بيت لحم، الأربعاء 13 مايو 2009 (Zenit.org).
ننشر في ما يلي كلمة البطريرك فؤاد طوال في ساحة كنيسة المهد:
أيها الأب الأقدس،
باسم إخوتي، أساقفة الأرض المقدسة الكاثوليك، وباسم الكنائس المحلية فيها وباسم كل سكان وحجاج هذه الأرض التي تقدست بميلاد ربنا يسوع المسيح وبحياته وموته وقيامته أرحب بكم اليوم في بيت لحم.
أهلا بكم، أنتم يا من نرى فيكم خليفة القديس بطرس الرسول وقد منحكم السيد المسيح مهمة "تثبيت إخوتكم". أنتم بيننا نعمَ الأب ونعمَ الأخ. وحضوركم هنا اليوم يعني أننا ما زلنا في قلب الكنيسة الجامعة وفكرها؛ حضوركم يعني بأن الكنيسة الكاثوليكية بأجمعها حاضرة الآن معنا ولأجلنا. إن صلاتكم وصلاة الكنيسة سند لنا وتمنحنا مزيدا من الشجاعة وعزيمة جديدة لنخدم الرب في هذه الأرض. هنا على بعد خطوات ولد الرب يسوع المسيح، وصارت كلمة الله بشرا منظورا وافتقد الله شعبه فأصبح اسمه عمانوئيل أي الله معنا؛ ومازال يفتقدنا برحمته كل يوم. في هذه الأرض سمع أفقر القوم وأكثرهم ضعفا رسالة ملائكة الله: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام". إنها رسالة السماء لأجدادنا رعاة بيت لحم. وهذه الرسالة ما زالت تُعلن كل يوم. وإذا كانت هذه هي رسالة الأرض ورسالة بيت لحم للعالم فان رسالتنا ودعوتنا على هذه الأرض المعذبة هي أن نمجد الله وان ننشر السلام. هذه الرسالة هي واجب يومي وتُترجم بالتزام الكنيسة بالسلام والمصالحة ومساندة الفقير وتقوية الضعيف وبث الأمل في اليائسين. ولتتميم هذه الرسالة الخيّرة نحن بحاجة إلى دعمكم وصلاتكم.
أيها الأب الأقدس، هذه الأرض، التي اختارها السيد المسيح ليعيش فيها حتى يخلص العالم، تلتمس السلام والعدل والمصالحة. جراحنا النازفة بحاجة إلى شفاء، والأسرى بحاجة إلى حرية، وقلوبنا بحاجة لأن تتنقّى من الغضب والحقد، وشعبنا بحاجة لأن يعيش في السلام والأمن. إن شعبنا ما زال يتألم، يتألم من الظلم والحرب، وما زالت نتائج حرب غزة المدمرة سبب معاناة للمئات والآلاف من الضحايا، وما زال شعبنا يتألم من الاحتلال وكاد أن يفقد الأمل في مستقبل أفضل.
عندما رحّبنا بسلفكم البابا يوحنا بولس الثاني كنا نعيش فترة تفاؤل وكنا نتوقّع سلاما لم يستتب أبدا. وكثيرون من أبناء هذه الأرض فقدوا الأمل وهاجروا من مسقط رأسهم ليبحثوا عن غدٍ أكثر إشراقاً في دول أخرى. لهذا فان عدد الفلسطينيين ولا سيّما المسيحيين منهم تناقص في السنوات الأخيرة ومازال. وما دمنا لا نجد السلام والطمأنينة، فإني أخشى أن يستمر هذا النزيف. وفي جوّ الغياب المستمرّ للأمن وانعدام الاستقرار السياسي، وبسبب بناء الجدار العازل الذي فصل بيت لحم عن القدس وباقي العالم نحن لا نستطيع أن نجد السلام على أرضنا.
أيها الأب الأقدس، إن سكان بيت لحم والمناطق الفلسطينية أتوا ليرحبوا بكم وليصلّوا معكم، الكاثوليك والمسيحيون من كل الكنائس، إخوتنا المسلمون وممثلو السلطة الوطنية، كلنا حاضرون هنا لنجدد التزامنا بسلام عادل، سلامٍ لكل إنسان ولكل شعب بحيث نتمكن من العيش بكرامة على أرضنا، سلامٍ لكل العائلات بحيث تتحرر من عقدة الخوف على مستقبل أبنائها وأمنهم، سلامٍ للشباب بحيث يعيشون حياة كريمة تتيح لهم أن يبنوا مستقبلهم، سلامٍ يجعلنا نحقق دعوة هذه الأرض لتكون مقدسة فيتمجّد اسم الرب ونعيش في الكرامة والطمأنينة.
نحن واعون لدعوة هذه الأرض بان تكون مفتوحة لكل المؤمنين كي يعبدوا الله فيها ولتكون أرض تناغمٍ وتعايشٍ سلمي، أرضا يشعر فيها كل المؤمنين بإلهٍ واحد أنهم ولدوا فيها (مزمور 87). فلا يحق لأحد الادعاء بأنه يملك هذه الأرض وحده دون عباد الله الآخرين. الله نفسه اختار هذه الأرض المقدّسة ويريد أن يعيش أبناؤه فيها امنين مطمئنين.
يا صاحب القداسة، جئنا هنا نصلي معكم ونسمع صوتكم لآننا نرى فيكم رسول سلام وقائدا روحيا يدافع عن الفقير والمظلوم، أباً وأخاً ينقل رسالة الحب والتضامن.
وأخيرا، نريد أن نؤكد لكم التزامنا بأن نعيش وفقا لما نؤمن وبأن نبلّغ بشرى يسوع المسيح السارة. وأمامكم تجدد الكنيسة الكاثوليكية إيمانها بمخلصنا يسوع المسيح، ومحبتها لله والقريب، ورجاءها في تحقيق مخطط الله الرحيم علينا كلّنا.
فليكن الله مخلصنا معكم، فليقوّكم وليرشدكم في مهمتكم وجهودكم الدؤوبة من أجل السلام والمصالحة.
+ البطريرك فؤاد بطرس الطّوال