داود كتاب- الرأي الأردنية
مطالبة الأردن حكومة كندا بعدم إرجاع مخطوطات البحر الميت التي تم عرضها في تورونتو، إلى إسرائيل، تعيد لي كثيراً من ذكريات الطفولة.
وطلب الأردن من كندا أن يتولى هو الوصاية على هذه المخطوطات يأتي انسجاماً مع اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة وجود نزاع مسلح المعقودة عام 1954 والتي وقّع عليها كل من الأردن وكندا.
عند عرض هذه المخطوطات في المعرض كان هناك مجموعة واسعة من الآثار أخذت من متحف فلسطين (متحف روكفلر) في القدس الشرقية بعد حرب حزيران 1967.
في نيسان الماضي، حاولت السلطة الفلسطينية إقناع رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر برفض عرض هذه المخطوطات في المعرض لنفس السبب وهو أن المخطوطات التي تعرضها إسرائيل هي آثار مسروقة.
إسرائيل من جانبها، رفضت مطالب الأردن الأخيرة مستخدمة حججاً غير مقنعة.
وبادئ ذي بدء، فإن معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية تنص بوضوح على وجود دور واضح للمملكة في كل أمر يتعلق بمدينة القدس.
وما يثير الحنق في الحقيقة هو الحجة الواهية بأن الاستيلاء على التحف من متحف في المنطقة المحتلة هو أمر مشروع، وذلك لأن "المخطوطات ليست لها صلة بالأردن أو بالشعب الأردني". فالمتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية يبرر حق إسرائيل في هذه التحف المسروقة على أساس أن "مخطوطات البحر الميت هي جزء لا يتجزأ من التراث والديانة اليهودية".
لقد ترعرعت شخصياً مع تفاصيل اكتشاف المخطوطات ومع قصصها العديدة. ولا شك أن أقوال الإسرائيليين بأن الأردن وفلسطين ليست لهما صلة بها ينسجم مع كافة المحاولات الإسرائيلية لإنكار الحق العربي.
إن المنزل الذي قضيت فيه معظم أيام طفولتي في بيت لحم في الستينات كانت تملكه عائلة "كاندو"، وكان عميد عائلة كاندو يسكن بجوار منزلنا. وكثيرا ما كان والدي يخبرنا عن قصة مخطوطات البحر الميت، وكيف أن راعياً لقطيع من الماعز يدعى محمد الديب دخلت خرافه إلى أحد الكهوف القريبة من أريحا في منطقة تدعى قمران.
ومن القصص التي كان والدي يرويها لنا، أن الديب ألقى حجرا وراء الماعز ليسمع صوت كسر وعاء من الفخار. عندما دخل رأى مخطوطات من الجلد فقرر أن ينقلها إلى مدينة بيت لحم. وعند زيارته لخليل كاندو وهو إسكافي فلسطيني مسيحي، طلب منه الديب أن يعمل له صندلاً من تلك الجلود. لكن كاندو رأى الكتابة وعلم أنها أوراق مهمة فعرض على الراعي زوجين من الصنادل الجلدية بشرط أن يخبره أين عثر عليها.
وكاندو، الذي كان عضوا في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، التمس المشورة من أسقفه المحلي، الذي سرعان ما أدرك أهمية هذه المخطوطات وحصل عليها، وقيل أنه تم بيعها للمتحف البريطاني بأكثر من نصف مليون جنيه.
في عام 1952، اكتشف كاندو الذي لم يعد يعمل إسكافيا وتحوّل إلى تاجر تحف قديمة، العديد من الأجزاء الأخرى للمخطوطات الثمينة والهامة وباعها للمتحف الأثري الفلسطيني والمدرسة التوراتية التابعة للكنيسة الكاثوليكية والموجودة في القدس. وهذه الأجزاء هي التي تم التركيز عليها من قبل المسؤولين الأردنيين والفلسطينيين.
إن أجزاء من كل سفر من أسفار العهد القديم تقريبا وجدت في العديد من الكهوف، ولا يقتصر جميعها على الدين اليهودي بل هي جزء لا يتجزأ من المسيحية. وأيضاً يعتبر الإسلام العهد القديم كتاباً مقدساً.
فالكتب المقدسة ومنها الكتب والمخطوطات التي عثر عليها في أراض عربية أواسط القرن العشرين يجب أن يتم احترامها وتقديسها لا العمل على استخدامها لأهداف سياسية ضيقة.
إن الأراضي المقدسة هامة وفريدة للديانات التوحيدية الثلاث. والتفرد الإسرائيلي اليهودي في الادعاءات الدينية واستخدام هذه الغطرسة لتبرير سرقة الأراضي واحتلال الناس قد أسفرت عن نتائج وخيمة.
وكلما قمنا بالاعتراف وبتقدير بعضنا البعض واحترمنا معتقداتنا، كنا قادرين على فهم كلمات الملائكة المهدئة "وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة".
للعلم ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في عدد يوم الجمعة 22-1 أن إسرائيل قررت وقف مشاركة المخطوطات في معارض دوليز خوفا من نجاح الحكومة الأردنية في استرجاعها قانونيا.