كلمة بندكتس السادس عشر للأساقفة المرسومين خلال السنة الفائتة

في لقاء مجمعي الأساقفة والكنائس الشرقية

حاضرة الفاتيكان، الثلاثاء 22 سبتمبر 2009 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها بندكتس السادس عشر خلال استقباله في كاستل غاندولفو الأساقفة الذين سيموا في غضون الأشهر الـ 12 الأخيرة والذين شاركوا في اللقاء المنعقد برعاية مجمعي الأساقفة والكنائس الشرقية.

***

إخوتي الأعزاء في الأسقفية!

أشكركم من كل قلبي على زيارتكم في إطار المؤتمر المنعقد برعاية الأساقفة الذين باشروا خدمتهم الرعوية منذ فترة قصيرة. إن أيام التأمل والصلاة والاطلاع تشكل بحق فرصة مؤاتية لمساعدتكم أيها الإخوة الأعزاء على الاعتياد بشكل أفضل على المهمات التي تدعون إلى القيام بها كرعاة جماعات أبرشية. كما أنها أيام تعايش ودي تعتبر تجربة فريدة لهذين المجمعين اللذين يضمان جميع الأساقفة في هيئة رسولية واحدة مع خليفة بطرس "أساس الوحدة السرمدي والظاهر" (نور الأمم، 23). أشكر الكاردينال جيوفاني باتيستا، رئيس مجمع الأساقفة على الكلمات الطيبة التي وجهها لي باسمكم. كذلك أحيي الكاردينال ليوناردو ساندري، رئيس مجمع الكنائس الشرقية معبراً له عن شكري لمختلف الهيئات المتعاونة في تنظيم هذا اللقاء السنوي.

يندرج مؤتمركم هذه السنة في إطار السنة الكهنوتية التي تم إعلانها بمناسبة الذكرى المئة والخمسين لوفاة القديس جان ماري فياني. كما كتبت في الرسالة التي وجهتها بالمناسبة إلى جميع الكهنة. ترمي هذه السنة المميزة "إلى الإسهام في تعزيز الالتزام بالتجديد الروحي لجميع الكهنة من أجل شهادة إنجيلية أكثر قوة وحسماً في العالم المعاصر". إن الاقتداء بيسوع الراعي الصالح يمثل لكل كاهن الطريق الملزم للتقديس والشرط الأساسي لممارسة الخدمة الرعوية بطريقة مسؤولة. وإن كان هذا الأمر ينطبق على الكهنة، فإنه ينطبق علينا نحن أيضاً، أيها الإخوة الأساقفة. من المهم ألا ننسى أن إحدى مهمات الأسقف الأساسية تقوم على مساعدة الكهنة على استكمال دعوتهم بأمانة والعمل بحماسة ومحبة في كرم الرب، وذلك من خلال تقديم القدوة والدعم الأخوي لهم.

بهذا الخصوص، لاحظ سلفي الحبيب يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الصادر ما بعد السينودس "رعاة القطيع" أن الحركة التي يقوم بها الكاهن خلال وضع يديه بيدي الأسقف يوم سيامته الكهنوتية تلزم الاثنين معاً: الكاهن والأسقف. يختار الكاهن الجديد الوثوق بالأسقف الذي يقوم من جهته بحفظ هاتين اليدين (رقم 47). إنها مهمة رائعة تشكل للأسقف مسؤولية أبوية في حفظ وتعزيز الهوية الكهنوتية للكهنة الموكلين إلى عنايته الرعوية، هوية نراها اليوم خاضعة مع الأسف لمحنة صعبة بفعل العلمنة المتزايدة. لذلك، – وحسبما يتابع الإرشاد الرسولي – يسعى الأسقف دوماً إلى "التصرف مع كهنته كأب وأخ يحبهم ويرحب بهم ويصحح أخطاءهم ويعزيهم ويسعى إلى مساعدتهم ويعتني قدر المستطاع براحتهم البشرية والروحية والكهنوتية والاقتصادية" (المرجع عينه، 47).

بنوع خاص، يدعى الأسقف إلى تنمية الحياة الروحية في الكهنة فيعزز فيهم التناغم بين الصلاة والرسالة، والاقتداء بيسوع والرسل الذين دعاهم أولاً "ليلازموه" (مر 3، 14). أما أحد الشروط الأساسية لحمل ثمار الخير فإنه يتمثل في استمرار الكهنة في الاتحاد بالرب. هنا يكمن سر خصب خدمته: فهو لا يحمل ثماراً إلا إن اتحد بالمسيح، الكرمة الحقيقية. اليوم تشتمل رسالة الكاهن والأسقف على عمل كثير يشغله بالكامل. تتزايد المصاعب وتتضاعف الواجبات لأننا أمام وقائع جديدة واحتياجات رعوية متنامية. مع ذلك، فإن الاهتمام بالمشاكل اليومية والمبادرات الهادفة إلى إرشاد البشر على طريق الله يجب ألا يصرفنا أبداً عن الاتحاد الودي والشخصي مع المسيح. كما أن خدمة الناس يجب ألا تقلص أو تعكر استعدادنا تجاه الرب. فالوقت الذي يخصصه الكاهن والأسقف لله في الصلاة هو دوماً الوقت الأكثر إفادة لأن الصلاة هي جوهر النشاط الرعوي، "المادة الليمفاوية" التي تمنحه القوة، والدعم في أوقات الشك ومنهل الحماسة التبشيرية والمحبة الأخوية الذي لا ينضب.

في قلب الحياة الكهنوتية، يوجد سر الافخارستيا. وفي الإرشاد الرسولي "سر المحبة"، أشرت إلى أن "القداس الإلهي تكويني بكل معنى الكلمة لأنه يعزز الامتثال للمسيح ويرسخ الكاهن في دعوته" (رقم 80). فلينر الاحتفال الافخارستي مساركم ومسار كهنتكم، فيجزل فيض نعمه في الأوقات الحزينة أو السعيدة، العصيبة أو الهادئة، أوقات العمل والتأمل. أما الطريقة المميزة لاستكمال عمل الافخارستيا السري المقدس فإنها تكمن في تلاوة ليتورجيا الساعات والسجود الافخارستي والقراءة الإلهية وصلاة الوردية. يعلمنا خوري آرس القديس قيمة علاقة الكاهن بالقداس وتنشئة المؤمنين في الحضور الإفخارستي والشركة. بالكلمة والأسرار – حسبما ذكرت في الرسالة إلى الكهنة – شيد القديس جان ماري فياني بلدته. قال له النائب العام لأبرشية بيلي في زمن تعيينه كخادم رعية آرس: "إن محبة الله ليست كبيرة في هذه الرعية، ولكنكم أنتم الذين ستنشرونها فيها!". هكذا تبدلت تلك الرعية.

أيها الأساقفة الجدد الأعزاء، أشكركم على الخدمة التي تؤدونها للكنيسة بتفانٍ ومحبة. أحييكم بحرارة وأؤكد لكم على دعمي الدائم وصلاتي "لتنطلقوا وتنتجوا ثمراً ويدوم ثمركم" (يو 15، 16). عن هذه النية، أطلب شفاعة مريم سلطانة الرسل وأمنحكم بركتي الرسولية مع كهنتكم وجماعاتكم الأبرشية. 

ترجمة وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)   

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2009