رسالة البابا بندكتس السادس عشر إلى المشاركين في مجموعة الدروس حول الحالات الروحية الخاصة في سر التوبة
التي ينظمها مجمع التوبة المقدسة
الفاتيكان، الثلاثاء 17 مارس 2009 (Zenit.org).
ننشر في ما يلي رسالة البابا بندكتس السادس عشر إلى الكاردينال ستافورد وإلى المشاركين في مجموعة الدروس حول الحالات الروحية الخاصة في مجمع التوبة الرسولية.
* * *
إلى الأخ المكرم
السيد الكاردينال جايمس فرنسيس ستافورد،
رئيس مجمع التوبة
بسرور أتوجه بعطف إلى حضرتكم، في هذا العام أيضًا، السيد الكاردينال، وإلى المشاركين الأعزاء في مجموعة الدروس حول الحالات الروحية الخاصة الذي يرعاه مجمع التوبة المقدسة، والتي بلغت الآن دورتها العشرين. أحيي الجميع بعطف، بدءًا بحضرتكم، أيها الأخ الجليل، وأشمل بعرفاني المدبر، والعاملين في المجمع، والمشاركين في هذا اللقاء، كما وأذكر المكرسين المنتمين إلى مختلف الجماعات الرهبانية والذين يخدمون سر التوبة في البازيليكات البابوية في روما.
إن مبادرتكم الرسولية الحميدة، التي تجذب الكثير من الاهتمام والانتباه، كما يشهد العدد الكبير من المشاركين، تشكل حلقة درس فريدة للتجديد الرعوي، والتي تنصب نتائجها، خلافًا لأعمال المؤتمرات الأخرى، ليس فقط في إصدار خاص، بل تصبح عونًا مفيدًا للمشاركين لكي يقدموا أجوبة مناسبة لمن سيلتقون بهم في خدمة سر المصالحة.
في زمننا الحالي، إن إحدى أهم الأولويات الرعوية هي إعداد ضمير المؤمنين بشكل مستقيم لأنه، كما سبق وقلت في مناسبات أخرى، بقدر ما يفقد الناس معنى الخطيئة، يزداد للأسف الشعور بالذنب، الذي يودون إزالته عبر وسائل ملطفة.
تسهم في تنشئة الضمائر عدة وسائل روحية ورعوية ثمينة يجب تقييمها أكثر فأكثر. من بين هذه الوسائل أتوقف اليوم لتسليط الضوء باختصار على التعليم المسيحي، والتبشير، والوعظ، والإرشاد الروحي، وسر المصالحة والاحتفال بالافخارستيا.
بادئ ذي بدء، التعليم المسيحي. أسوة بسائر الأسرار، يتطلب سر التوبة أيضًا تعليمًا مسبقًا وتعليمًا أسراريًا للتعمق في السر (per ritus et preces) "للطقس والابتهال"، كما يشير بوضوح الدستور الليتورجي "المجمع المقدس" للمجمع الفاتيكاني الثاني (راجع العدد 48). يقدم التعليم المناسب إسهامًا عمليًا في تثقيف الضمائر محركًا إياها على إدراك معنى الخطيئة بشكل أفضل، هذا المعنى الذي بات باهتًا، لا بل أسوأ من ذلك، بات مشوشًا وغير موجود بسبب عقلية وعيش "وكأن الله غير موجود" (etsi Deus non daretur)، بحسب تعبير غروتسيوس الشهير، والذي بات آنيًا جدًا إذ يعبر عن نسبية منغلقة على معنى الحياة الحق.
يجب أن ينضم إلى التعليم استعمال حكيم للتبشير، الذي عرف أشكالاً مختلفة في تاريخ الكنيسة تبعًا لعقلية المؤمنين وحاجاتهم الرعوية. اليوم أيضًا، تعاش في جماعاتنا أشكال مختلفة من التواصل التي ترتكز أكثر فأكثر على الوسائل الحديثة المتوفرة. بالواقع، إن وسائل الاتصال الحديثة، بينما تشكل من ناحية تحديًا يجب أن ندرسه جيدًا، من ناحية أخرى، تقدم فرص إيجابية لإعلان كلمة الحقيقة الأبدية التي لا تتبدل والتي أوكلها المعلم الإلهي إلى كنيسته، بشكل جديد وأقرب إلى الحس المعاصر.
الوعظ، الذي أراد إصلاح المجمع الفاتيكاني الثاني أن يعيد له دوره "الأسراري" في إطار فعل العبادة الواحد الذي يتألف من ليتورجية الكلمة ومن الافخارستيا ("المجمع المقدس"، 56)، وهو أسلوب التبشير الأكثر انتشارًا، والذي من خلاله تتم تنشئة الملايين من المؤمنين. في سينودس الأساقفة المنعقد آنفًا، والمكرس لكلمة الله في حياة الكنيسة، شدد بحق الكثير من الآباء السينودوسيون على قيمة وأهمية العظة المنطبقة على العقلية المعاصرة.
يسهم الإرشاد الروحي في تنشئة الضمائر. واليوم أكثر منه في الأمس، نحن بحاجة إلى "معلمين روحيين" حكماء وقديسين: إنها خدمة كنسية هامة تحتاج دون شك إلى حيوية داخلية ينبغي أن نطلبها كهبة من الروح القدس من خلال صلاة مكثفة ومستطيلة، ومن خلال استعداد خاص ينبغي التوصل إليه بحرص. كل كاهن مدعو أيضًا إلى تقديم الرحمة الإلهية في سر التوبة، الذي من خلاله يغفر باسم المسيح الخطايا ويساعد التائب على السير في سبيل القداسة المتطلب بضمير مستقيم ومستنير.
للقيام بهذه الخدمة التي لا غنى عنها، على كل كاهن أن يغذي حياته الروحية وأن يسعى إلى تجديد لاهوتي ورعوي مستمر. وأخيرًا، فإن ضمير المؤمن يُصقل أكثر فأكثر بفضل اشتراك تقي وواع في القداس الإلهي، الذي هو ذبيحة المسيح لأجل غفران الخطايا. كل مرة يحتفل فيها الكاهن بالافخارستيا، يذكر في الصلاة الافخارستية أن دم المسيح قد سفك من أجل غفران خطايانا، ولهذا، فعبر الاشتراك الأسراري في تذكار ذبيحة الصليب، يتم اللقاء الكامل مع رحمة الآب لكل منا.
أحض المشتركين في الدروس بأن يحفظوا بحرص ما تعلموه بشأن سر التوبة. وليسعوا إلى الحفاظ على وعي حي بأن من واجبهم أن يكونوا "خدام" الرحمة الإلهية ومسؤولين عن تثقيف الضمائر، في الأطر المختلفة التي يعيشون ويعملون فيها. فليقتدوا بأمثلة المعرفين القديسين ومعلمي الروح، ومن بينهم يسرني أن أذكر بشكل خاص خوري آرس، القديس يوحنا ماريا فياني، الذي نحتفل بهذا العمل بالذكرى الخمسين بعد المئة لوفاته. لقد كتب عنه أنه "قاد الرعية الموكلة إليه لأكثر من 40 سنة… بالتبشير المستمر، بالصلاة وبحياة التوبة. كل يوم، في التعليم الذي كان يقدمه للصغار والكبار، في المصالحة التي كان يقدمها إلى التائبين، وفي الأعمال المفعمة بالمحبة المتقدة التي كان يستشفها من ينبوع القربان المقدس ، كان يسير قدمًا لدرجة أن نصيحته الحكيمة انتشرت في كل مكان، وقربت الكثيرين بحكمة إلى الله" (السنكسار، 4 أغسطس). هوذا مثال للقدوة ومحام للشفاعة كل يوم.
فلتسهر مريم العذراء على خدمتكم الكهنوتية، هي التي ندعوها ونكرمها في ومن الصوم كـ "تلميذة الرب" و "أم المصالحة". بهذه المشاعر، بينما أحض كل منكم على الالتزام بخدمة سر التوبة والإرشاد الروحي، أمنح من كل قلبي بركتي الرسولية لحضرتكم، الأخ المكرم، وللحاضرين في الدروس، ولأحبائكم.
بندكتس السادس عشر
أعطي في الفاتيكان، 12 مارس 2009.
* * *
نقله من الإيطالية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)
حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2009