التكامل الاجتماعي

بيان الكرسي الرسولي في الدورة الثامنة والأربعين للجنة التنمية الاجتماعية أمام المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول المادة الثالثة (أ) التي يتمحور موضوعها الرئيسي حول التكامل الاجتماعي

الثلاثاء 09 فبراير 2010 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي البيان الذي أدلى به رئيس الأساقفة تشيلستينو ميليوري، مراقب الكرسي الرسولي الدائم، في الرابع من فبراير 2010 خلال الدورة الثامنة والأربعين للجنة التنمية الاجتماعية أمام المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول المادة الثالثة (أ) التي يتمحور موضوعها الرئيسي حول التكامل الاجتماعي.

***

سيدي الرئيس،

بالنيابة عن وفدي، أرغب في التعبير عن أفضل التمنيات لكم وللمكتب لدورة منتجة حول موضوع هذه السنة الرئيسي "تعزيز التنمية الاجتماعية"، وأتطلع للعمل مع الأعضاء وأصحاب الشأن الآخرين لمواجهة تحديات التكامل الاجتماعي.

منذ أكثر من عشرين سنة، تعيش الأسرة البشرية وتتفاعل ضمن سياق عولمة المجتمع. مع ذلك، "وفيما يصبح المجتمع أكثر عولمة، نتحول إلى جيران وليس إلى إخوة" (1). إن كل المسؤولين عن تعزيز التكامل والانصهار الاجتماعيين يعلمون جميعاً أن ذلك لا يتحقق من خلال مزيج بسيط وأساسي من القوانين الجيدة والتدابير والحوافز الاجتماعية. فهناك حاجة دائمة إلى التقدم مع أخذ مصلحة الإنسان بالاعتبار بمختلف أبعاده ومن ضمنها الروحية.

في عالم تحدق به محن الأزمة الاقتصادية والمالية، يجب أن تراعي التشاورات حول تعزيز التكامل الاجتماعي علاقتها باستئصال الفقر وبالعمالة الكاملة بما فيها العمل اللائق للجميع.

فيما يبدو أن النظام المالي يستعيد الاستقرار وأن الإنتاج المتزايد في بعض القطاعات يظهر علامات انتعاش اقتصادي، ما يزال مستوى البطالة يسوء في العديد من المناطق.

في هذا السياق، وفي سبيل تعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي والتوظيف، تبرز ضرورة تركيز نماذج الاستهلاك على السلع والخدمات العلائقية التي تعزز علاقة أوثق بين الشعوب. من خلال الاستثمار في السلع العلائقية منها الرعاية الطبية والتربية والثقافة والفن والرياضة – كل ما ينمي الإنسان ويتطلب تفاعلاً إنسانياً استثنائياً بدلاً من الإنتاج الآلي – تتمكن الدولة من خلال تدخلاتها العامة من معالجة مسألة التنمية من جذورها فيما تعزز التوظيف والتنمية الطويلة الأجل.

فالتنمية والتكامل الاجتماعيان لن ينبثقا فقط عن الحلول التكنولوجية لأنهما متعلقان أولاً بالعلاقات البشرية.

إن التركيز على العلاقات البشرية يتطلب بالضرورة انفتاحاً على الحياة مما يشكل إسهاماً إيجابياً في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. على ضوء ذلك، كثيراً ما يعتبر نمو السكان سبب الفقر في حين أنه السبيل لتخطيه، لأن الحل المناسب للفقر لا يمكن إيجاده إلا ضمن القوى العاملة. لذلك من الضروري أن تركز البلدان جهودها على إيجاد سبل ووسائل لضمان نيل الشعوب المهارات والتنشئة والتربية اللازمة لتسخير الإبداع البشري على نحو يعزز التنمية وحقوق الإنسان. بشكل مشابه، وحيث تنخفض معدلات النمو الاقتصادي، لا تكمن الأجوبة في محاولة إغلاق مجتمع ما أمام مجتمعات أخرى وفي الحث على خفض عدد السكان، وإنما في خلق مجتمع منفتح يشجع الحياة. من هنا فإن تعزيز الحياة والعائلة وإيجاد سبل لدمج إسهام كافة الشعوب سيسمحان للمجتمعات بتفعيل إمكانياتها وتحقيق التنمية.

لذلك، تحتل العائلة مكانة محورية. إنها البيئة الأولى التي يتعلم فيها الأطفال بعض المهارات والمواقف والفضائل التي تعدّهم للعمل وتسمح لهم بالإسهام في النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. إن التربية والتنشئة هما استثمار طويل الأمد يتطلب من السياسات المعززة للعائلة أن تبنى ليس فقط على إعادة التوزيع بل بخاصة على العدالة والفعالية، وأن تتحمل المسؤولية لتلبية احتياجات العائلات الاقتصادية والمالية.

سيدي الرئيس، فيما نعزز التكامل الاجتماعي في عالم اليوم، لا يمكننا التغاضي عن الاهتمام المتزايد الذي يجب إيلاؤه للهجرة وبخاصة للهجرة غير النظامية.

فالتعصب والخلاف بين المواطنين والقادمين الجدد تتم ملاحظتهما أكثر في البلدان المتسمة بالهجرة الكبيرة. وتدعو هذه الظاهرة إلى الانتباه الشديد إلى مساري قبول المهاجرين واحترام القانون، اللذين توجد عليهما حلول المشكلة. في هذا المضمار أيضاً، يعتبر التكامل والانصهار الاجتماعي ثابتتين تسمحان لنا بإيجاد حلول ملائمة للمسائل المعقدة المتعلقة بالهجرة.

يستغرق التكامل وقتاً طويلاً ويتحقق عادة في أجيال لاحقة. يبنى على منطق رؤية فعالة لمواطنية وطنية، ولآليات التفاعل الذي يشمل الاحترام التام للحقوق الأساسية لدى الجميع – المواطنين والقادمين الجدد – ولثقافة عدالة اجتماعية.

في برامج التكامل الاجتماعي، وضمن الجهود لردم الهوة في التربية والرعاية الصحية والاهتمام بالبيئة، يؤدي المجتمع المدني والمنظمات الدينية أدواراً مهمة من خلال المساعدة على ضمان مشاركة الجماعات المحلية وتعزيز تعاون جميع الشعوب ومشاركتها.

شكراً سيدي الرئيس.

نقلته الى العربية غرة معيط – وكالة زينيت العالمية (zenit.org)

(1)        بندكتس السادس عشر، المحبة في الحقيقة، 19.