رسالة الفاتيكان إلى الكهنة في الصين

"كونوا منفتحين بثقة على المستقبل"

حاضرة الفاتيكان، الجمعة 20 نوفمبر 2009 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي النص الكامل للرسالة التي بعثها الكاردينال ترشيزيو برتوني، أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان، بتاريخ 10 نوفمبر إلى الكهنة في الصين بمناسبة سنة الكهنة. وقد نشر مجمع تبشير الشعوب نص الرسالة اليوم بالإنكليزية والصينية والإيطالية.

***

إلى جميع كهنة الكنيسة الكاثوليكية في جمهورية الصين الشعبية

من الفاتيكان، في 10 نوفمبر 2009

أيها الإخوة الأعزاء في الكهنوت،

إن سنة الكهنوت، هبة الأب الأقدس بندكتس السادس عشر التي نحتفل بها بمناسبة الذكرى المئة والخمسين لوفاة جان ماري فياني، تحثني على التوجه إليكم أنتم كهنة الكنيسة في الصين بطريقة خاصة.

1.دعوة رجاء. في الرسالة التي وجهها الأب الأقدس إلى الأساقفة والكهنة والمكرسين والمؤمنين العلمانيين في جمهورية الصين الشعبية في 27 مايو 2007، تمت الإشارة إلى بعض الإرشادات من أجل المسيرة المستقبلية للكنيسة. من بين هذه الإرشادات، أرغب في التشديد على المصالحة ضمن الجماعة الكاثوليكية والحوار المحترم والبناء مع السلطات المدنية، من دون التخلي عن مبادئ العقيدة الكاثوليكية. في هذا الصدد، وعلى الرغم من الصعوبات المستمرة، تشير المعلومات الواردة من مختلف أنحاء الصين إلى بوادر رجاء.

في سبيل مواجهة الأوضاع الكنسية والاجتماعية والسياسية الراهنة التي تعيشون في ظلها، وبغية التقدم على درب المصالحة والحوار، من الضروري أن تغرفوا النور والقوة من منبعي الروحانية الكهنوتية، وهما محبة الله واتباع المسيح بصورة غير مشروطة.

بعد مرور سنتين فقط على صدور الرسالة البابوية، لا يبدو أنه آن الأوان لإصدار تقييمات حاسمة. ومن خلال استخدام كلمات المبشر الصيني العظيم، الأب ماتيو ريتشي، أعتقد أننا نستطيع القول بأننا ما نزال في زمن الزرع لا في زمن الحصاد.

لربما تفاجأ البعض منكم برسالة البابا إلى الكنيسة في الصين. أؤكد لكم أن الكرسي الرسولي يدرك الأوضاع الصعبة والمعقدة التي تعيشونها. عند افتتاح سنة الكهنوت، دعا الأب الأقدس جميع كهنة العالم إلى "الترحيب بالربيع الجديد الذي يحدثه الروح في الكنيسة". هذا ينطبق عليكم أيضاً: التحديات الجديدة التي يجب أن يواجهها الشعب الصيني في بداية الألفية الثالثة تتطلب منكم الانفتاح بثقة على المستقبل، والاستمرار في محاولة عيش الإيمان المسيحي على نحو كامل.

2. إعلان المسيح. إخوتي الكهنة الأعزاء، أنتم رعاة شعب الله في بلاد شاسعة جغرافياً وديموغرافياً. كقطيع صغير وسط أعداد هائلة من البشر، تعيشون جنباً إلى جنب مع أتباع الديانات الأخرى ومع أشخاص غير آبهين أو عدائيين تجاه الله والديانة.

لا تظنوا أنكم أنتم وحدكم الذين تواجهون هذه المشكلة. إنكم تشاركون أوضاع العديد من إخوتكم في أنحاء أخرى من العالم، الذين "يحافظون في ظل المصاعب وحالات سوء الفهم على الأمانة لدعوتهم كـ "أحباء المسيح" الذي دعاهم باسمهم واختارهم وأرسلهم إلى العالم." (رسالة إعلان سنة الكهنوت). كذلك تتوفر لكم ملاحظة البابا بندكتس السادس عشر: "هناك مع الأسف أوضاع أخرى لا يمكن شجبها كفاية، أوضاع تعاني فيها الكنيسة بنفسها نتيجة عدم أمانة بعض خدامها. من هنا يجد العالم سبباً للفضائح والرفض. إن أكثر ما يفيد الكنيسة في هذه الحالات هو ليس فقط الاعتراف الصريح والتام بضعف خدامها، وإنما أيضاً الاعتراف الفرح والمتجدد بعظمة هبة الله المتجسدة في المثال الرائع للرعاة الأسخياء، والرهبان الملتهبين بمحبة الله والأنفس، والمرشدين الروحيين الصابرين والحكماء" (رسالة إعلان السنة الكهنوتية). وفي الصين، "كيف لا أذكر في هذا الصدد كتشجيع لكم المثل البارزة من الأساقفة والكهنة الذين أظهروا خلال السنوات الصعبة من القرن الأخير المحبة الصادقة للكنيسة، حتى من خلال بذل حياتهم من أجلها ومن أجل المسيح؟" (الرسالة إلى الكنيسة في الصين، رقم 13).

غالباً ما نجزع عندما ننظر إلى العالم المحيط بنا. كثيرون هم الأشخاص الذين يجب إطعامهم! أين نجد الخبز لكل هؤلاء البشر؟ كيف لنا أن نساعد يسوع في رسالته مع كل نقاط ضعفنا؟ في التعليق حول نص إنجيل يوحنا (6: 1، 5)، يذكرنا الأب الأقدس مجدداً بإجابة الرب: "من خلال وضع ذواتهم الضعيفة بين يديه "المقدستين والموقرتين"، نصبح نحن الكهنة وسائل خلاص لكثيرين، للجميع! (صلاة التبشير الملائكي، 26 يوليو 2009). توجد سبل عملية عديدة تقدمون من خلالها إسهامكم الثمين: مثلاً من خلال زيارة العائلات والقرى الكاثوليكية وغير الكاثوليكية باستمرار، مظهرين اهتمامكم باحتياجات الشعب؛ ومن خلال تكثيف الجهود لتنشئة وتدريب معلمي دين جيدين؛ وتعزيز استخدام الخدمات الخيرية الموجهة بخاصة إلى الأطفال والمرضى والعجزة لإظهار أعمال الكنيسة الخيرية غير الأنانية؛ وتنظيم لقاءات خاصة يدعو فيها الكاثوليك أنسباءهم وأصدقاءهم غير الكاثوليك للاطلاع أكثر على الكنيسة الكاثوليكية والعقيدة المسيحية؛ وتوزيع مواد كاثوليكية على غير الكاثوليك.

3. الفضائل الكهنوتية. في مدرسة القديس جان ماري فياني، يجب أن نتعلم كيفية مطابقة أنفسنا مع الخدمة التي نلناها. في المسيح، تكون هذه المطابقة شاملة: "في يسوع، يتوافق الشخص مع الرسالة: إن النشاط الخلاصي الذي قام به المسيح كان وما يزال تعبيراً عن "شعوره البنوي" الذي يقف منذ الأزل أمام الآب وقفة خضوع محب لمشيئته" (رسالة إعلان سنة الكهنوت). ومن هذه المطابقة مع الخدمة، تنبع الفضائل الضرورية لكل كاهن.

لقد عرف خوري آرس القديس كيفية التحاور مع الجميع لأنه كان رجل صلاة: إن فن الحوار على مختلف الصعد نتعلمه من الحوار مع الله في صلاة مستمرة وصادقة. عاش الفقر بكل قسوته لأنه آمن بأن ما ناله كان كله لكنيسته وللفقراء والعائلات الأكثر احتياجاً. كما رأى عفته شرطاً أساسياً في خدمة الكاهن: العفة المناسبة لمن يلمس القربان عادة. كذلك نعلم أنه كان قلقاً حيال فكرة عدم ملاءمته للخدمة الأبرشية وحيال رغبته في الهرب: فقط الطاعة والشغف للأنفس نجحا في إقناعه على البقاء في خدمته. وقد اعتبر أن القاعدة الذهبية لحياة مطيعة هي التالية: "إعمل فقط ما يمكن تقديمه للرب الصالح".

4. سر الافخارستيا. في سنة الكهنوت هذه، أود أن أذكركم بالمنبع الذي تستمدون منه القوة للأمانة لرسالتكم المهمة. وأرغب في أقوم بذلك من خلال كلمات البابا بندكتس السادس عشر: في الكنيسة، "ارتبط كل إصلاح عظيم بإعادة اكتشاف الإيمان بحضور الرب السري بين أفراد شعبه" (الرسالة إلى الكنيسة في الصين، رقم 5، ملاحظة 20).

يظهر الاحتفال بالسر الفصحي المحبة agape، أي محبة الله التي تهزم الشرير، وتحول الشر إلى خير والبغض إلى محبة. من خلال المشاركة في جسد المسيح ودمه في الافخارستيا – حسبما ذكرنا الأب الأقدس –، تحل علينا القوة الإلهية "لتكمل عمله فينا ومن خلالنا" (الرسالة العامة الله محبة، رقم 14). بالاتحاد مع المسيح في الافخارستيا، نصبح وكلاء تبديل القلوب الحقيقي (الله محبة، 13 و14). وكما قال خوري آرس القديس: "إن كل الأعمال الحسنة لا تساوي ذبيحة القداس لأنها أعمال البشر في حين أن القداس عمل الله".

إن سر الافخارستيا، سر الشركة، ومنبع الحياة الكنسية والتبشير وذروتهما، يعتبر محور درب المصالحة. حتى ولو تم الاحتفال بسر الافخارستيا في جماعة معينة، إلا أنه ليس أبداً احتفال تلك الجماعة وحدها. يجب على الجماعة الافخارستية الحقيقية ألا تنغلق على ذاتها حتى ولو كانت مكتفية ذاتياً، بل أن تحافظ على شركتها مع كل الجماعات الكاثوليكية الأخرى. فكل احتفال بسر الافخارستيا يفترض الاتحاد ليس فقط مع الأسقف المحلي وإنما أيضاً مع البابا وكل الأساقفة والإكليروس وشعب الله أجمع.

وفي الرسالة إلى مسيحيي كورنثوس، أظهر القديس بولس أن انقساماتهم التي كانت تبرز في اجتماعاتهم كانت تتناقض مع ما يحتفلون به أي مع عشاء الرب. لذا دعاهم الرسول إلى التفكير في حقيقة سر الافخارستيا ليردهم إلى روح الشركة الأخوية (1 كور 11: 17، 34).

ذكرنا البابا يوحنا بولس الثاني أن سر الافخارستيا يحدث الشركة ويعلمها. وكرر بندكتس السادس عشر هذا التعليم معطياً بعض الإرشادات عن نيل الأسرار في الأوضاع الراهنة للكنيسة في الصين (الرسالة إلى الكنيسة في الصين، رقم 10). هذه الإرشادات متجذرة "في تنمية الشركة" وفي "المحبة السامية دوماً": كما أنها مذكورة في "ملخص" الرسالة البابوية عينها التي نشرها الكرسي الرسولي في 24 مايو 2009.

5. كلمة الله. أيها الكهنة الأعزاء، دعوني أذكركم مجدداً بكلمات الأب الأقدس بندكتس السادس عشر: "في العالم المعاصر، وكما في الأوقات العصيبة التي عاش فيها خوري آرس، تحتاج حياة الكهنة ونشاطاتهم إلى التميز بشهادة ثابتة للإنجيل. وكما أشار البابا بولس السادس، فإن "الإنسان المعاصر يصغي برغبة أكبر إلى الشهود أكثر منه إلى المعلمين، وإن أصغى إلى المعلمين، فذلك لأنهم شهود". في سبيل تلافي اختبار فراغ وجودي وتعريض فعالية خدمتنا للخطر، يجب أن نسأل أنفسنا باستمرار: "هل نحن حقاً ممتلئون من كلمة الله؟ هل هذه الكلمة هي التي نقتات منها أكثر من الخبز والأمور الأخرى في هذا العالم؟ هل نعرف حقاً هذه الكلمة؟ هل نحبها؟ هل نحن ملتزمون بهذه الكلمة لدرجة أنها تؤثر في حياتنا وفي تفكيرنا؟. مثلما دعا يسوع التلاميذ الاثني عشر ليلازموه (مر 3، 14)، وأرسلهم لاحقاً ليبشروا، هكذا أنتم الكهنة مدعوون في هذا العصر إلى فهم "أسلوب العيش الجديد" الذي افتتحه الرب يسوع واتبعه الرسل" (رسالة إعلان سنة الكهنوت).

6. مهمة الأساقفة. أيها الكهنة الأعزاء، دعوني أوجه بعض الكلمات إلى أساقفتكم الذين نالوا كمال الكهنوت. أيها الإخوة الأعزاء في الأسقفية، أود أن أذكركم أن درب كهنتكم نحو القداسة قد أوكلت إلى عنايتكم الرعوية. إن فكرتم في الظروف الاجتماعية والثقافية السائدة في العالم المعاصر، سهل عليكم فهم عبء مخاطر التبدد التي تثقل كاهل الكهنة في مختلف المهمات.

تظهر التجربة اليومية أن بذور التفكك بين البشر متجذرة في البشرية نتيجة الآثام، إلا أن الكنيسة قادرة على تقديم قوة جسد المسيح لبناء الوحدة. وقد اعتبر المجمع الفاتيكاني الثاني أن المحبة الرعوية هي الرابط الذي يمنح الوحدة لحياة الكهنة ونشاطاتهم.

7. النشاط الرعوي لصالح الدعوات الكهنوتية. ذكركم الأب الأقدس أن "الكنيسة في الصين لم تفتقر خلال السنوات الخمسين الماضية إلى تنامي الدعوات إلى الكهنوت والحياة المكرسة. نشكر الرب على ذلك باعتبار أنه دليل حيوية وسبب رجاء. […] لكن هذا التنامي ترافقه اليوم مصاعب كثيرة. لذلك، تبرز الحاجة إلى عمل المسؤولين في الكنيسة على تمييز الدعوات بعناية، وإلى تخصيص تنشئة أعمق للطامحين إلى الكهنوت والحياة المكرسة. على الرغم من عدم ثبات الوسائل المتوفرة، إلا أنه لا بد من اتخاذ خطوات لضمان الاهتمام بالدعوات وتوفير تنشئة متينة في الجوانب الإنسانية والروحية والفلسفية واللاهوتية والرعوية في الإكليريكيات والمعاهد الدينية، وذلك من أجل مستقبل الكنيسة في الصين" (الرسالة إلى الكنيسة في الصين، رقم 14).

من هنا، فليكن الاحتفال بسنة الكهنوت فرصة لإطلاق مبادرات داعمة لحياة الإكليريكيين في بلادكم. هكذا تتمكنون أيها الأساقفة الأعزاء من إيلاء اهتمام خاص لتنشئتهم من خلال زيارتهم في الإكليريكيات وإظهار اهتمامكم العميق بالتدريب الذي يحظون به هناك، على المستويين الروحي والأكاديمي. إضافة إلى ذلك، ووفقاً لإمكانيات كل أبرشية وظروفها، يفترض من اهتمامكم الوالدي اتخاذ مبادرات لتعزيز الدعوات للكهنوت، منها أيام أو لقاءات صلاة، أو افتتاح أماكن يأتي إليها الكهنة والمؤمنون، بخاصة الشباب منهم، من أجل الصلاة معاً تحت إشراف الكهنة الخبراء والصالحين العاملين كمرشدين روحيين.

8. التنشئة المستمرة. يدرك الأب الأقدس بندكتس السادس عشر وجود "حاجة إلى تنشئة مستمرة وملائمة للإكليروس في الكنيسة في الصين وفي الكنائس الأخرى في العالم. لذا توجه إليكم الدعوة أيها الأساقفة بصفتكم زعماء الجماعات الكنسية، إلى التفكير بخاصة برجال الدين الشباب الذين يتعرضون لتحديات رعوية جديدة مرتبطة بمتطلبات مهمة التبشير في مجتمع معقد مثل المجتمع الصيني المعاصر. يذكرنا البابا يوحنا بولس الثاني بما يلي: إن التنشئة المستمرة للكهنة "مطلب جوهري في الخدمة السرية؛ كما تظهر الحاجة إليها في كل زمن. إنها ملحة بخاصة في أيامنا الحالية، ليس فقط بسبب التغيرات السريعة في الظروف الاجتماعية والثقافية للأفراد والشعوب الذين تمارس الخدمة الكهنوتية في وسطهم، وإنما أيضاً بسبب هذا "التبشير الجديد" الذي يشكل المهمة الأساسية والملحة للكنيسة في نهاية الألفية الثانية" (الرسالة إلى الكنيسة في الصين، رقم 13).

يدعى كل أسقف بالاتحاد مع إخوته الأساقفة في الأبرشيات المجاورة، إلى تنظيم واتباع برامج جدية من التنشئة المستمرة. لا بد من إيلاء اهتمام خاص بالكهنة الشباب الذين يعملون وحدهم بعد السيامة. كثيراً ما يشعرون بالوحدة مع مسؤولياتهم الكبيرة. يجب على الأساقفة ألا يسهروا فقط على تنشئتهم وإنما أيضاً على الترحيب بهم والتأكد من حصولهم على المساعدة من قبل رجال الدين الأكبر منهم. إضافة إلى ذلك، من المفيد أن يجد الأساقفة والكهنة مناسبات دائمة للتواصل مع بعضهم البعض، ويكثفوا اللقاءات الرسمية وغير الرسمية للتخطيط للنشاطات الأبرشية مع بعضهم البعض، وتبادل الخبرات، ومساعدة بعضهم البعض على حل الصعاب الشخصية والرعوية.  

9. السجود القرباني. يعلمنا خوري آرس القديس أن السجود القرباني خارج إطار القداس قيّم في حياة كل كاهن. هذا السجود مرتبط بشكل وثيق بالاحتفال بسر الافخارستيا. تقوم مهمتكم كرعاة على تشجيع السجود القرباني، إما من خلال شهادة شخصية، وإما من خلال تنظيم ساعة أسبوعية من السجود والزياحات وغيرها على المستويين الأبرشي والرعوي. هكذا يجتمع المؤمنون حول الافخارستيا ويختبرون الشركة الكنسية.

أود هنا أن أذكركم بما تركه لنا البابا يوحنا بولس الثاني كوصية: "من الممتع تمضية بعض الوقت معه، والميل إلى صدره كالتلميذ الحبيب (يو 13، 25)، والشعور بالمحبة اللامتناهية الموجودة في قلبه. إن أراد المسيحيون في زماننا التميز بخاصة من خلال "فن الصلاة"، لم لا نشعر بالحاجة المتجددة إلى تمضية الوقت في الحديث الروحي، والسجود الصامت، والمحبة القلبية أمام المسيح الحاضر في السر الأكثر قداسة؟ أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، كم مرة اختبرنا ذلك، واستقينا منه القوة والتعزية والدعم!" (الرسالة العامة الافخارستيا حياة الكنيسة، رقم 25).

10. المصالحة الروحية للقلوب. ماذا تفعلون أمام الانقسامات والمآسي الدائمة القائمة أيضاً في الجماعة الكاثوليكية؟ إن اتحدنا في المسيح الحاضر في القربان، تصرخ مآسي العالم كلها في قلوبنا لابتهال رحمة الله. بالطريقة عينها، نرفع نشيد تسبيح وشكر لكل أمور الخلق الرائعة، ولأعمال البشر الجيدة، ولهبات النعمة التي يمنحها الرب للبشرية: ينفتح القلب على محبة أعظم مستمدة من محبة المسيح الذي مات وقام من بين الأموات.

يجب ألا ننسى أن "جماعة التلاميذ لم تعش فقط فرح الروح القدس ونعمة الحقيقة والمحبة منذ البداية، وإنما عاشت أيضاً المحن التي سببها الاختلاف حول حقائق الإيمان، والجراح التي قاستها الشركة. وكما أن رفقة المحبة كانت موجودة منذ البداية وهي مستمرة حتى النهاية (1 يو 1، 1)، كذلك وجد الانقسام للأسف منذ البداية. لذا يجب ألا نتفاجأ بقيامه حتى الآن" (الرسالة إلى الكنيسة في الصين، رقم 6).

في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، كتب القديس بولس عن الانقسامات القائمة في جماعاتهم: "لا بد من وجود المذاهب بينكم، حتى يبرز الفاضلون فيكم" (1 يو 11، 19). كل شيء يشكل جزءاً من مخطط الله ليخدم قدرته الكلية أي الحكمة والمحبة اللامتناهية. لا يكن أحد متردداً في السعي إلى المصالحة ببادرات ملموسة، ومد اليد إلى الأخ الذي له شيء عليه (مت 5: 23، 24). في سبيل ذلك، تبرز الحاجة الملحة إلى إيلاء اهتمام بالتنشئة البشرية لجميع المؤمنين والكهنة والأخوات، لأن انعدام النضج وضبط النفس والوئام الروحي يسبب أكبر مصدر لسوء الفهم وانعدام التعاون وقيام الصراعات ضمن الجماعات الكاثوليكية.

11. وكالات الشركة. في موضوع "الشركة الكنسية"، الفكر الأساسي والرئيسي في وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني، من المناسب لفت انتباهكم إلى ما يوفره القانون الكنسي لتعزيز مهمة الأساقفة الرعوية وتنمية الجماعة الأبرشية: "يدعى كل أسقف أبرشية إلى استخدام وسائل الشركة والتعاون الأساسية ضمن الجماعة الكاثوليكية الأبرشية: الكوريا الأبرشية، المجلس الكهنوتي، مجمع المستشارين، المجلس الرعوي الأبرشي والمجلس المالي الأبرشي. هذه الوكالات تعبر عن الشركة، وتؤيد مشاركة المسؤوليات المشتركة، وتساعد الرعاة الذين يستطيعون الاستفادة من التعاون الاخوي للكهنة والمكرسين والمؤمنين العلمانيين" (الرسالة إلى الكنيسة في الصين، رقم 10).

عندما لا تقوم الكوريا الأبرشية جمعاء بسبب نقص في أعداد الكهنة، يجب على الأساقفة تنويع الأدوار من خلال تعيين نائب عام، ومستشار، ووكيل وغيرهم، في سبيل توفير الاستشارة والتعاون في اتخاذ القرارات القانونية والرعوية.

أود أن أختم رسالتي بالتعبير عن التمني بأن تعمل مثل بذل الذات للمسيح والكنيسة التي ألهمت أفكار خوري آرس القديس وأعماله، على إرشاد حياتكم الكهنوتية أكثر فأكثر، وأعهد بهذا التمني للعذراء المباركة.

بالاتحاد معكم في الصلاة، وعلى أمل أن يحمل عملكم الرعوي ثماراً جمة، أبقى لكم في الرب.

أمين سر الدولة،

ترشيزيو برتوني

ترجمة وكالة زينيت العالمية