رسالة المطران كريكور أوغسطينوس كوسا

روما ،الجمعة 2 أبريل 2010 (zenit.org) .

ننشر في ما يلي رسالة للمطران كريكور أوغسطينوس كوسا، أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك بعنوان "أقامنا معه وأجلسنا في السموات"  

إلى إخوتي الكهنة الأحباء والراهبات الفاضلات،

وأبناء الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية في أبرشية الإسكندرية بمصر والسودان وبلاد الاغتراب،

وإلى المؤمنين بالمسيح أبناء الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية، "المدعوين ليكونوا قديسين. عليكم النعمة والسلام من لدن الله أبينا والرب يسوع المسيح"، القائم من بين الأموات. (رومة 7:1).

1-  قيامة المسيح برهان على أنه ابن الله:

حاول السيد المسيح أثناء حياته على الأرض أن يعلّم الناس ويفهمهم أنه ابن الله، فلم يصدقوه وكانوا يشكّون في كلامه وتعاليمه، إلاّ بعضهم آمنوا به وتبعوه وفي مقدمة هؤلاء بطرس الرسول. تمَّ هذا الحدث في قيصرية فيليبس عندما سأل يسوع تلاميذه: "من ابن الإنسان في قول الناس؟" فقالوا: "بعضهم يقول: هو يوحنا المعمدان، وبعضهم الآخر يقول: هو إيليّا، وغيرهم يقول: هو إرميا أو أحد الأنبياء". فقال لهم يسوع: "ومن أنا في قولكم أنتم؟". فأجاب سمعان بطرس: "أنت المسيح ابن الله الحي". فأجابه يسوع: "طوبى لك يا سمعان بن يونا، فليس اللحم والدم كشفا لك هذا، بل أبي الذي في السموات". (متى 13:16-17). لم تكن المرة الوحيدة التي أنكر سامعوا يسوع، وحتى أقربهم إليه، هويته الإلهية وبنوّته لله الآب، وعندما قال: "أنا والآب واحد"، اتهموه بالكبرياء وهجموا ليرجموه. فوقف فيليبس، وهو من تلاميذه، وقال له: "أرنا الآب وحسْبنا". فأجابه يسوع: "ألا تؤمن إني في الآب وأن الآب فيَّ؟".

إن القيامة وحدها أثبتت أن ما كان يؤكده في تعاليمه عن ذاته، كان الحقيقة عينها. وهي أكبر برهان على أنه ابن الله الحي، وأنه من جوهر الآب، وأنه مساوٍ له في العمل، والقدرة.

2-   قيامة المسيح عربون لقيامتنا:

إننا نؤمن بقيامة الموتى. وهذا ما نجاهر به عندما نتلو قانون الإيمان، ونقول: "ونترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي". وقد رسخت هذه العقيدة في ذهن القديس بولس حيث أنه رأها واقعاً راهناً قبل أن تحصل، قال: "كنا بطبيعتنا أبناء الغضب كسائر البشر. ولكن الله، بواسع رحمته، وفائق محبته أحيانا مع المسيح، بعدما كنا أمواتاً بزلاتنا، ويوجه كلامه إلى أهل أفسس فيقول: "فبنعمة الله نلتم الخلاص، وفي المسيح يسوع أقامنا معه، وأجلسنا معه في السموات. (أفسس 5:2).

سر المسيح الفصحي هو سر قيامة الموتى. يقول القديس بولس: عندما تعمدتم بالمسيح، دفنتم معه وقمتم معه أيضاً، لأنكم آمنتم بقدرة الله الذي أقامه من بين الأموات". لقد أحيانا مع المسيح… وأقامنا معه وأجلسنا في السماء". فالمؤمنون يقومون مع المسيح لحياة جديدة.

وإليكم أيها الأخوة الأحباء معنى هذا الكلام:

إن مصير الإنسان يختلف عن مصير سائر المخلوقات، فهي تظهر وتغيب، تولد وتموت، ولا يبقى لها أثر، لأنها مؤلفة من عناصر مركبة، وبالتالي بالية.

أما الانسان، فهو، خلافاً لها، مؤلف من عنصر مركب، بالٍ فاني وهو الجسد، ومن عنصر بسيط خالد، وهو النفس. وهذا ما أشار إليه السيد المسيح بقوله: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولا يستطيعون أن يقتلوا النفس، بل خافوا من الذي يقدر أن يهلك الجسد والنفس معاً في جهنم". والنفوس الصالحة تنعم مدى الأبدية بمشاهدة وجه الله.  وهذه هي سعادتها.

3-  الكنيسة وُلِدَت من قيامة المسيح:

وإذا كان مصير جماعة المؤمنين الصالحين وهم يؤلفون الكنيسة مع غير الصالحين، الخلود السعيد أو السماء. فهذا يعني أن الكنيسة بجميع أبنائها قد وُلِدَت من موت السيد المسيح على الصليب وقيامته المنتصرة. وهذا ما أشار إليه القديس بولس الرسول في مستهل رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي بقوله عن كنيستهم أنها: " في الله الآب وفي الرب يسوع". وإذا كان من يؤلفون هذه الكنيسة مجتمعين في الله الآب، وبالابن المولود من الآب، فهم يشاركون في حياة الثالوث الأقدس، فالكنيسة إذا لم تتكون بعد قيامة المسيح، ولا أتت بعده، بل وُلِدَت من على الصليب، من موت المسيح وخُلقت في قيامته. فهي المسيح القائم والمقيم في العالم في جسده الذي هو الكنيسة.

أجل، لقد قام المسيح في شكل الكنيسة، كما يقول القديس أوغسطينوس: "لقد بذل المسيح دمه لتلك التي سيحصل عليها في قيامته. والتي سيحصل عليها تعني، في وقت واحد معاً، بشرية المسيح الجسدية، والكنيسة التي هي جسد المسيح.

وقيامة المسيح هي من عمل الله الآب. فهو الذي أقامه، وهكذا فالكنيسة هي في الله الآب وفي الرب يسوع المسيح. فهي مولودة في الآب الذي وَلَدَ الابن في هذا العالم. وهو الذي يحيي الكنيسة بفعل أبوّته لها. وهو أبو يسوع المسيح الذي يلده في جسده البشري في القيامة.

أيها الإخوة والأبناء الأحباء

المسيح لم يترك هذا العالم بالموت ليعود إليه بعد آلاف السنين. أجل، لقد ذهب ليعود في نهاية العالم. ولكنه حتى ذلك الزمن هو مقيم معنا في القربان المقدس، والصلاة والأسرار المقدسة والاحتفالات الطقسية، كما ورد في دستور الليتورجيا من أعمال المجمع الفاتيكاني الثاني، وهو الخلاص النهائي الآتي لملاقاة العالم. وهذا هو سبب فرح المؤمن الذي عبّر عنه القديس يوحنا الذهبي الفم بقوله: "ادخلوا جميعاً فرح سيّدكم: الأولون والآخرون، إقبلوا الجزاء، فقراء وأغنياء، رتلوا في جوقة واحدة، متقشفين أو بطالين. عيّدوا هذا اليوم، صمتم أم لم تصوموا. افرحوا اليوم. الوليمة معدّة. هلموا جميعاً تلذذوا على مائدة الإيمان. لا يبكين أحد فقره: الملكوت مفتوح للجميع، ولا ينتحبن أحد على خطاياه: الغفران صعد من القبر. لا يخافن أحد الموت: موت الرب جعلنا أحراراً: أين غلبتك وشوكتك أيها الموت؟ المسيح قام وانتصر عليك. المسيح قام وسقط الشياطين. المسيح قام واللائكة في فرح كبير. المسيح قام وجميع الموتى خرجوا من القبور. أجل، المسيح قام من بين الأموات له المجد والقوة إلى دهر الدهور.

وفي الختام نرفع الدعاء إلى الله تعالى من أجل سيادة رئيس جمهوريتنا محمد حسني مبارك، إحفظه يا رب من الأخطار ليحفظ أمتنا وكرامتنا، واعضده يا رب ليدحض السوء ويزهق الباطل. وأبعد عن طريقه كل حجر يعرقل مسيرة السلام ليعود قبر المسيح  في فلسطين إلى حماية عربية تسمح لنا بزيارته زيارة مقدسة، طالما اشتاق إليها الفؤاد وانتظر، فأنت السميع المجيب وأنت على كل شيء قدير.

وإننا، إذ نُهنيئكم بهذا العيد، نسأل السيد المسيح القائم من بين الأموات، أن تكون قيامته عربوناً لقيامتنا.

المسيح قام… حقاً قام

وكل عام وأنتم بخير