القديس كيرلس الأورشليمي
القديس كيرلس الأورشليمي
تأليف
مـوريس فيرسـل
تعريب
القمص بولس سمعان
منشورات المعهد
المعادي
نصرّح بالطبع
+ إسطفانوس الأول
البطريرك
الجزء الأول
الاضطهاد … والسلام
في السنة التي أصدر فيها قسطنطين الكبير قرار ميلانو[1] سنة 313 الذي بموجبه أعطى الحرية للكنيسة ووضع حدّاً للاضطهادات، ولد في مدينة أورشليم أو في ضواحيها القديس كيرلس الأورشليمي. أما معاصرو كيرلس الذين اشتهر بهم هذا الجيل فهم القديسون: أثناسيوس الرسولي، وغريغوريوس النزينزي، وباسيليوس، وغريغوريوس النيسي، وفم الذهب، وأمبروسيوس، وأغسطينس، وإيرينيموس.
ولكي نفهم نحن رسالة القديس كيرلس الأورشليمي لابد من العودة إلى الوراء لنذكر حالة الكنيسة في مستهل الجيل الرابع وعلى الأخص كنيسة فلسطين.
زمن الغضب:
كانت المسيحية في الجيل الثاني والثالث بالرغم من الاضطهادات ترسي قواعدها قوية. فقد توضحت التعبير العقائدية بدقة وأخذت الطقوس صبغتها النهائية. وتجمع المؤمنون حول أساقفتهم وقويت الكنيسة في حياتها الداخلية- بإيمانها ووحدتها وقوانينها.
هذا كله كان في عالم يحتضر.
فقد كانت الإمبراطورية الرومانية الواسعة الأطراف تتقوض من كل جهاتها. فعم في كل مكان الفوضى والتمرد والحرب وعدم النظام. وكذلك كان الحال من الناحية الأدبية.
ففي منتصف الجيل الثالث استطاع القديس كبريانوس أن يكتب:
“إن عدد المزارعين يتناقص، لقد هجروا الحقول كما أن الملاحين يهجرون البحار والجنود ثكناتهم. فلا ثقة في الأسواق ولا عدالة في المحاكم ولا محبة بين الأصدقاء ولا مهارة في الفنون ولا ضابط للأخلاق. وفي خضم هـذه الشرور التي عملت على خنق النفوس حتى لا تتنفس إلا بالجهد أصبح مجال الشر مفتوحاً…
لعلكم تستغربون إذا رأيتم غضب الله ينزل القصاصات على العالم في الوقت الذي تتزايد فيه الجرائم. إنكم تتشكون من العدو وتقولون لولاه لحلّ السلام بين المواطنين! ولكن لو كفَّ البرابرة عن تهديدكم بالأسلحة وإنزال الدمار بكم فهل تكف خصوماتكم الداخلية؟ هل تبطل افتراءات العظماء وأعمالهم الوحشية؟ إن خصوماتكم وافتراءات عظمائكم لهي أكثر عداوة لكم من البرابرة.
إنكم تتذمرون من المجاعة وعدم الخصب، والسبب الحقيقي في المجاعة ليس هو الجفاف، ولكنه الجشع الذي يجعل التجار يختزنون المواد الغذائية ويرفعون أسعارها فيجعلونها بعيدة المنال.
إنكم تشكون السماء إذ أغلقت في وجوهكم وحبست عنكم الأمطار
لأنكم أغلقتم الأهراء على الأرض. إنكم تشكون من نقص منتجات الأرض لأن الفقراء ليس لهم أنصبتهم في هذه الخيرات. إنكم تشكون الطاعون والأوبئة ولكنها قد سترت جرائم كل فرد.
إن الخوف من الضربات لا يقدر على إرجاع نقاوة الضمير. ومن هذا الشعب الذي يحصده الموت ليس مـن ينكر أن المـوت قريب منه . إننا نرى السلب والنهب وكل واحد يسرع إلى السرقة جهراً ومن غير تردد ويسرق كما لو كانت السرقة أمراً جائزاً وضرورياً، وفي اعتقاده أن من يمتنع عن سلب القريب يرتكب خطأ في حق نفسه أو يلحق ضرراً بمصالحه الخاصة. إن قطاع الطرق يخجلون على الأقل من جرائمهم فهم يختارون للنهب الجهات المنفردة أو الصحاري ويسترون جرائمهم بظلمات الليل.. أما هنا فالجشع يتفشى جهراً وعلى مرأى من الجماهير. ولذا نرى المزورين وسافكي الدماء وصانعي السموم والقتلة في قلب المدينة لا يخشـون شيئاً لأنهم لا يتوقعون قصاصاً رادعاً.
الشرير يظلم البريء ولا تجد من ينصفه فما عاد المجرم يخاف الشاكي أو القاضي، وأضحى الأشرار في مأمن من العقاب لأن المعتدلين يلوذون بالصمت، والشهود يخافون، والقضاة يبيعون ضمائرهم”.
تلك كانت الحالة عندما اعتلى ديوكلسيانس العرش سنة 284.
ولكن ديوكلسيانوس كان ذا بصيرة وحزم. لقد أدرك أنه لن يستطيع تنظيم الإمبراطورية الواسعة الأطراف من غير معين له فوكل إلى مكسيمانس إدارة بلاد الغرب وجعل عاصمته مدينة ميلانو. واحتفظ لنفسه بالشرق وجعل من نيكوميديا (الواقعة حالياً في تركيا) عاصمته؛ وكان كلا الإمبراطورين يحملان لقب أغسطس . وتفادياً للمشاكـل في حالة الوفاة عيّن كل منهما خلفاً له يُدعى قيصر.
ولكن ديوكلسيانوس ما زال في التاريخ آخر الأباطرة الكبار الذين اضطهدوا المسيحية. إلا أنه لم يبدأ بمطاردة المسيحيين إلا بعد عشرين سنة من اعتلائه العرش وذلك عام 303 أي في أواخر ملكه. وفي الواقع أن الاضطهاد الذي شنه على المسيحيين لم يكن إلا النهاية الحتمية لأعماله الإصلاحية.
لا شك أنه كان بعيد النظر فقد أراد منذ اعتلائه العرش أن يقوي سلطانه فحاول أن يعطي لشخصية الإمبراطور طابعاً إلهياً على طريقة الشرقيين وكان ذلك نذيراً سيئاً للمسيحية.
فبعد أن حارب الفوضى حيثما وجدت نجح في قيام الوحدة الإدارية والسياسية في الإمبراطورية وبقيت الوحدة الأدبية التي هدمتها المسيحية، هـذه الديانة الجديدة التي كانت تزداد في تقدم مطرد والتي كانت تبدو كأنها دولة داخل الدولة.
ولذا شن عليها اضطهاداً دموياً عنيفاً. ويقول المؤرخ Lactance إنه أصدر قراراً يأمر فيه بأن يجرد المسيحيين مـن كـل شرف وكل كرامة وأن يساقوا إلى العذاب مهما كانت رتبهم.
ولا يؤاخذ من يوقع بهم أي ضرر، هذا من جانب ومن جانب آخر لا يقبل من المسيحي رفع قضية يشكو فيها من إهانة أو فسق أو سرقة.
هذا فضلا عن حرمانهم جميعاً من الحرية وحق التصويت. أما في فلسطين فقد طبعت القرارات الإمبراطورية بكل شدة وقد ذكر ذلك أوسابيوس المؤرخ في كلامه عن شهداء فلسطين قال:
“وكان فلافيانس يحكم إقليم فلسطين عندما صدر القرار فجأة بهدم الكنائس وإحراق الكتب المقدسة وتجريد المسيحيين مـن وظائفهم إذا أرادوا الاستمرار في الدين المسيحي”. هذا هو القرار الصارم الجائر الذي صدر ضد المسيحيين. وبعد هذا القرار صدرت قرارات أخـرى تأمر بسجن رؤساء الكنائس وإرغامهم بشتى الوسائل على تقديم الذبائح للأصنام.
وفي السنة التالية أصبحت الحرب الموجهة ضد المسيحيين أكثر عنفاً، وكان أورباون حاكم الإقليم، فصدر قرار إمبراطوري يأمر الجميع في كل المدن بأن يذبحوا للأصنام.
غير أن ديوكليسانس ما برح أن ملّ الحكم واشتاق- كما قال هو عن نفسه – أن يذهب إلى مزرعة بدلماسيا لينعم بزراعة الخس. واستقال سنة 305 مع زميله إمبراطور الغرب مكسيمانس. وقد خلفهما على العرش القيصران كونستانس كلور في الغرب وجاليريوس في الشرق واتخذا لقب أغسطس. أما سيفير ومكسيمان فصارا لهما قيصرين.
عندئذ خفت حدة الاضطهاد في الغرب ولكنها استمرت في الشرق تحت إمرة جاليريوس ومكسيمان.
ولما مات جاليريوس سنة 311 أكمل مكسيمانس وحده الاضطهاد
وكانت ضحيته فلسطين كما يروي لنا ذلك أوسابيوس أيضاً فقـد قال:
” للمرة الثانية شنّ علينا مكسيمانس هجوماً آخـر في السنة الثالثة من هذا الاضطهاد فأعلن الوالي أنه يجب على جميع المسيحيين أن يذهبو زرافات ليقدموا الذبائح للأوثان وعهد ذلك إلى غيرة حكام كل بلدة ، ففي مدينة قيصرية انطلق المنادون ينادون الرجال والنساء والأطفال إلى هياكل الأصنام حسب أمر الوالي. وعلاوة على ذلك كان الرؤساء المحليون يقودون الأفراد بناء على قائمة موضوعة. ففي كل مكان كان الشعب غارقاً في عاصفة من المصائب يعجز عن وصفها اللسان.
وفي الواقع لم يكن مكسيمانس قادراً على احتمال تقدم الكنيسة ونموها، إذ كان يبغض الخير ويعادي الناس الصالحين.. ولذا كان يتفنن في اختراعات كثيرة تثير البلبلة وتعوق السلام. فكان يحاول منعنا بأي حجة واهية من أن نجتمع في المقابر، وكان يرسل إلينا أناساً أشراراً بعد أن تشجع أهل أنطاكية وطالبوا بهذا الانتقام ، وهو ألا يسمح لأحد مـن المسيحيين أن يسكن وطنهم وأن يوحي إلى غيرهم بطلب ذلك ، وكان مدبر كل هذا رجلاً خطراً زلق اللسان ومنافقاً يدعى تاوتن”.
الإمبراطورية تعتنق المسيحية:
في الغرب خلف قسطنطين (أباه كونستانس كلور) سنة 306 وكان في ذلك الوقت في بلاد الجول (فرنسا الحالية) وكان عليه أن يغزو بجيوشه إيطاليا التي كان قد استولى عليها مكسيمانس. في ذلك الوقت حدثت الرؤيا الفجائية التي رواها لنا لاكتنس معلم ابنه كما رواها لنا أوسابيوس مستشاره. كان قسطنطين يقترب من مدينة روما، وإذ هو يرى صليباً عظيماً متلألئاً بالأنوار مع هذه الكتابة ” بهذه العلامة ستنتصر “. حينئذ أمر بوضع الصليب على الأعلام وعلى تروس الجند . وفي 28 أكتوبر سنة 312 تغلب قسطنطين على عدوه مكسيمانس بالقرب من روما عند كوبري ميلفيوس وأصبح وحده منذئذ إمبراطور الغرب تاركاً الشرق إلى ليسنيوس الذي كان قد أعانه في الانتصار على مكسيمانس . وبدوره تخلص ليسنيوس من خصمه مكسيمان.
شعر قسطنطين بأن المسيحية قد تستطيع إفادته فاعتنقها وليس ذلك فقط ولكنه أيضاً اجتذبه إليها جمال تعاليمها.
ولما كان قبل كل شيء رجلاً سياسيّاً فقد رأى أن يكسب المسيحيين الذين كانوا يتزايدون في أنحاء الإمبراطورية، وكان ذلك من باب السياسة أكثر منه من باب الاقتناع بالمسيحية.
فاتفق مع ليسنيوس ليضع حدّاً للاضطهادات ووقّـع معه في سنة 313 قراراً بإعطاء الحرية للدين المسيحي . وبذلك أصبح للمسيحية الحق في أن يكون لها مكان في أنحاء الإمبراطورية كباقي الأديان الأخرى، وبالفعل أخذت المسيحية مكان الصدارة في الإمبراطورية حتى صـارت ديناً للدولة.
ولكن في الشرق لم تدم السياسة التي بدأها قرار ميلانو طويلاً. فمنذ عام 314 – عندما اختلف ليسنيوس مع قسطنطين – شنّ ليسنيوس الاضطهاد ضد المسيحيين. فطردوا من وظائفهم الإدارية ومن الجيش وحددت حرية الاجتماعات المسيحية وهدمت الكنائس وحكم على رجال الدين بالشغل في المناجم أو بالإعدام.
وقد ساعد كـل هذا على اتساع شقة الخلاف بين الإمبراطورين ولكن أخيراً انهزم ليسنيوس فأقاله قسطنطين. وبهذا وحّد الإمبراطورية لمنفعته الشخصية وأرجع إلى الدين حريته.
ولما أمن المسيحيون أخذوا في تضميد جراحهم وتشييد الكنائس التي دمرتها الوثنية والتعصب.
ومن ناحية أخرى كسبوا عطف قسطنطين المتزايد الذي بدأ في تشييد الكنائس العظمى في روما: مثل الفاتيكان- والقديس يوحنا اللتراني- والقديس بولس خارج الأسوار.
وفي الأراضي المقدسة بفضل تقوى أم الإمبراطور لبست أورشليم مهد المسيحية أبهى زينتها.
فقد كان الإمبراطور أوربانس قد غيّر اسم مدينة أورشليم فسماها (ليلى كابيتون ) فأعاد قسطنطين إليها اسمها القـديم أورشليم ( القدس الحالية ) ، وكانت هياكل الأصنام المكرّسة للإله زوس والزهرة تدنس المدينة المقدسة في أقدس أماكنها فكان هيكل الزهرة يرتفع على جبل الجلجلة، فأزيل في عهد الأسقف مكاريوس، وقد اكتشف قبر المسيح والصليب الحقيقي. وأقيمت كنيسة جميلة في مكان الجلجلة ضمت في شكل دائري القبر المقدس ودعيت أنسطازيس Anastasis أي “كنيسة القيامة”. وقد افتتحت رسمياً سنة 335 بينما كانت القديسة هيلانة تبني كنيسة في جبل الزيتون وأخرى في بيت لحم.
وقام في هذا الوقت بالذات في مصر وفلسطين حركة الحياة الرهبانية التي ضمت نخبة المسيحيين فكانوا يعتنقون الحياة الرهبانية تواقين إلى الكمال، وكان النساك والشركات الرهبانية تدل على حيوية المسيحية وازدهارها.
أخطار السلام:
ولكن هذه الحالة التي خلعها الإمبراطور على المسيحيين كانت لها أخطارها. فكان الأباطرة يتدخلون مباشرة وجهاراً في الشئون الكنائسية وقد دفعت الكنيسة غالياً عطف السلطة المدنية عليها خصوصاً عندما كان الإمبراطور يعتقد أنه لابد أن يتدخل في المسائل العقائدية وكان هذا الإمبراطور لا يمثّل التعاليم الصحيحة.
وقد بـدت هـذه الأخطار واضحة في عهد قسطنطين بمناسبة هرطقة أريوس.
ولابد لنا من الوقوف على هذه الهرطقة لأن كيرلس الأورشليمي حاربها طويلاً.
إن بدعة أريوس كانت بلا شك أخطر الأزمات التي اجتازتها الكنيسة.
فقد كان أريوس كاهناً من الإسكندرية زعم أن الله لمّا أراد أن يخلق
العالم، خلق أولاً الابن أو الكلمة، وبالكلمة خلق الله العالم. ثم تجسد الكلمة لخلاص البشر.
وإنه لمن السهل استخراج النتائج الوخيمة من هذا التعليم الباطل. فالكلمة خليقة الآب تغاير طبيعته والكلمة غير مساو للآب. وبذلك كان أريوس يهدم عقيدة التثليث، إذ أنه بتعليمه هذا يعلم بأن الابن ليس إلهاً مثل الآب. فكيف نقول إن المسيح هو إله إذا كان مخلوقاً. وبذلك يتقوض الإيمان المسيحي: فيفقد التجسد والفداء معناهما إذا كان المسيح ليس إلهاً مساوياً للآب…
حدثت هذه الهرطقة سنة 321 ومن مصر انتشرت هذه الهرطقة إلى الشرق لا سيما أن أريوس الذي كان رجلاً محبوباً وزاهداً في حياته، كان يفرض شخصيته على الجميع، ومن ناحية أخرى معروف ميل الشرقيين إلى الجدال. وكثيراً ما كان مسيحيو الشرق يهتمون بأن يحيوا ديانتهم على قدر ما كانوا يشرحونها. وكان أريوس معروفاً بحدة ذهنه ولباقة أسلوبه ومهارته في الجدال ولذلك وجدت كل هذه الصفات مرتعاً خصيباً في نفسه.
وقد وجد أريوس من يستند إليهم وقد كسب إلى جانبه مسيحيين كثيرين لا بل أساقفة. وفي فرصة وجيزة تحول النقاش إلى حرب ما بين حزبين، حزب مع أريوس وآخر ضده، وهكذا أصبحت وحدة الكنيسة الشرقية مهددة بالخطر.
ولما كان قسطنطين يحرص قبل كل شيء على الوحدة في إمبراطوريته ولم تعجبه هذه الخلافات أمر بانعقاد مجمع مسكوني في مدينة نيقية في تركيا
الحالية سنة 325.
وقد كشف خطاب الإمبراطور للأساقفة المدعوين للمجمع اهتمامه بالمسيحية كما كشف أيضاً عن تدخله في أمور الكنيسة.
فإن الإمبراطور كان يظن أنه يجب أن يملك على كل شيء.
فكتب يقول:
لا شك أنه لا يوجد أحد يجهل أن شيئاً يهمني أكثر من التمسك بالله… فقد بدا لي أمراً نافعاً التئام مجمع في مدينة نيقية في إقليم بيتينا والذهاب إلى المجمع سيكون سهلاً لأساقفة إيطاليا وأوروبا ومناخ هذه المدينة الصحي يجعلها المكان الأكثر ملاءمة مما يجعلني أنا من ناحيتي أن أكون حاضراً وأشترك مع الآباء المجتمعين، ولهذا أيها الإخوة الأعزاء أبعث لكم برغبتي في أن تتوجهوا إلى مدينة نيقية بدون تأخير للحضور للمناقشات وأطلب من الله أن يحرسكم أيها الإخوة الأعزاء.
وبعد مناقشات طويلة حرم المجمع هرطقة أريوس محدداً أن يسوع المسيح ولد قبل الأجيال وهو إله من إله ، نور من نـور ، مولود غير مخلوق، له وللآب جوهر واحد.
أما أريوس فلم يقتنع ولم يعترف بالهزيمة بل دبر المؤامرات ورغم كونه حرم من ثلثمائة أسقف على ثلثمائة وثمانية عشر نجح في أن يكتسب كثيرين إلى هرطقته.
الجزء الثاني
للحقيقة وجه واحد فقط
الواعظ البسيط:
كان كيرلس الأورشليمي يبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة حينما ذهب الأساقفة إلى المجمع النيقاوي، ونحن لا نعرف شيئاً عن أقارب هذا القديس كما لا نعرف شيئاً عن أيام شبابه.
فإن كان راهباً فهو لم يعش في الصحراء ولا في أحد الأديرة ولكنه خصّص أيامـه ولياليه في الصلاة والتقشف في أحـد بيوت المدينة حيث لم يكن يخرج إلا ليذهب لأداء الصلاة مع المؤمنين. وعندما كان يقول: “هل يوجد أنفع من الليل ليصبح الإنسان حكيماً” فإنما كان يتكلم عن خبرة لأنه غالباً في الليل يتأمل الإنسان في الأمور الإلهية ويتفهمها.
وفي عام 343 كان كيرلس في الثلاثين من عمره، وسيم كاهناً على يد مكسيم أسقف أورشليم وهو أحد المجاهدين القدماء وقد فقد عينيه ورجله إبان اضطهادات مكسيمان الذي أرسله للعمل في المناجم.
وبعد خمس عشرة سنة طلب منه الأسقف مكسيم أن ينوب عنه في تعليم الموعوظين، فهذه التعاليم هي كل ما تركه لنا من المؤلفات وبها نستطيع أن نرسم صورة لكيرلس الأورشليمي.
إن البساطة هي الصفة الأولى التي تصادف القارئ. فقد كان كيرلس بسيطاً في إيمانه وفي تعليمه فإنه لا يؤلف مصنفات لاهوتية تتصف بعمق النظريات ، إنما يريد فقط أن يجعل حقائـق الإيمان في متناول الجميع . ونراه يصل إلى هدفه فإنه يظل دائماً على صلة بمستمعيه وحديثه يظل دائماً مباشراً وكأنه يتحدث إليهم في لهجة العامة.
إن مؤلفات كيرلس الأورشليمي ليست هي مؤلفات العالم والمفكر الجالس على مكتبه، ولكنها مؤلفات حية، فنشعر أنها كانت مرتجلة في معظم الأحيان.
فإنه يستعمل التشبيهات البسيطة والمقارنات المحسوسة في توضيح الحقائق الإيمانية وتقريبها إلى العقول البسيطة.
وحججه أيضاً تتصف بنفس البساطة ؛ إنـه يستند إلى الكتاب المقدس ففيه يجد غذاءه وموضوع تأملاته، قبل ارتقائه إلى الكهنوت . وكان كيرلس متشبعاً بآيات الكتب الإلهية فينطق بها في سهولة وغزارة وإليك مثالاً على ذلك:
فإنه يقول: لنرجع الآن إلى الكتب المقدسة لنشرب الماء من جبنا وحبنا معيناً مما في بئرنا (أمثال 15:5) أي نشرب من إيمان آبائنا لنشرب الماء الحي الذي ينبع إلى حياة أبدية (يوحنا 14:4)…
فنفهم حينئذ أن هذه الأفكار ليست من قبيل النظريات العميقة ولكنها تأملات بسيطة يستنبط منها دروساً أدبية مفيدة.
وستـرى أن شرح صلاة “أبانا الذي” الذي ننشره في الجزء الثالث
من هذا الكتيب أعظم برهان على ذلك.
ولا غرابة في كون تعاليم كيرلس الأورشليمي لا يشوبها الغموض فإنه لا يريد أن يدعي العلم ولا القداسة، فإنه يتمنى أن يكون مستمعوه أحسن وأعظم منه إذ يقول : التلميذ يستطيع أن يكون أفضل مـن معلمه . وفي غير الحقائق الجوهرية يظـل كيرلس متزنـاً . . . بعيداً عن الشطط فإنه مثلاً يدافع عن الجسد ضد الذين يهاجمونه ولا يريدون ن يعترفوا بالطبيعة البشرية على أنها ملاك وحيوان في الوقت نفسه ، فنقول إن الإنسان جسد وروح وكل عنصر من هذين العنصرين له سموه وله وظيفته. نعم إن الجسد يقود إلى الخطيئة وبـه تظهر الخطايا . . . ولكن كيرلس يفضل أن يـرى في الجسد ماكينة عظيمة مجهزة على أحسن ما يكون الجهاز تبعث بالإنسان إلى الإعجاب بقدرة الخالق.
إن كيرلس يجد أصبع الله في كل شيء ولذا فكثير من صفحات مؤلفاته قد أضفى عليها كثيراً من الأحاسيس الشاعرية. فإن هذا الأسقف عرف كيف يتغنى بمباهج الربيع وجمال الأزهار، وعندما يستنشق الإنسان رائحة الله الذكية فـإن المناقشات العلمية تبدو أقل ضرورة للإيمان به تعالى.
إن كيرلس يشعر بعظمة وجلال الله وهو بذلك يشبه إلى حد كبير العالم الفرنسي باسكال الذي حاول أن يترجم معنى اتساع غير المحدود لهذا العالم قال: “إن العالم كرة مركزها في كل مكان ودائرتها لا تقف عند حدود”.
إن كيرلس سبق أن عبر بكلمات أبسط عن هذا المعنى العميق.
وفي مكان آخر تكلم عن عجز الإنسان عن حصر ذاتية الله في تعبير دقيق . ويلح في التحفظ فيما يختص بالحقائق التي تبـدو أنها لم يتم تجديدها بالكفاية معترفاً مثلاً أنه بخصوص الروح القـدس يلـزم الاكتفاء بما جاء عنه في الكتب المقدسة وعدم البحث والتعمق في هذا الشأن، وأنه يحافظ على معنى أسرار الديانة ويحترم غوامضها.
إنه لا يهتم كثيراً بالمشاكل الفلسفية واللاهوتية ولكنه يتمسك بالحقائق الإلهية في بساطة وقوة . فمن ناحية فإنـه يكتفـي بـأن يؤمن بما يقرؤه في الكتب المقدسة وبما تقوله الكنيسة ولذا نراه لا يتشكك بالرغم من تألمه من أن يرى الأساقفة يقومون ضد بعضهم البعض ويتحاربون ويتقاتلون. وليس في ذلك ما يدعو إلى العجب- لقد وجدت الخيانة ما بين الرسل أفمن العجيب أن بعض الأساقفة يتباغضون.
ولذا نجده يتمتع بسلام كبير في النفس. ونرى إيمانه لا يعتريه شيء من التشكك. فبعـد أن عبّر عـن إيمانه بقيامة الأجساد يقول إن كثيرين لا يؤمنون بهذه العقيدة، فإن اليونانيين والسامريين ينكرونها والهراطقة يذهبون فيها مذاهب متنوعة . ويختتم قوله بهذه البساطة المقرونة بالدقة: “إن الضلال له صور متعددة ولكن الحقيقة لها وجه واحد”.
وهذا الوجه الأوحد هو الذي سيدافع عنه كيرلس عندما يصير أسقفاً.
الأسقف في وسط الآلام:
صار كيرلس أسقفاً لأورشليم في عام 348. فهل فرضه أكاسيوس أسقف قيصرية فرضاً أم انتخب طبقاً للقواعد الموضوعة؟ لا ندري؛ فإن ظروف سيامته الأسقفية غير واضحة. على كل حال إذ كـان أكاسيوس له يد في وصوله إلى هذه الرتبة فهو لن يغفر لأكاسيوس فيما بعد عدم طاعته وعدم عرفانه بالجميل.
وفي 7 مايو سنة 351 ظهر نور في السماء لعله كان صليباً. وهذا الحادث ارتجت له المدينة المقدسة أورشليم، فبادر كيرلس فرحاً يكتب للإمبراطور ليعلمه بهذا الحادث.
وبذلك بدأت أسقفيته بداية طيبة ولكن هذه البداية لم تدم طويلاً. فإن مجمع نيقية كان قد قرر إعطاء الأولوية لأسقف أورشليم على بقية أساقفة فلسطين بينما كان هذا الامتياز خاصاً بأسقف قيصرية. ولكن أكاسيوس (أسقف قيصرية) كان أحد الأساقفة الذين سقطوا في حبائل أريوس، ففي هذه الظروف كيف يستطيع أكاسيوس أن يقبل بدون معارضة أن يكون مكانه بعد كيرلس الأورشليمي الذي لم يكن يشاركه آراءه، ومن ناحية أخرى كان كيرلس أسقف أورشليم يعتمد على تحديدات المجمع النيقاوي.
واستناداً على أن كرسي أورشليم هو أحد الكراسي الرسولية كان كيرلس يرفض الرضوخ لأكاسيوس.
ولكن كان كنستنس يظهر عطفاً متزايداً للأريوسيين فهذا مـا كان
ينتج للكنيسة من تدخل الأباطرة في المسائل الكنسية. وإذ كان أكاسيوس يشعر بأنه قوي بتقربه من الإمبراطور وجد الفرصة سانحة ليشكو عدوّه كيرلس.
فإن أحد الناس كان قد رأى على المسرح ممثلة ممتلئة تلبس ثياباً عرف أنها من قماش سبق أن أهداه إلى الكنيسة فأخذ يتحرى، فإذا بالتاجر يعترف بأنه اشتراه من الأسقف مع بعض الأواني المقدسة ، فيا له مـن شكوك. مع ذلك كانت الحقيقة أن الأسقف كيرلس في أيام المجاعة كان قد باع بعض الأواني غير المستعملة وبعض الأقمشة الثمينة لإغاثة الفقراء في هذه المجاعة وأسرع أكاسيوس بعقد مجمع من الأساقفة وأخذ يقرع كيرلس باختلاسه الأموال الكنسية، وبما أنه في هذه الأيام كانت كل شكوى تقترن بشكاو لاهوتية فقد اتهمه بأنه يخلط بين الأقانيم الثلاثة في جوهر واحد.
وحينئذ حوكم كيرلس وجرد من منصبه، مع ذلك لم يقبل بدون معارضة هذا القرار الجائر، فلجأ إلى مجمع آخر فبرأ ساحته. أثناء ذلك حضر أكاسيوس بنفسه على رأس شرذمة من الجند لينفذ القرار بطرد كيرلس من مدينته الأسقفية وإحلال أحد الأساقفة الأريوسيين محله.
فنفى كيرلس إلى أنطاكية أولاً وبعد ذلك إلى طرسوس، أما أكاسيوس فقد حاول بدون جدوى اضطهاد أسقف هذه المدينة وكان يدعى سلفانس.
أمّا هو فقد أذن لزميله كيرلس أن يباشر أعماله الأسقفية في إيبارشيته.
لقد كانت صداقته خطيرة مع الأسف، فإن سلفانس لم يكن أرثوذكسياً،
فقد كان ينتمي إلى مذهب القائلين بأن الابن مشابـه للآب مـن غير إضافة توضيحية لهذه الكلمة (كان أصحاب هذه الشيعة يدعون “هومائيين” نسبة للفظ “هومويوس” اليونانية ومعناه شبيه).
وقد اشترك كيرلس في اجتماعاتهم وهذا ما جعله عرضة لانتقادات كثيرة، ومع ذلك بفضل هؤلاء الرجال استطاع أن يوقع الحرم على أكاسيوس واستطاع كيرلس العودة إلى أورشليم وذلك عام 359 في مجمع سلوقية.
ولكنه لم يمكث فيه طويلاً، ففي السنة التالية ثأر أكاسيوس لنفسه، فعقد مجمعاً في القسطنطينية وحرضه على حرم الهومائيين ومن ضمنهم كيرلس فعاد إلى المنفى، ولربما مكث هذه المرة بالقرب من صديقه أسقف أنطاكيا، فالتاريخ لا يقطع بذلك.
أما كنستنس فقد مات في 3 نوفمبر سنة 361 في نفس الوقت الذي كان يستعد فيه لمحاربة ابن عمه جوليانس الذي نادت بـه قواته إمبراطوراً في باريس.
إن جوليانس الذي سماه التاريخ ” الجاحد ” رجل يسترعي الانتباه حقاً. كان قد تربى في الديانة المسيحية ولكنه بعد عهد بـه إلى أساتذة وثنيين فأثّروا عليه وعلموه الديانة الإغريقية والعبادات الشرقية وجعلوه يحبهما.
وقبل أن ينادي به إمبراطوراً كان هذا الرجل المثقف يفضل البقـاء في باريس التي أثنى عليها جميل الثناء، وعندما جلس على العرش حارب المسيحية لا بالسيف والعنف وإنما بالدهاء والمكر . فقد حاول أن يعيد الحياة إلى العبادات الوثنية القديمة، وأعاد فعلاً بناء الهياكل حيث حضر بنفسه ليقرب الذبائح وكان يسمى المسيحيين جليليين، وكان يحاول أن يتجاهلهم بعد أن أبعدهم عن الوظائف الرسمية كما حرم عليهم القيام بالتدريب ولم يكن يهتم بالمشاكل اللاهوتية. بل كان يفرح برؤية المسيحيين يقتتلون فيما بينهم متذكراً أن كل مملكة تنقسم على نفسها تسقط. ومن دهائه ومكره أنه أمر باستدعاء الأساقفة المنفيين إلى كراسيهم كاثوليكيين كانوا أم أريوسيين.
فاستفاد كيرلس مثل الآخرين من هذا الأمر واستطاع أن يعود إلى أورشليم سنة 362.
الدفاع المستميت عن الإيمان:
أخذ كيرلس يدبر بسلام أبارشيته لمدة خمس سنوات بالرغم من بعض الصعاب في أوائل سنة 366 مع الأريوسيين القاطنين بقيصرية عند وفاة أكاسيوس بمناسبة اختيار خلف له، ولكن في هذا الوقت كانت الحالة تدعو إلى القلق.
فإن جوليانس لم يجلس طويلاً على العرش فإنه مات سنة 363 في حرب ضد الفرس. مات وهو يقو “لقد غلبتني أيها الجليلي”.
وخلفه جوفيانس الذي كان مسيحياً، بل مسانداً للأرثوذكسية وقد أسرع في إلغاء قرارات جوليانس.
ولكن جوفيانس مـات مع الأسف بعد ثمانية شهور من جلوسه على
العرش سنة 364 ونادى الجيش بالإمبراطور فالنتيانس خلفاً له وقد أشرك أخاه فالنس في الإدارة فتنازل له عن إدارة الشرق.
فبدأت البدعة الأريوسية تزول من الغرب لأن فالنتيانس كان معادياً لها، ولكن فالنس ساندها في الشرق وطارد الكاثوليك بعداء مستميت ونفى الأساقفة الذين كانوا قد أطاعوا قرارات مجمع فينيقيا.
ولما كان كيرلس معروفاً بأنه عدو للأريوسية اضطر أن يترك أورشليم مرة أخرى وحل محله أسقف أريوسي واستمر في المنفى إحدى عشرة سنة حتى سنة 378. ولا شك أنه في تلك السنين – سني المنفى – كان يذكر ما كان يقوله منذ بضع سنوات مضت ” غالباً يضطهـد المسيحي ويحتقر من أجل المسيح ويعرض للاستشهاد ولكن الروح يهتف قائلاً: انتظر الرب أيها الصديق إن ما يصيبك يسير، لأن الجزاء كبير، إنك تتأقلم لفترة قليلة ولكنك ستحيا إلى الأبد مع الملائكة”.
ومن السهل علينا أن نفهم كم كان يقاسي في فترات النفي عندما كان يذكر قطيع المؤمنين المتروكين لهجمات أعداء الإيمان.
ونفهم أيضاً مقدار العذابات التي كان يقاسيها أمام تمزيق الكنيسة واضطهاداتها ونرى ذلك حتى في تعاليمه. فإنه يتكلم عنها0 وينددها، ولعله كان يرى فيها علامات نهاية العالم. ولعله كان يظن أن هذه الفوضى معناها قرب ظهور المسيح الدجال، وكان يستند إلى رسالة القديس بولس القائل (2ت-7) إن سر الإثم قد أخذ في العمل. وأردف قائلاً إن الحروب الخارجية تخيفني والانقسامات التي تفصل مـا بين الجماعات المسيحية تقلقني والبغضاء التي تفـرق بين الإخوة تزعجني . فإنه كان يحتسب أن هذه الخلافات ستهـدم الكنيسة أكثر مـن الاضطهادات إذا كـان الله لا يحميها فإنه كان يقول إن الكنيسة الآن واأسفاه ملأى بالأعداء الخفيين.
إن إخلاص كيرلس نحو الكنيسة يظل إحدى السمات التي يتسم بها.
وكان موضوع إخلاصه هذا نحو كنيسة المسيح معيناً لا ينضب فقـد كتب يقول: لو كنت أريد أن أقول كل شيء بخصوص هذا الموضوع فإنه يلزمني وقت طويل لأشرح جميع جوانبه.
ولقد كان منظر الكنيسة الممزقة يثير فيه كوامن الحزن والضيق، وهذا الرجل الذي طالما عرفناه محبّاً للسلام كان يثيره الأسى إلى حد الشدة والقسوة. لذا نراه قوياً لا تلين له شكيمة في خلافه ضد أكاسيوس فإذا كان يقاومه ليحافظ على الكرسي الأورشليمي فإنه لم يكن من باب العجب الباطل ولكن ليحمي شعبه ضد الراعي غير الشرعي، في هذه الآونة كان يظهر قاسياً وقد صوره أحدهم قائلاً فيه: إن كيرلس كان متوسط القامة شاحب اللون وكان شعره غزيراً أبيض وطويلاً يتدلى على وجنتيه- أنفه أفطس وفمه كبير ووجهه متسع وحاجباه مرتفعان وشعرهما أسود فكان منظره الخارجي في مجموعة فيه شيء من الصلابة.
أما الإمبراطور جراسيانس فقد جلس على عرش إمبراطورية الغرب سنة 375 وكان مسيحياً صالحاً فقد عمل على إزهاق بقايا الوثنية، فقد أخرج من دار مجلس الشيوخ تمثالاً لإله الانتصار وكـان أعضاء هذا المجلس لا يزالون يحرقون البخور أمامه ومنذ أن تولى الحكم ، أذن لجميع
الأساقفة الذين نفاهم سلفه أن يعودوا إلى مدنهم.
وقد أفاد كيرلس من هذا القرار فعاد إلى أورشليم في أواخر سنة 378 فوجد أنه أثناء غيابه كانت كل الهرطقات قد تقابلت في هذه المدينة المقدسة. وقد روى عن ذلك القديس غريغوريوس النيصي الذي زار فلسطين في هذه الآونة فقـال : لا يوجد الآن أي نـوع مـن الأرجاس إلا وظهر في هذه البلاد بدون ما حياء. الانحراف والفسق والسرقات والسموم والافتراءات والقتل، وبالاختصار كل هذه الجرائم من هذه الأنواع قد اختارت هذه البلاد مقرّاً لها.
أما كيرلس فقد أمضى آخر سني أسقفيته لإعادة السلام، ولكي يسلك الجميع الطريق السوي.
ولابد أن يكون قد نجح في هذه المهمة العظمى لأن آخر شهادة يعطيها التاريخ هي ثناء عاطر.
فقد اجتمع الأساقفة سنة 382 بمدينة القسطنطينية وأرسلوا إلى البابا دماسيوس خطاباً شرحوا فيه حالة الكنيسة في الشرق:
إننا نحيطكم علماً أن الكنيسة أم سائر الكنائس كنيسة أورشليم التي تعرف من عهد طويل أسقفها الجليل والورع جدّاً كيرلس الذي سبق اختياره سابقاً حسب القواعد المرعية من أساقفة القطر الذي يعيش فيه وفي أوقات مختلفة قد حارب كثيراً ضد الأريوسيين.
وقرب هذا الوقت كان السلام قد عاد إلى ربوعه فقد مات فالنس وجلس على العرش الإمبراطور تادوسيوس وفيه وجدت الكنيسة مدافعاً صالحاً.
وقد مات كيرلس في مارس سنة 386 بعد أن عاش أكثر من سبعين سنة وقد أمضى 38 سنة أسقفاً منها ست عشرة سنة في المنفى. ولكن هذه الثماني والثلاثين سنة كانت كلها جهاداً في سبيل الله وفي سبيل الكنيسة.
الجزء الثالث
كان يقودهم إلى النور
لماذا نقرأ كتابات كيرلس الأورشليمي؟
ما هي الفائدة التي تعود على المسيحي اليوم من قراءة الأربع والعشرين عظة التي وجهها كيرلس إلى الموعوظين في أيامه؟
من الذي لم يحلم يوماً بأن يرى من وراء الأجيال أجداده في المسيحية ليشاركهم أفراحهم وأحزانهم؟
إن كيرلس هو بلا شك الذي يجعلنا نشعر بإحساس قوي بحياة إخوتنا السالفين وخصوصاً في اللحظة الفريدة والحاسمة لدخولهم في حضن الكنيسة.
إننا للأسف نتعود على كل شيء حتى على أن نكون مسيحيين… إننا ندخل كأبناء للكنيسة بكل بساطة بضعة أيام بعد ولادتنا بدون أن تؤخذ تعهدات شخصية، يلزمنا بعض الظروف الخاصة لكي توقظ إيماننا الراسب في أعماقنا ولكي تجعلنا نحس إحساساً قويّاً بأهمية العماد المقدس. فإن الذين كان لهم هذا الامتياز – بل نقول هذه النعمة – بأن يحضروا عماد أحد البالغين، قد شعروا بإحساس قوي أمام هذا العمل الإرادي والرجولي حيث نرى فيه يد الله.
هذا ما يدعونا إليه كيرلس عندما نقرأ مواعظه. إن ملامح الوجوه قد
تكون باهتة ولكننا نتعرف من خلالها على أنفسنا.
إن الكنيسة حفظاً لبعض الأنظمة اللازمة قد غيرت بعض الطقوس التفصيلية ولكن الجوهر ما يزال قائماً.
فبأي شعور نرى بين سطور مواعظ كيرلس الأورشليمي مسيحيي الجيل الرابع يدخلون في جماعة المؤمنين بالعماد ويحيون قداستهم ويتناولون نفس المسيح الذي نتناوله نحن.
يقول الأب دانيلو Danielou إن الطقوس التي تحيط بالأسرار تبدو للمؤمنين أنه مصطنعة ، وأحياناً غير موافقـة لعاداتهم ولكن عندما نتأمل في مراميها حينذاك نتذوقها.
ففي هذه الأيام طقوس العماد هي على نوع ما مختصرة لما كان في الماضي، فيسهل إذن أن نجـد في صـلاة القداس المراحل التي وصفها كيرلس ونفهمها فهماً أدق.
ولكن لكي نفهم معنى كتابات كيرلس لابد من أن نعرف بإيجاز كيف كانت تباشر التهيئة الأولية للمسيحيين في الأجيال الأولى للكنيسة.
إذا ما قبل الإنسان المسيحية كان معنى ذلك أنه بذات الفعل يقبل الالتزامات الثقيلة التي ربما كانت تؤدي به إلى الاستشهاد، ولذا لم تكن تقبل الكنيسة – إلا في خطر الموت – غير البالغين وفقط الذيـن كانوا يعتقد فيهم الثبات في الشدائد، ولذا كان على الراغبين في الدخول في المسيحية أن يمروا بفترة مران أو تهيئة قد تكون طويلة.
فهؤلاء المدعوون إلى المسيحية وهم الموعوظون كان الأسقف يعدهم
رويداً رويداً معلماً إياها أسرار الديانة المسيحية وحياة السيد المسيح وتعاليمه ويتدربون على ممارسة الفضائل المسيحية.
وعندما كان يرى الأسقف أنهم قطعوا شوطاً في التعليم كان يعدهم أثناء الصوم الأربعيني لسلسلة من التمارين القويـة ليستعدوا استعداداً مباشراً للسر العظيم الذي كان يأذن لهم بالدخول رسمياً في حضن الكنيسة.
الصوم الأربعيني بأورشليم:
ففي الأحد الأول من هذا الصوم كان الموعوظون يسجلون أسماءهم لدى أحد الكهنة.
فبعد هذا التسجيل الذي به يتجمعون كجنود للمسيح حسب تعبير القديس كيرلس كانوا يستطيعون أن يشتركوا في التمارين التي كانت تبدأ منذ الغد.
فكل صباح حوالي التاسعة كان الاجتماع بكنيسة الجلجلة، وبعد الصلاة كـان الموعوظون يحضرون جحد الشيطان ، فـإن الدخـول معناه قبل كل شيء التخلي عن الشيطان. وبعد ذلك كان الأسقف يجلس على كرسيه ومن حوله الكهنة يجلسون، بينما ذوو الرتب الصغرى والمستمعون له من العلمانيين كانوا يظلون وقوفاً.
ففي اليوم الأول يتقدم طالبو العماد مع أقاربهم ومع الأشبين للرجال والأشبينة للنساء وكان الأسقف يفحصهم.
هل هـذا الطالب حسن السير والسلوك؟ هل يطيع والديه ؟ هل في
حياته بعض الرذائل؟
وبعد هذا الفحص كان الأسقف يعظ كما كان يعظ كل يوم . وهذه العظات الموجهة للموعوظين هي التي تدعى التعاليم للموعوظين Catéchèses وكان الأسقف يستطيع أن يعين كاهناً بسيطاً بدلاً عنه. وبهذه الصفة قام كيرلس بتعاليمه للموعوظين باسم الأسقف مكسيم.
أثناء الخمسة الأسابيع الأولى كان الواعظ يشرح الكتاب المقدس وكان يعطي ملخصاً مبدئياً للإيمان، عندئذ كان الموعوظون يتعلمون قانون الإيمان الذي وضعه الرسل وكان موضوع عظات الأسبوع السادس والسابع. وهذا عين عم كيرلس الأورشليمي: تعليم مسيحي مبدئي وشرح بسيط ومباشر لقانون الإيمان.
يوم أحد الشعانين كان طالبو العماد يأتون واحداً واحداً يقرأون قانون الإيمان بين يدي الأسقف الذي كان يوجه إليهم بعض الإرشادات.
إنكم في هذه الأسابيع السبعة قد تعلمتم الكتب المقدسة والإيمان وقيامة الأجساد وأشياء أخرى. ولكن بما أنكم موعوظون فإنكم لا تستطيعون أن تفهموا أسراراً أعمق مثل العماد، ولكن بعد قبول هذا السر أثناء الثمانية أيام التي تلي الفصح ستبتدئون بعد القداس تتعلمون في كنيسة القيامة أعمق أسرار الدين المسيحي.
ولذا نرى أن الكنيسة في عصور الاضطهادات لم تكن تكشف لأبنائها من باب الفطنة أجزاء من الوحي بعد العماد.
وكان الواعظ في أسبوع الآلام ينقطع عن الوعظ، وكان الموعوظون
يستعدون بالصلاة لليلة القيامة.
وفي هذه الأمسية التي يدعوها القديس أغسطينس أم جميع الأمسيات المقدسة وفيها العالم أجمع يظل ساهراً، كان الموعوظون يقبلون من يد الأسقف أسرار العماد والتثبيت والافخارستيا.
فبعد أن يكونوا جحدوا الشيطان في مدخل المكان المؤدي إلى المعمودية كان الموعوظون يدخلون إلى الكنيسة حيث يخلعون ملابسهم قبل أن ينزلوا إلى المعمودية حيث كـانوا يقبلون العماد فيصيرون ” المولودين جديداً ” Les Néophytes لأنهم كانوا يولدون ولادة جديدة، الولادة للنعمة. وكانوا بعـد ذلك يلبسون ثوباً أبيض ، ويظلون يلبسونه طيلة الأسبـوع الأول من الفصح ثم يقبلون سر التثبيت بينما جميع الشعب حـول الأسقف كـانوا يحضرون الاحتفال بالذبيحة الإلهية.
إننا نعرف جيداً كيف كانوا يقضون أسبوع الفصح مما كتبته راهبة إسبانية تدعى أثيريه أتت لزيـارة القـدس في الجيل الرابـع ولا شـك في الجيل الذي كان فيه كيرلس الأورشليمي أسقفاً . قالت : ” عندمـا تأتي أيام الفصح ولمدة ثمانية أيام يتوجه المعمدون مرتلين الأناشيـد إلى كنيسة القيامة وبعد الانتهاء من الطقوس التي بعدهـا يخرج غير المعمدين تقام صلاة خاصة ويبارك الأسقف المؤمنين ثم يقف وراء الحاجز الـذي يقـوم أمـام مغارة القيامة ويشـرح وهـو مستند على هذه المغارة كل ما يعمل في العماد.
وفي هـذه اللحظة لا يجـوز للموعوظين أن يدخلوا كنيسة القيامة.
وللمعمدين الحديثين والمؤمنين فقط الذين يريدون سماع العظات على الأسرار أن يدخلوا وحدهم.
فتغلق الأبواب لكي لا يدخل أحد الموعوظين وبينما الأسقف يشرح كل هذه المسائل يهتف السامعون له بأصوات قوية بحيث تسمع في خارج الكنيسة لأنه يشرح لهم شرحاً هكذا واضحاً وقوياً حتى إنه لا يستطيع أحد أن يحبس شعوره أمام ما يسمعه”.
وأثناء الأسبوع الفصحي الأول كله يظل المعمدون الجدد أبطال العيد يحتفظون بملابسهم البيضاء حتى الأحد التالي، من أجل ذلك احتفظ في الطقوس اللاتينية بهذه التمسية: أحد خلع الملابس البيضاء Albis deponendis ومن هذه اللحظة كانوا يدخلون في جماعة المؤمنين.
أقوال القديس كيرلس الأورشليمي:
إن هذه الأقوال ليس فقط تعيد إلى الذاكرة صورة حية للماضي البعيد للمسيحية القديمة ولكنها اليوم تستطيع أن تغذي تأملاتنا الجوهرية بخصوص الإيمان، وبخصوص محتويات إيماننا القويم.
ولعل هذه الأقوال هي المادة لهذا الكتاب، بل ليس من الضروري أن ننتهي بسرعة من هذه القراءة، فبخطوات وئيدة تضعنا هذه الصفحات في قلب إيماننا وإن قوامنا عند التأمل فيها غنى بمسيحية نحياها بإدراك أكبر، ومن الخير أن نحج ذلك الطريق الذي يقودنا من العماد حتى الفرح الأبدي.
إننا نعطي في هذه العجالة تحت عنـاوين مقتطفات من التعاليم المعطاة ابتداء مـن تسجيل أسماء الموعوظين ثم السبع عشرة عظـة التاليـة.
أما ما يخص تفاسير الأسرار فإن الأول والثاني يشرحان طقوس سر العماد، والثالث يوضح سر التثبيت، أما الأخيران فيتكلمان عن سر الافخارستيا . إننا نقتطف منها الأهم لأنها تسمح لنا أن نحيا بقوة وبإحساس دقيق احتفالات ليلة عيد الفصح.
اخلع ثيابك واغتسل:
إن الثمار فاقت ما وعدت به الأزهار.
رائحة من السعادة تمر عليكم أنتم الذين تتقبلون النور، إنكم تقطفون الثمار الروحية. تضعون فيها أكاليل سماوية، لقد انبعثت رائحة الروح القدس الزكية.
إنكم في بهو القصر الملكي! ليت الملك السماوي يأتي إليكم إلى داخل هذا القصر بنفسه فإن الأشجار الآن عليها الأزاهير! ليت الثمر يكون كاملاً!
إنكم مجندون:
حتى الآن قد سجلتم أسماءكم. إنكم مجندون، إنكم تحملون مصابيح موكب العريس. إن في قلوبكم رغبة الوطن السماوي ولكم القصد القوي والرجاء الذي يهديكم.
لابد من الرغبة في تنوير السيرة:
نحن عبيد المسيح قـد قبلنا كل واحـد يتقدم . إننا مثل البوابين تركنا الباب مفتوحاً. هل استطعت أن تدخل ونفسك ملوثة بالخطايا وبنية دنسة. إنك دخلت لأننا ظننا أنك مستحق ولقد سجلنا اسمك هل ترى هيبة اجتماعنا! هل ترى الترتيب والنظام فيه؟ هل تلاحظ قراءة الكتب المقدسة وحضور طغمة الإكليروس؟ هل ترى نظام تعليمنا؟ اخفض ناظريك في هذا المكان وتعلم مما ترى- اخرج الآن لأنه قد حان وقت الخروج وعد غداً أكثر استعداداً.
إن كانت نفسك قد لبست الطمع مثل الرداء فعد وأنت في لباس آخر، اخلع الثوب الذي كنت ترتديه ولا تلبس فوقه آخر يغطيه. انزع الخدعة والدنس والبس الثوب اللامع ثوب النقاوة. أما أنا فأعطيك هذه النصائح قبل أن يدخل يسوع عريس نفوسكم وقبل أن يراك. لك الوقت فإن لك أربعين يوماً للتوبة. ما أجملها فرصة لتخلع الثوب القديم وتغتسل ثم تلبس الثوب الجديد وتعود.
ولكن إن ظللت في سوء استعدادك فالذي يكلمك ليس مسئولاً. ولكنك لا تنتظر قبول النعمة- لأنك ستنزل في الماء ولكن الروح سوف لا يقبلك، إذا كان أحد مجروحاً فليضمد جروحه وإذا سقط أحد فليقم.
إن النعمة تستفيد من كل شيء:
ربما تكون أتيت لسبب آخر ، فيحـدث أن رجلاً يأتي ليرضي زوجته فيأتي إلى هنا لأجل ذلك ويمكن أن نقـول ذلك عن النساء ربما يأتين لإرضاء أزواجهن ، وغالباً مـا يحدث أن عبداً أراد أن يرضي سيده أو صديقاً ليرضي صديقه.
إني أقبل أن يكون ذلك مثل الطعم بالنسبة للصنارة إني أقبلك أنت الذي أتيت بنية أخرى ولكنك سوف تخلص ولي وطيد الأمل في ذلك.
ربما لم تكن تعرف أين تأتي وفي أي شبكة قد اصطادتك؟ أنت أصبحت وسط شبكة الكنيسة. تأخذك هذه الشباك في حياتك فلا تهرب لأن يسوع هو الذي يصطادك لا لتموت ولكن ليهبك الحياة بعد أن تموت عن شهواتك. يلزمك أن تموت وتحيا، وفعلاً لقد سمعت الرسول يقول أموات عن الخطيئة ولكن أحياء للبر، مت عن خطاياك وعش للبر، عش هكذا منذ اليوم.
سأرى غيرة كل رجل وتقوى كل امرأة، ليت نفسك تدق بالمطرقة لتزول عنها قسوة عدم الإيمان ولتسقط منها شوائب الدنس فلا يبقى فيها إلا ما هو طاهر فليسقط الصدأ ويبقى المعدن النقي.
ليظهر الله لكم في هذه الليلة الظلمات التي تأتي بالنهار، والتي قيل عنها الظلمات لا تكون في ظلاماً والليل يضئ مثل النهار، لينفتح باب الفردوس لكل واحـد وواحدة منكم، فحينئذ تفرحـون بمياه المسيح التي بها الرائحة
الزكية. اقبلوا إذن اسم المسيح والقوة التي تتطلبها خدمة الله.
والآن افتحوا عيون الروح وتصوروا طغمات الملائكة محيطين بالله سيد الكل جالساً على عرشه وابنه الوحيد على يمينه مع الروح القدس، تأملوا الكراسي والأرباب التي تقف في خدمة الثالوث، تأملوا أن كل واحد وواحدة منكم سيخلص.
النعمة تقدر على كل شيء:
إن مهمتي أنا هي أن أتكلم. أما عملك أنت فهو أن تبدأ في العمل، أما عمل الله فهو أن يكلل الأعمال بالنجاح الكامل. فلنستعد بتقوية العقل واستنهاض العزيمة بقوة واستعداد النفس، وليكن القلب على أهبة الاستعداد فلأجل أنفسنا نحن نكافح على رجـاء الخيرات الأبديـة . إن الله يستطيع أن يدرك كل شيء فهو يعرف القلوب، إنه يعلم باستعداد القلب المخلص كما يعلم بقلب المرائي . إنـه يستطيع أن يحفظ الإنسان الصادق الطوية كما يستطيع أن يغير المرائي إلى إنسان مخلص، لأن الله يستطيع أن يعطي الإيمان لغير المؤمن على شرط أن يضع قلبه بين يديه تعالى. عسى الله أن يترك الديون التي له عليكم وينسى خطاياكم الأولى وليدخلكم إلى الكنيسة ويجعل منكم جنوداً ملبساَ إياكم أسلحة البر ويغمركم بخيراته السماوية التي للعهد الجديد وليختمكم للأبد بخاتم الـروح القـدس في المسيح ربنا الذي له المجد إلى أبد الآبدين.
كونوا أمناء:
وإنكم منذ قليل قد أضأتم مصابيح الإيمان فلا تسمحوا بأن تطفأ بين أيديكم لكي يأذن لكم ذاك الذي قديماً على جبل الجلجلة المقدس قد فتح بالإيمان الفردوس للص اليمين بأن ترتلوا نشيد العرش.
اخلعوا الإنسان العتيق:
إذا كان هناك من هو عبد للخطيئة فليستعد بالإيمان استعداداً كاملاً للولادة الجديدة التي لأبناء الله بالتبني، وبعد التحرر من عبودية الخطايا المرذولة تصيرون عبيد الرب وتصبحون مستحقين لوراثة ملكوت السموات.
بواسطة الاعتراف اخلعوا الإنسان العتيق الذي أفسدته الشهوات والخطايا وذلك لتلبسوا من جديد الإنسان المجدد بمعرفة خالقه. بالإيمان اكتسبوا عربون الروح القدس لتستطيعوا أن تقبلوا في المظال الأبدية.
إن الله لا يعمل شيئاً بدونكم:
إن الله عندما يجند النفوس فهو يمتحن استعداداتهم، فالمرائي الذي يتخفى فإنه يطرده لأنه لا يليق بجيشه حيث كل شيء يجب أن يكون ظاهراً. ولكن إذا رأى إنساناً مستحقاً فإنه يعطيه نعمته بسرعة. لا يلزم إعطاء القدسات للكلاب ولكن الذي يرى الرب فيه ضميراً صالحاً فإنه يطبع فيه خاتم الخلاص العجيب الذي تخشاه الشياطين وتعرفه الملائكة جيداً فتهرب
الشياطين وتعامله الملائكة كفرد من أفراد العائلة.
فالذين يقبلون هذا الوسم الروحي والخلاص، عليهم أن يكون فيهم من الأخلاق ما هو لأعضاء العائلة الواحدة، وكما أن السيف والقلم يحتاجان لأناس يحملونهما لقيادتهما كذلك النعمة تحتاج لأناس يتوفر فيهم الإيمان.
على قدر عملك:
احذر من المحادثات التي ليس لها هدف، لا تتكلم في حق قريبك وابعد عن اللذة التي تشعر بها عند سماعك من يذم قريبه. بالحري كن مستعداً للصلاة وأظهر فيها قوة روحك . نقّ كأسك لتقبل المزيـد من النعم . في الواقع أن مغفرة الخطايا هي للجميع على التساوي ، ولكن شركة الروح القدس تعطي بنسبة إيمان كل واحد. إذا كنت تعمل قليلاً فستكسب قليلاً ولكن إذا عملت كثيراً فستحصد أكثر، إنك تجاهد لنفسك افحص عما يعود بالنفع على ذاتك.
توصية هامة:
إذا كان لك شيء ضد أي إنسان فاصفح عنه فإنك تأتي لتنال مغفرة خطاياك فيلزمك أنت أن تكون صافحاً عمن أساء إليك، فإنك هل تتجاسر أن تقول للمسيح اغفر لي خطاياي الكثيرة إذا كنت أنت لا تغفر حتى الهفوات الخفيفة التي تصدر عن عبد مثلك.
جسدنا هذه المعجزة:
احذر أن تستمع لمن يقول ليس لله مصلحة بأجسادنا.
لماذا يحكمون على هذا الجسد العجيب؟ ما الذي ينقصه في منظره الجميل؟ أليس تكوينه كاملاً؟ أما كان يليق بهؤلاء الناس أن يتأملوا في التركيب العجيب للعين؟ ويدققوا النظر في الأذن التي تستلقط الأصوات بدون عائق؟ وكيف أن الأنف له مقدرة على تمييز الروائح؟ وكيف أن اللسان يقوم بعملين وهما الذوق والقدرة على الكلام، ولنتأمل كيف أن الرئتين المختفيتين في الداخل تستنشقان الهواء دون انقطاع. من يا ترى جعل دقات القلب متواصلة؟ من الذي وزع الدورة الدموية داخل الأوردة والشرايين الكثيرة؟ من الذي ربط بمهارة فائقة ما بين العظم والأعصاب.
خادم النفس:
لا تقل لي إن الجسد سبب الخطيئة. إذا كان الجسد يسبب الخطايا فلماذا الجثة لا تخطئ؟ ضع سيفاً في يد إنسان ميت إنه لا يقتل ولو دنت امرأة في غاية الجمال من شاب مائت فلن يستطيع أن يشتهيها. لماذا؟ لأن الجسد لا يخطيئ بذاته ولكن النفس هي التي تخطئ بواسطة الجسد. الجسد ليس إلا آلة، إنه بالنسبة للنفس كالرداء أو الثوب . إذا كـانت النفس تسلم الجسد إلى الدنس فإنه يصير دنساً، ولكن إذا عاش الجسد مع نفس قديسة فإنه يصير هيكل الروح القدس. لست أنا الذي يقول هذا الكلام ولكن بولس الرسول الذي قال: “ألا تعلمون أن أجسادكم هي هياكل الروح القدس”.
احترم إذاً جسدك بما أنه مقـدس الروح القدس لا تـدنسه بالزنا ، لا توسخ هـذا الثوب الجميل . إذا كنت دنسته فاغسله الآن بالتوبة ، نظفه لقد آن الأوان.
احفظ جسدك طاهراً لأجل الرب لكي تطلع عيناه عليه، غذّ جسدك لكي يعيش ولكي يخدمك بسهولة ولكن لا لتدفعه إلى الكسل واللذات.
لأن جسدك سيقوم:
أتوسل إليك أن تكون حكيماً في استعمال هذا الجسد. واعلم أنه سيقوم من الأموات لأنك ستحاسب مع هذا الجسد . وإذا ساورك بعض الشك في إمكانية هذه القيامة فتأمل في الأحداث التي تختص بك ولكنها لا تقع تحت الحواس.
قل لي أنت نفسك أين كنت منذ مائة سنة ونيف؟ تأمل أنك من مادة مبسطة قد وصلت مع السن إلى هذه القامة وإلى هذا الجمال. نعم الذي أعطى الوجود لغير الموجود، ألا يستطيع أن يعيد الوجود إلى ما هو موجود الآن ولو بعد اختفائه؟
إن البذرة التي تزرعها تموت كل سنة والله يقيمها. فهل يعجز عن أن يقيم من الأرض نحن الذين من أجلنا تنبت الحنطة في الأرض؟
إنك ترى كيف أن الأشجار تجردت الآن من ثمارها وأوراقها، ولكنها
عند عودة الربيع ستحيا من جديد كم ماتت قبلاً.
أو ليس من الأسهل لنا أن نعود إلى الحياة. إن عصا موسى بإرادة الله قد تحولت إلى طبيعة غير طبيعتها، فإنها تحولت إلى أفعى. والإنسان بعد سقطته في الموت ألا يعود من جديد إلى طبيعته؟
الشيطان:
عندما ينسى المرء الله تعالى حينئذ تراوده الأفكار الرديئة ثم تتبعها الأعمال السيئة. إنك ليست وحدك صانع الشر فإنه يوجد معك شريك يدفع بك إلى الشر. هو الشيطان ويا له من مجرم! إنه يحث الجميع على الشر. ولكنه لا يصير سيداً على الذين لا يطيعونه. ولذا يقول سفر الجامعة إذا كان روح القوي يقوم عليك فلا تتزحزح عن مكانك، أغلق مخدعك واطرده بعيداً عنك فلا يصنع بك سوءاً، ولكن إذا كنت تقبل بدون مبالاة إغراء الشهوة فالشيطان يجعلها تتأصل فيك ويصيرها وسط أفكارك فهو يقيد روحك ويجرك إلى هاوية من المساوئ.
إننا مسئولون:
قال حزقيال النبي: “إنك كنت خاتم صورة الله. إنك كنت تاج البهاء. إنك ولدت في فردوس الله” ثم يقول: “إنك عشت بدون عيب أيامك منذ اليوم الذي فيه خلقت إلى أن وجد الإثم فيك”. وما أجمل هذا التعبير “وجد فيك” لأنه بذلك يعني أن الإثم لم يأتك من الخارج ولكنك أنت الذي جعلت الشر يتولد فيك ؛ ثم إن حـزقيال يعطي السبب فيقـول : إن قلبك قـد تـرفع بسبب جمالك ، إنك بسبب كثرة خطاياك وبسبب زلاتك طعنت فأسقطتك على الأرض.
إنك حر:
اعلم أن لك نفساً حرة هي آية من آيات الله لأنها على صورة خالقها لأن الله وهبها الخلود إنها حية عاقلة غير فاسدة وهذا مـن أفضال المولى الذي وهب لها هذه الامتيازات.
لها القدرة أن تصنع ما يريده سبحانه وتعالى، إنك ترتكب الذنوب بسبب ولادتك وليس القدر هو الذي يصيرك دنساً ولا كما يقول البعض نجوم السماء هي التي تجبرك على التعلق بالشر . لماذا ؟ إنه بدلاً من أن تعترف بزلاتك تجعل النجوم مسئولة عنها وهي منها بريئة ؛ لا بل دعك من المنجمين أليس الكتب المقدسة تقول عنهم إنهم سيحترقون بالنار مثل الهشيم ولا يخلصون أنفسهم من النيران.
الخطيئة هذا الشر:
هائل هو شر الخطيئة إنها المرض الأكثر وبالاً بالنسبة للنفس، فإنها تشل النفس وتستحق لها النار الأبدية . إن الشر يأتي منا إنه ثمرة إرادتنا . إن خطايانا إرادية وهذا ما يقوله النبي: غرستك كرماً خصباً، فكيف أصبحت حصرماً بريّاً كما لو كنت من كرمة غريبة إن الشر صدر منها ولكن الذي زرعها بريء من رداءة الثمر والكرمة تحرق لأنها زرعت لتأتي بثمر جيد ولكنها بإرادتها أخرجت ثمراً رديئاً لأن الله خلق الإنسان مستقيماً كما يقول سفر الجامعة أما هم فتطلبوا مباحث كثيرة لأننا صنع الله وخلقنا لعمل الخير كما يقول الرسول والحال أن الخالق وهو الصلاح بالذات خلقنا لنعمل الخير ولكن الخليقة انحرفت بإرادتها نحو الشر.
فإذاً الخطيئة شر هائل كما قلنا ولكنها قابلة للشفاء. إنها هائلة لمن يحتفظ بها في قلبه ولكنها تشفي بسهولة ممن يتركها بالتوبة الحقيقية.
لا تنتظر العمى حتى تذهب إلى طبيب العيون:
بما تقول لي الإيمان فلا تستطيع الشهوة أن تغلبني حتى عندما أشعر بها كثيراً. هل تجهل أن جذع الشجرة الذي ينغرس في الحجر يستطيع أن يحطمه إذا ظل فيه طويلاً.
عليك إذاً أن تقتلع الشر قبل أن تشتد وطأتـه وإن كنت في الابتداء لا تهتم بذلك فستكون بعد ذلك هدفاً للفأس والنار . عالج منذ اليـوم التهاباً في العين فتستفيد من الوقت فليس عندما تصاب بالعمى تشعر بلزوم البحث عن الطبيب.
إن الله رحيم:
إن الله يحب الناس ويحبهم كثيراً . فلا تقـل إذاً إني كنت رجلاً دنساً وزانياً وقد ارتكبت خطايا فظيعة وليس مرة واحدة ولكن مراراً . فهل يغفر لي الله، ويمنحني السماح؟ اسمع ما يقوله المرتل: ما أعظم مراحمك يارب. إن الخطايا التي ارتكبتها لا تقدر أن تغلب كثرة مراحم الله. إن جراحك ليست فوق علم الطبيب العظيم وهو الله ولكن ارتمِ بثقة بين أيدي مراحمه اعرض على هذا الطبيب العظيم ما تتألم به، قل له أيضاً مع داود هأنذا أعترف للرب بنفاقي فتسمع ما قاله له: “وإنك غفرت نفاق قلبي”.
حتى إذا كنت عشاراً حتى إذا كنت دنساً فترجَّ لخلاص. إن العشارين والخطأة يسبقونكم في ملكوت الله يقول السيد المسيح. ولقد شهد بولس قائلاً لا الزناة ولا عابدو الأصنام ولا من يشابهونهم لهم نصيب في ملكوت الله. نعم إنه كان البعض منكم من ضمن هؤلاء ولكنكم قد اغتسلتم وتقدستم. لم يقل إنكم أنتم كذا ولكنه يقول إنكم كنتم حيناً.
إن الخطيئة المفعولة مع الجهل تغفر ولكن الخطيئة عندما تتأصـل يحكم على صاحبها.
كيف تطمئن على ندامتك؟
ماذا أعمل إذاً؟ ما هي ثمار التوبة؟ الذي له ثوبان فليعط من ليس عنده والذي له طعام فليعط من ليس له. فإن الذي كان يعلم بذلك كان جديراً أن يصدق؛ فإنه مار أولاً ما كان يعلم به ولم يكن يتردد في قوله لأن ضميره لم يكن يخالف لسانه.
هل ترغب في نعمة الروح القدس ومع ذلك لا ترى عدلاً أن تعطي
الفقراء الأطعمة المادية؟ كيف تبحث عن الخيرات العظيمة ولا تجود بالخيرات البسيطة؟
فلتسقط الأقنعة:
لكن ربما يكون فيكم مراءٍ. قد يريد أحدكم أن يعجب الناس فيتظاهر بالتقوى ولكنه ليس لديه إيمان القلب. إنه مراء مثل سيمون الساحر إنه يأتي لا ليشترك في النعمة بل ليتجسس على ما يعطي هنا فليسمع مثل هذا ما يقوله يوحنا. ها إن الفأس وضعت على أصل الشجرة وكل شجرة لا تعطي ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار.
إن الديّان يرى جيداً. فألق عنك قناع الرياء.
الذئاب المستترة بثياب الحملان:
إن الرذيلة أحياناً تأخذ ثوب الفضيلة كما أن الزؤان يحاول أن يتخذه الحصّاد كأنه قمح جيد وقد ينجح في أن يشابه خارجياً الحنطة ولكن العارفين يستطيعون تمييزه من طعمه. وقد يأخذ الشيطان مظهر ملاك النور لا ليصعد من جديد إلى حيث كان فإن قلبه أصلب من السنديان وعواطفه لا تعرف الطريق إلى الندم، ولكنه يريد أن يُغرق الذين يعيشون كالملائكة في ظلمات الخداع ويطعنهم بضربات عدم الإيمان.
إن كثرة الذئاب تجول حولنا وهي تلبس لباس الحملان، نعم إنهم يلبسون لباس الحملان ولكن ليس عندهم أظافرها ولا أسنانها.
مع هذا مهما اختفوا تحت ظاهر حيوان وديع ومهما خدعوا بظواهرهم البراقة الناس البسطاء فالواقع أن السم القتال يسيل من بين أسنانهم.
إذاً فنحن نفتقر إلى النعمة الإلهية فضلاً عن السهر الدائم والبصيرة النافذة لئلا نخدع عن غفلة فنأكل الزؤان كأنه الحنطة ولئلا يفترسنا الذئب ونحن نتصوره حملاً ولئلا يفترسنا الشيطان ونحن نظن أنه ملاك رحيم لأنه يجول حولنا كالأسد طالباً من يفترسه.
الإيمان:
لسنا وحدنا نحن المسيحيين الذين نعرف القيمة العظيمة التي للإيمان، في الواقع أن كل ما يحدث في العالم حتى ما يتم على يد الغرباء عن الكنيسة يتم بواسطة الإيمان.
بالإيمان توحد قوانين الزواج أفراداً لم تكن بينهم أية صلة فتجعلهم واحداً. إن شخصاً غريباً عنا بجسده وأمواله يصير كل شيء مشتركاً معه لأن هناك الإيمان بروابط الزواج.
وعلى الإيمان أيضاً تقوم الزراعة فلولا أن الفلاح يؤمن بأنه سيحصد الثمر لما كان يتعب ويزرع الأرض.
وعلى الإيمان أيضاً يستسلم البحارة إلى قطعة من الخشب فيواجهون الأمواج والأعـاصير ويتركـون الأرض الصلبة . إنهم يستسلمون إلى أماني واهية، ولكنهم يحملون إيمانهم وهو أقوى من جميع المراسي.
إذاً على الإيمان ترتكز معظم الأعمال التي يقوم بها البشر فليس فقط المسيحيون يؤمنون بل غير المؤمنين أيضاً كما قلنا سابقاً.
الإيمان الجزيل القدرة:
إن الإيمان هو هكذا قدير حتى على أن يسند البشر الذين يسيرون فوق البحار إن بطرس كان إنساناً شبيهاً بنا جبل من لحم ودم يتناول من نفس الأطعمة التي نتناولها ولكن إذ قال له يسوع تعال آمن وسار على المياه فكان إيمانه أقوى سند وكان جسده الثقيل يرتفع على المياه بقوة إيمانه.
فمشى على المياه مطمئناً ولكن عندما شك بدأ يغرق، نعم لأن إيمانه بدأ يضعف قليلاً حينئذ شعر بأنه بدأ يغرق ولما رأى يسوع الذي يخفف آلام الأنفس ما حدث له قال: يا قليل الإيمان لماذا شككت، وتقوى من جديد بالذي أمسك بيده وعاد إليه الإيمان وبدأ من جديد وهو ممسك بيد المعلم الإلهي يمشي على المياه وهذا مـا نفهمه مـن الإنجيل إذ قـال ولمّا صعد إلى السفينة.. فلم يقل الإنجيل إن بطرس سبح حتى ركب السفينة ولكنه يفهمنا بأنه ذهب إلى يسوع في السفينة ماشياً على المياه.
إن الإيمان هـو هكذا قدير بحيث إن من له الإيمان لا يخلص وحده بل يخلص آخرين معه، إذا كان الذين يحيطون به لهم هذا الإيمان . إن المخلع الذي كان في كفر ناحوم لم يكن عنده الإيمان ولكن الذين حملوه ونقبوا سقف المنزل حتى أوصلوه إلى يسوع هم الذين كانوا يتمتعون بالإيمان. إن نفسه كانت مريضة مثل جسده. ولا تظنوا أني أقول هذا اعتباطاً فإنما الإنجيل نفسه هو الذي يقول عنه : ولما رأى يسـوع إيمانهم وليس إيمانه قال له قم وامش. يتضح من ذلك أن الحاملين هم الذين كان عندهم الإيمان، والمخلع هو الذي نال الشفاء.
هل تريد دليلاً أقوى على أن إيمان البعض يخلص الغير؟…
مـات لعازر . مضى عليه يوم واثنان وثلاثة . . . انحلت عناصر جسده وبدأ الفساد يقوض جثته فكيف أن ميتاً له أربعة أيام في القبر يكون عنده الإيمان ويطلب بنفسه أن يخلصه مـن بين الأموات ولكن ما نقص عند الميت وجد عند أختيه- فعندما أتى الرب إلى القبر جثت أخت لعازر عند قدميه وعندما قال لها يسوع أين وضعتموه قالت أخت لعازر يارب لقد أنتن لأن له أربعة أيام في القبر، حينئذ قال لها الرب إن كنت تؤمنين فسترين مجد الله فكأنه يقول لها ليكن عندك من الإيمان ما ينقص في جثة أخيك. فكان لإيمان الأختين قوة هكذا عظيمة حتى إن الميت عاد إلى الحياة.
إذاً فإن كان إيمان الغير استطاع أن يقيم آخرين من الموت، فأنت أيضاً إذا كان لك بذاتك إيمان طاهر فإنك تستفيد نعماً أوفر.
ولو لم يكن لديك إيمان أو لو أن إيمانك ضعف فإن الله رحيم فإنه يأتي بالقرب منك إذا كنت نادماً، قل فقط من كل قلبك إني أؤمن يا سيدي. أغث عدم إيماني. وإذا كنت تتصور أن فيك إيمـان ولكن ليس هـو الإيمان الكامل فإنه يلزمك أن تقول مع الرسل يا سيدي قو إيماني لأنه إذا كان لك شيء في نفسك فإنك تأخذ شيئاً منه تعالى.
الإيمان العامل:
لنرتد روحياً فنستحق أن نكون أبناء الله لو أن الذين يقتادون بروح الله هم أبناء لله وفعلاً ما الفائدة إذا كنا نحمل اسم المسيح إذا كـان هـذا لا تصاحبه الأعمال، وربّ قائل لنا لو كنتم أبناء إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم وفعلاً إذا كنا ندعو أباً لنا ذاك الذي سيدين كل واحد حسب أعماله بدون استثناء فلنقض زمن غربتنا على الأرض بخوف ورعدة دون أن نتعلق بهذا العالم وبخيراته لأنه إذا كان أحد يحب العالم فليس فيه محبة الرب.
ولهذا أيها الأبناء الأحباء فلنمجد الأب السماوي بأعمالنا لكي يرى الناس أعمالنا الصالحة فيمجدوا الأب الذي في السماوات. فلنلق عليه كل همنا لأن الأب يعرف ما نحتاج إليه.
علامة الصليب:
لا تخجلن من علامة المخلص حتى إذ استحيا منها آخر اطبعها بشكل ظاهر على جبينك لكي يهرب الشياطين مذعورين بعيداً عنك عند رؤيتهم هذه العلامة الملوكية.
اصنع هذه العلامة عندما تأمل وعندما تشرب وعندما تجلس وعند نومك وعند نهوضك وعندما تتكلم وعندما تتنزه، وبوجيز العبارة ارسم بها نفسك عند كل عمل؛ لأن ذاك الذي صلب هنا على هذه الأرض هو في السماوات . فإنه لو كان صلب وقبر واستمر في القبر لكنا نخجل منه، ولكن الواقع أن الذي صلب على الجلجلة قد صعد إلى السماوات من فوق جبل الزيتون من ناحية الشرق وقد نزل إلى الجحيم ثم صعد إلينا ومن بيننا صعد إلى السماوات بينما كان أبوه يقول له اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئاً لقدميك.
فلا نخجلن إذاً أن نعترف بالمسيح المصلوب بكل صراحة لنرسم بأصابعنا إشارة الصليب على جباهنا وعلى كل شيء على الأطعمة التي نتناولها وعلى ما نشتريه. في دخولنا وخروجنا قبل النوم عند رقادنا وعند نهوضنا، في سفرنا وعندما نكون في منازلنا إنها حصن مجاني للفقراء وليس لها ما يتعب المريض، هي نعمة من الله إنها العلامة المميزة للمؤمنين إنها رعب الأبالسة. إن يسوع قد انتصر عليهم بواسطة صليبه فإنهم إذ يذكرون يسوع المصلوب يخشون ذاك الذي سحق رأس الحية. لا تحتقر هذه العلامة لأنها مجانية فبالحري من أجل ذلك قدم المجد للمحسن إليك.
عماد يوحنا:
كان عماد يوحنا خاتمة العهد القديم وبدء العهد الجديد، قام بهذا العماد يوحنا أعظم مواليد النساء وهو خاتمة الأنبياء لأن جميع الأنبياء والناموس تنبأوا حتى مجيء يوحنا.
اذكروا يا سكان أورشليم كيف كان يوحنا يعمد الذين كانوا يأتون
إليه معترفين بخطاياهم كما يقول الكتاب فإنهم كانوا يكشفون له أولاً جراحهم وكان يوحنا يضع عليها الدواء، والمؤمنون منهم كان يخلصهم من النار الأبدية وإذا كنت تريد البرهان على أن عماد يوحنا كان يخلصهم من الإنذار بالنار فاسمعه يقول لهم: يا أولاد الأفاعي من دلكم على الهرب من السخط الآتي. فلا تكن بعد أفعى ولكن حيث إنك كنت فيما مضى من بين هؤلاء فعليك أن تخلع ما تبقى من حياتك الخاطئة الأولى فإن الأفعى عندما تدخل في جحر ضيق تترك فيه جلدها القديم فإذا ما تخلصت منه تجدد شباب جسدها وكذلك ادخل أنت من الباب الضيق اخلع عنك بواسطة الصوم واطرد بقوة ما يسبب هلاكك، اخلع الإنسان العتيق مع أعماله وقل مع سفر نشيد الإنشاد لقد خلعت ردائي فكيف أعود فألبسه.
رموز الماء:
لا شك أن الآراء العلمية في الجيل الرابع على تركيب العالم أمر تستغرب له. ومع ذلك لعلنا نجد في هذه الصفحة تأملاً رائعاً.
إذا أراد أحدنا أن يعرف لماذا تعطي لنا النعمة عن طريق الماء لا بعنصر آخر فإنه يجد ذلك في مراجعة الكتب المقدسة.
إن الماء شيء عظيم وهو أحد العناصر الأربعة التي يتألف منها العالم وهو أجملها، إن السماء هي مسكن الملائكة ولكن السموات مؤلفة من المياه.
إن الأرض هي مسكن البشر ولكن الأرض خرجت من المياه أثناء ستة أيام الخلقة التي كان فيها روح الله يرف فوق المياه.
إن الماء هو مبدأ العالم كما أن نهر الأردن هـو مبدأ الأناجيـل . إن
إسرائيل قد تحرر من نير فرعون بين مياه البحر ، والتحـرر من الخطيئة يعطي للعالم في مياه العماد بكلمة الله.
عندما قطع الله عهداً مع الإنسان كان هناك الماء أيضاً إنـه تعالى قطع عهداً مع نوح بعد مياه الطوفان إنه قطع عهداً مع إسرائيل على جبل سيناء بالماء والزوفي والصوف الأرجواني.
إن أباك صعد إلى السماء بوجود الماء لأنه قبل أن ينطلق إلى السماء في عربة من نار عبر نهر الأردن.
إن رئيس الكهنة عليه أن يغتسل بالماء قبل تقديم البخور، كيف كان يمكنه أن يتشفع عن الآخرين إذا لم يكن قبلاً تطهر بالماء.
إن هذا الموضوع يعلق عليه كيرلس الأورشليمي عناية خاصة فيعود إليه عندما يتكلم عن مواهب الروح القدس فيذكر كلمة السيد المسيح للسامرية وقد جاءت في إنجيل يوحنا: الماء الذي أعطيه أنا ينبع إلى حياة أبدية. ثم يكمل حديثه قائلاً:
لماذا إذن نعمة الروح القدس ماء ؟ لأنـه بالماء يستطيع كـل حي أن يعيش . لأن الماء يحيي النبات والحيوان ولأن مياه الأمطار تأتي من السماء وتسقط كما هي في كل مكان ولكنها تعطي نتائج متنوعة.
إن ينبوعاً واحداً كان يسقي الفردوس الأرضي، إن مطراً واحداً يروي الأرض كلها ولكنها تبدو بيضاء في زهرة الزنبق. وحمراء في الوردة وبنفسجية في البنفسجة. وزهور أخرى مختلفة ومتنوعة في كل ما نراه فهو يؤثر في النخيل غير تأثيره في الكرم.
هكذا الروح القدس هو واحد وهو بسيط غير قابـل للانقسام ، ومع ذلك فهو يوزع نعمه لكل واحد كما يريد . إن الجذع المحروم من المياه لو أعطيت لـه مـاء يبتدئ يزهر ، كذلك نفس الخاطئ إذا كانت تبدأ عن طريق التوبة تكون أهلاً للروح القدس فتعطي أثمار البر.
شرف المسيحي:
لقد دعيت مسيحياً. احترم هذا الاسم لا تجعل الغير يجدف على اسم السيد المسيح ابن الله بسببك ولكن بالأحرى لتتلألأ أعمالك الصالحة أمام الناس لكي إذا رأوها يمجدوا في الابن يسوع المسيح أباه الذي في السماوات الذي له المجد الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين.
قانون الإيمان
أؤمن بالله الآب:
لنمجد معاً الرب لأنه عظيم- نقول لا كل ما يلزم أن نقوله عن الله (إنه الوحيد الذي يعرف كل شيء عن ذاته)، ولكن نقول كلما تستطيع الطبيعة البشرية أن تفهمه وكل ما يستطيع ضعفنا أن يتحمله. لأننا لا نشرح من هو الله ونعترف أننا لا نعرفه معرفة دقيقة. ولكن فيما يختص بالله إنها لمعرفة جزيلة أن نعترف بجهلنا.
فهللوا للرب معي ولنعظم اسمه القدوس كلنا معاً لأن الواحد بمفرده لا يستطيع أن يحسن تمجيد الله، لا بل حتى لو اجتمعنا جميعاً فلن نستطيع أن نعمل ما هو واجب علينا. وأنا لا أتكلم فقط عنكم أنتم الحاضرين هنا وإنما حتى لو جمعنا كل أبناء الكنيسة الجامعة الحاضرة والمستقبلة فلن نستطيع أن نقوم باستحقاق بتمجيد الراعي الأسمى.
هل يوجد ما هو أصغر أو أخف وزناً من التراب فلنقارن التراب بالبيت والبيت بالمدينة والمدينة بالمقاطعة والمقاطعة بالإمبراطورية الرومانية وهذه مع كل الأرض إلا آخر حدودها. وكل الأرض مع السموات التي تحيط بهذه الأرض.
وعندما تستوعب بالفكر السموات بأجمعها اعلم أن السموات أيضاً لا تستطيع تمجيد الرب كما يستحق. حتى لو كانت أصواتها أقوى من الرعد.
وإذا كانت أجواء السماء غير المحدودة لا تستطيع تقديم المجد الذي يستحقه الله فكيف للأرض والتراب الذي هو أصغر وأصغر ما يكون أن يترنم بأمجاد الله أو يتحدث كما يجب عن ذاك الذي يمسك بكرة الأرض وسكانها أمامه كالجراد.
فإذاً كيف نتكلم عن الله؟
ولكن رب قائل يعترضني قائلاً إذا كان جوهر الله غير واقع تحت الحواس فلماذا نتكلم عنه؟
نعم هل يا ترى لأني لا أستطيع أن أشرب كل ماء النهر يكون هذا سبباً لكي لا أستقي منه ما أحتاج إليه؟ إن عيني لا تقدران على استيعاب أشعة الشمس جميعها فهل هذا سبب لعدم رؤيتها كلما دعت الضرورة؟
وإذا دخلت حديقة كبيرة لا أستطيع أن آكـل كـل ثمارها فهل تريد مني أن أخـرج منها جائعاً ؟ إني أترنم وأشيد بـذاك الذي خلقنا . إن هذا أمره تعالى إذ قال: كل نسمة فلتسبح الرب. إني أعلم يقيناً أني لن أصل إلى تمجيده حسبما يستحق، ومع ذلك أظن أنه من واجبات التقوى أن أرفع إليه الإكرام في حدود المستطاع علماً بأن الرب يسوع يعزي ضعفي قائلاً إن الله لم يره أحد قط.
إذا مزقت حجب السموات:
بالنسبة للأعين البشرية من المستحيل أن أحداً يعاين الله، لأن ما هو غير جسدي لا يمكن أن يقع تحت أعين البشر . وابن الله الوحيد هو الشاهد بذلك إذ قال: الله لم يره أحد قط بالرغم مما كتبه حزقيال حيث قال إنه: رأى شبه مجد الله ولكنه لم ير الله ولكن شبه مجده لا المجد نفسه كما هو في حقيقته.
وبمجرد رؤيته شبه هذا المجد لا المجد عينه سقط على الأرض خائفاً.
فإذا كان مجرد رؤية شبه مجد الله كان يملأ الأنبياء خوفاً وجزعاً فلو حاول أحد رؤية الله نفسه فسيموت حسبما جاء في الكتاب. لا يرى أحد وجهي إلا ويموت ولأجل ذلك فالله في رحمته الغير المتناهية بسط أمام ألوهيته حجب السماء لكي لا نموت. لست أنا الذي أقول هذا بل النبي القائل: إذا مزقت حجب السماء ترتعد الجبال أمامك وتذوب.
جمال الخلقة يتحدث عن الله:
تظهر الشمس في المشرق وحتى في غروبها ترسل لنا نورها- وعندما صور المرتل شروق الشمس في الصباح قال : مثل العـروس الخارجة من بيت العريس، بذلك كان يرسم صورة لظهورها المتلألئ والخفيف الحرارة وسط البشر، نعم في الظهيرة نهرب منها لاشتداد حرارتها ولكنها في شروقها متعة الجميع، إنها شبيهة بالعروس.
انظر ما عمله تعالى أو بالحري ما يعمله ذاك الذي أعطى للشمس أوامره حدد سيرها فهي ترتفع أكثر في الصيف حيث يطول فيه النهار لتتوفر فرصة العمل وفي الشتاء يقصر ظهورها لا لنشعر أكثر بشدة البرد ولكن لتترك الليالي الطويلة فرصة للإنسان لراحة مفيدة ولتساعد الأرض على الإثمار.
لماذا لا تتحمل الفرصة المعطاة لك للراحة؟ هل الخادم يسمح له سيده بالراحة إلا إذا كانت الظلمة تحتم عليه ضرورة هذه الراحة؟ غالباً ما نشعر بالتعب في النهار ولكن الليل يجدد قوانا تجديداً كاملاً، هذا الذي كان منهوك القوى في النهار يجد نفسه في الصباح التالي مليئاً بالقوة بفضل راحة الليل أليس كذلك؟ إن الليل أفيد الأشياء ليكون الناس عقلاء فكثيراً ما في سكون الليل نتأمل في الأمور الإلهية وفيها نتأمل في أقوال الله ونفهمها.
تأمل معي في الربيع وفي الزهور المختلفة تجد لكل منها طابعاً خاصاً بالرغم من تشابهها، فتجد الوردة ذات اللون الأحمر الفاقع بجانب الزنبقة ذات اللون الأبيض الناصـع . إن هـذه الزهور ولـدت من أرض واحدة
وارتوت من مياه واحدة فمن الذي نوعها هكذا؟ من الذي خلقها؟
تأمل معي الخالق سبحانه في عنايته الدقيقة. إنك تجد تحت الأشجار ظلاً وثماراً مختلفة وليس لها إلا خالق واحد وعلى الكرمة الواحدة تجد أغصاناً لا تصلح إلى للحريق وبراعم وأوراقاً وعناقيد، تأمل بإعجاب هذه الكثرة من العقد التي تتخلل ساق الغاب . إنها من عمـل الخالق . من الأرض نفسها تخرج الثعابين والحيوانات المتوحشة كما تخرج قطعان الغنم كما تنبت الأخشاب وأنواع الخضار، كما تعطينا الذهب والفضة والنحاس والحديد والرخام.
انظر إلى البحر غير المحدود حيث تعيش أحياء لا عدد لها. من يقدر أن يصف روعة الأسماك التي تعيش فيه؟ من الذي يستطيع أن يصور الوحوش البحرية ويشرح كيف تعيش هذه الحيوانات المائية تارة على الأرض الصماء وتارة في الماء؟ من في مقدوره أن يصف سعة البحار وأعماقها وقوة الأمواج الثائرة؟ ومع ذلك لا تتعدى الحدود المرسومة لها لأنه قال: “إلى هنا تبلغ ولا تعدو. هنا يبلغ طغيان أمواجك” (أيوب 1:38).
الحيوانات تعطينا دروساً مفيدة:
كان هناك أمر واحد من الله: “لتخرج الأرض وحوشاً وحيوانات أليفة ودبابات حسب نوعه”. فخرجت حيوانات مختلفة من أصل واحد لتطيع أمراً واحداً، خرج الحمل الوديع كما خرج الأسد الكاسر كما خرجت كل هذه الحيوانات غير الناطقة التي تعمل كل منها على غريزته الخاصة مثل المظاهر المختلفة لشهوات الإنسان.
فالثعلب يظهر لنا مكـر الإنسان والحية خيانة الأصدقاء . والحصان في صهيله يشير إلى جماح شهوات الشباب والنحلة النشيطة توقظ الخامل والكسول.
إن الحيوانات غير العاقلة تعلم الكسلان إذ يخاطبه الكتاب قائلاً اذهب إلى النحلة أيها الكسلان وتعلم منها عندما ترى الطريق الذي تسيره: كن أكثر حكمة منها. تأملها إذ تجمع في الـوقت المناسب مؤنتها فاقتد بها . اجمع أنت مؤونة من الأعمال الصالحة للأجيال القادمة، تأمل أيضاً النحلة اذهب إليها واعلم مقدار نشاطها فهي تنتقل بين الأزهار المختلفة وتحضر لك عسلاً طيباً لكي إذا انتقلت أنت بين الكتب المقدسة تعمل لخلاصك وعندما ترى الخلاص وأنت مع هذه النتيجة تقول مع الكتاب: كلماتك حلوة في حلقي فهي أشهى من الشهد في فمي.
ما أعجب أعمالك يارب!
لقد تكلمت الآن بالكفاية عن ذلك بحيث إني تركت جانباً أشياء أخرى كثيرة خصوصاً ما كان منها غير حسي وغير منظور.
وقد كان ذلك لكي ينتقض الذين يتحدثون على حكمة الخالق وجودته، ولكي تؤمن حسبما تراه أنت بالخالق وبعظمته وبقوة وجمال أعماله لكي تسجد بخشوع أمام ذاك الـذي صنع أعمالاً نفهمها وأعمالاً نحس بهـا أي ما يرى وما لا يرى كان ذلك، لكن بفمك وبقلبك تقدم الشكر لله قائلاً بتقوى وخشوع: ما أعجب أعمالك يارب إنك صنعت كل شيء بحكمة ولك ينبغي الإكرام والمجد والجلال الآن وإلى دهر الداهرين.
أكرم أباك وأمك:
إذ نكرم أبانا السماوي يلزمنا أن نكرم والدينا حسب الجسد لأن الرب حدد ذلك بنفسه في الناموس وبأنبياء بهذه العبارات أكـرم أباك وأمك لكي تكون سعيداً وتكون لك أيام طويلة على الأرض والذين آباؤهم وأمهاتهم لا يزالون على قيد الحياة فليسمعوا إلى هذه الوصية: أيها الأبناء أطيعوا والديكم في كـل شيء لأن الـرب لم يقـل الذي يحب أباه وأمه لا يستحقني ، لئلا نفهم عن جهل فهماً خاطئاً ما جاء في الإنجيل بتدقيق من أحب أباه وأمه أكثر مني فلا يستحقني يعني إذا كان آباؤنا حسب الجسد مبادئهم تتعارض مع المبادئ الإلهية فعندئذ يلزم أن نتبع كلام الله، ولكن إذا لم يضعوا أي عائق أمام تقوانا، وعندما نحن ننساق في قسوتنا ونسياننا لطاعة الوالدين علينا فنحتقرهـم حينذاك ، ينطبق علينا قول الكتاب من لعن أباه أو أمه يعاقب بالموت.
بالنسبة للمسيحيين القضية الأولى هي إكرام الوالدين فهي تقوم في احترام الوالدين ونتعب نحن ونوفر لهم الراحـة ونعمـل جـاهدين لتخفيف آلامهم لأننا حتى إذا رددنا لهم معظم مكرماتهم نحونا فلا يمكننا أن نعطيهم الحياة التي وهبوها لنا.
أؤمن بيسوع المسيح:
إن المسيح هو كل شيء لنا. إن يسوع هو مخلصنا تحت اعتبـارات
كثيرة حسب حاجة كل أحد، فللمحتاجين إلى الفرح فيه نشوة الكرمة، وللذين يريدون أن يكونوا في خدمه فهو الباب، ولمن هم في حاجة إلى صلوات أمام الله فهو الشفيع الوسيط والكاهن الأعظم، وللخطأة هو الحمل المذبوح من أجلهم، كل للكل بدون تجزئة فهو باحتفاظه بوحدة أقنوم الابـن الذي لا يتغير- الطبيب الرحيم والسيد الرؤوف الذي رثى لضعفنا.
يسوع طبيبنا:
إن يسوع كلمة عبرانية معناها المخلص ولكن باللغة اليونانية معناها طبيب، فإنه طبيب الأنفس والأجساد كما أنه طبيب الأرواح أيضاً. فهو يبرئ العميان وهو يشفي العرج عندما يقود خطوات الخطأة نحو التربة. إنه يقول للمخلع لا تخطئ ثم احمل سريرك وامش.
إنه بخطيئة النفس أصيب الجسد بالشلل فقد شفي النفس أولاً ليشفي أيضاً الجسد.
فإذا كان إنسان يتألم في نفسه بسبب خطيئة فله الطبيب وإذا كان عنده إيمان ضعيف فليقل له يـارب هلم لمداواة ضعف إيماني وإن كـان أحد يشكو آلام الجسد فلا ييأس بل يقترب من يسوع لأنه يشفي أيضاً الآلام الجسدية وليعترف أن المسيح هو يسوع أي الطبيب.
لماذا التجسد؟
ماذا كنت تريد ؟ أيكون الذي أتى من أجل خلاصنا يأتي كثيفاً طاغياً فلا يقدر البشر أن يقبلوه ويشتركوا في نعمته كـل حسب طاقته ؟ إن دانيال النبي لم يستطع أن يحتمل رؤية ملاك فقد ظهر جبرائيل الملاك فسقط دانيال إلى أن لمسه شخص خيل إليه أنـه إنسان فخـاف دانيال كما يقول الكتاب.
وحيث إن المسيح يعرف ضعفنا أخذ ما كان يبحث عنه الإنسان وهو إن الإنسان كان يفتش عن أحد له نفس الوجه فأخذ المخلص نفس طبيعة الإنسان فبذلك يعلم البشر بأكثر سهولة.
إنه بامرأة هي حواء دخل الموت فكان يلزم أنه بامرأة أخرى أو من امرأة أخرى تظهر الحياة؛ إن الحية كانت قد أغوت حواء فحدث أن جبرائيل يحمل البشارة الطيبة إلى حواء الجديدة العذراء مريم.
المعجزات والمعجزة الكبرى:
كل عمل من أعمال المسيح مجد للكنيسة جمعاء ولكن مجد الأمجاد هو الصليب فلأجل ذلك بهذه الحقيقة الأكيدة أعلن بولس الرسول قائلاً: حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب المسيح.
لقد كان معجزة فتح أعين الأعمي منذ مولده في بركة سلوام ولكن ما هذا بالنسبة لفتح أعين عميان المسكونة جمعاء.
إنها لمعجزة كبرى إقامة لعازر من الموت بعد أربعة أيام ولكن هذه المعجزة أقامها فرد واحد وهو لعازر ولكن ما هذا بإزاء إقامة كل الذين صرعتهم الخطيئة على الأرض.
إشباع خمسة آلاف رجل من خمسة أرغفة كان لا شك معجزة عظيمة ولكن ما هذا بالنسبة لإشباع كل العالم الجائع إلى كلمة الله.
كان معجزة أيضاً شفاء تلك المرأة التي قيدها الشيطان منذ ثماني عشرة سنة ولكن ما هذا أمـام فـك قيود البشرية التي كانت الخطايا تستبد بها.
إنه الصليب الذي أعاد النور للذين أعماهم الجهل، إنه الصليب الذي كسر قيود الخطيئة ومنع الفداء للعالم أجمع.
فرح المسيح
إنه لم يترك الحياة بدافع الضرورة لم يمت بدون إرادته ولكن بمحض اختياره، اسمع ما يقول: لي سلطان أن أعطي حياتي ولي سلطان أن آخذها إني أسلم نفسي لأعدائي لأني أريد ذلك ولو لم تكن هذه إرادتي لما صنعت ذلك.
إذاً لقد أتى بإرادته ليتألم سعيداً بصنعه هذا ليحمل الإكليل في فرح سعيداً بخلاص العالم، لم يخجل من الصلب لأنه به خلص البشر لأنه لم يكن إنساناً عادياً يتألم بل الإله المتجسد كان يجاهد ليكسب أجر الطاعة لأبيه الأزلي.
صمت يسوع:
كان يسوع أمام محاكميه صامتاً بحيث إن بيلاطس تعجّب وقال له: ألا تسمع ما يشكونك لا كأنه يعرف المشتكي ولكن لأنه خاف من حلم امرأة وقد نبهته فكان يسوع صامتاً كما تنبأ المرتل قائلاً : صرت كرجـل لا يسمع ولا يوجد في فمه ما يجيب به، وفي مكان آخر كأصم لم يكن يسمع وكأخرس لا يفتح فاه.
الجند يلتفون حوله ويهزأون به هو ذا الرب يضحى ألعوبة بين أيديهم والسيد يصير سخرية كما قال الكتاب نظروا إليّ وهزوا رؤوسهم وإنهم وهم يهزأون به قد مثلوا بملوكيته فكانوا يجيئون أمامه ويلبسونه ثوباً أرجوانياً ويضعون إكليلاً على رأسه إنه إكليل على كل حـال ولو كان مصنوعاً من الشوك وكان يجب أن يتوج ولذا يقول الكتاب في سفر تبشير الإنسان: اخرجن يا بنات أورشليم وانظرن سليمان وقد وضعت أمه تاجاً على رأسه، إن هذا الإكليل غني بالمعاني فهو يشير إلى النجاة مـن الخطيئة ومحـو الحكم.
يسوع يبسط يديه:
إنه بسط يديه على الصليب ليحتضن حدود الأرض لأن جبل الجلجلة حيث نحن هو مركز الدائرة للعالم ، لست أنا الذي أقول ذلك بل هكذا قال النبي إنك صنعت الخلاص في وسط الأرض، إنه بسط يديه البشريتين هو الذي بيديه الإلهيتين اللتين نراهما بالإيمان صنع السماوات وقد سمرتا بالمسامير وانبسطتا على خشبة الصليب حـاملتين خطايا البشرية . . . وبموته تمـوت الخطيئة معـه فنجا للبر ( كما قال الرسول ) : بما أنه بإنسان واحـد دخـل المـوت فبالإنسـان الواحد أيضاً وصلت الحياة أي المخلص الذي مات بإرادته، اذكر ما قاله: لي سلطان أن أعطي حياتي ولي سلطان أن آخذها.
عدل الله ورحمته:
هذا ما احتمله المخلص مصالحاً بدمه المسفوك على الصليب ما في السموات وما على الأرض، إن الخطيئة جعلت أعداء لله وقد حكم على الخاطئ بالموت فإمـا أن الله ينفذ كلمته بلا شيء أو برحمته غير المتناهية يمحو هذا الحكم.
ولكن تأمل حكمة الله ، إنه جمع بين عـدله وبين رحمته غير المتناهيين، إن المسيح قد حمل الخطايا في جسده على الصليب لكي بموته نموت نحن عن الخطيئة فنحيا لله.
لقد قام:
افرحي يا أورشليم افرحوا كلكم يا من تحبون يسوع لأنه قام، افرحوا أنتم كلكم يا من كنتم في الحزن عندما سمعتم بسوء أعمال اليهود وجرأتهم، لأن ذاك الذي أهانوه هنا أصبح الآن حياً . عندما سمعتموني أحدثكم عن الصلب كنتم حزانى وعندما تسمعون بشرى قيامته افرحوا ليتحول حزنكم إلى فرح وكآبتكم إلى تهليل ليمتلئ فمنا فرحاً ومسرة بالذي قال بعد قيامته افرحوا إني أعلم الحزن الذي كان يقاسيه هذه الأيام الماضية محبو يسوع. كانت كلماتي إليهم قد انتهت بذكرى الموت والقبر ولم تكن تبشرهم بالقيامة فكان إذاً فكركم متجهاً إلى الأمل أن تسمعوا ما كنتم تشتاقون إليه.
نعم لقد قام المسيح، لقد قام هو الذي مات وأصبح طليقاً من قيود الموت وأقام الموتى هو الذي بكل صبر قبل إكليل الشوك علامة الازدراء فقد قام ووضع على هامته إكليل الانتصار على الموت.
لقد انتهى الشتاء:
في أي فصل مـن فصول السنة قام المخلص ؟ لقد قام في الصيف . إن سفر نشيد الإنشاد يقول لقد انتهى الشتاء وخف المطر وظهـرت الزهور على الأرض وجاء أوان تقليم الكروم اليابسة إن الأرض الآن ملأى بالزهور وتقلم الكروم. بما أننا في شهر أبريل فإننا في الربيع وهذا الوقت يوازي الشهر الأول عند اليهود حيث يعيدون الفصح، إن عيد الفصح اليهودي كان رمزاً لعيد الفصح الحقيقي.
إن هذا الوقت يوازي وقت خلق العالم حيث قال الله لتنبت الأرض نباتاً وشجراً مثمراً يخرج ثمراً بحسب بذره.
والآن كما ترى كل عشب يحمل بذراً وكما أن الله خلق الشمس والقمر وحدد أياماً وليالي متوازنة لدورانها كذلك منذ بضعة أيام كان ميعاد الاعتدال، حينئذ قال الله لنصنع الإنسان على صورتنا ونال الإنسان حقاً من الله الصورة ولكن مثاله قد شوهها بالمعصية. كذلك الوقت الذي حدثت فيه السقطة صار فيه الفداء.
في نفس هذا الوقت خلق الإنسان وعصى الله وطرد من الفردوس ولكن فيه أيضاً نال الإيمان وأطاع وعاد إلى الفردوس.
لقد صار الخلاص في نفس وقت السقطة في الفصل الذي فيه تتخذ الأزاهير والوقت الذي فيه تقلم الكروم.
أومن بالروح القدس:
من الصعب الكلام عن الروح القدس.
في الحقيقة أننا في حاجة إلى نعمة الروح القدس لنشرح لكم معناه لا لنتكلم عنه بما هو جدير به من العظمة اللائقة فهذا مستحيل ولكن لنراجع بدون ما خطر الضلال ما قالته عنه الكتب المقدسة.
فعندما تقـرأ في الإنجيل هذه العبارات العظيمة التي قالها المخلص : من قال كلمة على الروح القدس لا مغفرة له في هـذه الحياة ولا في الأخرى ، يعترينا دائماً الخوف ، فمن أهـان الـروح القدس فأي أمل يبقى له.
فبخصوص الروح القدس فلنسمع فقط الكتب المقدسـة ، وبما هو غير مكتوب فلا نهتم لأن الروح القدس عينه هـو الذي أوحى بالكتب الإلهية وقال فيها ما يختص به كل ما أراده وكـل ما يمكننا فهمه فلنقل إذاً ما قيل عنه لأن ما لم يرد عنه لا نستطيع أن نتكهن به.
المعزي:
يوجد روح قدس واحد هو البار كما أنه لا يوجد غير أب واحد كما أنـه لا يـوجـد إلا ابن واحد هو كلمة الله وليس له أخ ، كذلك لا يوجد إلا روح قدس واحد وليس له آخر مساو له. إن الروح القدس قوة عظيمة إنه إله ولا يمكن للعقـل البشـري استيعاب أنـه يحيـا . إنه يمتاز بالعقل الكامل أنـه هـو الذي يقدس الكائنات التي خلقها الله في المسيح إنه ينير نفوس الأبرار هـو الذي ألهم الأنبياء والرسل . يدعى البارقليط لأنه يعزينا ويشجعنا ويعين ضعفنا لأننا لا نعرف ما يلزم أن نطلبه في صلواتنا حسب احتياجاتنا ولكن الروح نفسه يشفع فينا بآيات لا توصف إنه يشفع فينا لدى الآب. غالباً ما نهان ونحتقر ظلماً لأجل المسيح. الاستشهاد ينتظرنا أشباح الفداءات والنار والسيف والوحوش الضارية والهاوية التي تلقى فيها الأجسـاد تحوطنا ولكن الـروح يهمس قـائلاً انتظر الرب انتظر يا صديقي. إن ما يصيبك هين أمـام جزائك العظيم عندما تتألم قليلاً ستحيا أبدياً مع الملائكة إن آلام هـذا الـدهـر الحاضر لا تقاس بالمجد المزمع أن يتجلى فينا.
الروح القدس ينيرنا:
إن الروح القدس ومن جوهره الطيبة يقدس الكنيسة ويدافع عنها ويعلمها. إنه المعزي قال عنه المخلص هـو يعلمكم كـل شيء ولكنـه لم يقل فقط هو يعلمكم ولكنه أضاف قائلاً فهو يذكركم كل ما قلته لكم لأنه لا فرق بين تعاليم المسيح وبين تعاليم الـروح القدس فهي ذات التعاليم.
فإنه هـو الذي تنبأ بولس الرسول بما سيحدث له لكي يكون أكثر
غيرة للتنبيه.
وعندما قال السيد المسيح إن كلامي روح كان يعني هذا المعنى فليس هذا حديثاً يعاد ولكنه التعليم الحقيقي.
إن الروح القدس يأتي ليخلص ويشفي ويعلم ويقوّم المعوج ويقوي ويعزي وينير النفس ، نفس الذي يقبله أولاً والأنفس الأخـرى بواسطة من قبله أولاً.
تصور شخصاً كان يعيش في الظلمة إذا كان فيما بعد يرى الشمس فجأة فإن نظره يستنير وما لم يكن يراه في الماضي يبصره بوضوح، كذلك من صار مستحقاً أن يغسله الروح القدس تستضئ نفسه فيرى مـا هو فوق الإنسان أموراً لم يكن يدركها جسده على الأرض ولكن يبصر السماء كما في مرآة يرى مثل أشعيا الرب جالساً على عرش مرتفع مثل حزقيال من هو الشاروبيم.
لا تحزن الروح:
إن الروح القدس يسكن دائماً معك فهـو الحارس فهـو البارقليط إنه يسهر عليك كما يسهر القائد على أحد جنوده فهو يرافقك في ذهابك ومجيئك، كما يحافظ عليك من الذين ينصبون لك الفخاخ ، وهو يهبك كـل أنواع العطايـا إذا كنت لا تحزنه بخطاياك لأنه كتب لا تحزن روح الله القدوس الذي ختمتم به ليوم الفداء.
العنصرة:
في العنصرة كان الرسل جالسين عندما نزل عليهم المعزي من السماء.
إنه هبط إليهم لكي يعمد الرسل ويلبسهم قوته لأن السيد سبق وقال لهم بعد أيام قليلة ستعمدون من الروح.
وليست هذه نعمة قليلة ولكنها كمال القوة فإنه كما أن الذي يغطس في الماء يحاط بالماء من كل جانب كذلك يعمدون كلية بالروح القدس ولكن الماء لا يحيط بالخارج في حين أن ولكن الروح يعمد داخل النفس. لعلك تستغرب، خذ المثل من الطبيعة وهو مثل عـادي ودون ما قيمته تذكر ولكنه مفيد للناس السذج إذا كانت قطعة حديد تدخل النار فإنها تتحول إلى حديد محمي لقد كان هنا الحديد بارداً فيصبح بعد أن تكتنفه النار محرقاً وقد كان مظلماً فيصبح مضيئاً وإذا كانت النار وهي جسم عادي تستطيع أن تخترق الحديد فلماذا تتعجب إذا كان الروح القدس يدخل في أعماق النفس.
يجب أن لا نجهل عظمة هذه النعمة الهابطة من السماء كأنها بوق إلهي يجلجل سبقته أصوات من السماء مثل ريح تعصف بقوة.
وقد رأوا ألسنة من نار انقسمت واستقرت على كل واحد وقد امتلأوا من الروح القدس.
فقد قبلوا ناراً ليست ناراً تلتهم ما حولها ولكن ناراً خلاصية تحرق أشواك الخطيئةوتنظف النفس وهذه النار ستأتي عليكم أيضاًوستحرق خطاياكم وتطهركم
منها وستجعل نفوسكم تتلألأ. وسيعطيكم النعمة كما أعطاها للرسل.
تحت شكل ألسنة من نـار كان يستقر على كل واحد منهم لكي يضع على رؤوسهم بواسطة هذه الألسنة تاجاً من نوع آخر وأكثر حدة من النار هو لسان يعطي الخلاص وفائضاً للنعمة من جديد.
وأخذوا حينئذ يتكلمون بألسنة أخرى كما أتاهم الروح أن ينطقوا وها هما جليليان بطرس واندراوس قد أخذا يتكلمان الفارسية والمادية ويوحنا والرسل الآخرون يكلمون شعوب الأرض كلا بلغته.
تبلبلت أفكار السامعين فكانت البلبلة الثانية بعد بلبلة الألسن الأولى أيام برج بابل التي كانت البلبلة الرديئة لأنـه قبـل بلبلة الألسن كـانت بلبلة القلوب فصار السقوط ولكن بالوحدة صار الصعود إلى الله ولذا أخذ السامعون يتساءلون مندهشين كيف نفهمهم عندما يتكلمون.
ولكن آخرين كانوا يقولون ساخرين منهم إنهم امتلأوا سلافة ولكنهم في سخريتهم كانوا يعلنون الحقيقة لأن امتلاءهم بالـروح القدس كان عنصراً جديداً، كانت نعمة العهد الجديد خمراً أعطته الكرمة الروحية التي كثيراً ما كانت قد أعطت ثمارها للأنبياء وخمر هي ثمرة العهد الجديد.
وكما أن الكرمة تبقى منظورة ولكن تعطي في موسمها ثماراً جديدة هكذا الروح القدس الذي يبقى دائماً غير متغير والذي كثيراً ما عمـل في الأنبياء قد أثمر في هذا اليوم ثمراً جديداً، ثمراً جديداً وعجيباً.
نعم إن النعمة كانت قد وصلت إلى آبائنا ولكن في هذا اليوم فاضت هذه النعمة. قديماً قد كان لهم نصيب في مواهب الـروح ولكـن الآن كأنما
أغرقوا تماماً في بحر مواهبه الفياض.
ولكن بطرس الذي كان قد نال الروح القدس وكان يعلن بما ناله صرح قائلاً يا رجال إسرائيل هؤلاء الرجال ليسوا بسكارى كما تظنون وإذا كانوا سكارى فليس كما تتوهمون ولكن تحققت النبوءة القائلة سيسكرون من نعيم بيتك وستسقيهم من وادي مسراتك. إنهم سكارى من خمر تعطي الموت للخطيئة والحياة للقلب، خمر تضاد خمرة الجسد لأن هذه تنسينا ما نعلم بينما تلك تعطينا معرفة ما نجهله إنهم سكارى لأنهم شربوا خمر تلك الكرمة الروحانية، خمر تلك الكرمة التي قال عنها له المجد: أنا الكرمة الحقيقية وأنتم الأغصان وإن كنتم لا تصدقون اسمعوا ما كتب في نفس سفر الأعمال إنها الساعة الثالثة من النهار ومعلوم أن الذي صلب في الساعة الثالثة كما جاء في إنجيل القديس مرقس أرسل في هذا اليوم نعمة في الساعة الثالثة. لأن نعمة المسيح لا تختلف عن نعمة الروح القدس وهذا الذي صلب وسبق أن وعدنا بالنعمة قد حقق وعده.
أومن بالحياة الأبدية:
حادثان- إننا نبشر بمجيء المسيح لا بالأول ولكن بالثاني الذي سيكون أقوى من الأول. فقد كان مجيئه الأول بباعث الطاعة ولكن في المجيء الثاني سيلبس تاج الملك الإلهي لأن كل شيء في سيدنا يسوع المسيح مزدوج.
فقد ولد مرتين، ولد من الآب منذ الأزل وولد من العذراء عند ملء الزمان.
وله مجيئان مجيء متواضع مثل الذي على الجزء والثاني سوف يقترن بالقوة.
في المجيء الأول كان ملفوفاً بلفائف ومضجعاً في مذود وفي الثاني سيلبس النور كرداء. في الأول حمل الصليب مستخفاً بالعـار وفي الثاني سيأتي في مجده تحوطه أجواق الملائكة.
فلا يقف إيماننا إذاً عند مجيئه الأول فإننا ننتظر الثاني أيضاً. وبالنسبة للأول قد هتفنا قائلين. مبارك الآتي باسم الرب كذلك في المجيء الثاني سنهتف من جديد نفس هذا الهتاف لكن عندما نقابل الرب مع ملائكته نعبده قائلين مبارك الآتي باسم الرب.
إن الرب يسوع سيأتي لا ليحاكم من جديد ولكنه ليحاكم الذين حكموا عليه. لقد كان صامتاً يوم محاكمته ولكنه سوف يذكر الخطأة صانعي الإثم الذين قادوه إلى الصلب فسوف يقول لهم: هذا ما فعلته أنت ولكنني كنت صامتاً.
في عنايته بالبشر أتى للمرة الأولى ليرشد البشر وليعطيهم دروساً ولكن عند مجيئه الثاني لابد أن يملك على العالم ولو كره البشر.
سيأتي الرب يسوع من السماء سيأتي في آخر العالم بمجد في آخر الأيام لأن نهاية هذا العالم آتية وسيتجدد وجه الأرض.
نعم لقد فاحت آثام السرقة والزنا والفساد وأنواع الخطايا على الأرض والدم قد اختلط بالدم في هذا العالم فلابد أن هذه المسكونة تزول لكي تتلاشى هذه الأرض المليئة بالأرجاس لتطهر وتستعيد جمالها.
متى يأتي؟
لأن ما نراه سيزول وما ننتظره سيأتي أجمل مما نراه.
ولا نقلق للوقت الذي يتم فيه ذلك كما يقول السيد المسيح ليس لكم أن تعرفوا الأوقات والأزمنة التي جعلها الآب في سلطانه.
ولا تحاول أن تحدد متى يحدث ذلك ، ولكن لا تنم غير عـابئ بذلك فإن السيد يقول اسهروا فإن ابن البشر سيأتي في ساعة لا تظنونها.
كيف تعرف مجيئه؟
ولكنا نبحث عن علامة مجيء المسيح، علامة هي لنا علامة الكنيسة التي نحن أعضاء فيها، يقول لنا المخلص حينئذ يسقط الكثيرون، حينئذ يبغضون بعضهم بعضاً ويسلمون بعضهم بعضاً، فإذا كنت تفهم أن أساقفة سينقسمون على أنفسهم أو أن كهنة يقاومون بعضهم بعضاً أو أن شعوباً بأسرها تحارب شعوباً أخرى حتى الـدم فلا تجـزع فتنبؤات الأنبياء عن ذلك . انتبه لا إلى ما هو قائم الآن ولكن إلى ما هـو مكتوب ، وحتى إذا كنت أنا الذي أعلمك أهلك فلا تهلك دمعي فإن التلميذ يستطيع أن يكون أحسن من معلمه والذي أتى أخيراً يمكن أن يكون الأول فإن الرب يقبل الذين يأتون في الساعة الحادية عشرة، وإذا كانت الخيانة وجـدت عند الرسل فهل نعجب إذا كان يمكن للأساقفة أن يبغضوا إخوانهم.
ومن جهة أخرى هذه العلامة لا تختص فقط برؤساء الكنيسة ، ولكن
بالشعوب أيضاً لأنه كما يقول السيد المسيح لكثرة الإثم تبرد المحبة عند كثيرين فهل يوجد أحـد بينكم يمكنه أن يفتخر أن محبته للقريب خالصة تماماً . أليس أنه كثيراً ما نحب القريب بشغف وهنـا نبتسم لـه بوجوهنا بينما القلب يحدث بالمكر ويدس الشر بينما نتكلم بالسلام.
الدينونة الأخيرة:
ولكن ما هي علامة مجيئه بحيث لا يمكن لأي قوة أخرى أن تماثلها؟ وحينئذ يقول المسيح تظهر في السماء علامة ابن الإنسان فهذه العلامة الحقيقية الخاصة بالمسيح هي حلية علامة الصليب. التحمت بالنور تسبق الملك وهي تظهر الذي صلب قديماً لكن عند نظره اليهود الذين دسوا له الدسائس وضربوه، يقرعون صدورهم وهم صارخون هذا هو الذي ضربوه.. هؤلاء هـم الذين بصقوا في وجهه . . . هذا هو الذي ربطوه . . هذا هو الذي صلبوه بعد أن هزأوا به أين المفر من وجهه ومن غضبه . . . ولكن أجواق الملائكة ستحوطهم فلا يستطيعون الفرار في أي مكان.
إن الصليب سيخيف بـه أعداء المسيح ولكن سيفـرح أصدقاءه الذين آمنوا والذين بشروا وتألموا لأجله. ألا يكون سعيداً ذلك الـذي سيعرفه المسيح في هذا اليوم أنه من أخصائه لأنه سوف لا يحتقـر عبيده الأمناء . فالملك في قدرتـه ومجده تحوطه ملائكته يجلس عن يمين الآب ، ولكي لا يختلط مختاروه مع أعداء الله سيرسل ملائكته ويجمع هـؤلاء المختارين بصوت أبواق مدوية من أقـاصي الأرض أن الله لم يحتقر لـوطاً ولو كان البار الوحيد فكيف يحتقر جمهرة الأبرار فإنه يقول لهؤلاء الذين جمعهم الملائكة: تعالوا يا مباركي أبي.
أيها الفقير لا تخف:
رب قائل يقول لي إني فقير وغيره يقول إن لدي مريضاً أو ملازماً الفراش، أو تقول أخرى إني امرأة ضعيفة فهل أوخذ وأنا أطحن؟ لربما يزدرون بنا، لا، بل، تشجعوا إن قاضينا عادل سوف لا يحكم حسب الظاهر ولا يقضي حسبما يسمع إنه سوف لا يفضل عنده العلمـاء على الجهلاء ولا الأغنياء على الفقراء فإن كنت في الحفل فستأخذك الملائكة فلا تنكر أنهم يأخذون صاحب الحفل ويتركون الأجير. حتى لو كنت عبداً فلا تخف إن الذي أخذ صورة العبد سوف لا يزدري العبيد حتى لو كنت مريضاً وفي الفراش فقد كتب من اثنين في فراش واحد يؤخذ الواحد ويترك الآخر حتى إذا دعتك الضرورة رجلاً كنت أو امرأة لتطحن حتى لو كان لك أبناء حتى لو كنت بجانب الرضا سوف لا يزدري بك الله الذي في قدرته فك أسر المسجونين هو الذي نجى يوسف من الأسر ومن السجن ليضعه على عرش مصر كفيل بأن يخلصك من العبودية ليقودك إلى ملكوت السماوات.
يلزم فقط أن يكون فيك الرجاء وأن تعمل وتحارب لأنه لا يضيّع شيئاً وكل عمل مسجل وكل واحدة من صلواتك وتضرعاتك وكل صدقاتك وأصوامك مكتوبة وكل واجباتك الزوجية التي حفظتها بأمانة مذكورة في صفحة حياتك كذلك فضيلة العفة التي حفظتها بكمالها وحباً لله لا تنسى.
فابدأ إذن من الآن لتسلك هكذا واثبت على الإيمان ولا تخاطر مثل العذارى الجاهلات أن توجد خارجاً مثلهن بينما تذهب لشراء زيتك لا تتكل على مجرد الفكرة بأنك تحمل مصباحك في يـدك ولكن اعتن بأن تحفظه دائماً مضيئاً. اجعل نور أعمالك الصالحة منيراً أمام الناس ولا يجدف على المسيح بسببك البس ثوب عدم الفساد ثوب أعمالك الصالحـة كما ينبغي وما أعطاك الله في عنايته إذ تصنعه فاصنعه بالكمال.
اهرب من الكذب وابحث عن الحق إنك عرفت الطريق إنك تعرف كيف تكون في يوم الدينونة مع الأبرار احفظ أمانة المسيح كن متزيناً بالأعمال الصالحة كي تظهر باطمئنان أمام القاضي العادل وترث ملكوت السموات.
من يؤمن به ومن لا يؤمن:
الباعث الذي يدفعنا إلى العمل الصالح هو رجاء القيامة فإن انتظار المكافأة المجزية يعطينا القوة لنحقق العمل الصالح.
أي عامل يستطيع أن يحتمل المتاعب عندما يفكر في آخر تعبه ولكن الذين يفكرون بأنهم يتعبون بدون مقابل لهم يفقدون كل حماس.
إن الجندي الذي ينتظر المكافأة هو الذي يستعد للقتال ولكن لا يوجد من يخاطر بحياته لأجل ملك أعمى لا يكافئ على الأتعـاب التي يتحملها الجند.
كذلك كـل نفس تؤمـن بالقيامة تهتم طبعـاً بنفسها وبالعكس التي لا تؤمن بالقيامة فإنها تعمل على هلاكها. الذي يؤمن بالقيامة يهتم بالجسد وهو ثوب النفس ولا يجعله يتسخ بالدنس أما الذي لا يؤمن بتاتاً فإنه ينغمس في حمأة المعاصي كما لو كان يستخدم جسداً لا يملكه فإذاً قيامة الأجسـاد مـن المعتقدات ذات الأهميـة الكبرى في الكنيسة الكاثوليكية هي عقيدة مهمة وضرورية. كثيرون يناقضونها ولكن الحقيقة تثبتها. فاليونانيون يناقضونها والساريون ينكرونها والهراطقة يؤولونها شتى التأويلات . إن الضلال له صور كثيرة ولكن الحقيقة لها وجه واحد.
إن لم تمت الحبة:
تأمل في الطبيعة وتنبه إلى مـا يحدث كل يوم . تزرع الحنطة مثلاً أو أي بذور أخرى. وفالحبة تسقط وتعفن وتموت فهي لا تصلح للغذاء ولكن هذه الحبة التي تعفنت هي التي ترتفع ساقاً أخضر لقد سقطت حبة صغيرة ولكـن قامت عليها نبتة جميلة . أما القمح فقد نما لأجلنا لأنه خلق بضروريات حياتنا مثل بقية البذور لا لأجله فما خلق لأجلنا يولـد من جديد بعد موت ، ونحن الذين مـن أجلنا خلقت هذه ألا نقوم بعد الموت.
إننا كما ترون لا نزال في فصل الشتاء وكأن الأشجار ميتة. أين أوراق التين أين براعم الكرمة؟ نعم إن هذه النباتات تموت في الشتاء ولكنها ستعود في الربيع وفي موسمها شجرة حياة كاملة كما لو كانت خرجت من القبر.
إن الله الذي كان يدرك قلة إيمانك يعيد الحياة كل سنة لهذه النباتات التي تراها وهكـذا بتأملك في ما يحدث ، في العـالم غير الناطق تؤمن بـأن ما يحدث فيه يحدث أيضاً لمن أفاض بهم الله الحياة والنطق.
آثار الخطيئة:
سوف نقوم إذاً نحن جميعاً بأجسادنا، سنحظى بالخلود ولكن شتان ما بين أجساد وأجساد إن البار سيعطي جسداً سماوياً يستطيع أن يعطي مع الملائكة. أما الخاطئ فسيعطي جسداً لا يموت ولكن سيتحمل قصاص خطاياه سوف يحترق في النيران الأبدية سوف لا يفنى أبداً.
إن الله سوف يظهر عدله للأبرار وللأشرار لأننا لا نعمل شيئاً خيراً كان أو شراً بدون الجسد فإننا نجـدف بفمنا كمـا نصلي أيضـاً بفمنا . إننا كما نتدنس بالجسد نستطيع أن نحمل أجساداً طاهرة. نسرق بيدنا كما نعمل الصدقة بها وهكذا فبما أن الجسد ساعدنا في كل شيء فسيأخذ نصيبه في الحالة التي سنكون فيها في المستقبل.
لنحترم إذاً أجسادنـا أيها الإخوة ولا نسئ استعمالهـا كأنها ليست لنا. لا نقـل مثل الهراطقة بأن الجسد ثوب غريب عنّا . ولكن لنحترمه كمالنا الخاص لأننا سوف نعطي حساباً للرب عن كل ما صنعناه بالجسد.
لا تقل لا يراني أحد، لا تفكر أن أعمالك لا يشهد عليها أحد من الناس ولكن الخالق يبقى من علو سمائه الشاهد الأمين الـذي لا يغلط الذي يرى كل شيء وآثار الخطيئة تبقى على الجسد كما أن الجروح حتى التي تشفى تترك
أثراً؛ كذلك الخطيئة تجرح النفس وتترك آثارها باقية.
المعمودية وحدها تزيل هذه الآثار عند قابلي هذا السر.
نؤمن بالكنيسة:
هي كاثوليكية:
إنها تدعى كاثوليكية أي جامعة لأنها منتشرة على الأرض كلها من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها، لأنها تعلم الجميع وإلى انقضاء الدهور جميع المعتقدات اللازمة؛ مجمع الناس المنظور منها والغير المنظور السماويات والأرضيات، وهي ترأس جميع الناس لتقدسهم الرؤساء والمرءوسين العالم والجاهل ولأنها تنبئ بجراحات جميع الخطايا التي يصنعها الإنسان بالنفس أو بالجسد وتشفيها لأن الكنيسة تملك جميع الفضائل أيّاً كان اسمها وكل قوة في أفعالها وتعاليمها بل النعم الروحية المختلفة.
إن الملوك في كل ممالك الأرض لهم سلطات محدودة، الكنيسة الكاثوليكية وحدها لها في كل الأرض سلطة ليس لها حدود لأن الله كما كتب أعطى السلام في حدودها.
الأمانة للكنيسة:
انضم إلى مجموع القطيع واهرب من الذئاب التي تحيد عن الكنيسة. أبغض الذين حامت حولهم الشبهات وعلموا الأباطيل. وإذا كنت مع الوقت لست متأكداً من توبتهم فلا تستسلم لهم مطأطئ الرأس.
الأسرار المقدسة
المعمودية – الإرشاد الأول:
قراءة نص من الرسالة الأولى للقديس بطرس.
ألقوا على الله همكم كله فإنه يعتني بكم، اعملوا واسهروا فإن إبليس خصمكم كالأسد الزائر يجول ملتمساً من يبتلعه فقاوموه راسخين في الإيمان عالمين أن إله كل نعمة الذي دعاكم إلى مجده الأبـدي في المسيح بعـد تألمكم اليسير يجعلكم كاملين راسخين مؤيدين مؤسسين له المجد والعزة إلى دهر الدهور آمين.
قد كتبت لكم الاختصار فيما أظن على يد سلوانس الأخ الأمين واعظً وشاهداً أن هذه نعمة الله التي أنتم قائمون فيها تسلم عليكم الكنيسة المختارة التي في بابل ومرقس ابني سلموا بعضكم على بعض بقبلة هذه المحبة السلام عليكم يا جميع الذين في المسيح يسوع آمين.
أنتم أبناؤها الأعزاء طالما رغبت أيها الأبناء الحقيقيون بالكنيسة أن أشرح لكم هذه الأسرار الروحية السماوية ولكن بما أني كنت أعرف أننا نؤمن أكثر إذا نظرنا بعيوننـا أكثر مما لـو سمعنا بآذاننا وقد انتظرت حتى الآن بعد أن صرتم أسلس قيادة بما ستسمعونه بما لديكم الآن من خبرة فأستطيع أن أقودكم من يدكم في هذا الحقل ، حيث هذا الفردوس المفعم نوراً وعطراً.
لقـد ذكرتم العمـاد هذا السر الإلهي والمحيي . فيلزم الآن أن نطلعكم
على تعاليم أكثر كمالاً وكذا نريد أن تتفقهوا بدقة لكي تعرفوا العمل العظيم الذي تم فيكم في هذا المساء قد عمدكم.
إنكم أولاً دخلتم إلى حيث المعمودية ووقفتم إلى ناحية الغرب وأنتم تنصتون وقد أمرتم أن ترفعوا يدكم وتكفرا بالشيطان كما لو كان واقفاً حاضراً بينكم.
فرعون:
لابد من معرفة ذلك إن هذا الطقس أساسه في التاريخ القديم. فإن فرعون أقسى وأغنى الملوك المتجبرين، كان يضطهد شعب العبرانيين الحر النبيل. فأرسل الله موسى لينقذه من عبودية المصريين المرة. فكانوا يصبغون أبواب منازلهم بدم الحمل لكي يتجاوز ملاك الموت عن البيوت التي تحمل هذه الإشارة وبذلك نجا شعب إسرائيل بمعجزة، وعندما أخذ العدو يطارد الذين فازوا بالحرية عندما رأى البحر قد انشق إلى شطرين بأعجوبة، جاز وراءهم فغرق تحت أمواج البحر الأحمر.
الرمز والحقيقة:
أنتقل الآن مـن التاريخ القديم إلى الجديد مـن الرمـز إلى الحقيقة. قديماً أرسل الرب موسى إلى مصر وفي العهـد الجديد نـرى المسيح المرسل من الآب الأزلي إلى العالم في العهد القديم كان يجب أن يخرج شعب مضطهد من أرض مصر وفي العهد الجديد رسالة المسيح كانت في تحرير من هم في العالم تحت عبوديـة الخطيئة . في التاريخ القديم دم الحمـل هو الذي كان يبعد ملاك الموت عن الإسرائيليين وفي العهد الجديد يسوع المسيح هـو الذي طرد الشياطين، فرعون ملك مصر طارد الشعب حتى إلى وسط البحر أما أنت فالشيطان اللعين يطاردك بـدون شفقة حتى إلى ينابيع الخلاص نفسها.
العدو الأول قد أغرق في مياه البحر والثاني يغرق في مياه الخلاص مياه المعمودية.
الاتجاه إلى الغرب:
إنك تتلقى الأمر بأن ترفع يدك كأنك تشير إلى شخص حاضر أمامك تقول له: أنا أكفر بك أيها الشيطان.
أريد أن أقول لك لماذا تقف متجهاً إلى الغرب لأن ناحية الغرب هي منطقة الظلام لأن الشيطان وهـو الظلام يمارس نشاطه في الظلمات ولذا تقف متجهاً إلى الغرب فترمز بذلك إلى أنك تجحد رئيس الظلمة وظلال الموت.
اجحد الشيطان:
ماذا قال كل منكم وهو واقف الآن: أجحدك أيها الشيطان أيها السيد القاسي والشرير من الآن لا أخاف من قوتك لأن المسيح قد هزم جبروتك وذلك بأن أخذ لحمي ودمي لكي يهدم الموت بالموت لكي لا أكون خاضعاً للعبودية . إني أجحدك خاضعاً أيها الثعبان الماكر ، والقادر على كل شـر . إني أجحـدك أنت الـذي تنصب الفخاخ أنـت الذي تحت ظاهر الصداقة لم تتـرك غير الخطيئة وسببت لأبوينا الأولين عـدم الأمانة . إني أكفـر بك أيها الشيطان الذي لا تتصل إلى بالشرور وتساعد على صنعها.
… وأعماله:
بعدما تقول أجحد أيها الشيطان تضيف و “أعمالك”.
إن أعمال الشيطان هي الخطايا بجميع أنواعها. فمن اللازم أن تكفر بها أيضاً كما يترك الإنسان خدمة السيد القاسي إنه يترك جميع أسلحته، فالخطيئة بأنواعها هي إذاً أعمال إبليس واعلم أيضاً أن ما تقوله في هذه الساعة الرهيبة مسجل أمام الله وبالتالي عندما تتمم عملاً مخالفاً لهذا الوعد سوف تحاكم كناقض العهود. إنك تكفر بأعمال إبليس أعني بالأعمال والأفكار المضادة للأوامر الإلهية.
أكفر بأباطيله:
تقول بعد ذلك: “أكفر بأباطيله” ما هي: أباطيل الشيطان؟ هي جنون المسرح وسباق الخيل والصيد في جلسات الملاعب وكـل الأباطيل المناسبة التي يقول فيها الرجل الصالح: ” أغمض عيني يارب لكي لا أرى الباطل ” . فلا تركض وراء زخرف المسارح حيث ترى خلاعة الممثلين وحركاتهم الدنسة وأعمالهم المختلفة الجانحة عن الفضيلة ولا تحضر المراقص التي يرقص فيها الرجال كالنساء… فإن كل ذلك أباطيل الشيطان.
أجحد عبادتك المرذولة:
ثم تقول: أجحد عبادتك المرذولة . عبادة الشيطان هي الصلاة في هيكل مخصص للأصنام أو تكريم الصور الميتة . هي أنك تحـرق البخـور عند بعض الينابيع أو الأنهار أو توقد المشاعل بالقرب منها كما يفعل الذين يستحمون فيها وقد خدعوا بالأحلام أو الشيطان نفسه متصوريـن أنهم ينالون الشفاء أو ممارسات أخرى مشابهة. إذاً لا تقحم نفسك في هـذه بـل اهرب منها لأنك إن سقطت بعد جحدك للشيطان وتعهداتك بأن تتبع المسيح فستجد الشيطان، هذا السيد القاسي، أصبح أكثر قسوة وأشد ضراوة فلربما سابقاً كان يعاملك معاملة الخادم الأمين وكان يخفف عنك مرارة الأسر، ولكن بعد ما كفرت به فإنك تحديته بقسوة. حينذاك تحـرم من المسيح وستتعلم أن تعرف من هو إبليس.
لا تلتفت إلى ورائك:
ألم تسمع قط تلك القصة التي وردت في اعهد القديم بالنسبة للوط وبناته ؟ إنه قد هرب إلى الجبل مع بناته وفرّ مـن الموت ولكن امرأته قد تحولت إلى عمود ملح وظلت هكذا إلى الأبـد وذهبت ضحية اشتهـاء قبيح ونظرة إلى الـوراء ، احترس إذاً لنفسك ولا تلتفت إلى ورائـك بعـد ما وضعت يدك على المحراث ، لا تلتفت إلى مرارة هذه الحياة ولكن اهرب إلى الجبل بالقرب من يسوع فإنه الصخرة التي قامت من غير صنع الأيدي وهو مالئ المسكونة.
اتجاهات إلى النور:
إنك كفرت بالشيطان- إنك مزقت كل عهد معه، إنك بذلك تقطع الصلات القديمة بجهنم ها هي ذي تنفتح أمامك جنة الله التي غرسها عند المشرق، ولكن منها طرد الأب الأول بسبب معصيته، من هنا نفهم معنى الاتجاه من الغرب إلى الشرق وهي جهة النور وقد قيل لك حينئذ أن تصرح بأن: “أومن بالآب وبالابن وبالروح القدس وبمعمودية واحدة للتوبة”.
وسبق أن تحدثنا إليك حسب نعمة الله عـن هذه المواضيع في الإرشادات السابقة.
سوف لا تكون حزيناً أبداً:
وإذا صرت راسخاً؛ بواسطة هذه الكلمات فكن ساهراً لأن الشيطان عدونا كما قرأنا ” كالأسد الزائر يطلب من يفترسه ” نعم إن الموت قديماً كان يفترس لأنـه كان قوياً . ولكن الحميم المقدس للولادة الجديدة ، فإن الله مسح الدموع من على كل الوجوه. فإنك سوف لا تكون حزيناً فيما بعد، إذ أنك خلعت الإنسان العتيق ولكنك ستصير في الفرح لأنـك لبست ثـوب الخلاص يسوع المسيح.
هذا ما يتم خارج جرن المعمودية عندما يريد الله، عندما نشرح الأسرار المقدسة في بحر الإرشادات المقبلة سندخل قدس الأقداس وحينذاك سنعرف معنى الأشياء التي تتم فيه. لله الآب المجد والقدرة والعظمة مع الابن والروح القدس إلى دهر الداهرين آمين.
المعمودية – الإرشاد الثاني:
قراءة ما جاء في رسالة القديس بولس إلى أهـل رومية ( رومية 6 : 3-12).
” أتجهلون أن كل من اصطبغ منا في يسوع المسيح اصطبغ في موته فدفنا معه في الموت حتى إننا كما أقيم المسيح من بين الأموات بمجد الآب كذلك نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة ، لأنا إذا كنا قد غرسنا معـه على شبه موته فنكون على شبه قيامته أيضاً. فإنا نعلم أن إنساننا العتيق قد صلب معه لكي يتلف جسم الخطيئة حتى لا نعـود نستعبد للخطيئة لأن الـذي مات قد تبرأ من الخطيئة فإن كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أنا سنحيا أيضـاً معه إذ نعلم أن المسيح مـن بعـد أن أقيم من بين الأموات لا يموت أيضـاً لا يسود عيه الموت من بعد لأنه من حيث إنه مات فقـد مـات للخطيئة مرة وأما من حيث أنه يحيا فيحيا لله، فكذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً للخطيئة أحياء لله بربنا يسوع المسيح. إذن لا تملك الخطيئة في أجسادكم المائتة حتى تطيعوا شهواته”.
إن الإرشادات اليومية للأسرار المقدسة هي ذات فائدة، كذلك الإرشادات الجديدة الخاصـة بالطقوس الجديدة لها أعظم الفوائد خصوصاً لكم أنتم الذين تجددتم بترككم الإنسان القديم فصار كل منكم إنساناً جديداً.
من أجل ذلك يلزم أن أقدم لكم شرح الأسرار التي سبق إيضاحها لكم البارحة بحيث تطبقون في حياتكم ما رمزت إليه الطقوس التي أتممتموها في المعمودية.
إنكم خلعتم رداءكم:
عندما وصلتم إلى المعمودية قد خلع كل منكم رداءه وكان ذلك صورة لخلع الإنسان العتيق بكل أعماله القديمة. وبعد أن تم ذلك تعريتم من الثياب فصرتم بذلك على مثال المسيح الذي كان عرياناً على الصليب وبواسطة عريه قد جرد الرئاسات والسلاطين وصلبهم بقوة على خشبة الصليب. وبما أن القوات المعادية لكم كانت تختفي في أعضائكم فلا يمكنكم بعد اليوم أن تلبسوا هذا الثوب العتيق الذي أفسدته الشهوات الخداعة. فلا يجوز للنفس التي تخلت عنه مرة أن ترتديه مرة أخرى ولكن لتقل مع عريسها يسوع حسب ما جاء في سفر نشيد الإنشاد “إني خلعت ردائي كيف لي أن أرتديه يا للعجب إنكم كنتم عرايا في نظر الجميع وكنتم تخجلون ولكنكم كنتم تحملون صورة الخليقة الأولى وهو آدم الذي كان عرياناً في الفردوس قبل الخطيئة ولكن لم يكن يخجل.
الدهن بالزيت:
بعد ما خلعتم ملابسكم قد دهنتم من الرأس إلى القدم بزيت الموعوظين
وصرتم مشتركين في الزيتونة الحرة وهي يسوع المسيح.
إنكم قطعتم من الزيتونة البرية وتطمعون في الزيتونة الحرة.
فزيت الموعوظين كان رمزاً للاشتراك في مسحة يسوع فأزالت هذه المسحة عنكم كل بقايا قوة العدو.
فعندما نفخ عليكم الكاهن باسم الله فذلك يحـرق قوات الشيطان كما تحرق النار القوية كذلك هـذا الـزيت يأخـذ مـن قـوة استدعاء الله ومن الصلوات قوة عظيمة حتى إنها تطهركم من آثـار الخطيئة وتستطيع أن تطرد قوات الشر الخفية.
إنكم دخلتم الماء ثلاث مرات:
لقد أتيتم بعد ذلك إلى المعمودية المقدسة كما أتى المسيح من الصليب إلى القبر القريب من الجلجلة . وقد طلب من كل منكم إذا كـان يؤمن بالآب والابن والروح القدس ، وقد أعلنتم إيمانكم الخلاصي بهـذه الحقائق ثم اصطبغتم ثلاث مرات بالماء المقدس ثم خرجتم منه وكان ذلك رمـزاً للثلاثة أيـام التي قضاها يسـوع في القبر . فكما أن يسوع مضى ثلاثة أيام في بطن الأرض كذلك أنتم بخروجكم من الماء لأول مرة قد رمزتم إلى اليوم الأول الذي قضاه المسيح في القبر وبدخولكم في الماء رمزتم إلى الليلة التي قضاها يسوع فيه. وكما أن الإنسان في الليل لا يرى شيئاً كذلك في وضح النهار كل إنسان يستطيع أن يمشي كذلك بدخولكم في الماء لم تكونوا ترون شيئاً كما لو كنتم تسيرون في الليل وعند خروجكم منه قد صرتم كما لو طلع عليها النهار، في ذات الوقت قمتم ثم ولدتم ولادة جديدة وهذا الماء الخلاصي صار لكم قبراً لإنسانكم العتيق وأما لولادتكم الجديدة.
المعمودية موت وقيامة:
ما قاله سليمان الحكيم بخصوص موضوع آخر يمكنه أن يطبق عليكم فقد قال: يوجد وقت للولادة ووقت للموت ولكن بالنسبة لكم يوجد عكس ذلك وقت للموت ووقت للولادة وفي الوقت نفسه يتحقق الاثنان الموت والحياة في نفس الوقت الذي فيه يأتي الموت تأتي لكم الحياة. يا للأمر العجيب إننا لم نمت حقيقة ولم ندفن حقيقة ولم نصلب حقيقة ولم نقم؛ ولكن إذا كانت هذه رموزاً وصوراً فقد تم بها الخلاص حقيقة.
إن المسيح قد دفن فعلاً وقام بالحقيقة وكل هذا قد وهب لنا لكي ننال باشتراكنا بصورة آلامه حقيقة الخلاص. يا لمحبة الله الغير المتناهية.
إن المسيح قد سمر في يديه ورجليه الطاهرة إنه تألم وباشتراكي في آلامه بدون ألم ولا حزن يهيئ نعمة الخلاص.
عمادنا وعماد يوحنا:
ولا يتصورنَّ أحد أن العماد ينال لنا فقط مغفرة الخطايا ويهبنا البنوة الإلهية كعماد يوحنا الذي كان يقـود فقط إلى مغفرة الخطايا . بالعكس ، كما نعرف جيداً، إن العماد يطهر من الخطايا ويهب نعم الـروح القدس وهو رمز إلى آلام المسيح لأجل هذا السبب يعلن بولس الرسول كما قرأنا ذلك من هنيهة : ” أتجهلون أن كل مـن اصطبغ منا في يسوع المسيح اصطبغ في موته فدفنا معه في الموت” فهذا ما كـان يقوله للذين كانوا يقولون إن المعمودية تعطي مغفرة الخطايا والبنوة الإلهية وينكرون أنها كانت تشترك في آلام المسيح بنوع من التقليد.
موت المسيح وقيامته:
فيلزمنا أن نعرف أن كل ما احتمله المسيح كـان لنا ولخلاصنا بالفعل لا بالمظاهر، إنه يتألم كي يجعلنا نشترك في آلامه. وهذا ما قـاله الرسول بولس بكل دقة. إذا كنا غرسنا معه على شبه موته فنكون على شبه قيامته أيضاً. وما أجمل كلمة “غرسنا” لأنـه الكرمـة الحقيقية التي غرست ونحن قد اشتركنا في موته بالمعمودية فقد غرسنا مع هذه الكرمة المقدسة. نتأمل بتدقيق كلام الرسول فإنه لم يقل إننا غرسنا مع موته ولكن بصورة موته . لأن المسيح مات حقيقة وروحه انفصلت حقيقة من جسده وصار دفنه حقيقياً لأن جسده المقدس قد وضع في الأكفان وهـذا حـدث فعلاً لـه أما أنتم فلم يكن لكم من الموت والآلام إلا صورتهما . ولكن خلاصكم صـار حقيقة لا رمزاً.
والآن وقد استنرتم بالكفاية في هذا الصدد أرجو أن تحفظوا هذا جيداً لكي أستطيع بالرغم من عدم أهليتي أن أقول أنا أيضاً لكم إني أحبكم. إنكم تذكروني في كل وقت لأنكم تحفظون التقاليد التي سلمتها لكم.
إن الله قد اختاركم من جملة الأموات لتكونـوا أحياء ويستطيع أن يسير بكم في جدة الحياة لأن لـه المجد والسلطان الآن وإلى دهـر الـدهـور آمين.
المسحة – الإرشاد الثالث:
قراءة من رسالة القديس يوحنا الأولى (1يو 20:2-28).
أما أنتم فإن لكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء فلم أكتب إليكم لأنكم لا تعرفون الحق بل لأنكم عارفون به وبأن كـل كذب ليس من الحق. من الكذاب إلا الذي ينكر أن يسوع هو المسيح هـذا هـو المسيح الدجال الذي ينكر الآب والابن لأن كل من ينكر الابـن ليس له الآب ومن يعترف بابن فله الآب أيضاً. وأنتم فما سمعتموه من البدء تثبتون أنتم في الابن وفي الآب وهذا هو الموعد الذي وعدنا بـه الابـن الحياة الأبدية. قد كتبت بهذا في حق الذين يضلونكم، لكـن المسحة التي نلتمـوها منه تثبت فيكم ولا حاجة لكم أن يعلمكم أحد بل تعلمكم مسحته عن كل شيء هو حق لا كذب فكما علمتكم اثبتوا فيه فالآن أيها الأبناء اثبتوا فيه حتى إذا ظهر تكون لنا لديه ثقة لا خزي عند مجيئه.
المسحات المختلفة:
إنكم قد مسحتم أولاً على جباهكم لتتخلصوا من خزي الإنسان الأول الذي سبق وعصى الله، هذا الخزي قد كان يحمله آدم أينما حـل لكي ينعكس على وجوهكم كما في مرآة مجد الرب.
ومسحتم على آذانكم لتكون لكم آذان تفهم الأسـرار الإلهية . وبهذا
الخصوص قال أشعيا إن الرب قد أعطاني أذناً لأسمع وقـد قـال المسيح له المجد في الإنجيل: “من له أذنان سامعتان فليسمع”.
وقد مسحتم بعد ذلك على صـدوركم حتى تواجهوا بشجاعة ، بعد ما لبستم درع العدل، فخاخ الشيطان فكما أن المسيح بعد عماده وحلول الروح القدس خرج إلى البرية وحارب إبليس كذلك أنتم بعد المعمودية والمنحة المقدسة قد لبستم أسلحة الروح القدس فتقفون ضد قوات العدو وتحاربونها قائلين إني أقدر على كـل شيء بالـذي يقويني وهو المسيح يسوع.
إنكم تدعون مسيحيين:
بما أنكم صرتم أهلاً لهذه المسحة دعيتم مسيحيين وبولادتكم الجديدة تثبتون صحة هذه التسمية وقبل نوالكم هذه النعمة لم تكونوا مستحقين أن تحملوا هذا الاسم الكريم، ولكن فقط كنتم تسيرون في الطـريق المـؤدي إلى المسيحية.
جسد ودم المسيح – الإرشاد الرابع:
قراءة نص من رسالة القديس بولس إلى أهل كورنتس:
لأني تسلمت من الرب ما قد سلمته إليكم أن الـرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ خبزاً وشكر وكس وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي يكسر لأجلكم اصنعوا هذا لذكري وكذلك الكأس من بعد العشاء قائلاً: “هذه الكأس هي العهد الجديد بـدمي اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يأتي، فأي إنسان أكل خبز الرب أو شرب كأسـه وهـو لا يستحقهمـا فهو مجرم إلى جسد الرب ودمه. فيختبر الإنسان نفسه وكذا فليأكل مـن هذا الخبز ويشرب مـن هذه الكأس لأن مـن يأكل ويشرب دينونة لنفسه إذ لم يميز جسد الرب ولذلك كثير فيكم المرضى والسقام ورقـد كثيرون ولو كنا ندين أنفسنا لما كنا ندان وفي دينونتنا هذه إنما يؤدبنا الـرب لئلا يحكم علينا مع العالم. إذن يا إخوتي متى اجتمعتم للطعام فلينتظر بعضكم بعضاً وإذا جـاع أحد فليأكـل في البيت لئلا يكون اجتماعكم للدينونة . أما ما بقي فسأرتبه متى قدمت إليكم”.
أخذ خبزاً:
هذا التعليم للطوباوي بولس يكفي لأن يقنعنا تماماً بالأسـرار الإلهية التي اعتبرتم مستحقين للاشتراك فيها والتي جعلتكم أعضاء للجسد الواحد ولكم الدم الواحد دم المسيح هذا مـا أعلنه بولس الرسول فيما قرأناه : إنه في الليلة التي أسلم فيها أخذ ربنا يسوع المسيح خبزاً وبعد ما شكر كسر وأعطى لتلاميذه قائلاً خذوا كلوا، هذا هو جسدي وبعد ذلك أخذ الكأس وشكر وقال خذوا اشربوا هذا هو دمي.
وبما أنه أعلن ذلك بخصوص الخبز قائلاً هذا هو جسدي فمن ذا الذي يتجاسر ويشك في هذا السر؟ وبما أنه أكّد قائلاً هذا هـو دمي فمن الذي يتردد في الإذعان قائلاً إنه ليس دمه؟
نحن نحمل المسيح:
فبكل اقتناع نشترك في جسد ودم المسيح فإنه تحت شكل الخبز هو جسده الـذي يعطي لك دمـه لكي تصير باشتراكك في جسـد ودم المسيح عضواً في الجسد الواحـد والدم الواحـد وبذلك نصير حملة المسيح ما دام جسده ودمه يتسربان في أعضائنا وبذلك حسب كلمة الطوباوي بطرس نصير شركاء في الطبيعة الإلهية.
إن لم تأكلوا جسدي…
قديماً عندما تناقش المسيح مع اليهود كان يقول لهم إن لم تأكلوا جسدي وتشربوا دمي فلا حياة لكم في أنفسكم.
ولكنهم لم يفهموا هذه الكلمات بمعناها الروحي فشكوا وارتدوا إلى الوراء متصورين أن المسيح يريد أن يحملهم على عمل من أعمال أكلة اللحوم البشرية.
لا تحكم على الحقيقة بمجرد الذوق:
لا تعتبر هذا الخبز وهذا الخمر مواد عادية إنهما جسد ودم المسيح حسبما أعلنه بنفسه ولو دفعتك حواسك على التفكير بأنهما أمور عادية. فليعطك الإيمان اليقين المطلق على أنهما جسد ودم المسيح فلا تحكم على حقيقتهما بمجرد الذوق ولكن ليحملك إيمانك على اليقين الكامل بأنهما جسد المسيح ودمه.
المائدة التي أعدها لنا الرب:
إن الطوباوي داود يؤكد لك مدى قوة هذا الخبز وهذا الخمر بهذه الكلمات: “إنك يارب أعددت لي مائدة تجاه أعدائي” وهذا هو معنى هذه الكلمات: قبل مجيئك أعدّ الأبالسة للبشر مائدة ولكنها كانت ملوثة مليئة من قوة الشيطان ولكن بعد مجيئك يارب أعددت لي مائدة وعندما يقول الإنسان لله أعددت لي مائدة فماذا يقصد من ذلك؟ يقصد المائدة السرية والروحية التي أعدها الله لنا على نقيض التي هيأها الشياطين.
وفي الواقع مائدة الشيطان تجعل لنا شركة مع الشياطين. أما مائدة الرب فنشترك بها مع الله.
“سكبت الدهن على رأسي” دهن قد سكبه الله على جبينك ليجعل عليك خاتمه الذي تحمله ليجعلك صورة لهذا الخاتم وهيكلاً لله.
كأسك تسكرني- فالمقصود بهذه الكأس كما ترى هي الكأس التي أخذها يسوع بين يديه وبعد أن شكر قال هذا هو دمي الذي يهراق عن كثيرين لمغفرة الخطايا.
ألبسني ثياب الخلاص:
لتكن ثيابك دائماً بيضاء لأن الله سر بأعمالك في الواقـع قبل مجيء عهد النعمة كل أعمالك لم تكن إلا باطـل الأباطيل ولكنك الآن تجردت من هذه الأسمال القديمة ولبست ثياباً روحية بيضاء . فيلزمـك أن تحفظ دائماً نقاءها الناصع ولا تقل إنه يلزم أن تلبس دائماً ثياباً لونها أبيض، ولكن تلبس ثياباً روحية طاهرة لكي تستطيع أن تقول مع الطوباوي أشعيا لتبتهج روحي وتسر بالرب لأنه ألبسني ثياب الخلاص وخلع علي حلة التهليل.
لقـد علمت الآن واقتنعت بأن مـا يظهر خبزاً ليس هـو خبزاً حتى لو كانت حاسة الذوق تقول لك غير ذلك. إنه جسد المسيح. وأن ما يظهر لك خمراً ليس هو خمراً حتى لو كانت حاسة الذوق تقول لك غير ذلك، إنه دم المسيح. وقد فهمت إذ ذاك مـا أشـار إليه داود في المزامير أن الخبز يقوي جسم الإنسان والدهن يتلألأ على وجهك. إذاً ثق في قلبك عندما تقبل هذا الخبز السماوي ولتبتهج نفسك.
يا ليت وجهك يكون مضيئاً ويا ليتك بضمير نقي تعكس كما في مرآة صافية مجد الرب وتتقدم من مجد إلى مجد في المسيح يسوع ربنا الذي له الكرامة والسلطان والمجد إلى دهر الداهرين آمين.
* * *
القداس – الإرشاد الخامس:
قراءة نص من الرسالة الأولى للقديس بطرس (بطرس 1:2-11) فاطرحوا إذن كل خبث وشر والزنا والحسد وكل اغتياب وكأطفال ولدوا حديثاً توقوا إلى اللبن العقلي الذي لا غش فيه لتنموا بـه للخلاص إن كنتم قد ذقتم أن الـرب صـالح . وادنـوا إلى هذا الحجر الحي المرذول من الناس المختار من الله الكريم لديه . وكـونـوا أنتم أيضاً مبنيين كالحجارة بيتاً روحياً وكهنوتاً مقدساً لإصعاد ذبائح روحية مقبولة لدى الله بيسوع المسيح. لذلك ورد في الكتاب ها إني واضع في صهيون حجراً رأساً للزاوية مختاراً كريماً فمن يؤمن به لا يخز فهو كرامة لكم أيها المؤمنون وأما للكفرة فإن الحجر الذي رزله البناؤون قد صار رأساً للزاوية وحجر عثار وصخرة شك للذين يعثرون بالكلمة ويكفرون بما أريدوا به، وأما أنتم فجيل مختار وكهنوت ملوكي وأمة مقدسة وشعب مقتني لتخبروا بفضائل الذي دعـاكم من الظلمة إلى نوره العجيب وأنتم لم تكونوا حيناً شعبـاً أمـا الآن فشعب الله ولم تكونوا مرحومين أما الآن فمرحومون”. بعون المراحم الإلهية لقد استنرتم بالكفاية في الإرشادات السابقة على المعمودية والمسحة والاشتراك في جسد المسيح ودمه علينا الآن أن نخطو أكثر ونتوّج البناء الروحي لتعليمنا.
أغسل يدي:
لقد رأيتم الشماس يقدّم الماء للكاهن ليغسل يديه هو ومساعديه الذين يحيطون بالمذبح ولم يكن ذلك لإزالة أوساخ الجسد لأننا لا ندخل الكنيسة أبداً بأجساد قذرة وإنما هذا الغسل هو رمز لطهارة نفوسنا من كل خطيئة ومن كل زلة . إن الأيدي هي رمـز العمل فعندما نغسلها نعلن بوضوح طهارة أعمالنا . ألم تسمع الطوباوي داود النبي يوضح هـذا السر عندما يقول “أغسل يديّ في مجمع الأبرار وأقف أمام مذبحك يارب” فإذاً غسل الأيدي إشارة إلى التطهير من الخطيئة.
قبلة السلام:
يقول الشماس “اقتربوا بعضكم من بعض قبلوا بعضكم بعضاً بقبلة السلام” لا تتصوروا أن هذه القبلة هي القبلة العادية التي يتبادلها الأصدقاء على قارعة الطريق عندما يتقابلون- كلا فإن هذه القبلة غير ذلك فهي توحّد النفوس وتهدف إلى ملاشاة كل ضغينة. القبلة تشير إلى أن النفوس موحدة في المحبة مبعدة لكل خصام ولذلك قال المسيح إذا ذهبت لتقدم قرباناً وتذكرت هناك أن لأخيك عليك شيئاً فدع قربانك هناك أمام المذبح وامض أولاً وصالح اخاك وحينئذ ائت وقدم قربانك (متى 23:5و24).
فالقبلة إذاً هي عنوان المصالحة ولذلك هي مقدسة كما أعلن ذلك الطوباوي بولس إذ قال: “صافحوا بعضكم بعضاً بقبلة مقدسة” ويقول بطرس “بقبلة المحبة”.
مقدمة القداس:
يقول الكاهن “إلى فوق قلوبكم” لأنه في الواقع في هذه اللحظة الثمينة يلزم أن نرفع قلوبنا إلى الله ولا ننزل إلى مستوى الأرض والأشياء الأرضية ولذا فالكاهن يوصينا بقوة في هذه اللحظة أن نطـرد كل هموم الحياة والمشاكل العائلية لتسمو قلوبنا نحو السماء بقرب الله الذي يحبنا.
وإلى ذلك تجيبون “هي عند الـرب ” مذعنين بـذلك إلى هـذا النداء
لا يكن بيننا أحد يقول بشفتيه فقط “هي عند الرب” بينما عقله مشتت في أفكار هموم هذه الحياة. يلزمنا أن نقول هذا ولا شك في كل وقت ولكن إذا كان بالنسبة للضعف البشري لا نستطيع حصر أفكارنا.
فيلزم على الأقل أن نتوق إلى ذلك بحرارة شديدة.
الكاهن يكمل قائلاً ” فلنشكر الرب ” . وما أشد التزامنا بأن نقدم الشكر لله الذي دعانا بالرغم من عدم استحقاقنا لأنـه صالحنا معه عندما كنا أعداء إذ جعلنا مستحقين بروح البنوة.
فتجيبون قائلين: “إنه مستحق وعادل” ففي تقديم الشكر لله تعالى نقوم بعمل يستحقه وعمل عادل من جانبنا ولا سيما أن الله ليس فقط عاملنا بعدله، بل عمل معنا ما هو فوق العدل، إنها غمرنا بنعمه وجعلنا مستحقين لخيرات هكذا عظيمة.
ثم نذكر بعد ذلك السماء والأرض والبحر والشمس والقمر والكواكب الأخرى وسائر المخلوقات غير الناطقة المنظورة وغير المنظورة الملائكة ورؤساء الملائكة والقوات والأرباب والسلاطين والكراسي والشروبين ذوي الوجوه الكثيرة ونقول بقوة مع داود: “باركي الرب معي” ونذكر أيضاً الساروفيم الذين بوحي من الروح القدس رآهم أشعيا النبي حول العرش الإلهي بجناحين يغطون وجوههم وبجناحين يغطون أرجلهم ويطيرون باثنين قائلين قدوس قدوس قدوس الرب الصباؤوت، إننا برفع هذه التسبيحة التي تعلمناها من السروفيم نرددها لنشترك مع ترانيم الجنود السماوية.
استدعاء الروح القدس:
وبعد أن تقدسنا بهذه الترانيم السماوية نطلب من مراحم الله أن يرسل الروح القدس على القرابين الموضوعة على المذبح لكي يجعل من الخبز جسد المسيح ومن الخمر دمه الكريم لأن كل ما يمسه الروح القدس يتقدس ويتحول.
تذكار الأحياء:
وبعد إتمام الذبيحة الروحية غير الدموية نطلب إلى الله بحق هذه الذبيحة لينشر السلام على الجماعات المسيحية ولأجل سلام العالم والرؤساء والجند ولحلفائنا ثم نصلي لأجل المرضى والمتعبين وبوجيز العبارة لكل من يفتقر إلى المعونة. إننا نقرن صلاتنا بتقدمة الذبيحة.
تذكار الموتى:
ثم نذكر أيضاً الذين رقدوا: البطاركة والأنبياء والرسل والشهداء لكي يقبل الله توسلاتنا من أجل صلواتهم واستحقاقاتهم. ثم نذكر بعد ذلك الآباء القديسين الذين سبقوا ورقدوا.
وهذا التذكار ولا شك جزيل الفائدة للنفوس التي من أجلها نصعد صلواتنا بفضل الضحية المقدسة والعظيمة الموجودة فـوق المذبح . ولعلي أثبت لكم هذه الفائدة بمثل ، لأني أعلم أن كثيرين يقولون: مـا المنفعة مـن
الصلاة لأجل نفس تركت هذا العالم سواء أكانت خاطئة أم لا؟
تصوروا معي ملكاً يكون قد نفى بعضاً من رعاياه الذين يكونون قد أهانوه فإذا كان بعض مـن أصدقائهم المهتمين بهؤلاء يقدمـون إكليلاً للملك ليشفق على الذين أوقع بهم القصاص أفلا يغفر لهم؟
كذلك نحن أيضاً نصلي إلى الله لأجل الذين رقدوا حتى لو كانوا خطأة ولكنا لا نضفر له إكليلاً. ولكننا نقدم المسيح المذبوح من أجل خطايانا لتهدئة غضب الله عنا كما عن الأموات.
أبانا …
ثم نقول تلك الصلاة التي سلمها المخلص لتلاميذه وخاصته بضمير صالح ندعو الله أبانا ونقول: “يا أبانا الذي في السموات”.
يا لعظم محبة الله للإنسان ! إنه يصفح صفحاً كامـلا عـن الذين ابتعدوا عنه وعاشوا في أسوأ درجات الانحطاط، إنه يشركهم في نعمته إلى درجة أنهم يدعونه أباً.
“أبانا الذي في السموات” يا ليت هذه السموات تكون مقر الذين يحملون صورة الإنسان السماوي مقر الله حيث يحيا.
“ليتقدس اسمك” أما اسم الله فمقدس بطبيعته سواء كنا نقـول بذلك أو لا نقول به، ولكن الخطأة كثيراً ما يدنسون هذا الاسم حسبما قيل “بسببكم اسمي مهان بين الأمم ” . ومن أجل هذا نطلب أن يكـون اسم الله مقدساً فيما بيننا. ولكنه يصير مقدساً فيما بيننا إذا كنا نتقدس وإذا كنا نتصرف
حسب قداسته تعالى.
“ليأت ملكوتك” إن النفس الطاهرة تستطيع أن تقول بحرارة: ليأت ملكوتك؛ لأن الذي سمع كلمات بولس الرسول: لا تملك الخطيئة على جسدكم المائت. وهذا الذي تطهر بالفعل والقول والفكر يستطيع أن يقول لله يارب ليأت ملكوتك.
“لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” إن الملائكة الطوباويين يتممون إرادة الله كما يقول داود النبي في مزاميره : ” باركي الرب يا جميع ملائكته أنتم الأقوياء الصانعون إرادته” فعندما نصلي بحرارة نقول كمـا أن إرادة الله تكمل في عالم الملائكة كذلك لتكمل فيّ على الأرض أيها السيد.
” خبزنا كفافنا أعطنا اليوم ” إن الخبز المـادي ليس ضـروريـاً لحياتنا بينما الخبز المقدس ضروري لحياة الـروح . إن هـذا الخبز السماوي لا يذهب إلى الجوف لكن أعطى لك لنمـو شخصك لا للجسد فقط . وكلمة “اليوم” تستعمل بالمعنى الذي قاله بولس الرسول طالما اليوم يدعى اليوم.
” واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا ” لأننا علينا خطايـا كثيرة ونسقط كثيراً بالقول وبالفكر ونرتكب عدداً كبيراً من الأعمال الرديئة وإن كنا نقول إننا بدون خطيئة نكذب.
إننا بذلك نبرم عقداً مـع الله راجين منه أن يغفر خطايانا بقياس غفراننا زلات الآخرين نحونا – فـإذا تأملنا أهمية الغفـران الـذي ننالـه
فلا ننتظر ولا نرجئ إلى وقت آخر مسامحة بعضنا بعضاً.
إن الهفوات التي يرتكبها الآخرون نحونا هي صغيرة قليلة الأهمية وسهلة الصفح عنها. ولكن الخطايا التي نرتكبها ضد الله بعكس ذلك هي كبيرة ورحمة الله وحدها هي التي تقدر على مغفرتها احترس إذاً أن تقفل أمامك أبواب رحمة الله عن مغفرة خطاياك الثقيلة.
” ولا تدخلنا في تجربة يارب ” هل يا ترى يعلمنا الله أن نطلب في الصلاة ألا نجرب؟ فكيف إذا قيل في الكتاب إن الرجل الذي لم يجرب ليس بالرجل القوي ؟ وفي موضع آخر يقول احتسبوا بكل سرور يا إخوتي أن نقعوا في تجارب متنوعة ولكن فرق بين أن تكون مجرباً وبين أن تغرق في التجارب لأن التجربة تشبه وادياً صعب العبور فالذين ليسوا غارقين في التجارب يستطيعون أن يعبروه ويشبهون السباحين المهرة فلا تغرقهم مياه التجارب ولكن غيرهم ممن لا يشبهون السباح الماهر سرعان ما يجرفهم التيار ويغرقون.
مثال ذلك – : يهوذا الأسخريوطي دخل في تجربة البخل ولكنه لم ينتصر عليها فغرق في لججها وقتل نفساً وجسداً . وقـد مـرّ بطرس في تجربة إنكار سيده ولكنه لم يغـرق وقـد اجتازها بشجاعة وخـرج منها . ثم استمع إلى أجواق القديسين وهم يشكرون الله لأنه خلصهم من التجارب وهم يقولون يارب إنك قد جربتنا ووضعتنا في البوتقة كما توضع الفضة، لقد وضعت ثقلا على ظهرنا ومر الناس على رؤوسنا أجزتنا في الماء والنار. ولكنك خلصتنا وأتيت بنـا إلى حيث الـراحـة . ألا ترى كيف يتكلمون عن ذلك بفرح بعدما اجتازوا التجربة بدون السقوط فيها؟ إنك أخرجتنا وأتيت بنا إلى الراحة. معنى ذلك أخرجتنا من التجربة.
” لكن نجنا من الشرير ” لـو كـان معنى هذه الكلمات مرادفاً للكلمات السابقة ” لا تدخلنا في تجربة ” لما كـان السيد المسيح أضـاف هذه العبارة . لكن نجنا من الشرير والشرير هـو الشيطان عـدونا الذي نطلب أن نخلص منه.
وأخيراً في ختام هذه الصلاة نقول آمين . مصدقين بهذه الكلمة التي معناها ” ليكن كذلك ” أي مضمون الصلاة التي علمنا إيـاهـا السيد المسيح.
قبل التناول:
بعـد ذلك يقـول الكاهن ” المقدسات للقديسين ” والمقدسات هي ما على الهيكل ومـا زاره الـروح القدس . وأنتم أيضاً مقدسون لأنكم جعلتم مستحقين الـروح القدس فإذاً هذه القدسات متناسبة للقديسين.
ثم تجيبون لا يوجد إلا قدوس واحد رب واحد يسوع المسيح. والواقع أنه لا يوجد حقيقة وفعلا إلا واحد قدوس بطبيعته ونحن أيضـاً قديسون ولكن لا بالطبيعة ولكن بالبركة التي يدعونا إليها الله بجهدنا وبصلواتنا.
ثم سمعتم صوت المرتل الذي يدعوكم على نغمة إلهية شجية إلى الاشتراك في الأسرار المقدسة، فيقول انظروا وذوقوا ما أطيب الرب ولا تحكموا حسب الذوق المادي ولكن حسب إيمانكم الوطيد . لأنه عندمـا يدعوننا أن نذوق فلا يقصد بذلك أننا نذوق خبزاً وخمراً ولكن جسد ودم المسيح.
التناول:
عندما تتقدم لا تمش ويدك مفتوحة أمامك ولا تكن أصابعك متباعدة عن بعضها ولكن اصنع عرشاً بيدك اليسرى لليمنى لأنك مزمع أن تقبل الملك ثم تناول جسد الرب وأنت تقول آمين. ثم قدس عينيك باهتمام بالغ باقترابك من الجسد المقدس واحترس ألا يقع منه شيء. فلو وقع منه شيء فكأنك تفقد بذلك أحد أعضائك فإنه لو أعطاك أحد حبات من الذهب فبأي اهتمام تأخذ ذلك وتحافظ عليه مهتماً أن لا تفقد منه شيئاً، أو فكم من الاهتمام يلزمك أن لا تترك أي فتات يسقط من هذا الكنز العظيم الذي هو أثمن مما لا حد له من الذهب واللآلئ الثمينة.
وبعد اشتراكك بجسد المسيح اقترب من كأس دمه الكريم. لا تمد يدك ولكن انحن بتقوى واحترام وقل آمين فتكون مقدساً باشتراكك في دم المسيح، وبينما تكون شفتاك مبتلة بهذا الدم الثمين امسس أصابعك بهذا الدم وارسم بها عينيك وجبينك وحواسك فتتقدس…
وفي انتظار الصلاة العامة اشكر الله الذي وهبك شرف الاشتراك في هذه الأسرار الإلهية.
احفظ هذا فإنها التقاليد المرعية واحفظ نفسك بدون عيب ولا تنفصل عن الجماعة ولا تبعد نفسك من هذه الأسرار الروحية المقدسة بسبب دنس الخطيئة ليقدس إله السلام وليكن جسدك ونفسك وعقلك محفوظين إلى مجيء ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والكرامة والسلطان مع الآب والروح القدس الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين آمين.
الفهرس
الجزء الأول:
الاضطهاد والسلام
زمن الغضب
الإمبراطورية تعتنق المسيحية
أخطار السلام
الجزء الثاني:
للحقيقة وجه واحد: فقط
الواعظ البسيط
الأسقف وسط الآلام
الدفاع المستميت عن الإيمان
الجزء الثالث:
كان يقودهم إلى النور
لماذا نقرأ كتابات كيرلس الأورشليمي
الصوم الأربعيني بأورشليم
أقوال القديس كيرلس الأورشليمي
اخلع ثيابك واغتسل-إنكم مجندون
لابد من الرغبة في تنوير السيرة
إن النعمة تستفيد من كل شيء
النعمة تقدر على كل شيء
كونوا أمناء- اخلعوا الإنسان العتيق- إن الله لا يعمل شيئاً بدونكم
على قدر عملك- توصية هادئة
جسدنا هذا المعجزة- خادم النفس
لأن جسدك سيقوم
الشيطان – إننا مسئولون
إنك حر- الخطيئة هذا الشر
لا تنتظر العمى- إن الله رحيم
كيف تطمئن على ندامتك
فلتسقط الأقنعة- الذئاب المستترة بثياب الحملان
الإيمان
الإيمان الجزيل الصورة
الإيمان العامل- علامة الصليب
عماد يوحنا
رموز الماء
قانون الإيمان:
أومن بالله الآب
فإذاً كيف نتكلم عن الله
إذا مزقت حجب السموات
جمال الخلقة يتحدث عن الله
الحيوانات تعطينا دروساً مفيدة
ما أعجب أعمالك يارب
أكرم أباك وأمك- أومن بيسوع المسيح
يسوع طبيبنا – لماذا التجسد؟
المعجزات والمعجزة الكبرى
فرح المسيح- صمت يسوع
يسوع يبسط يديه
عدل الله ورحمته – لقد قام
لقد انتهى الشتاء
أومن بالروح القدس- المعزي
الروح القدس ينيرنا
لا تحزن الروح
العنصرة
أومن بالحياة الأبدية
متى يأتي – كيف تعرف مجيئه
الدينونة الأخيرة
أيها الفقير لا تخف
من يؤمن به ومن لا يؤمن
إن لم تمت الحبة
آثار الخطيئة
نؤمن بالكنيسة – الأمانة للكنيسة
الأسرار المقدسة:
المعمودية- الإرشاد الأول
فرعون- الرمز والحقيقة
الاتجاه إلى الغرب- اجحد الشيطان
… وأعماله- اكفر بأباطيله
اجحد عبادتك المرذولة- لا تلتفت إلى ورائك
اتجاهات إلى النور- سوف لا تكون حزيناً أبداً
المعمودية- الإرشاد الثاني
إنكم خلعتم رداءكم- الدهن بالزيت
إنكم دخلتم الماء ثلاث مرات
المعمودية موت وقيامة- عمادنا وعماد يوحنا
موت المسيح وقيامته
المسحة – المسحات المختلفة
إنكم تدعون مسيحيين- جسد ودم المسيح
أخذ خبزاً
نحن نحمل المسيح- إن لم تأكلوا جسدي
لا تحكم على الحقيقة بمجرد الذوق
المائدة التي أعدها لنا الرب
ألبسني ثياب الخلاص
القداس
أغسل يدي
قبلة السلام- مقدمة القداس
استدعاء الروح القدس
تذكار الأحياء – تذكار الموتى
أبانا
قبل التناول
التناول
[1] هذه هي مقدمة قرار ميلانو: “منذ زمن طويل وبعد أن لاحظنا أن حرية الدين مكفولة لكل فرد رأينا أن يحافظ المسيحيون أيضاً على إيمانهم وديانتهم- بينما أن قسطنطين أغسطس وأنا ليسينوس أغسطس كنا مجتمعين بمدينة ميلانو للبحث فيما يعود بالفائدة والأمن على الجميع. ومن الأشياء التي بدت لنا ذات فائدة كبرى مسألة الحرية الدينية. ولذا نمنح المسيحيين والعالم أجمع الحرية في ممارسة الديانة التي يختارونها لترضي السماء علينا وعلى شعبنا”.