الأطفال والشباب المعاقين فى أربعة محافظات بالصعيد هى أسيوط والمنيا وسوهاج وقنا ، وذلك بمساندة ودعم المجتمع المحلى والقطاعات الأهلية والمنظمات غير الحكومية . ويستطر باسيلى مؤكداً قيام الجمعية بتدريب العاملين بالمشروع على القيام بأدوارهم بصورة دقيقة . كما أن الجمعية عملت على فتح قنوات اتصال وحوار مع الجهات المعنية الحكومية والأهلية وقادة المجتمعات المحلية بقصد دعم الفكرة ومن ثم تذليل الصعوبات أمام المشروع حتى تتحقق الفائدة المرجوة منه لأكثر من مائتي حالة إعاقة مستهدفة يتم التعامل معها فى منطقة أسيوط .

أدوات المشروع

 حول آليات المشروع وتفاصيله يتحدث هانى فوزى مسئول المشروع بمكتب الجمعية بأسيوط ويقول لقد تم تكوين فريق عمل مؤهل للتعامل مع الإعاقة والوقاية والإكتشاف المبكر ومن ثم دمج الأطفال والشباب المعاقين بالأنشطة الصفية واللأصفية . ومن خلال فريق العمل تم إعداد إحصاء بأنواع الإعاقات فى منطقة أسيوط وتحديداً فى ثلاث أماكن هى القوصية وصدفا والغنايم . وعليه فقد تم دمج عدد 70 طفل معاق بين اعاقات ذهنية وحركية فى الانشطة المجتمعية من خلال نهج من طفل لطفل الذى يطبق فى المدرسة الموازية والمكتبة العامة بالقوصية ومدرسة النصر بالغنايم ومدرسة النصر ومركز الشباب بصدفا . وذلك خلال المجالين التعليمى والثقافى . أما عن الجانب المهاري فقد عملنا على تدريب 10 شباب معاقين حركياً على أعمال صيانة المحمول كما تم تدريب الفتيات على أعمال الكوافير . و بقراءة النتائج الأولية للمشروع يقول فوزى أنه تم تمكين عدد 120 أم لطفل معاق من معرفة حقوقهن والمطالبة بها وقد حصلت عدد 60 منهن على خدمات مختلفة من المؤسسات الحكومية ما بين معاش شهرى وإعانات دراسية وتشغيل عائل وتأمين صحى وعلاج على نفقة الدولة . وفى مجال العمل الوقائى فقد تم توعية عدد 90 فتاة من المقبلات على الزواج بأسباب وطرق تجنب الإعاقة وقد قامت 25 فتاة بإجراء التحاليل الطبية اللازمة ما قبل الزواج .

المعاقون فى الفصول

وحول إمكانية دمج الطفل المعاق مع أقرانه الأسوياء فى فصل دراسي واحد تقول مرثا فوزى منسقة المشروع بالقوصية لقد قمنا بالفعل بدمج الأطفال المعاقين مع الأطفال الأسوياء فى فصول المدرسة الموازية بالقوصية وكانت بحق مغامرة جديرة ببذل الجهد ولقد استطاعت المدرسات تهيئة البيئة اللازمة للتعلم النشط بين التلاميذ من خلال الأنشطة الفعالة وإننا لا ننكر وجود صعوبات فى التواصل والإنسجام لكن طبيعة الطفل سواء المعاق أو السوي قابلة للانفتاح ومن ثم قبول غيره من الاطفال المختلفين عنه ، وفى ظل المعايير التربوية السليمة فى الصف تنحسر المشكلات وتتدعم عملية بناء القدرات فى الموقف التعليمى . وأكدت مرثا فى ختام كلامها بأن الفرز هو الذى يؤدى بالمعاقين إلى المزيد من الإحباط والإنكفاء على الذات فيما أن الاندماج يقودهم إلى التعايش وتحقيق الذات .

تحديات وأمال

عن أهم التحديات التى تواجه مسيرة المشروع تقول عفاف شوقى منسقة المشروع بالغنايم إن الموروثات الإجتماعية التى تنظر إلى الشخص المعاق نظرة متواضعة هى أبرز التحديات التى تواجهنا خلال توعية الأمهات مما يتطب منا مزيد من المحاولات والمثابرة فى اللقاءات مع الأمهات والفتيات فى المنازل والوحدات الصحية بهدف توعيتهن بحقوق الطفل المعاق وطرق التعامل معه بل والكشف عن القدرات الكامنة فيه . وعلى طريق التحديات أيضا تستطرد عفاف قائله بأن الروتين الوظيفى فى الهيئات الحكومية يمثل عائقاً كبير فى سبيل توفير احتياجات المعاقين من خدمات تعليمية وصحية واجتماعية مما يهدر الكثير من الوقت الذى يكون الطفل بحاجة إليه . إلى هنا تنتهى الكلمات والخبرات من أصحاب الفكرة ، والتى عكست فى مجموعها قوة الإيمان بقضية ذوي الاحتياجات الخاصة ، وأهمية المنأداة بحق المعاق فى شتى مناحي الحياة من تعليم وصحة وضمان اجتماعى . وإذا كان الفرز والتهميش قد أضر بنفس المعاق بأكثر مما لحقه من ضعف الجسد ، فمن يدري ربما يقود الدمج المعاقين يوماً إلى العودة بقوة على خريطة المجتمع ،  الذى هو أحوج ما يكون إلى ثقافة التسامح وقبول الاختلاف للولوج نحو النهضة .

 

أجرى التحقيق :

ناجـح ســمعـان