عظة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير

 

الديمان، الأحد 6 سبتمبر 2009  (Zenit.org).

ننشر في ما يلي العظة التي تلاها البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير أثناء القداس الاحتفالي الذي ترأسه في الصرح البطريركي في الديمان.

* * *

"من يعترف بي امام الناس، اعترف به امام ملائكة الله" (لو 12:8-9)

اجل ان كل هذه العبارات المتعلقة بمستقبل ابن الانسان لا يعتبرها النقاد عبارات صحيحة ليسوع. هناك نصان من هذه المجموعة فقط في النص الذي يعطيه عنه لوقا، يضعها على الاقل قسم من التفسير الدقيق، في عداد كلمات يسوع الصحيحة، تلك التي تعتبر انه "قادر عليها". اليكم اول نص: "اقول لكم:من اعترف بي امام الناس، يعترف به ابن الانسان امام ملائكة الله، ولكن من انكرني امام الناس، انكره امام ابي الذي في السماوات". ونجد النص الثاني من الفصل السابع عشر من الفقرة 24 الى الفقرة 25 وهو يقول: "كما ان البرق يومض في افق ويتألق في آخر، فكذلك يكون مجيء ابن الانسان في يومه، ولكن يجب عليه قبل كل ذلك ان يعاني الاما شديدة وان يرذله هذا الجيل". واذا كانت هذه النصوص تجد رحمة لدى النقد، ذلك انها تبدو انها تميز بين ابن الانسان ويسوع. وخاصة في الاول، ان ابن الانسان لا يكون ظاهرا متماهيا مع يسوع الذي يعبر عن ذاته.

ويجب القول، عند هذه النقطة، في كل حال، ليس هكذا فهم ذلك اقدم التقليد. وفي نص مرقس الموازي للفصل الثامن الفقرة الثامنة والثلاثين يقول: "من يستحي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطىء يستحي به ابن الانسان، متى جاء في مجد ابيه تواكبه الملائكة الاطهار". ان التماهي لم يعلن عنه بوضوح، ولكن تركيب الجملة لا يجيز رفضه، لكن اذا كانت العبارة "ابن الانسان" غائبة في نص متى، فان الهوية بين يسوع الارضي والديان المقبل ليست اكثر وضوحا: "ولكن من ينكرني امام الناس، انكره امام ابي الذي في السماوات". ولكن حتى في نص لوقا، فالهوية واضحة تمام الوضوح، اذا ذهبنا من اتجاه المحتوى العام. من وجه التأكيد، ان يسوع يتكلم بلجوئه الى صيغة اللغز الخاصة به، والتي تترك للسامع عناية القيام بآخر خطوة ليفهم. ولكن التماهي الوظيفي الناتج عن الموازاة بين الاعتراف بالايمان والجحود، الان وفي الدينونة امام يسوع وامام ابن الانسان، لا معنى له الا على اساس الهوية الكيانية.

ان قضاة المجمع فهموا يسوع جيدا، ويسوع لم يصلح خطأهم في حين كان بامكانه ان يقول: "انكم تسيؤون فهمي، ان ابن الانسان الذي سيأتي هو شخص اخر. والوحدة الداخلية بين اخلاء ذاته الذي عاشها يسوع ومجيئه في المجد هو موضوع عمل يسوع الثابت وكلمته، وجدته الحقيقية، وهذا "ما هو من يسوع حقا"، وهذا لم يخترع ويشكل اذن الخصوصية الخاصة بصورته وكلماته. وان مختلف النصوص تشكل جزءا من هذا الاطار، ولا نفهمها فهما جيدا اذا جردت منه. وأكثر من الفقرات 8 و 9 من الفصل 12 من لوقا التي تشكل ولا شك خير نقطة انطلاق لمثل هذه العملية، فان في النص الثاني (لو17 و 24 وما يليه) يتوثق الرابط بوضوح كبير. ان ابن الانسان لا يأتي هنا أو هناك، ولكنه كالبرق يلمع ويضيء الافق للجميع من الطرف الى الطرف الآخر بحيث ان عيون الجميع تحدق به هو الذي طعن بالحرية. ولكن قبل ذلك، انه هو بما أنه ابن الانسان، عليه أن يتحمل الاما كثيرة ورفضا كثيرا. ولا سبيل الى الفصل بين نبؤة الآلام واعلان المجد. واوضح ان الاثنين هما ثمرة شخص واحد، هو الشخص الذي يسلك الآن الطريق الى آلامه عندما يلفظ هذه الكلمات.

عندما يتكلم يسوع عن نشاطه الحاضر، فان لكلماته ايضا هذين المظهرين. لقد علقنا يايجاز على الصيغة التي بموجبها يعتبر ان ابن الانسان هو رب السبت. ويظهر هذا المقطع جيدا ما يذكره مرقس هكذا في موضع آخر: "فدهشوا لتعليمه، لكنه كان يعلمهم مثل من له سلطان، لا مثل الكتبة. ووقف هو عينه في جانب المشترع، الله فهو ليس بشارح ومفسر، انه معلم ورب.

يعزو يسوع هذا السلطان وهذه القدرة الى "ابن الانسان"، فهو يدعي لنفسه كرامة مساوية لكرامة الله والقدرة على العمل بمقتضاها. وبعد مغفرة الخطايا فقط جاءت الكلمة المرتجاة: "لكي تعرفوا ان لابن الانسان القدرة على مغفرة الخطايا على الارض، أقول لك، قال للمخلع: " قم فاحمل فراشك واذهب الى بيتك" . وهذا الادعاء هو ما قاد الى الآلام وبهذا المعنى، ان كلمات يسوع السلطوية موجهة الى الآلام.

ولنأت الآن الى مجموعة الكلمات الثالثة عن آلامة التي ترافق نص يسوع وطريقه، تعلن بدقة متزايدة قدره المستقبلي والضرورة الملازمة لهذا القدر. وهي تجد مركز ثقلها الداخلي وذروتها في الجملة التي تتبع ثالث اعلان عن الآلام والخطاب عن الرؤساء والخدام الذين هم جزء منهم:" لان ابن الانسان لم يأت ليخدم وليبذل حياته فدى عن الكثيرين".

ومع استعادة كلمة مأخوذة من اناشيد الخادم المتألم. انه وجه آخر لتقليد العهد القديم الذي اندمج هنا في صورة ابن الانسان، يسوع، الذي يتماهى، من جهة، مع قاضي الدينونة الاخيرة، يتماهى هنا مع الخادم المتألم والمائت الذي تبينه النبي في اناشيده. وهكذا تبدو وحدة الآلام "والارتفاع"، الانحدار والمجد. الخدمة هي الطريقة الصحيحة للملك وتجعلنا نشعر بشيء عن الطريقة التي يكون الله معها سيدا "بسيادة الله". في الآلام والموت، تصبح حياة ابن الانسان تماما "وجودا من اجل"، ويصبح المحرر والمخلص " للكثيرين" وليس فقط لاولاد اسرائيل المشتتين، ولكن بوجه عام لابناء الله المشتتين للبشرية وهو بموته "لاجل كثيرين"، اجتاز حدود الفضاء والزمن، وتمت كونية رسالته.

كان اقدم شرح للكتاب المقدس على حق عندما اعتبر الاندماج بين الرؤيا التي رآها دانيال عن ابن الانسان الآتي والصور التي نقلها آشعيا عن الخادم المتألم كجدة بحد ذاتها وكخاصة عن مفهوم ابن الانسان المتعلقة بيسوع، وحتى قلب المفهوم الذي اكتنهه عن نفسه.

وعلينا مع ذلك ان نضيف ان مختصر تقاليد العهد القديم التي أتمها يسوع في صورة ابن الانسان هي اوسع وتجمع اطيافا اخرى من هذه التقاليد.

ان جواب يسوع عندما سألوه اذا كان هو المسيح، ابن الله المبارك، يظهر الفصل السابع من كتاب دانيال والمزمور 110 (1009): يسوع يعتبر نفسه انه هو الجالس عن "يمين الله" كما يعلن عن ذلك مزمور الملك الكاهن المقبل. وبعدئذ ان الاعلان الثالث عن الآلام بالعبارات التي تشير الى رذل الكتبة والقدماء وكبار الكهنة ابن الانسان يلتحق بالمزمور 117 (118): ان كلمة الحجر الذي رذله البناؤون، اصبح حجر الزاوية (22:117): وهكذا تقوم علاقة بين مثل الكرامين القتلة الذي يستعمل فيه الرب هذه الكلمات لينبىء نبذه وقيامته، ومستقبل الجماعة الجديدة. والرابطة بالمثل تظهر ايضا التماهي بين "ابن الانسان" و"الابن المحبوب". وفي النهاية، ان مجرى الادب الحكمي حاضر ايضا: الفصل الثاني من سفر الحكمة يسرد عداوة الكفرة للابرار:" ويتباهى بان الله ابوه. فانه ان كان الصديق ابن الله فهو ينصره.. ولنقض عليه باقبح ميتة". فولكر هامبل يعتقد ان كلمة يسوع عن الفدية لا تأتى من الفصل 53 فقرة 1- – 12 من كتاب آشعيا، بل من الفصل 21 فقرة 18 من الامثال ومن الفصل 43 فقرة 3 من آشعيا، وهذا ما يبدو لي غير محتمل المرجع الحقيقي، وهو يبقى الفصل 53 من آشعيا، فيما تظهر غير نصوص ببساطة ان هناك حقل مراجع واسع لهذه الرؤيا الاساسية.

لقد عاش يسوع بالاعتماد على الشريعة والانبياء في مجملهم، كما كان لا يفتأ يردد ذلك على تلاميذه. وقد اعتبر طبيعته ونشاطه كاتحاد هذا المجموع وشرحه. وسيعرب يوحنا عن هذه الفكرة في مقدمة انجيله: يسوع عينه هو "الكلمة". وكل مواعيد الله قد وجدت "نعمها" في شخصه، يعلق بولس وان ما اعطينا في عبارة الابن الانسان، وما فيها من لغز، انما هو اصالة صورة يسوع الاولى، ورسالته، وكيانه. ان آت من الله، وهو الله، ولكنه هكذا، باتخاذه الطبيعة البشرية، جاء بالبشرية الحقيقية.

ان محاولة فهم الله كما هو هي محاولة في غير محلها، ذلك ان الله هو عصي على الافهام غير اننا ندرك ما ليس هو الله. ولنسأله ان يقوي ايماننا به واتكالنا عليه.

ان التباطؤ في تشكيل الحكومة ليس بدليل عافية، والبلد في حاجة الى من يتولى ادارة شؤونه، وتلبية حاجات الشعب. ومثول لبنان امام الامم المتحدة للاشتراك في اعمالها، وهو دون حكومة، وليس مدعاة افتخار.