الأراضي المقدسة عشية الزيارة البابوية

مقابلة مع ماري آنج سيبرخت من عون الكنيسة المتألمة

روما، الجمعة 8 مايو 2009 (Zenit.org)

يوم الأحد الفائت، عادت ماري آنج سيبرخت من رحلة إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية. وبصفتها الاختصاصية الإقليمية في الجمعية الرعوية الكاثوليكية الدولية عون الكنيسة المتألمة، تحدثت مع المؤسسة الخيرية عن انطباعاتها عن الأراضي المقدسة قبل أسبوع من الزيارة البابوية إليها.

س: ما هي التحضيرات التي تشهدها الأراضي المقدسة استعداداً للزيارة البابوية؟

ماري آنج سيبرخت: تنشغل الكنائس كثيراً باستعداداتها. والمسيحيون بطبيعة الحال مسرورون جداً بمجيء الأب الأقدس. وقد رفعت مثلاً اليافطات التي تعلن الزيارة البابوية. حتى أنهم في الناصرة يقومون ببناء مدرج حيث سيحتفل البابا بالقداس مع الشعب. كذلك قاموا في بيت لحم بتشييد بناء ما – في مخيم عايدة للاجئين الذي سيزوره البابا أيضاً. إلا أن القيمين على الأعمال شعروا بأن المنصة قريبة جداً من الجدار الفاصل الذي يقسم الأراضي المقدسة فنقلوها مجدداً. وعلى الرغم من وجود العديد من المشاكل الثانوية، إلا أن السكان المحليين يتابعون العمل بثقة ويتطلعون إلى رحلة مليئة بالنجاح.

س: هل سيحظى فعلاً كل مسيحي يرغب في رؤية الأب الأقدس بفرصة القيام بذلك؟

ماري آنج سيرخت: ربما لن يتمكن كل المسيحيون من القيام بذلك. لا سكان غزة ولا سكان بيت لحم. إلا أن البابا قادم مباشرة إلى بيت لحم ولكن العديد من الأشخاص لن يحصلوا على إذن للمشاركة في القداديس الكبيرة في الناصرة وبيت لحم.

س: إن المسيحيين في غزة بخاصة هم الذين تساءلوا، بعد الحرب في مطلع العام، عما إذا كان توقيت هذه الزيارة البابوية مناسباً. ما هو رأيكم حول هذا الموضوع؟

ماري آنج سيرخت: متى سيحين الوقت المناسب للزيارة البابوية إلى الأراضي المقدسة؟ هذه هي المشكلة الكبيرة. فالمنطقة تشهد دوماً حصول أحداث مستمرة. إنني أستطيع فقط إطلاعكم على ما رأيت وما سمعت. عموماً، يرجو الأهالي أن تحقق لهم هذه الزيارة البابوية الكثير من آمالهم التي ربما تكون كبيرة جداً. والبابا بكل تأكيد لن يتمكن من حل جميع مشاكلهم.

س: ما هي تحديداً توقعات الأهالي، وما الذي يستطيع البابا تحقيقه فعلاً؟

ماري آنج سيرخت: في الواقع أن البابا يستطيع فقط إظهار حسن النية والسعي للتحدث مع القادة السياسيين والكنسيين. إلا أنني أدرك من تجربتي الخاصة مدى صعوبة هذا الأمر في إسرائيل. على أي حال، إنه آت أولاً كحاج إلى الأراضي المقدسة. وهو يريد أن يقول للناس "أنا معكم!" ولكن ماذا يستطيع أن يحقق بالنسبة إلى الإطار العام؟ بالكاد سيكون قادراً على إزالة هذا الجدار الرهيب خلال زيارته أو حتى على حل المشاكل القائمة بين الفاتيكان ودولة إسرائيل. إلا أن زيارته إلى الأراضي المقدسة هي إشارة مهمة. أشعر بالفضول لمعرفة ما سيقوله. ما علينا سوى الانتظار لمعرفة لهجة خطابه ومعرفة استقبال الناس له. في هذا الصدد، وحتى في الأراضي المقدسة، ما تزال كل الأمور غامضة حالياً.

س: إن وضع الكنيسة المحلية هو أمر أقل غموضاً، أليس كذلك؟ لقد تمكنتم من رؤية ذلك عن قرب خلال زيارتكم التي قمتم بها خلال الأسابيع الأخيرة. من هم الأشخاص الذين تمكنت من لقائهم خلال رحلتكم؟

ماري آنج سيرخت: طبعاً قمت أولاً بزيارة الشركاء في مشروع عون الكنيسة المتألمة. وعلى سبيل المثال زرت الجليل حيث أن أوضاع المسيحيين مقارنة بأوضاع أمثالهم في الضفة الغربية أي في المنطقة المحيطة ببيت لحم هي أفضل بكثير طبعاً. مع ذلك، يعتبر هؤلاء الأشخاص مواطنين من الدرجة الثانية في إسرائيل أي أنهم لا يتمتعون بالحرية عينها التي يتمتع بها الإسرائيليون الآخرون. فهم مثلاً لا يستطيعون السفر بالطريقة عينها التي يسافر بها المواطنون الإسرائيليون. على الرغم من ذلك، هناك حوالي 73000 كاثوليكي تابع للطقوس الشرقية في الجليل – وهذا العدد ليس قليلاً! كما أن الجماعات مفعمة بالنشاط بفضل الأشخاص الملتزمين بجعلها دوماً كذلك. هذا ما أدهشني فعلاً. وبالتالي لم أسمع كلمات لطلب المساعدة. مما شك فيه هو أن الناس يأملون أن تقدم عون الكنيسة المتألمة المساعدة إلا أنهم عازمون أيضاً على المساهمة بدورهم لكيما تؤتي مساعدتنا ثمارها. والمساهمات التي يقوم بها هؤلاء المسيحيون المحليون ليست زهيدة أبداً.

س: ما كانت انطباعاتكم عن المنطقة المحيطة ببيت لحم في الضفة الغربية؟

ماري آنج سيرخت: هناك لاحظت وجود أسوأ المشاكل وبخاصة في بيت لحم. فالناس يعيشون هنا وكأنهم في سجن بسبب الجدار. فلا يستطيعون الدخول أو الخروج. ويشعرونهم كأنهم سجناء وهم فعلاً كذلك. والأزواج المسيحية الشابة تجد هذه المشكلة صعبة. فقد حصل شاب مثلاً على بطاقة هوية للذهاب إلى القدس والعمل هناك. إلا أنه لم يسمح لزوجته بمغادرة بيت لحم للذهاب والعيش معه في حين أنه لم يسمح له بالذهاب إلى بيت لحم. مما يدفع جميع الأشخاص إلى الخداع بأوراق مزيفة. هؤلاء الأشخاص يعيشون جميعاً في خوف دائم من ألا يتمكنوا يوماً ما من العودة إلى منازلهم أو من ألا يتمكن أفراد عائلاتهم من العودة من العمل أو من زياراتهم. هذا الوضع الصعب يعيشه المسيحيون في المنطقة المحيطة ببيت لحم مما يشكل عبئاً ثقيلاً عليهم. عندما نزور نحن الأوروبيون الأراضي المقدسة، لا نفهم هذا الأمر ولا نلاحظه. يمكننا السفر إلى كل مكان، ويرى الأجانب أن الرحلة من بيت لحم إلى القدس ما هي إلا خطوة بسيطة. إلا أنها مشكلة كبيرة بالنسبة إلى الفلسطينيين – ومعظم المسيحيين في الأراضي المقدسة هم فلسطينيون -.

س: هذه الأوضاع الحياتية الرهيبة التي يعيشها المسيحيون معروفة منذ مدة طويلة. برأيكم، هل يلوح في الأفق أي تغيير يسمح برفع هذا العبء عن هؤلاء الأشخاص؟ هل سيتمكن البابا من تحقيق أي شيء؟

ماري آنج سيرخت: نرجو أن يعالج البابا هذه المشكلة. برأيي، يجب أن تكون هذه المشكلة من بين المواضيع الرئيسية في مناقشاته وكلماته. ولكن ما العمل لو لم تؤد هذه المحادثات إلى أي نتائج مرضية؟ والمسألة هي حاجة أساسية بخاصة للرهبانيات الكاثوليكية، وللكهنة والرهبان والراهبات. فالكهنة يجدون صعوبة كبيرة في الحصول على تأشيرة. علاوة على ذلك، هناك نقاش يدور حول احتمال أن تطلب دولة إسرائيل ضرائب من الكنيسة. تحدثت إلى العديد من اليهود في إسرائيل وقالوا لي – على حد تعبيرهم، وهذا ليس تعبيراً عن رأيي أو رأي عون الكنيسة المتألمة – "إن حكومتنا الجديدة عنصرية". وهذا يسبب شعوراً بالحزن.

س: إن عون الكنيسة المتألمة موجودة هناك لتقديم المساعدة، مهما كان "الحزن" الذي يجب على المسيحيين أن يواجهوه. ما هي المشاريع التي زرتموها خلال رحلتكم إلى الأراضي المقدسة؟

زرنا مشروعي بناء في شمالي إسرائيل، في الجليل. وإننا ندعم مثلاً بناء مركز رعوي للكنيسة المارونية. كما أننا ندعم بناء قاعات رعوية للكنيسة الملكية في عدد من القرى. وهذا مهم جداً بالنسبة إلى الأشخاص المقيمين هناك لأنهم يحبون الاجتماع مع بعضهم البعض في قاعات الرعية للمشاركة باحتفالات العماد والمناولة الأولى والأعراس وحتى بالمآتم. ويلاحظ أنهم يخصصون أموالاً كثيرة وجهداً كبيراً لهذه القاعات.

لدينا كذلك مشروعان ندعم فيهما طلاب اللاهوت والإكليريكيين بمنح. كما أننا نساعد في الضفة الغربية في إعادة بناء وتجديد الكنائس والدور الدينية. هذا ونساعد على تأمين كتب جديدة لمكتبة الجامعة في بيت لحم. إضافة إلى ذلك، نساعد المسيحيين في بيت لحم في دعم أنفسهم من خلال صناعة منتجات خشب الزيتون. والناس ممتنون جداً لذلك. وبفضل مساعدة الناس على مساعدة أنفسهم، تمكنا من إقناع العديد من المسيحيين بالبقاء بدلاً من الهجرة.

س: ماذا يمكن أن نفعل هنا في الغرب لمواكبة الرحلة البابوية بطريقة تحسن فيها حياة السكان المحليين؟

ماري آنج سيرخت: أكثر ما يطلبه منا المسيحيون في الأراضي المقدسة هو الصلاة. وقد سمعنا ذلك في كل مكان حتى أن البطريرك قال لنا قبيل مغادرتنا: "طلبت من كافة الأديرة في الأراضي المقدسة الصلاة من أجل الرحلة البابوية لكيما تكون دفعاً للمسيحيين". لا يسعني سوى الموافقة والقول بأن الصلاة هي الأهم وبأن المشاركة ممكنة من بعيد.

ويجب أن يحرص كل زائر للأراضي المقدسة إلا يقوم فقط بزيارة الأماكن المقدسة. فلا بد من زيارة "الحجارة الحية"، لأن الأشخاص هناك يغمرهم فرح شديد عندما يرون أن مسيحيين آخرين قريبون منهم في أفراحهم وأتراحهم، ولأن هذه الجماعات هي حقاً نشيطة على الرغم من كافة العقبات!