الاعتراف بالكنيسة ذات الحق الخاص ومعناه
بقلم الأب هاني باخوم
روما، الثلاثاء 17 نوفمبر 2009 (Zenit.org)
في المقالة الاولى رأينا انّ مجموعة قوانين الكنائس الشّرقية تعرّف الـ "كنيسة ذات الحق الخاص" بأنّها: جماعة المؤمنين الذين تجمعهم رئاسة كنسيّة حسب الشّرع، وتعترف بها السّلطة الكنسيّة العليا صراحةً او ضمناً (ق 27).
ووجدنا ان هناك اربعة عوامل اساسيّة لتحديد ماهيّة الكنيسة الشّرقية الكاثوليكية: وجود جماعة مؤمنين "coetus"؛ متّحدة تحت سلطة كنسيّة معينة؛ حسب الشّرع؛ ومعترف بها من السّلطة الكنسيّة العليا.
في هذه المقالة نستعرض العامل الرّابع لتكوين هوية الكنيسة ذات الحق الخاص ومعناه القانوني: الاعتراف من السّلطة الكنسية العليا.
يحق فقط للسّلطة الكنسيّة العليا ان تعترف بكنيسة ما بانّها كنيسة ذات حق خاص، وكما يحق لنفس السّلطة فقط انشاء تلك الكنيسة ذات الحق الخاص اوتغييرها او الغائها ورسم حدود رقعتها (ق 27، 57 بند 1 و 155 بند1 ).
هذه السّلطة تتمثل في الحبر الرّوماني او في هيئة الاساقفة المتّحدين بالحبر الرّوماني في مجمع مسكوني[1]. التّشريع السّابق[2]، للبابا بيوس الثاني عشر، كان يذكر ان هذا الاعتراف يتمّ من ناحية الكنيسة، لكن مجموعة عمل وتشريع القانون الشّرقي الجديد فضلت التّحديد، فاستبدلت تعبير "الكنيسة" والذي هو عام بـ "السلطة الكنسية العليا" والذي هو تعبير قانوني محدّد.
هذا الاعتراف قد يكون صريحاً عن طريق اصدار قرار رسمي من الكرسي الرّسولي، او يكون ضمنياً (بالصّمت). يُلجأ إلى الطّريقة الصّامتة للاعتراف بالكنيسة ذات الحق الخاص في حالة الكنائس المضطهدة والتي قد يؤدي الاعتراف بها علنياً الى هلاك او اضطهاد الكثير من مؤمنيها.
ينتج عن هذا الاعتراف العديد من النّتائج:
– الشّركة: الاعتراف بكنيسة ما بانّها كنيسة ذات حق خاص يجعلها تدخل في الشّركة التّامة مع الكنيسة الجامعة. فهذا الاعتراف ليس شيئاً رسمياً او قانونياً فقط، لكنّه مصدر و تأكيد في نفس الوقت للشّركة بين تلك الكنيسة الخاصة والكنيسة الجامعة. هذه الشّركة تتجسّد في الشّركة التّراتبيّة (تسلسليّة او هرميّة) مع الحبر الرّوماني، وما يتبعها من اعتراف بكل حقوقه المنصوص عليها في الشّرع العام وكلّ وثائق الكرسي الرّسولي.
مظاهر هذه الشّركة عديدة، فهي تحتوي على كلّ العلاقات التي تربط الكرسي الرّسولي بتلك الكنيسة ذات الحق الخاص من خلال الشّرع العام او الخاص او ما ينصه الكرسي الرّسولي. احد المظاهر الهامّة لتلك الشّركة: عند انتخاب او تعيين رئيس تلك الكنيسة ذات الحق الخاص؛ في حالة الكنيسة البطريركية على البطريرك المنتخب ان يطلب الشّركة المقدسة من خلال رسالة يوقعها بخط يده (ق 67 بند 2). في حالة كنيسة الرّئاسة الاسقفية الكبرى، على رئيس الاساقفة الكبير المنتخب، ان يلتمس من الحبر الروماني تثبيت انتخابه، والذي هو ضروريّ كي يستطيع ان يُعلنَ كرئيسٍ لتلك الكنيسة وينَصّب (ق 153 بند 2). بالنسبة للكنيسة المتروبوليتية ذات الحق الخاص والكنائس الاخرى فالحبر الروماني هو الذي يعين من يرأسها (ق 155، 174). خلال ثلاثة اشهر من تنصيب المتروبوليت المعين عليه ان يطلب من الحبر الرّوماني الباليوم والذي هو علامة لسلطانه والشّركة التّامة لكنيسته مع الحبر الرّوماني (ق 156 بند 1). اضافة لكلّ هذا هناك العديد من مظاهر تلك الشّركة الهرمية والتي هي احدى توابع اعتراف الكرسي الرّسولي بكنيسة على انّها كنيسة ذات حق خاص.
– استقلالية نسبية: الاعتراف بكنيسة على انّها ذات حق خاص، ينبع منه ايضاً نوع من الاستقلاليّة لتلك الكنيسة حسب فئتها، وحسب ما يحدّده الشّرع العام ووثائق الكرسي الرّسولي الموجّهة لهذا الهدف. هذه الاستقلالية النّسبية حسب الشّرع ليست منحة او انعاماً ولكنّه واقع ينبع من حق كلّ كنيسة ذات حق خاص ان تحكم نفسها حسب تقليدها الخاص وتشريعها المعترف به او الممنوح من الكرسي الرّسولي. هذه الاستقلالية النسبية لا تضر وحدة الكنيسة الجامعة، بل على العكس، فهي تظهر الكنيسة الجامعة على انها الشّركة المتبادلة بين جميع الكنائس الشّرقية والغربية المتّحدة تحت رعاية وسلطة الحبر الرّوماني.
هذه الاستقلالية هي نسبيّة بمعنى انها ليست مطلقة؛ فهي تخضع للكرسي الرّسولي وتحت رعايته، وينظمها الشّرع العام والشّرع الخاص المعتمد من السّلطة الكنسيّة العليا. هي ايضاً نسبيّة لانها تختلف من فئة لأخرى؛ فالكنيسة البطريركية تتمتع باستقلاليّة مختلفة عن تلك التي تتمتع بها الكنيسة المتروبوليتية او غيرها من الكنائس الاخرى ذات الحق الخاص.
اختلاف الاستقلالية للكنائس ذات الحق الخاص لا ينبع من اختلاف الكرامة لتلك الكنائس، او اختلاف الطّقس؛ فكلها تتمتّع بالكرامة نفسها. الاختلاف ينبع من التّركيب الدّاخلي لتلك الكنيسة ومستوى نضجها الكنسي؛ اي عدد المطارنة، والكهنة والمؤمنين، ونشأتها القريبة او القديمة، وتاريخها وتقليدها ومستوى نموها الحالي وانتشارها. عوامل كثيرة تجعل الكرسي الرّسولي يحدد فئة تلك الكنيسة وبالتّالي نوعية استقلاليتها.
– بُعْد ارسالي جديد: الاعتراف بكنيسة ما بانّها ذات حق خاص، ودخولها في شركة الكنيسة الجامعة، يجعلها تسعى ليس فقط لخلاص أنفس اعضائها ومؤمنيها والاهتمام بهم وباحتياجتهم، بل ايضاً خلاص كلّ مؤمني الكنيسة الجامعة في مختلف الكنائس الكاثوليكية الشّرقية منها او الغربية، وبالاخص تلك التي تمارس سلطانها في نفس الدّولة او المنطقة. فدخول الكنيسة في حقل الكنيسة الجامعة يحثها على التّعاون مع باقي الكنائس ذات الحق الخاص وبالاخص المتواجدة في منطقتها. من هنا تنبع فكرة وهدف اجتماعات الرّؤساء الكنسيين لعدة كنائس ذات حق خاص (ق 322)، كما ينبع ايضاً امكانية انشاء اكليريكية لتنشئة اكليريكين من مختلف الكنائس ذات الحق الخاص (330 بند 2، 332 بند 2)، و امكانية ارسال كهنة حيث الحاجة لممارسة الخدمة، بإذن وتشجيع اساقفة كلّ الكنائس التي تفتقر الى الاكليريكين اينما وجدت (ق 393).
تلك هي نتائج اعتراف الكرسي الرّسولي بكنيسة ما بانها كنيسة ذات حق خاص. نستطيع ان نلخص تلك النّتائج بكلمة "شركة ووحدة". شركة ووحدة تحت رعاية الحبر الرّوماني من اجل ان يرى العالم تلك الشّركة والوحدة فيمجّد الآب؛ اي ان الشّركة الدّاخلية في ما بين الكنائس ذات الحق الخاص ومع الكرسي الرّسولي ، تَظهر للعالم كشهادة .
[1] انظر المقالة: سينودس اساقفة الشرق الاوسط بين الشركة والشهادة ،4 مفهوم الاسبقية (الاولوية) حسب مجموعة قوانين الكنائس الشرقية.
بيوس الثاني عشر، ارادة رسولية "في الرهبان واموال الكنيسة ومعنى الكلمات"، منشورات المكتبة البولسية،1952، ق 303 بند 1. [2]