اسكتش : الله والعلم؟؟

لقد وصلني هذا الحوار الرائع عن طريق البريد باللغة الانجليزية ولم يعلن الراسل عن هويته او عن هوية كاتب الحوار ، وقد رأيت ان اترجمه الي اللغة العربية لما فيه من فائدة روحية ومنطقية للإجابة عن اسئلة مثل وجود الله ومن اوجد الشر الي اخره. اترككم للتمتع بالنص الذي ربما يصلح ان يكون اسكتش او تمثيلية قصيرة يقوم بها أبناء التربية الدينية ( مدارس الاحد)

الاب متى شفيق

ميلبورن

 

وقف مدرس مادة الفلسفة الملحد صامتا لبرهة من الزمن امام تلاميذ فصله وبعدها سأل أحد تلامذته الجدد أن يقف، قائلا له

المعلم :" أنت مسيحي !! أليس كذلك يا بني؟"

التلميذ: " نعم يا سيدي"

المعلم : إذا انت تؤمن بالله؟

التلميذ: بالطبع

المعلم: فهل الله صالح؟

التلميذ: بالتاكيد، الله صالح.

المعلم: هل الله كلي القدرة؟ يستطيع ان يفعل أي شيء؟

التلميذ: نعم.               

المعلم: وهل انت صالح أم شرير؟

التلميذ: يقول الكتاب المقدس انني خاطئ ( ميال للشر)

صاح المعلم كمن وجد ضالته

المعلم: آهااا …. الكتاب المقدس !!

وفكر المعلم  للحظة  وقال

المعلم : اليك هذا المثل : دعنا نفترض ان شخصا مريضا، هنا هل تستطيع شفاءه؟ إن كنت تستطيع؟ هل ترغب في ذلك؟ هل ستحاول ان تشفيه؟

التلميذ: نعم يا سيدي اتمنى ان اساعده.

المعلم : اذا انت صالح؟

التلميذ : انا لم اقل هذا !

المعلم : ولم لم تقل هذا !! انت ترغب في معاونة شخصا مريضا ومساندة شخصا اذا استطعت؟ لكن الله يستطيع ان يشفيه ولا يريد ان يفعل ذلك!!

لم يجب التلميذ بشيء، فأكمل

المعلم : هو (الله) لن يفعل، أليس كذلك؟ كان أخي مسيحيا ومات مريضا بالسرطان، وبالرغم من صلاته الحارة الي يسوع ليشفيه !! فكيف يكون يسوع هذا طيبا وصالحا؟ أممممممم ….. ؟ هل تستطيع ترد على هذه؟

التزم التلميذ الصمت  … فشرع المعلم يكمل حديثه

المعلم: لا، لا تستطيع، هل ممكن ان ترد؟

التقط المعلّم كوبا ماء من على الطاولة وناول التلميذ ليشرب رشفة ماء فينال قسطا من الهدوء.

المعلم: دعونا نبدء مرة اخرى … قل لي ايها الشاب … هل الله طيب وصالح؟

التلميذ : نعم يا سيدي .

المعلم: هل الشيطان : طيب وصالح؟

أجاب التلميذ بلا تردد هذه المرة

التلميذ: لا.

المعلم: من اين اتى الشيطان؟

اضاف التلميذ : من الله ؟

المعلم: هذا صحيح. الله خلق الشيطان. أليس كذلك؟ قل لي يا بني. هل يوجد شر في هذا العالم؟

التلميذ : نعم يوجد يا سيدي.

المعلم: الشر في كل مكان، اليس كذلك؟ أليس الله خلق كل شيء حسن؟

التلميذ: نعم

المعلم: لو ان الله خلق كل شيء، فهذا يعني ان الله خلق الشر. منذ وجود الشر.  من المعروف أن اعمالنا تعبر عن هويتنا …. بناء عليه: الله شرير؟

ولمرة اخرى لم يجب التلميذ بشيء

المعلم : هل هناك مرض؟ قبح؟  كل هذ الاشياء، هل هي موجودة في هذا العالم؟

التلميذ : نعم

سال المعلم: من خلقهم اذا؟

ولم يجب التلميذ ايضا. فأعاد المعلم سؤاله

المعلم: من خلقهم؟

ولم تكن هناك اجابة. فجأة توجّه المعلم الي الصف الامامي من الفصل. وقد امتلا الفصل بالضجيج والهمهمة.

قال المعلم لتلميذ أخر (التلميذ2)

المعلم: قل لي ؟ هل تؤمن بيسوع المسيح يا بني؟

الصوت التلميذ ينم عن توتره

التلميذ2:  نعم يا سيدي انا اؤمن به

 المعلم يقاطعه بسرعة

المعلم : يقول العلم أن لك خمس حواس تستخدمها لتعرف وتمييز العالم حولك … فهل رايت يسوع ؟

التلميذ2 : لا يا سيدي لم اره قط؟

المعلم : اخبرنا ان كنت قد سمعت يسوعك مرة!!

التلميذ2 : لا يا سيدي لم اسمعه.

المعلم : هل لمست يسوعك، تذوقت يسوعك او شممته؟ هل من مرة ادركت يسوع المسيح او لله ادراكا حسيّاً ؟

التلميذ2 : لا يا سيدي لم يحدث

المعلم : ولا زلت تؤمن به؟

التلميذ2 : نعم

المعلم : وفقا لقوانين التجربة والاختبار و الثوابت المتفق عليها يقول العلم ان إلهك غير موجود؟ ما قولك في هذا يا بني ؟

التلميذ2 : لا شيء. لدي فقط إيماني.

المعلم مرددا : نعم، الايمان، تلك هي مشكلة العلم مع الله. لا توجد ادله،… فقط إيمان!

وقف التلميذ هادئا للحظة ليخرج بسؤال لمعلمه:

التلميذ2: قل لي يا معلم، هل يوجد شيء هو حرارة ؟

المعلم : نعم

التلميذ2 : وثمة شيء اخر هو برودة ؟

المعلم : نعم يا بني هناك برودة ايضا؟

التلميذ2 : لا يا سيدي ’ لا يوجد.

التفت المعلم الي التلميذ باندهاش… وعمّ السكون الغرفة فجأة

فبدأ التلميذ يوضح

التلميذ 2: يمكنك الحصول على الكثير من الحرارة، حرارة مرتفعة، حرارة سوبر، حرارة ميجا، الي ان تصل الي حرارة غير محدودة، او حرارة عادية، حرارة ضعيفة، او لا حرارة بالمرة. فما من شيء عندنا ندعوه "برودة ". يمكنك التسخين حتى 458 درجة مئوية تحت الصفر، حيث لا توجد حرارة ولا يمكننا الذهاب لابعد من هذا. فلا يوجد شيء يدعى برودة، وإلا لكنا قادرين على الذهاب لما هو أبرد من  458 درجة مئوية. فكل شخص او شيء يكون عرضة للدراسة عندما يحوي او ينقل الطاقة، والحرارة هي التي تجعل الجسم او الشيء يحوي او ينقل الطاقة. الصفر المطلق (_458f) هو نتيجة غياب الحرارة. كما ترى يا سيدي البرودة هي مجرد كلمة نستخدمها لوصف غياب الحرارة. نحن لا نستطيع ان نقيس البرودة. بينما نستطيع قياس الحرارة بوحدات القياس لان الحرارة طاقة. البرودة ليست عكس الحرارة يا سيدي، بل هي مجرد غيابها .

سادت السكينة على الفصل. سقط قلم في الفصل فاحدث صوتا وكانه المطرقة.

التلميذ2: وماذا عن الظلام يا سيدي، هل يوجد شيء يسمى ظلام ؟

المعلم : نعم، فما يكون الليل ان لم تكن هناك ظلمة؟

التلميذ2 : انت مخطأ ثانية يا سيدي، الظلام ليس شيء بل هو غياب شيء. من الممكن ان تحصل على اضاءة ضعيفة او نور عادي او نور متالق، او نور ساطع ولكن اذا كان عندك ( لا نور) فاذا انت عندك( لا شيء ) ذاك الذي ندعوه ظلام، اليس كذلك؟ ونحن نستخدم هذا المصطلح لتعريف العالم. في الواقع، الظلام غير كائن. ولو كان هناك ظلام لكنت تستطيع ان تجعل الظلام حالكا او اكثر سوادا، اليس كذلك؟

ابتدأ المعلم يبتسم في وجه التلميذ الذي أمامه. ستكون مناظرة جيدة

المعلم : الي ماذا ترمي ايها الشاب؟ ما هي اطروحتك؟

التلميذ2 : نعم يا سيدي. نقطتي هي، ان المقدمات والفرضيات الفلسفية التي انطلقت منها كاذبة وباطلة ولا تصلح للبتداء بها او الانطلاق منها. لذا فالنتيجة التي توصلت اليها هي ايضا تصير كاذبة و باطلة.

لم يستطع المعلم ان يخفي دهشته هذه المرة وقال

المعلم: باطلة ؟ هل تستطيع ان توضح كيف؟

التلميذ2:لقد بنيت استنتاجك على فرض وجود ثنائية.

واضاف التلميذ موضحا،

لقد قام جدلك على وجود حياة وبالتالي وجود موت، إله صالح واله شرير. انت تنطلق من ان الله شيئ محدود، شيء  يمكن قياسه !

سيدي، تعجز العلوم عن ان تشرح الفكر . انها تستخدم الطاقة الكهربائية والمغنطيسية ولكنها- أي العلوم –  لم يسبق لها ان رأت فكرة واحدة ، متغاضين عن مطالبة العلوم بالفهم الكامل للافكار !!

عندما ننظر الي الموت على انه عكس الحياة؛ تصبح نظرتنا هذه تجاهل للحقيقة فالموت لا وجود له كشيء موضوعي. الموت ليس هو عكس الحياة، انه مجرد غيابها.

والآن أخبرني يا معلم، هل تعلم تلاميذك انهم انحدورا من القردة ؟

المعلم : ان كنت ايها الشاب  تشير الي نظرية التطور الطبيعي، نعم بكل تاكيد اعلمهم.

التلميذ2 : هل تابعت التطور بعينيك، سيدي؟

المعلم وقد بدأ يحك راسه والابتسامة على وجهه وقد ادرك الي اين يتجه الجدال. انها حقا مناظرة رائعة.

التلميذ2 : حيث ان لا احد تابع عملية التطور اثناء عملها وانها كنظرية ما زالت محل البحث، ألا تعتقد انك تعلم رأيك أنت، يا سيدي ؟ وهل انت الآن لست برجل علم بل واعظ؟

ماج الفصل بالضجيج، انتظر التلميذ الي ان هدء الهرج والمرج

التلميذ2:لاستكمال النقطة التي سبق وان بداتها مع التلميذ الاخر، دعني اعطيك مثالا لمااعنيه.

 وتلفت التلميذ في انحاء الغرفة. وسال

التلميذ2: هل يوجد هنا من قد سبق فراى عقل المعلم ؟

انفجر التلاميذ ضاحكين.

التلميذ2: هل يوجد هنا من سمع عقل المعلم او شعر بعقل المعلم، او لمسه او شمّ عقل المعلم؟ يبدو ان ما من احد قد حظى بذلك!

 اذا طبقا للقواعد التجريبية المستقرة، والمعارف الثابتة، يقول العلم انك يا سيدي لا عقل لك، مع كل احترامي. واذ قال العلم بان لا عقل لك، فكيف يمكننا ان نثق في محاضراتك يا سيدي؟

عاد الصمت من جديد الي الغرفة. المدرس يحدق في التلميذ ووجهه غير مقروء

اخيرا، وبعد تلك اللحظات التي بدن كدهر، اجاب المعلم

المعلم: يهيأ لي انك تطمح لان تدعو باقي التلاميذ الي الإيمان.

التلميذ2 : الآن ان تقبل بان هناك إيمان و في الحقيقة الإيمان موجود مع الحياة.

واستطرد

التلميذ2: الان يا سيدي، هل هناك شيء بعينه هو شر؟

الان وبلا تردد اجاب المعلم

المعلم : بالطبع يوجد؟ نحن نراه كل يوم. انه في المثال اليومي لانسانية الانسان. انه متوافر في  الجريمة والعنف في كل مكان في العالم. هذه الظواهر ما هي الا شر.

عندئذ اجاب التلميذ

التلميذ2: الشر لا وجود له سيدي. على الاقل ليس له وجود في ذاته. فالشر رمز لغياب الله. انه كالظلام والبرودة، انه كلمة اوجدها الانسان ليصف غياب الله. لم يخلق الله الشر. جاء الشر نتيجة لما يحدث، عندما لا يكون حب الله حاضرا في قلب الانسان. انه مثل البرودة التي تاتي عندما تغيب الحرارة، ومثل الظلام الذي ياتي متى غاب النور.

 

وفجأة دق الجرس ، ليعلن المعلم عن استكمال المناظرة في وقت لاحق

 

ترجمة الأب متى شفيق – ميلبورن