عندما يلبس الانتحار قناعًا حضاريًا وينتحل اسمًا رحيمًا

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الخميس 5 نوفمبر 2009 (Zenit.org).

أطرح على طاولة النقاش مسألة "الموت الرحيم": يسمى هكذا لأن كلمة أوتانازيا (euthanasia) تأتي من كلمتين يونانيتين (euجيد – thanatos موت).

ولكن القسم الأول من هذه التسمية "الموت" لا ينطبق على الممارسة فالاسم الأصدق في مرحلة أولى هو "القتل الرحيم"، لأن الموت هو حالة يتلقاها الإنسان بطريقة سلبية دون تدخل منه – الموت يأتي ويَحدث – أما القتل، فهو عمل يتطلب تدخل الإنسان – القتل يُجلب ويُحدث – وبما أن ممارسة الأوتانازيا تتطلب تدخلاً في الحياة ووقفًا لها، فمن الأصدق أن نستعمل كلمة "القتل".

وماذا عن صفة "الرحيم"؟

إذا ما نظرنا إلى ما يجري في البرلمان الاسكوتلدني، لفَهِمْنا أن هذه الكلمة أيضًا لا تنطبق على واقع الاوثانازيا. فما يطلبه دعاة حضارة الموت هو تشريع الأوتانازيا دون أي شرط. على سبيل المثال، تم تقديم مشروع قانون في اسكوتلاندا العام الماضي يطالب بتشريع ا ليس فقط "لمن يعيش حالة مرض عضال، ولي فقط من يعاني من أمراض انحلالية (degenerative) تسوء معها حالة المريض بشكل متدرج لا رجوع عنه عادة، بل أيضًا من يجد أن حياته لا تحتمل". بحسب هذه النظرة، لم تعد الأوثانازيا مسألة مساعدة المتألم على الموت، بل وضع حد لحياة يعتقد صاحبها أنها باتت صعبة.

يتساءل بحق كارلو بيلييني في مقالة صدرت في جريدة الأوسيرفاتوري رومانو اليوم: "من منا لا يشعر بأنه مرهق من عيشه من حين إلى آخر؟ ولذا فالخيار الحق الذي يجد المشرعون أنفسهم أمامه هو إعطاء "حرية الموت" أو "الحرية الاقتصادية، الاجتماعية، الطبية، البيئية" فكم من الأشخاص كانوا لينجوا من الانتحار لو كانوا محاطين بمناخ اجتماعي إيجابي، وكم من الأشخاص كانوا يبدلون رأيهم ليختاروا أن يعيشوا لو قاموا بمسيرة علاجية ضد اليأس؟".

لقد كتبت البارونة كامبل، وهي نائبة في البرلمان تعاني من تقلص عضلي مزمن في جريدة الغارديان في يونيو 2009: "إن الانتحار المُساعَد يجعلنا نفكر بالمرضى، وأيضًا بالأطباء الذين يساعدونهم لكي يختاروا الموت، بينما هم أكثر الأشخاص حاجة لمن يساعدهم ويشجعهم على اختيار الحياة وعدم الرضوخ".

وعليه فصفة "الرحيم" لا تليق بهذه العملية البائسة. إن التقاليد الدينية السماوية جميعها تعتبر صفة "الرحيم". ففي التقليد اليهودي، نسمع صوت الله الذي يعرّف عن نفسه لدى مروره أمام موسى الذي يطلب بالهتاف: "الرب الرب اله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير اللاحسان والوفاء. حافظ الإحسان إلى ألوف غافر الإثم والمعصية والخطية" (خر 34، 6). ويسوع المسيح هو تجسد الرحمة الإلهية. والإخوة المسلمون يقولون أن الله "رحمن رحيم" فالرحمة من صفات الله ومن أسمائه الحسنى. ولذا لا يجوز قرن اسم القتل بصفة الرحيم.

والله إله رحمة لأنه إله الرجاء وإله الحياة. التدمير أسهل بكثير من البناء، وتأجج نار اليأس في عشب حياة بائسة وصعبة هو أسرع من تفتح برعم زهرة الرجاء. ولكن صعوبة الحياة لا يجب أن تقف عائقًا أمام عيشها. من أراد أن يقوم بفعل رحمة نحو من يقوم على شفير اليأس، لا يرميه في البؤرة، بل يقوده إلى فجر الرجاء. هذه هي الرحمة. لا نسمينّ رحيمًا ما يشكل بالحقيقة شفقة خادعة تساعد الآخر على القضاء على ذاته، بدل أن تساعده على اللقاء بحبنا، الذي يساعده على اللقاء بذاته، بالآخرين الذين يهتمون به، وبالله.