يسوع رب الشفاء والغفران

يسوع رب الشفاء والغفران

         مرقس 2/1-12         

ثق يا بني مغفورة لك خطاياك قم احمل سريرك وامش

الاب انطونيوس مقار ابراهيم

يقدم لنا الإنجيلي مرقس السيد المسيح صاحب السلطان الذي متى حلّ في بيت امتلأ من الجماهير وفاض، حتى لم تستطع الباحة الخارجيّة أن تسع هذه الجماهير القادمة، لا لتتملّقه أو تنتظر مكسبًا أدبيًا أو اجتماعيًا أو ماديًا، إنما تترقب الكلمة الخارجة من فيه لتشبع أعماقهم، وتشفي جراحاتهم الداخلية. هذا هو المسيا خادم البشرية بكلمة محبته وخدمته غير المنقطعة!

لعل هذا البيت يشير أيضًا إلى القلب الذي يدخله السيد ليملك على عرشه الداخلي، ويقيم مملكته فيه كوعده "ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21). متى حلّ السيد في القلب اجتمعت طاقات الإنسان كلّها وقواه الروحية والنفسية والجسدية وأحاطت به كجماهير بلا حصر، فلا يعيش القلب بعد في فراغ ولا في تشتُّت بل يتركز حول مخلصه بالإمكانيات كلّها. عندئذ يرفع الإنجيليون الأربعة الفكر إلى السماوات كما إلى السطح ليتنقّى وينضبط في الرب ويُحصر فيه ويكون أمامه. والعجيب أن الذهن ينزل من السطح بالتواضع إلى حيث السيد المسيح الذي من أجلنا اتضع، فلا يكون نموه الروحي علّة الكبرياء أو تشامخًا أو تبريرًا ذاتيًّا بل علة لقاء مع المسيح المتواضع الذي يجب أن نتسربل به كل حين .

 تضع لنا الكنيسة  بعض النصوص الانجيلية التي تظهر قدرة الرب يسوع المسيح وتريدنا أن نتأمل بعجائب الرب، التي اجترحها ويجترحها دائماً. من شفاءات لإمراض الجسد والنفس أمام الناس المؤمنين به الإيمان المتين الملتجئين إليه في السرّاء والضرّاء. الذين يثقون به الثقة التامّة رافضين ضلالة إبليس ومن ضلّ وراء إبليس. علينا أيها الأحباء أن نواصل الصلوات والأدعية عنّا وعن أولادنا علينا أن نتأمل بكل الذين آمنوا بالرب يسوع فنالوا تطهير النفس والجسد فهو الرب الرحوم وله وحده سلطان غفران الخطايا. على أي حال، حينما نلتقي مع السيد المسيح – أينما وجدنا – ندخل معه إلى مدينته الروحية مدينته "كفرناحوم الروحية"، فيكون لنا الموضعُ التعزيةَ الحقيقيةَ والراحةَ الداخلية. حتى وإن أُلقينا مع الفتية في أتون النار، أو مع دانيال في جب الأسود، أو مع يونان في وسط المياه. هو واهب الراحة الحقيقية! لقاؤنا مع المسيح يجعل من نفوسنا كفرناحومًا، وحرماننا منه يجعلنا "كفر العذاب". إن كان ملكوت الله داخلنا كما قال ربنا، فإن جهنم أيضًا داخل الملتصقين بالأوجاع (الشهوات) كل واحد ميراثه فيه، وغذاؤه داخله.

فالخطيّة هي التعدّي. هي التعدّي على أي شيء تعدّي على شريعة "كل من يفعل الخطيّة يفعل التعدِّي أيضاً والخطيّة هي التعدّي" (1يو 3 : 4).. الخطيئة توجه مباشرةً إلى الرب ولئن كنا قد أخطأنا إلى أخينا ولكن علينا أن نطلب المغفرة من ربنا مثلما قال داود: إليك وحدك أخطأت والشر قدّام عينيك قد صنعت. لا أحد يمكنه أن يغفر الخطايا إلا من له سلطان غير متناه، وهذا السلطان هو للمسيح يسوع الإله بالذات وهذا هو ايماننا بتجسّد الإله الكلمة غير المتناهي الذي أخذ جسداً وفدانا بدمه الكريم ومنحنا مغفرة الخطايا. لذا  يقول للمخلع ثق يا بني، مغفورة لك خطاياك وهنا شُفيت نفسه أولاً لأن النفس أفضل من الجسد وبعدئذ شفيَ الجسد أيضاً " قم احمل سريرك وامشي"

يسوع المسيح

 الكتبة والفريسيين والجمهور

 الاربعة والمفلوج

1-  له السلطان والمقدرة على الغفران "أيها الإنسان مغفورة لك خطاياك"

2-  يكشف ما يدور في افكار وقلوب الفريسيين ماذا تفكرون في قلوبكم؟

3- يضعهم امام ضميرهم أيسر أن يُقال مغفورة لك خطاياك أم أن يُقال قم وامشِ؟

كان يرصد العملية حتى قبل حدوثها، فلم يفاجأ بما جرى وكان يعرف مدى إيمان هؤلاء الرجال الذين قاموا بالمهمة، ويعرف أيضاً إيمان الرجل المفلوج

له السلطان والمقدرة على شفاء الجسد، فالتفت إلى المخلّع وقال له: قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك فقام ومشى حاملاً سريره

فيه العمي يبصرون والصم يسمعون والبرص يطهرون والموتى يقومون، المساكين يبشرون

لقد جاء لخلاص البشرية جاء لكي يعطي الحياة للهالكين جاء ليغفر ذنوبنا ويطهرنا من آثامنا ويعيد إلينا نعمه

 

وكانوا جالسين وقد اتوا من كل الجليل واليهودية واورشليم جاؤوا ليصطادوا الرب بكلمة منه

جاء العديد من المرضى لينالوا الشفاءفي البيت  من أماكن عديدة، من سائر الشرائح، منهم الغني و الفقير و الحكيم والبسيط، منهم من كان يرغب أن يستمع إلى الرب يسوع ، ومنهم من كان يريد أن يتربّص بالرب، كي يصطاده بكلمة، فيهم العدو وفيهم الصديق، فيهم الفضولي الذي يريد أن يرى معجزة

من هذا الذي يتكلم بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده؟ أخذتهم حيرة

لم يكن المسيح هو الله بل هو مجدِّفاً! وادّعى حقيقة ناصعة هى  أن مغفرة الخطايا إحدى صفات الله

لقد دهش الناس جميعا ومجدوا الله وقالوا: ما رأينا مثل هذا قطّ".إننا لم نسمع بعدئذ عن ذاك الشاب شيئا. لقد حمل سريره وذهب إلى بيته كما أمره يسوع أن يفعل

مفلوج مخلّع لسنين عديدة. متروكٌ ولم يكن بإمكانه أن يأتي إلى الرب ولعلّه قد سمع عن المعجزات الباهرة التي جترحها الرب يسوع ولكن هل بإمكانه أن يأتي بنفسه؟

 فإذا بأربعة من أقربائه أو أصدقائه أو جيرانه يتبرعون بأن يحملوه على سرير يبدو إنهم كانوا من المسعفين المتمرسين، ومصممين التصميم كلّه على أن يلقوا بذلك المقعد عند أقدام يسوع. فلما تبيّن لهم أن الدخول من الباب صار متعذرا بسبب تزاحم الناس، صعدوا بصديقهم إلى سطح المنزل.ها هو الان في حضرة شخص تشعّ من عينيه قوة تُشعره بأنها مزيج من الرحمة والاحترام والثقة، وكأنها تتخطّى الماضي والحاضر لتستشرف المستقبل، وكأنها تُعِدّه لانطلاقة جديدة ملؤها الرجاء، وقد أقعده. يتذكر نظرات يسوع التي ظللته بالعطف والرحمة وقد أطلقا في نفسه وفي قلبه دفعة جديدة من الحيويّة أعادت إليه الأمل في الحياة، قبل أن تبعث في جسده القدرة على أن يقوم ويحمل فراشه ويمشي.  الرجال الأربعة يشيرون إلى الكنيسة كلها، كهنةً وشعبًا، التي من واجبها أن العمل بروح واحدة ، كي تقدم كل نفس مصابة  للسيد المسيح.

 

+ ختامًا، نطرح هذا السؤال:

 لماذا اهتم المسيح بأن يقول مغفورة لك خطاياك، قبل أن يوجّه عنايته إلى حاجة المفلوج للشفاء من مرضه؟

 نقول: المسيح هنا يعلمنا درساً هاماً مفاده أن هناك أولويات في ما يحتاجه الإنسان، لا ينكر أن الشفاء الجسدي لازم، لكن الشفاء الروحي أهمّ لأنه يتعلّق بالحياة الأبدية والمصير الأبدي للإنسان. ثم هو بذلك يقدّم أيضاً درساً لأجيال البشرية مفاده أن: ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا ينتفع المريض لو شفي من مرضه وخسر أبديته؟ وماذا ينتفع الإنسان لو ملأ مخازنه بالجواهر والألماس ولم يفطن لأبديته؟ فغفران الخطايا يجب أن يتقدّم على كل اهتماماتنا وأن يتصدّر كل أولوياتنا من صحة، أو طعام، أو لباس، أو رفاه، أو مال. وهذا ما جاء المسيح لأجله؛ جاء لكي يخلّصنا من خطايانا، وتحمّل قصاص خطايانا على الصليب ليمنحنا الغفران.
عندما أخطأ آدم أخطأ خطية واحدة وهذه أفقدته العِشرة مع الله فطُرد من الجنة ولن يعود إلى هناك إلا مغفور الخطايا، وها هو المسيح غافر الخطايا مستعد أن يغفر لكل من يلجأ إليه – كما جاء هذا المفلوج – وعلى حساب دمه الذي نزف على الصليب.

سؤال آخر يقول: لماذا طلب المسيح من المفلوج أن يحمل فراشه؟ فالفراش لا قيمة له بالمقارنة مع فرحته بما حصل عليه من شفاء! فالفراش قد يعيقه في سعيه ليخبّر أهله وعائلته وكل الناس بما صار له من شفاء… فنقول: كما كان الفراش الذي حمل المريض قبل الشفاء دليلاً على مرضه وضعفه، صار الفراش المحمول على كتفه بعد الشفاء دليل صحته ومعافاته. عندما جاء المريض محمولاً كان كسير الجناح… ضعيفاً، وعندما حمل فراشه راجعاً حمل شهادة على معجزة تحمل برهانها معها وتُقدِّم شهادة للمسيح القادر على كل شيء

 يرى القديس أغسطينوس في هذا السرير رمزًا لضعفات الجسد. ففي خطايانا كنا محمولين بشهوات الجسد وضعفاته، نفوسنا مقيدة عن الحركة، لكننا إذ نحمل قوة الحياة الجديدة تحمل النفس الجسد بكل أحاسيسه وطاقاته لتقوده هي بالروح لحساب مملكة الله وتدخل به إلى بيتها، أي الحياة المقدسة. هكذا لا يعود الجسد ثقيلاً يحطم النفس، بل يكون معينًا يتجاوب معها تحت قيادة الروح القدس.

القديس أمبروسيوس: [ما هو هذا السرير الذي يأمر الرب بحمله؟ إنه السرير الذي عوّمه داود بدموعه كما يقول الكتاب: "أعوم كل ليلة سريري بدموعي" (مز 6: 7). هو سرير الألم، حيث تنطرح نفوسنا فريسة لمرارة الضمير وعذابه، لكننا حينما نسير حسب وصايا المسيح يصير فراشنا للراحة لا للألم، إذ غيّرت مراحم الله موضع الموت إلى موضع قيامته، حوّل لنا الموت لجاذبية نشتاق للتلذذ به. لم يأمره فقط بحمل السرير، وإنما أمره أن يذهب إلى بيته، أي أن يرجع إلى الفردوس، الوطن الحقيقي الذي استقبل الإنسان الأول، وقد فقده بخداع إبليس، لهذا يلزم أن يرجع إلى البيت، فقد جاء الرب ليهدم فخاخ المخادع، ويعيد إلينا ما قد فقدناه.]

صلاة ختامية :

أيها الرب يسوع المسيح نريد أن نلتقيك وقد خلعتنا الخطيئة وجعلت منا مرضى ولا شفاء ولا مغفرة إلا منك يارب ونريد اليوم أن نسمع صوتك بأذاننا وقلوبنا يقول لنا ثقوا مغفورة لكم خطاياكم. ونطلب منك أن تغنينا بنعمتك ورحمتك وليملأ سلامك الدائم قلوبنا حتى ننشغل فيك دائماً

الاب انطونيوس مقار ابراهيم

راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان

Email: Naim.ibrahim@hotmail.com

المراجع :

1-             العهد الجديد القراءة الرعائية

2-             القمص متى المسكين "تفسير انجيل مرقس" طبعة1996

3-             القمص تادرس ملطي "تفسير انجيل مرقس"كنيسة مار جرجس اسبورتنج

4-             الاب بولس الفغالي قراءة في انجيل مرقس " المكتبة البولسية