عصام عبدالله – إيلاف
تلقيت دعوة كريمة من رجل الأعمال المصري المهندس منير غبور لحضور المؤتمر الدولي الخامس حول " تاريخ المسيحية والرهبنة في أسوان والنوبة "، في الفترة من 1 – 4 فبراير بدير الأنبا هيدرا بأسوان.
يأتي هذا المؤتمر ضمن سلسلة من المؤتمرات التي تهدف إلي تعريف المصريين بحقبة مهمة لم تدرس بالقدر الكافي وهي الحقبة القبطية، أما عنوانه وهو (المسيحية والرهبنة) فهو ثابت منذ العام 2002، وما يتغير فقط هو اسم المكان الذي ينعقد فيه كل عامين، فالمؤتمر الرابع عام 2008 كان عن المسيحية والرهبنة في أقليم نجادة وقوص، والثالث عام 2006 في سوهاج وأخميم، والثاني عام 2004 في الفيوم، والأول عام 2002 في أديرة وادي النطرون.
تنظم هذه المؤتمرات الدولية مؤسسة مرقس لدراسات التاريخ القبطي، التي يترأسها الخبير العالمي الدكتور فوزي اسطفانوس أستاذ التخدير بمستشفي كليفلاند بالولايات المتحدة، الذي استطاع أن يجمع صفوة علماء الآثار والقبطيات في العالم في مكان واحد، أمثال: بيتر جروسمان وفلادمير جادلافسكي، وكارل انميه، وجاك فاندر فيلد وجودت جبرة وأشرف صادق وسامي صبري شاكر وغيرهم.
وترجع تسمية أسوان إلي المصرية القديمة سونت أو سونو وتعني السوق لأنها كانت مكانا للتبادل التجاري فيما بين مصر والسودان، ثم اسماها الأغريق سيين، وفي العصر القبطي أطلق عليها سوان، ثم أضاف العرب إليها ألف زائدة فصارت أسوان.
في العصر المسيحي وجدت ايبارشية بأسوان منذ عصر البابا أثناسيوس عام 347، ومن أشهر أساقفتها الأنبا هيدرا السائح، الذي سمي الدير الأثري في أسوان بإسمه (القرن الرابع – الخامس الميلادي)، وهو نفس اسم مطران أسوان الحالي، ثم وجدت أسقفية في فيلة حتي نهايات القرن العاشر، وأيضا في كوم أمبو وأدفو، حيث كان حاجر أدفو عامرا بالمؤسسات الرهبانية في عصر الأنبا باخوميوس.
أما النوبة فقد كانت عبارة عن ممالك مسيحية حوت العديد من الأسقفيات مثل إبريم وفرس وقرطة وكلابشة وغيرها، واستمرت المسيحية قرابة الألف سنة، تقريبا من القرن السادس حتي القرن السادس عشر، وبدأت تتلاشي بالتدريج حتي نهاية القرن الثامن عشر.
يرصد كتاب " تاريخ المسيحية وآثارها في أسوان والنوبة " تأليف: نبيه كامل داود وعاطف نجيب، صادر عن مؤسسة مرقس لدراسات التاريخ القبطي عام 2003، الآثار القبطية والنوبية المسيحية التي مازالت قائمة، وأيضا التي غمرتها مياه بحيرة ناصر خلف السد العالي، إذ كانت بلاد النوبة زاخرة بالكنائس والأديرة والتي من أشهرها كنيسة عبدالله نرقي المعروضة بعض تصاويرها الجدارية في متحف الحضارة النوبية بأسوان.
تقع قرية عبدالله نرقي علي بعد 4 كيلو متر شمال معبدي أبو سمبل علي الشاطئ الغربي للنيل. وكانت تحتوي علي ثلاث كنائس، أحدهم في الشمال والأخري بالجنوب، والثالثة كشف عنها العالم فان مورسيل والبعثة الهولندية وهي الكنيسة المركزية التي تسمي بإسم عبدالله نرقي، وترجع إلي الفترة من عام 650 إلي 800 ميلادية، ويؤرخ بعض تصاويرها الجدارية بالقرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشر.
ويشير الدكتور عاطف نجيب وكيل متحف أسوان، والذي شارك ببحث مهم في هذا المؤتمر، إلي أنه يوجد بمتحف النوبة ثماني لوحات جدارية (فريسكات) تعود إلي كنيسة (عبدالله نرقي)، وكلمة " نرقي " باللغة النوبية تعني " الفلاح "، وقد اكتشفت هذه الكنيسة عام 1963 بواسطة البعثة الهولندية التي كانت تعمل استجابة لنداء اليونسكو لإنقاذ آثار النوبة من الغرق المحقق قبل بناء السد العالي، وتعد هذه الكنيسة حسب وصف الدكتور نجيب: " توت عنخ أمون " الكنيسة المسيحية بما تحتويه من كنوز أثرية.
وصل عدد الكنائس إلي 137 كنيسة في النوبة العليا والسفلي في عصر الأزدهار المسيحي ما بين القرنين التاسع والثاني عشر، وفي العام 1273 فرضت الجزية من الظاهر بيبرس علي الملك " شكندا " ملك النوبة الذي أقسم علي عهد كتابي بأن يسدد نصف ريع البلاد للسلطان المملوكي والنصف الآخر لعمارة البلاد، ومن ثم دخلت النوبة في منعطف تاريخي جديد وهو ما أثر سلبيا علي اقتصاديات البلاد.
كانت الجزية أمرا ثقيلا وهي عبارة عن دينارين (والدينار عملة ذهبية تقارب 275 دولار اليوم) أي أنه كان علي كل قبطي أن يدفع ما يساوي 550 دولار حتي يظل علي ديانته المسيحية.
من المصادفات العجيبة، أن المكتشف الهولندي " أدولف كلاسينس " عثر عام 1963 علي حفيد " عبدالله نرقي " في نفس مكان الكنيسة المركزية تقريبا، وكان مسلما، وهو ما يؤكد علي أن المصريين، مسيحيين ومسلميين، هم جميعا أقارب وأهل، من أصل واحد ونسيج واحد وتاريخ واحد، لكن ماذا عن المستقبل الواحد؟!