أتركها هذه السنة أيضا …

وإلا ففيما بعد تقطعها  

( لو 13 : 8-9 ) 

للاخت سامية صموئيل

من راهبات القلب المقدس

 

 

 

 « يا سيد، اتركها هذه السنة أيضًا»،  كان هذا طلب وتوسل الكرَّام لأجل التينة غير المُثمرة. إن رب الكرم أتى وتطلع إلى الثمر لثلاث سنوات، وقد أصابه الإحباط تمامًا وأعطى الأمر بقطع هذه الشجرة. إن الشجرة تُبطِّل وترهق الأرض، وهي تشغل مكانًا يمكن أن يُزرع بما هو مُفيد. فهي ليست غير مُثمرة فقط، ولكنها تضر كذلك. وهذا هو قضاؤها.

 

      ولكن الكرَّام يعلم أن سيده ليس "إنسانًا قاسيًا"، بل "رحيمًا وصالحًا"، ولذلك يطلب منه سنة أخرى يُظهر فيها النعمة، وفي هذه الفرصة سيعمل بكل جهده لكي يحرث الأرض ويُسمّدها ويُقلّم الشجرة، فإذا لم تُثمر ستُصيبها الكارثة وتُقطع.


     وقد أُجيب طلب الكرَّام، وتُركت الشجرة لسنة أخرى. ولكن هذه الشجرة ، أي شجرة التين ـ سقطت. وهذه هي إسرائيل التي جاءها المسيح يطلب منها ثمرًا ولم يجد. ولكن إذا كان هذا الأمر صحيحًا على حالة الأمة، أَ فليس صحيحًا كذلك على الفرد؟ « هذه السنة أيضًا » .. وأيضًا .. وأيضًا .. وإلى متى ؟ .. يا للاسف!

 

فمع طول الأناة، لا يوجد ثمر، وماذا سيحدث  " بعد ذلك " ؟ القضاء الذي ينتظر طويلاً ليقضي على الخاطئ  فيُقطع!

 

 

عزيزي القارئ : أن الكرمة هى أنا وانت ، يقول الرب لكل إنسان منا اليوم " ها أنا اعطيك سنة جديدة ، فماذا أنت صانع بها ؟  هناك ثلاثة أشياء لابد أن تصنعها في هذا العام الجديد هى : حراسة الارض وتنقيتها، تسميد وتقليم الشجرة، والآتيان بثمر.

 

أولا: حراسة الارض وتنقيتها

 

      على مثال الكرام الذي ينقي التربة لتتغذي الكرمة جيدا وتثمر، كذلك أنت عليك أن تنقي وتنظف كل ما يعطل حياتك الروحية من خطايا أيا كان نوعها. وهذه يتطلب منا أن نراجع أنفسنا بأستمرار بعد الخطأ وأثناء الخطأ  بل وقبل الخطأ. وإن حاسبت نفسى قبل الخطأ فلن أخطئ وهذه هى الوقاية،  فهي خير من العلاج.


ولكن عمليا عن ماذا احاسب نفسي؟

 

1– الأفكار: وهنا اسأل نفسى أنا واسترجع سنة مضت وأتذكر ماذا فعلت بأفكارى، هل كانت أفكار شهوة أو حسد أو إدانه أو نميمة أو غيرة… أو كل هذه الأفكار.  

 

2– الحواس: وابدأ أيضاً فى محاسبة نفسى على ، حواسى. فماذا كانت ترى عينى، وتسمع أذنى، وتكلم لسانى، وهكذا يحاسب الإنسان نفسه على خطايا الحواس.

 

3–  خطايا المشاعر: هل كانت السنة الماضية تحمل بغضة منى تجاه أى شخص، وأيضاً عواطفى : هل كانت فى الإتجاه السليم أم انحرفت عنه؟

 

4– الإرادة: احاسب نفسى أيضاً على إرادتى، هل كنت امشى فى الحياة الروحية بجدية أم بتراخى؟ فالإرادة هى بوصلة الحياة يجب أن تتجه دائماً نحو الله.

 

5– الأعمال:  أحاسب نفسى على أعمالى، هل كانت أعمال حسنة وجيدة وترضى الله؟

 

6– الخطوات:  وخطواتى أيضاً يجب أن احاسب نفسى عليها، فهل كانت خطواتى تسير خلف المسيح وفى طريقه؟ أم كانت تسير بعيداً عنه؟

 

      فالإنسان المسيحى يجب أن تكون حياته فكر نقى، حواس نقية، مشاعر نقية مع الناس، ارادة مقدسة متجه نحو الله، اعمال صالحة، خطوات مستقيمة. هذا هو الإنسان، وهذه هى مساحات الإعتراف ومحاسبة النفس. وهكذا لا تستطيع حياة الإنسان أن تثمر إن لم ينقب من حولها.

 

ثانيا : تسميد وتقليم الشجرة

 

    أضع زبلاً، هل كنت فى العام الماضى  أغذى التربة التى لدى؟ وإن كنت اغذيها فلماذا  لم تثمر؟

إذاَ علىً أن أحاسب نفسى على الأشياء التى صنعتها، وأضع خطة لسنة جديدة أوجد بها طريقة التغذية لحياتى حتى تثمر.  وهذه هى الركائز الأساسية للشبع الروحى :

 

1– الصلاة واللقاء العميق مع الله، وفيه اتعرف عليه واتحول تدريجيا الى صورته التى أرادها لي منذ إنشاء العالم.

2-  قراءة  الكتب المقدسة:  لاكتشاف صوت الله لي من خلالها، للتقدم في علاقتي به، وبالاخرين .

 

3–  التناول من الاسرار المقدسة: لادخل في شركة مع الله وأصير واحدا معه.

 4- الإجتماعات الروحية والخدمة.

 

ثالثا: الآتيان بالثمار

 

 نحن  كأغضان في الكرمة وكابناء لله مطالبون أن نحمل ثمار الروح القدس وهي  « محبة، فرح، سلام، طول أناة، صلاح، إيمان، تعفف، وداعة، لطف، إيمان»  (غل 22:5).

 

وخلاصة القول

    في بدء عام جديد يحتاج الإنسان كثيرا الي جلسة مع النفس لكي يفتش دواخلها ويراقب تصرفاتها ويحاسبها حتي يكون في يقظة مستمرة. وهذه  الملاحظة لازمة لكل انسان مهما علت قامته الروحية لذلك  يحاول الشيطان بكل قوته ان يمنع الإنسان الروحي من الجلوس الي نفسه , ما اسهل ان يقدم له مشغوليات عديدة جدا تستغرق كل وقته , وتستحوذ علي كل مشاعره… يمكن ان يشغله بالخدمة و متطلباتها …لذلك انت محتاج ان تجلس الي نفسك لتعرف اخطاءك … سواء في اللسان – الفكر – الحواس – مشاعر القلب – او اخطاء الجسد – لتعرف اخطاءك ضد الله وضد الناس – ايضا ضد نفسك , اجلس يا اخي الي نفسك , وتذكر قول القديس مقاريوس الكبير : (أحكم ياأ خي علي نفسك قبل ان يحكم الناس عليك) .

 

لا تجعل هذا العام  كأي عام يبدأ وينتهي ولكن تساءل هل في حياتك نمو ؟ قًٍس حياتك بنموك الروحي . الحياة لا تقاس بعدد السنوات .. الحياة مع الله تقاس كم عشت مع الله ، ما هو العمق الروحي الذي وصلت إليه ؟ ما هو استعدادك في التضحية من أجل الله؟

 

عزيزي القارئ : كثيرا ما يأتى الرب حياتنا يطلب ثمر و لا يجد , سنه وراء الأخرى لكن الرب يسوع يعطينا الفرصه وراء الأخرى ويعطينا القدره لكى نأتى بهذا الثمر (يضع زبلا حول الشجرة ) فهل نستهين بلطف الرب و طول أناته لنا ؟ لا تستهن بعدم وجود ثمر فى حياتك.

الكرام قال لصاحب الكرم : اتركها هذه السنه أيضا…. فإن صنعت ثمرا و إلا ففيما بعد تقطعها. لننتهز كل فرصه لنأتى بثمر للرب فالأرض الجيده تأتى بثلاثون و ستون ومائه.