اليونسكو: تربية الشباب في إفريقيا

"مرحلة المراهقة هي مرحلة التقدم"، وفقاً للمونسنيور فولو

روما، الثلاثاء 26 مايو 2009 (Zenit.org)

يقترح المونسنيور فولو تركيز تربية المراهقين على ثقافة "الفضائل" لأن "مرحلة المراهقة هي مرحلة التقدم"، "مرحلة صعبة في التربية تتطلب صفات الدعم ورباطة الجأش، إلى جانب صفات تربوية أساسية".

ننشر في ما يلي المداخلة التي قام بها المونسنيور فرنشيسكو فولو، مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى اليونسكو في باريس، في 25 أبريل 2009، خلال الدورة الـ 181 للمجلس التنفيذي التابع لليونسكو، خلال "النقاش الموضوعي حول النقطة 46": "دور اليونسكو كالمنظمة المتصدرة والمنسقة للمؤسسات الشريكة للتربية للجميع، الأهمية الخاصة المعطاة لتقدم التربية للجميع في إفريقيا".

ويشير المونسنيور فولو إلى أن "التنشئة المقترحة يمكن أن تكون التنشئة على الفضائل، النزعات الاعتيادية والثابتة إلى عمل الخير. الفضيلة هي هذه القدرة الشخصية على العمل، القدرة على التقدم والإصلاح. وعندما تتطور التنشئة تسمح للمراهق بالانتقال في نهاية المرحلة إلى سن الرشد، سن النضج. وكما يقول الوحي المسيحي، لا بد لنا من الانتقال من الوصايا إلى شريعة المسيح التي ليست عبئاً وإنما درب نمو وسعادة وكمال".

ننشر الجزء الثاني من المداخلات التي قام بها المونسنيور فولو في اليونسكو خلال شهر أبريل الفائت. وقد نشرنا الجزء الأول في وقت سابق من هذا الشهر بعنوان "التربية والتقارب بين الثقافات" بمناسبة إعداد "السنة الدولية لتقارب الثقافات".

***

سيدي الرئيس،

أصحاب السعادة،

سيداتي وسادتي،

لا يسع الكرسي الرسولي إلا أن يفرح بالتطورات السريعة التي تحققت بخاصة في إفريقيا في مجال تربية الشباب. إنه يشاطركم اهتماماتكم الواردة في النقطة 46 من جدول الأعمال، والتي تنص على ضرورة مواصلة هذه الجهود للشعوب الأكثر فقراً والأكثر حرماناً.

والمسألة مزدوجة: فمن جهة إعداد المعلمين ووضع برامج ومناهج ملائمة، ومن جهة ثانية الاستثمار إلى جانب العائلات، وبخاصة إلى جانب الأطفال والمراهقين الذين يجب أن ننضم إليهم.

يشير التقرير إلى التفاوت بين الذكور والإناث.

يتمنى الكرسي الرسولي في هذه المداخلة الموجزة التشديد على نقطتين.

النقطة الأولى تقوم على أهمية تنشئة الأطفال على مستوى التعليم الابتدائي.

إن الطفولة هي مرحلة الأسس. إنها التمرن على "نظام حياة" قائم على هذه القواعد المتمثلة في القوانين الأخلاقية. ونعني بالنظام علاقة التلميذ مع المعلم. ويتضمن مشاركة المعرفة لا بل أيضاً تنشئة العقل والإرادة. ولا يتقلص إلى علاقة إرادة تحكمها قوة السلطة المجبرة.

ينبغي على المعلم أن يكون في خدمة النمو. ويجب على الطفل أن يتعلم حدود بعض الأفعال. إذاً فالقانون سيعلمه. إن لم يتلق هذه التربية الأولية، يشعر بأنه سيد الموقف وبالتالي سيفرض قانونه مما يشكل المصدر الرئيسي لعنف الشباب الذي نشهده مع الأسف! إن الطفل الذي لا يعيش علاقة ثقة والذي لا يجد مرشداً له، يجد نفسه وحيداً فينغلق على نفسه وراء جدران الخوف والقلق. ويفقد الاتصال مع الواقع فيلجأ إلى الكذب للعيش وأحياناً للبقاء على قيد الحياة. الحقيقة الوحيدة لهؤلاء الأطفال هي الحقيقة التي يخترعونها. وكما ذكر البابا بندكتس السادس عشر في رسالته إلى أبرشية روما: "إن التربية التي تقتصر على تقديم المفاهيم والمعلومات وتغض النظر عن المسألة الكبيرة المتعلقة بالحقيقة، بخاصة هذه الحقيقة المرشدة في حياتنا، تكون تربية ركيكة جداً" (بندكتس السادس عشر، رسالة إلى أبرشية روما، 21 يناير 2008).

من هنا نفهم تحطيم بعض الشباب الذي يؤدي إلى العنف الذي نشهده في بلداننا المتطورة.

المدرسة، إلى جانب المعرفة، هي المكان الأول للتدامج الاجتماعي. ففيها نتعلم العيش في جماعات، واحترام الآخر والإصغاء إليه، والمشاركة، وغيرها. إنها أيضاً مكان التنشئة على الاستقلال الذاتي.

تذكرنا الكتابات بأن التربية الإلهية تبدأ بالوصايا التي تتقدمها وصية المحبة. وقد أعطيت النواهي والواجبات لتنمية هذه المحبة التي يحملها كل إنسان فيه.

والدخول إلى الثانوية يتطابق مع سن المراهقة، المرحلة الثانية من التنشئة الشاملة للشباب. يظهر التقرير أنه ينبغي علينا بذل الجهود لكيما يتمكن التلاميذ في نهاية المرحلة الإبتدائية من الانتقال إلى الدراسات الثانوية.

هذه المرحلة من المراهقة هي مرحلة التقدم. وهي مرحلة صعبة في التربية تتطلب صفات الدعم وضبط النفس، إلى جانب صفات تربوية أساسية.

وكما كان يقول المربي الكبير دون بوسكو: "يجب ألا يكون الشباب محبوبين فقط، وإنما يجب أن يدركوا أيضاً أنهم محبوبون". وقد ذكر الأب الأقدس في كلمته إلى السالسيين باحتياجات الشباب الملحة قائلاً: "للشباب رغبات كبيرة في حياة مطلقة، ومحبة حقيقية، وحرية بناءة، إلا أن توقعاتهم كثيراً ما تخيب مع الأسف فلا يتوصلون إلى تحقيقها. من الضروري أن نساعد الشباب في تنمية الموارد التي يملكونها كالحيوية والرغبة الإيجابية، وفي إعطائهم اقتراحات مفعمة بالإنسانية والقيم الإنجيلية، وفي حثهم على الانخراط في المجتمع ولعب دور فعال فيه من خلال العمل والمشاركة والالتزام من أجل الخير العام" (بندكتس السادس عشر، رسالة إلى أبرشية روما، 21 يناير 2008).

إن التنشئة المقترحة يمكن أن تكون التنشئة على الفضائل، النزعات الاعتيادية والثابتة إلى عمل الخير. الفضيلة هي هذه القدرة الشخصية على العمل، القدرة على التقدم والإصلاح. وعندما تتطور التنشئة تسمح للمراهق بالانتقال في نهاية المرحلة إلى سن الرشد، سن النضج. وكما يقول الوحي المسيحي، لا بد لنا من الانتقال من الوصايا إلى شريعة المسيح التي ليست عبئاً وإنما درب نمو وسعادة وكمال.

وهنا تكمن أهمية الدراسات الثانوية لأنها تتمم عملية التنشئة.

أما النقطة الثانية التي يرغب الكرسي الرسولي في التشديد عليها فهي نقطة الاختلاط. ففي البلدان المتطورة، انتقلنا إلى الاختلاط ومنذ ذلك الحين لم يتم التفكير ملياً في هذه التجربة. لقد فرضت التغييرات بسبب احتياجات متعددة، من دون أخذ احتياجات الشباب بالاعتبار.

فلنجرؤ على التأكيد على الاختلاف الجنسي الذي يفترض المساواة بين الجنسين وتنشئة مختلفة أقله على مستوى الثانوية. لذلك، لا يسعنا إلا الموافقة على هذا التقرير الذي يذكر بأن الفتيات يجدن صعوبة أكبر في الحصول على التربية وأن الكرسي الرسولي لا يسعه سوى تشجيع الجهود التي ستسمح بالمساواة في الحصول على التربية.

انطلاقاً من سفر التكوين، نؤكد على أن المرأة والرجل يتمتعان بهبات مكملة. هناك عبقرية خاصة بالمرأة وأخرى خاصة بالرجل، وهذه ليست مسألة عدم مساواة!

إن الرجل يعيش مرحلة إنتاج، مرحلة فعالية.

والمرأة من جهتها تعيش مرحلة حيوية، زمن نضج بطيء وعميق، زمن خصوبة.

إن الذكور والإناث لا يعيشون النظام عينه.

هناك قيم ذكورية كالخيال والخلق والرزانة والوساطة، وقيم أنثوية كالواقعية والحضور والانتباه والاستمرارية والثبات والتواصل.

هذا لا يعني أن هذه القيم حكر على جنس معين، ولكن يجب علينا أن ننمي هذه القيم لدى الجنسين فيكتسبها الجنسان من بعضهما البعض. ويجب على الممارسة التربوية أن تشجع قبول الهوية الجنسية لكيما يتمكن الذكور والإناث من القيام بدعوتهم والتعبير عنها بصدق.

إن المجتمع أو الثقافة اللذين يحرمان الفتاة من التربية يحرمان من هذه القيم الأساسية. وقد كرر مجمع التربية الكاثوليكية هذه الفكرة بمعنى آخر: "في سياق العولمة، لا بد من تنشئة أشخاص قادرين على احترام هوية الآخرين وثقافتهم وتاريخهم وديانتهم وبخاصة آلامهم واحتياجاتهم، مدركين "أننا جميعاً مسؤولون عن الجميع" (مجمع التربية الكاثوليكية: التربية معاً في المدرسة الكاثوليكية، 8 سبتمبر 2007 نقلاً عن يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة الاهتمام بالشأن الاجتماعي، Sollicitudo rei socialis، رقم 38. ديسمبر 1987).

يسر الكرسي الرسولي أن يشارك في هذه المهمة الرائعة، مشاركاً تجربة الكنيسة المعلمة، المؤسسة على تقاليد متنوعة أثبتت نفسها في أوقات محددة من التاريخ.

المونسنيور فرنشيسكو فولو، 2009.