حضور الأقباط في المجمع المسكوني الفاتيكاني الأول 1869-1870

 

 دعا إليه البابا بيوس التاسع (1846 – 1878) وحضره أكثر من 700 شخص واشترك فيه50 أسقفًا شرقيا أي ما يعادل 8% من المجموع،  وكما اشترك أساقفة القارة الأميركية: 40 من الولاية المتحدة و9 من كندا و30 من أمريكا الجنوبية ومن استراليا نيوزلندة نحو50 أسقفا مرسلا من شتي بقاع العالم .

وأقرّ هذا المجمع دستورين هما:

 1- إدانة رسمية للرفض الجذري في عصرنا للإيمان والوحي.

2- تحديد عصمة البابا في الأمور العقائدية وأوليته علي المجمع.

( المقصود بعصمة الحبر الروماني من الخطأ في حالة إعلان العقيدة فقط لا غير فالحبر الروماني (بابا الكنيسة الكاثوليكية) فهو معصوم من الخطأ في حالة إعلان العقيدة أي التي تختص بالإيمان أو الأخلاق( بعد أن تدرس العقيدة من المتخصصين لها من الوحي الإلهي والتقليد الكنسي وآباء الكنيسة الغربيين والشرقيين) ولها ثلاثة شروط وهي:-

1-أن يعلن الحبر الروماني عن حقيقة إيمانية أو أخلاقية.

2-أن يعلنها الحبر الروماني من علي السدة البطرسية.

 3- أن يعلنها الحبر الروماني أمام جميع الكرادلة والأساقفة والمطارنة والكهنة والرهبان والراهبات وجمهور المؤمنين للكنيسة شرقا وغربا.

وهذه العقيدة استخدمت مرتين في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية وهما:-

عندما أعلن الحبر الروماني" بيوس 9"عقيدة الحبل بلا دنس في يوم 8 ديسمبر لسنة 1854.

2-عندما أعلن الحبر الروماني" بيوس 13" عقيدة انتقال أمنا مريم العذراء بالنفس والجسد إلى المجد السماوي في يوم أول نوفمبر لسنة 1950.

وعصمة البابا مهمة وضرورية حتى تحفظ الكنيسة من الانحراف والتعاليم الكاذبة. وهذه العصمة تستند إلى نصيْن في الكتاب المقدّس:

1-«وأَنا أَقولُ لكَ: أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي، فَلَن يَقوى عليها سُلْطانُ الموت»( مت 16/18).

2- « فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس، وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم»(مت 28/19-20).

وكلمة أبواب الجحيم لن تقوى عليها أي أبواب الضلال والباطل لا يمكن أن يتطرق إليها أيّ تحافظ على العقيدة سليمة دون غلط أو انحراف. فإذا كان رئيس غير معصوم في تعاليمه معناه أنه يمكن أن يضل وينحرف عن جادة الحق وبالتالي يصبح وعد المسيح غير ذات مفعول.

والآية التي تقول وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام إلى منتهى الدهر أي أنا معكم دائمًا محافظًا على التعاليم التي أوصيتكم بها. فيجوز أنه يضلل الناس حسب أهوائه وميوله وبالتالي لا يكون المسيح مهيمنًا على التعاليم التي أوصى تلاميذه أن يعملوا الناس بها. ونتيجة لهاتين الآتين وجب أن نعترف أن عصمة الحبر الروماني رئيس الكنيسة الكاثوليكية لابد أن يكون معصومًا من الغلط في التعاليم العقائدية أو أنكرت بعض العقائد لا يكون المسيح معها ولا مهيمنًا على تعاليمها، وفي الحقيقة على مسيرة التاريخ الكنسي من القرن الأول الميلادي حتى يومنا هذا لم ولن يختلف حبر روماني على قرارات أو وثائق مجمعية أبدًا. ونص القرار المجمعي المسكوني الفاتيكاني الأول الذي أعلن في الجلسة الرابعة التي عقدت في يوم 18 يوليو 1870: الدستور العقيدي الأول في كنيسة المسيح:« أن الحبر الروماني، عندما يتكلّم رسميًا (من على السدة البطرسية)، أيّ عندما يحدد، وهو يقوم بمهمته كراع ومعلّم لجميع المسيحيّين، بسلطانه الرسوليّ الأسمى، أنه من واجب الكنيسة جمعاء التمسك بعقيدة في موضوع الإيمان أو الأخلاق، فهو يتمتع، بفعل العون الإلهيّ، الذي وعد به في شخص القديس بطرس، بتلك العصمة التي أراد الفادي الإلهي أن تكون للكنيسة عندما تحدد عقيدة في الإيمان والأخلاق. وبالتالي، تكون تحديدات الحبر الروماني هذه غير قابلة للإصلاح بذاتها وليس بفعل الكنيسة».

و أمّا من جهة أولية الحبر الروماني علي المجمع فهو أنه يرئس المجمع بصفته خليفة يسوع المسيح علي الأرض و القديس بطرس الرسول و الكنيسة الكاثوليكية اعتمدت علي الوحي الإلهي (الكتاب المقدّس) والتقليد الكنسي لأن هذه فهمت خطأ من أحد الأشخاص المرموقين و على أثر فهمه الخطأ  سطّر مقالاً معنونا: «تلميذ جاهل ولكن الكنيسة الكاثوليكية تعينه رئيسا لها »:-

 

أولا: التقليد الكتابي:-

1- نص إنجيل القديس يوحنا الإنجيلي 1 / 42:-

«وجاءَ بِه إِلى يَسوعَ فحَدَّقَ إِلَيه يسوعُ وقال: أَنتَ سِمْعانُ بنُ يونا، وسَتُدعَى كِيفا، أَي صَخراً».

2- نص إنجيل القديس متى الإنجيلي 16/18و19:-

« وأَنا أَقولُ لكَ: أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي، فَلَن يَقوى عليها سُلْطانُ الموت.وسأُعطيكَ مَفاتيحَ مَلَكوتِ السَّمَوات. فما رَبَطتَهُ في الأَرضِ رُبِطَ في السَّمَوات. وما حَلَلتَه في الأَرضِ حُلَّ في السَّمَوات».

3-نص إنجيل القديس لوقا الإنجيلي22/31و32:-

« وقالَ الرَّبّ: سِمعان سِمعان، هُوذا الشَّيطانُ قد طَلَبكُم لِيُغَربِلَكُم كَما تُغَربَلُ الحِنطَة.ولكِنَّي دَعَوتُ لَكَ أَلاَّ تَفقِدَ إِيمانَكَ. وأَنتَ ثَبَّتْ إِخوانَكَ متى رَجَعْت».

نص إنجيل القديس يوحنا الإنجيلي21/15-17:-

« وبَعدَ أَن فَطَروا قالَ يسوعُ لِسمْعانَ بُطرُس: يا سِمْعانُ بنَ يونا، أَتُحِبُّني أَكثَرَ مِمَّا يُحِبُّني هؤلاء؟  قالَ لَه: نَعم يا رَبّ، أَنتَ تَعلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ حُباًّ شَديداً. قالَ لَه: إِرْعَ حُمْلاني. قالَ له مَرَّةً ثانِية: يا سِمْعانُ بنَ يونا، أَتُحِبُّني؟  قالَ له: نَعم يا رَبّ، أَنتَ تَعلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ حُباً شَديداً. قالَ له: اِسْهَرْ على خِرافي.قالَ له في المَرَّةِ الثَّالِثة: يا سِمْعانُ بنَ يونا، أَتُحِبُّني حُبّاً شديداً؟  فحَزِنَ بُطرُس لأَنَّه قالَ له في المَّرةِ الثَّالِثَة:أَتُحِبُّني حُبّاً شديداً؟ فقالَ: يا رَبّ، أَنتَ تَعلَمُ كُلَّ شَيء، أَنتَ تَعلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ حُبّاً شديداً. قالَ له: إِرْعَ خِرافي».

فهذه الأولوية واضحة كل الوضوح في سفر أعمال الرسل:-

في اختيار متيّا خلفا ليهوذا:-

«وفي تِلكَ الأَيَّام قامَ بُطرُسُ بَينَ الإِخوَة، وكانَ هُناكَ جَمعٌ مُحتَشِدٌ مِنَ النَّاسِ يَبلُغُ عدَدُهم نَحوَ مِائَةٍ وعِشرين، فقال: أَيُّها الإخوَة، كانَ لابُدَّ أَن تَتِمَّ آيةُ الكِتابِ الَّتي قالَها الرُّوحُ القُدُسُ مِن قَبْلُ بِلِسانِ داود، على يَهوذا الَّذي أَمْسى دَليلاً لِلَّذينَ قَبَضوا على يسوع. فقَد كانَ واحِدًا مِنَّا ونالَ نصيبه في هذه الخدمة. وقد تَمَلَّكَ حَقْلاً بِالأُجرَةِ الحَرام فَوَقَعَ على رَأسِه مُنَكَّساً وانشَقَّ مِن وَسَطِه، واندَلَقَت أَمعْاؤُه كُلُّها.وعَرَفَ ذلك سُكَّانُ أُورَشَليمَ جَميعًا، حتَّى دُعِيَ هذا الحَقْلُ في لُغَتِهِم حَقلَ دَمَخْ  أَي حَقْلَ الدَّم. فقَد كُتِبَ في سِفْرِ المَزامير: لِتَصِرْ دارُه مُقفِرة ولا يَكُنْ فيها ساكِن. وكُتِبَ أَيضًا: لِيَتَوَلَّ مَنصِبَه آخَر. هُناكَ رجالٌ صَحِبونا طَوالَ المُدَّةِ الَّتي أَقامَ فيها الرَّبُّ يَسوعُ مَعَنا، مُذ أَن عمَّدَ يوحنَّا إِلى يَومَ رُفِعَ عنَّا. فيَجِبُ إِذًا أَن يَكونَ واحِدٌ مِنهُم شاهِدًا مَعَنا عَلى قِيامتِه. فَعَرَضوا اثنَين مِنهُم هُما يوسُفُ الَّذي يُدْعى بَرْسابا، ويُلَقَّبُ يُسْطُس، ومَتِّيَّا. ثُمَّ صَلَّوا فقالوا: أَنتَ أَيُّها الرَّبُّ العَليمُ بقُلوبِ النَّاسِ أَجمَعين، بَيِّنْ مَنِ اختَرتَ مِن هذَينِ الاثنَين، لِيَقومَ بِخِدمَةِ الرِّسالَة مَقامَ يَهوذا الَّذي تَوَلَّى عَنها لِيَذهَبَ إِلى مَوضِعِه.ثُمَّ اقتَرعوا فوَقَعَتِ القُرعَةُ على مَتِّيَّا، فضُمَّ إِلى الرُّسُل الأَحَدَ عَشَر» أع 1/15-26. فهنا بطرس الرسول هو الذي يقوم بالاختيار وينفذ الرئاسة المفوضة من قبل رب المجد يسوع المسيح وهي الآيات التي سطرت آنفا.

2-  خطبة بطرس الرسول بعد حلول الروح القدس:-

حل الروح القدس على التلاميذ، مع بعض النسوة ومريم أم يسوع ومع إخوته …أع 1/13. بطرس هو الذي يقوم ويتكلم أمام الناس وهذا ما دونه سفر أعمال الرسل: «فوقَفَ بُطرُسُ معَ الأَحَدَ عَشَر، فرَفعَ صَوتَه وكَلَّمَ النَّاسَ قال: ((يا رِجالَ اليهودِيَّة، وأَنتُم أَيُّها المُقيمونَ في أُورَشَليمَ جَميعًا…» أع 2/14-36.

3- مجمع أورشليم المنعقد ما بين سنة 48و 49:-

ففي هذا المجمع يسرد لنا سفر أعمال الرسل 15/5-12 «فقامَ أُناسٌ مِنَ الَّذينَ كانوا على مَذهَبِ الفِرِّيسيِّينَ ثُمَّ آمَنوا، فقالوا: يَجِبُ خَتنُ الوَثَنِيِّينَ وتَوصِيَتُهم بِالحِفاظِ على شريعةِ موسى. فَاجتَمَعَ الرُّسُلُ والشُّيوخ لِيَنظروا في هذِه المسأَلة.وبَعدَ جِدالٍ طويل قامَ بُطرُسُ وقالَ لَهم أَيُّها الإِخوَة، تَعلَمونَ أَنَّ اللهَ اختارَ عِندكُم مُنذُ الأَيَّامِ الأُولى أَن يَسمَعَ الوَثَنِيُّونَ مِن فَمي كَلِمَةَ البِشَارَةِ وُيؤمِنوا.  والله العَليمُ بِما في القُلوب قد شَهِدَ لَهم فوَهَبَ لَهُمُ الرُّوحَ القُدُس كما وَهَبَه لَنا، فلَم يُفَرِّقْ بَينَنا وبَينَهم في شَيء، وقَد طَهَّرَ قُلوبَهم بِالإِيمان.فلِماذا تُجَرِّبونَ اللهَ الآنَ بِأَن تَجعَلوا على أَعناق التَّلاميذِ نِيرًا لم يَقْوَ آباؤُنا ولا نَحنُ قَوِينا على حَملِه؟ فنَحنُ نُؤمِنُ أَنَّنا بِنعمةِ الرَّبِّ يسوعَ نَنالُ الخَلاصَ كما يَنالُ الخَلاصَ هؤُلاءِ أَيضًا. فسَكتَ الجَماعةُ كُلُّهم وأَخَذوا يَستَمِعونَ إِلى بَرْنابا وبوُلس يَروِيانِ لَهم ما أَجْرى اللهُ عنِ أَيديهِما مِنَ الآياتِ والأَعاجيبِ بَينَ الوَثَنِيِّين » فهذا النص واضح علي أن بطرس الرسول هو رئيس المجمع الأورشليمي.

 

ثانيا: التقليد الآبائي:-

1- القديس إيرناوس(+202)

« لأن كنيسة روما لها الرياسة و السلطان علي باقي الكنائس»

3-رسالة القديس أثناسيوس الرسولي(298-373):-

« إلي قداسة السيد الحائز علي الرياسة الرسولية الطوباوي مرقس بابا الكرسي الروماني و هامة الكنيسة الكاثوليكية من أثناسيوس و كل أساقفة مصر»

3-رسالة مجمع سرديقة(بلغاريا) إلي الحبر الروماني البابا يوليوس الأول نحو سنة 343:-

« إن ما يبدو الأفضل والأكثر مناسبة هو هذا: أن يقدّم كهنة الرب من مختلف الأقاليم تقريرا للرأس أي لكرسي بطرس الرسول»

4-القديس كيرلس الإسكندري (366- 444): 

« إن القديس بطرس الرسول الجزيل الطوبي مقدام الرسل ورأسهم وعمود الإيمان وأساس الكنيسة الكاثوليكية قد تسلم من سيدنا يسوع المسيح مخلص الجنس البشري ومنقذه مفاتيح ملكوت السماوات و أعطى السلطان لحل الخطايا وربطها للأبد».

(وعلى وشك الإنجاز بنعمة ربنا الرئاسة البطرسية من التقليد القبطي الأصيل)

ومثلت الكنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك بجلوسها بشخصها في المكان اللائق بها وبكرسيها عندما  دعا الكرسي الرسولي سنة 1869م صاحب النيافة الأنبا أغابيوس صليب بشاي فام كيرلس،  الأسقف الفخري لكرسي كاريوبوليس،  والنائب الرسولي للكنيسة القبطية الكاثوليكية لحضوره المجمع المسكونى الفاتيكاني الأول ويعتبر هذا المجمع العشرون من المجامع المسكونية للكنيسة الكاثوليكية.  والملفت النظر يومذاك أن الأنبا أغابيوس بشاي دعا البطريرك القبطي الأرثوذكسي الأنبا ديمتريوس الرابع (1862-1875) فرفض هذا البطريرك الدعوة قائلا: « إن المجامع المسكونية الأولي نيقيا الأول 325،  القسطنطينية 318،  أفسس 431 ،  بها كل الإيمان والعقائد والأخلاق ونحن لا نحتاج إلي مجامع أخري».

 

 

بنعمة الله

أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس

خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما

stfanos2@yahoo.com