(Verbum Dei)
الاب نجيب ابراهيم الفرنسيسكاني
إنّ الحدث المركزيّ لكلام الله مع البشر هو شخص المسيح. فالدين المسيحيّ ليس “دين الكتاب”، بل دين الكلمة المتجسّد والحيّ في سمفونية كونيّة تبدأ من الخلق.
في القسم الأول من الإرشاد الرسوليّ وعنوانه “كلمة الله” (Verbum Dei) يريد قداسة البابا توجيه أنظارنا أولاً نحو “الله الّذي يتكلّم” (٦ – ٢١) ومن ثمّ نحو “جواب الانسان على الله الّذي يتكلّم” (٢٢ – ٢٨). من خلال قراءة هذا القسم الأول من الإرشاد نكتشف رؤيا مسيحيّة حول حوار الله مع البشر. فالله بعنايته يدخل في حوار مع الانسان بأوجه مختلفة: تشابه كلمة الله (Analogia della Parla di Dio, DV 7).
الله يتكلّم: سمفونية الكلمة (٦ – ٢١)
١- مسيحانيّة الكلمة (كلام الرّبّ ١١ – ١٣)
في المقدمة العامة للكتاب المقدس، يقول الكاردينال مارتيني أنّ أسفار العهد القديم هي نقطة الوصول لمسيرة الوحي الإلهيّ الّذي تمّ بأقوال الله واعماله (Introduzione, 29). قبل أن يكون كتاباً، كشف الله عن ذاته من خلال ما أوحى به من أقوال إلى الأنبياء وما قام به من أعمال خلاصيّة. فجاءت الكتابة بإلهام الروح القدس لتحفظ وحي الله لكلّ البشر. والعهد الجديد ليس مجرّد زيادة بعدد الاسفار المقدّسة لأنّه فيه تتحقّق كلّ مسيرة الوحي الإلهيّ: «لأنّ الشريعة أُعطيت عن يد موسى وأمّا النّعمة والحقّ فقد أتيا عن يد يسوع المسيح» (يوحنا ١ : ١٧). لا بل يُظهر العهد الجديد أنّ كلّ الكتاب المقدّس بعهديه يخبرنا عن المسيح، كلمة الله.
١١- «إنّ الله، بعدما كلّم الآباء قديماً بالأنبياء مرّاتٍ كثيرةً بوجوهٍ كثيرة، كلّمنا في آخر الأيّام هذه بابنٍ جعله وارثاً لكلّ شيء وبه أنشأ العالمين» (عب ١ : ١ – ٢). من الجميل بمكان أن نرى كيف أنّ العهد القديم هو التاريخ الّذي يعطي فيه الله كلمته: إذ «إنّ الله، لمّا أصرّ بعظيم حنانِه، أن يُخلّص الجنس البشريّ كلّه، وأن يُهيّئ ما يلزمُ لذلك، اصطفى، بتدبيرٍ منهُ فريد، أمّة تكون خاصّته، واستودعها مواعيده الخلاصيّة. فأبرم عهداً مع ابراهيم (تك ١٥ : ١٨). ثم أبرم عهداً مع الشعب الاسرائيليّ على يد موسى (خر ٢٤ : ١٨). وبأقواله وأفعاله كشف ذاته لهذا الشعب المختار، فأعلن له أنّه وحدَهُ هو الإله الحقّ، وهو الإله الحيّ. وانبرى شعبُ إسرائيل يختبر مسالك الله في طريقه الى الانسان، وتمكّن من إدراكها، يوماً بعد يوم، إدراكاً أكثر عمقاً وأكثر صفاءً، معتمداً على ما جاء على لسان الأنبياء من كلام الله. ثم عاد فأدّى عن هذه الاختبارات شهادةً متعاظمة بين الأمم (مز ٢١ : ٢٨ – ٢٩؛ ٩٥ : ١ – ٣؛ اش ٢ : ١ – ٤؛ ار ٣ : ١٧) (الوحي الالهيّ ١٤)».
ينبع الوحي الإلهيّ من حنان الله وعنايته بالبشر. فالعهد القديم يبيّن هذه الحقيقة التي سوف تنجلي بأبهى صورة في سرّ المسيح. لقد اختار الله شعباً يكون خاصّته والهدف النهائي لهذا الاختيار هو خلاص “كلّ الجنس البشريّ”. اختار الله شعباً معيّناً ليعرف أنّه وحده الإله الحقّ وهو الأله الحيّ وليختبر “مسالك الله في طريقه إلى الإنسان”. نميّز هنا أنّ الإنسان، كل إنسان هو هدف الوحي الإلهيّ في العهد القديم، حتى أنّ شعب العهد القديم “عاد فأدّى شهادة متعاظمة بين الأمم”. يستشهد نص دستور الوحي الإلهي هنا بأربع شواهد، وأوّلهم المزمور ٢١/٢٢ : ٢٨ – ٢٩ :
«جميع أقاصي الأرض تتذكّر وإلى الرّبّ تتوب
وجميع عشائر الأمم أمامه تسجد
لأنّ المُلكَ للرّبّ وهو يسود الأمم»
يشكّل المزمور ٢٢ / ٢١ نسيج رواية الآلام في الأناجيل الأربعة. مما يعني أنّ نصّ الوحي الإلهي يريد التأكيد على أنّ انفتاح تاريخ الخلاص في العهد القديم على الخلاص الشامل يصل في موت يسوع على الصليب إلى غايته الكبرى. مات يسوع على الصليب من أجل كلّ النّاس. والمزمور ٩٥ هو نشيد لسيّد الأرض كلّها. فالشعب مدعوّ لإعلان مجد الله بين الأمم وإخبار كلّ الشعوب بما صنع من عجائب:
«أنشدوا للرّبّ نشيداً جديداً أنشدوا للرّبّ يا أهل الأرض جميعاً.
أنشدوا للرّبّ وباركوا اسمه بشّروا من يوم إلى يوم بخلاصه»
حدّثوا في الأمم بمجده في جميع الشّعوب بعجائبه» (مز ٩٦ : ١ ـ ٢)
والاستشهاد الثالث من النبيّ اشعيا. يتنبّأ النبيّ بصعود كلّ الأمم إلى جبل الرّبّ (٢ : ١ – ٤). وهكذا هو الامر في أرميا ٣ : ١٧: «في ذلك الزمان، يدعون أورشليم “عرش الرّبّ”، وتجتمع إليها كلّ الأمم باسم الرّبّ في أوشليم». على أنّ البعد الشموليّ للخلاص لن يتحقّق إلا بالمسيح. «فكلّ ما دبّره الله في العهد القديم يستجيب لقصد إلهيّ يدور حول مجيء المسيح، مخلّص العالم، وحول ملكوته المسيحانيّ» (الوحي الالهي ١٥).
عن هذه الحقيقة يقول قداسة البابا: «إنّ تنازل الله هذا يتمّ بشكل لا يُمكن تخطّيه في سرّ التجسّد. فالكلمة الأزليّة التي تعبّر عن ذاتها في الخلق وتصل إلينا في تاريخ الخلاص، هذه الكلمة صارت في المسيح إنساناً «مولوداً لامرأة» (غل ٤ : ٤). فالكلمة لا تعبّر عن ذاتها هنا في خطاب أو مفاهيم وقواعد. نحن هنا أمام شخص يسوع نفسه. فتاريخه الوحيد والفريد هو كلمة الله النهائيّة التي يريد أن يقولها للبشر. هكذا نفهم أنّه: «في أصل واقع الكيان المسيحيّ لا يوجد قرارُ أخلاقيُّ أو فكرة عظيمة، بل اللقاء مع حدث، مع شخص، يُعطي الحياةَ أفقاً جديداً، وبالتالي توجّهاً حاسماً» (الله محبّة ١). إنّ تجدّد هذا اللقاء وهذا الوعي يولّد في قلب المؤمنين الدهش من المبادرة الإلهيّة التي لا يمكن للإنسان أن يدركها بقواه العقليّة وحدها. نحن أمام جديدٍ مذهل ولا يمكن التفيكر به على المستوى البشريّ: «الكلمة صار بشراً فسكن بيننا» (يو ١ : ١٤). لا تعبّر هذه الآية عن بلاغة أدبيّة بل عن خبرة معاشة! فقد أخبر عنها شاهد عيان وهو القدّيس يوحنا: «فرأينا مجده، مجداً من لدن الآب لابنٍ وحيد، ملؤه النّعمةُ والحقّ» (يو ١: ١٤ب). يشهد الإيمان الرسوليّ بأنّ الكلمة الأزليّ صار واحداً منّا. تعبّر الكلمة الإلهيّة عن ذاتها بكلماتٍ بشريّة».
نتوقّف هنا لقراءة الشواهد الإنجيليّة، خاصّة ما يرد من مقدّمة الإنجيل الرابع وفيها يظهر المسيح وبشكل فريد في اسفار العهد الجديد بصفة “كلمة الله المتجسّد”.
يذكر الإنجيليّون كلمات عديدة قالها يسوع وفي أقواله كشف الله عن ذاته وأعطانا تعليماً في الإيمان والأخلاق المسيحيّة. ولكن ينفرد يوحنا بالقول أنّ ابن الله هو الكلمة (Logos) والكلمة صار جسداً ليخبر عن الله بشكل كامل. ترد عبارة لوغوس بمعنى شخصيّ للتعبير عن ابن الله في مقدّمة إنجيل يوحنا (١: ١ و١٤) وفي ١يوحنا ١ : ١ وفي رؤيا ١٩ : ١٣. ولكن فقط في مقدمة إنجيل يوحنا نجد هذه الأمور الثلاثة معاً: أولاً حقيقة وجود الكلمة الإلهيّ الأزليّ، ثانياً وساطته في الخلق وحضوره في العالم وأخيراً تجسّد الكلمة. بذلك يريد الإنجيليّ يوحناً التأكيد على أنّ بداية يسوع المسيح في اللوغوس الإلهيّ (١ : ١٧ – ١٨).
– «في البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله والكلمة هو الله. كان في البدء لدى الله. به كان كلّ شيء وبدونه ما كان شيء ممّا كان» (١ : ١ – ٣).
بهذه الكلمات يقدّم الإنجيليّ ابن الله الوحيد كلمة أزليّة. ففي جوهر شخص ابن الله رسالة الوحي الإلهيّ، إذ يكشف عن محبّة الله للبشر حاملاً نور كلمة الله بشكل تامّ ونهائيّ.
«في البدء كان الكلمة»: هو سابق الوجود لأنّه كان البدء، وطبيعته إلهيّة (καὶ θεὸς ἦν ὁ λόγος) كما أنّه يتميّز عن الله (ὁ λόγος ἦν πρὸς τὸν θεόν). وفي الآية الثالثة كلام على وساطة الكلمة في الخلق: به كان كلّ شيء.
– والحياة نورُ النّاس، والنّور يُشرق في الظّلمات، ولم تُدركه الظّلمات… كان النّور الحقّ الّذي ينير كلّ إنسان آتياً إلى العالم. كان في العالم وبه كان العالم» (١ : ٤ و٩ – ١٠).
يريد الإنجيليّ التشديد على دور المسيح ورسالته في الوحي من خلال رمز النّور. سوف يقول يسوع لاحقاً: أنا نور العالم (٨ : ١٢). إذاً هو الكلمة المتجسّد. ففي قلب مقدمة إنجيل يوحنا خبر تاريخيّ مذهل: الكلمة صار بشراً (١ : ١٤) بدون أن يترك طبيعته الإلهيّة:
«والكلمة صار بشراً
فسكن بيننا
فرأينا مجده
مجداً من لدن الآب لابنٍ وحيد
ملؤه النّعمة والحقّ».
تدلّ الآية على حقيقة تجسد ابن الله. وكلمة “بشر” (sarx) في الكتاب المقدّس تدلّ على الطبيعة البشريّة من حيث الضعف. الانسان ضعيف في طبيعته. وهناك فرق شاسع بين قوّة كلمة الله الخلاّقة وضعف البشر. هذا ما نقرأه في اشعيا: «كلّ بشرٍ (في العبرية بسر. وفي اليونانية ساركس)عشبٌ وكلّ جماله كزهر البريّة. العشب ييبس وزهره يذوي، إذا هبّ فيه روح الرّبّ. (إنّ الشعب عشبٌ حقّاً). العشب ييبس وزهره يذوي، وأمّا كلمة إلهنا فتبقى للأبد (٤٠ : ٧ – ٨).
سكن بيننا: دخل في حياتنا وتاريخنا. نجد هنا أصداء موضوع سكنى الله في تاريخ الخلاص، ابتداء من الخروج (٢٥ : ٨ و٤٠ : ٣٤)، مروراً بسفر الملوك الأول وقصة سكنى الله في الهيكل (٨ : ١٣) وخاصة ما يخصّ السيّدة الحكمة في سيراخ: «حينئذ أوصاني خالق الجميع والّذي أقرّ خيمتي وقال: أُنصبي خيمتك في يعقوب» (٢٤ : ٨؛ ر. باروك ٣ : ٣٨).
نحن هنا أمام الميزة الأكثر صعوبة للفهم، إذ كيف يمكن أن يصبح كلمة الله بشراً. ولولا شهادة إيمان الرسل لما كان باستطاعتنا فهم هذه الحقيقة. لذلك تأتي شهادة الرسل مباشرة بعد إعلان التجسّد في نفس الآية ١٤: «فرأينا مجده، مجداً من لدن الآب لابنٍ وحيد، ملؤه النّعمة والحقّ». لا تدلّ هذه الآية بالنسبة إلينا على ميلاد يسوع في بيت لحم فقط، بل على حياته كلّها كأنسان. فالكلمة صار بشراً على الصليب بنوع خاص. وهذا ما يمكن أن نتبيّنه في ساعات حياته على الأرض. تعب وجلس عند حافة البئر، وبكى صديقه لعازر وتواضع عندما غسل أرجل تلاميذه. والمفارقة تكمن في أنّ الرسل رأوا في يسوع الإنسان مجد الكلمة. لم يخبّئ ضعفُ الطبيعة البشريّة مجدَ الكلمة وحسب، بل بهذا الضعف البشريّ عينه صار باستطاعة كلّ إنسان أن يشاهد مجد الكلمة. أظهر يسوع طبيعته الإلهيّة في كيفيّة عيشه كإنسان! (مار افرام). فقط في هذا البعد التاريخيّ والشخصيّ وليس في شريعة موسى أراد الله أن يُظهر للبشر «ملء النّعمة والحقّ» (آ١٤). وإنّنا لنجد في هذه الآية صدى وجه الله الجميل كما رسمه العهد القديم: «الرّبّ الرّبّ! إله رحيم ورؤوف، طويل الأناة كثير الرّحمة والوفاء…» (خروج ٣٤ : ٦). لم يكتفِ الله بإعلان محبّته للبشر بل كان أميناً حتى النّهاية لاسمه فصار الكلمة المتجسّد ملء النّعمة والحقّ. وكان بولس قد قال: «إنّ جميع مواعد الله لها فيه “نعم”» (٢ قور ١ : ٢٠). وبهذا يكون الكلمة المتجسّد ملء النّعمة لكلّ البشر وفيه يحلّ جسديّا الحقّ أو ما يدعوه العهد القديم وفاء الله. لذلك تعترف جماعة يوحنا بفرح بعطاء الله: «فمن ملئه نلنا بأجمعنا وقد نلنا نعمةً على نعمة» (١ : ١٦).
ولكن نتساءل لماذا استعمل يوحنا عبارة “كلمة” (لوغوس) لإعلان سرّ يسوع المسيح؟ ألم يكن باستطاعته استعمال عبارة “الحكمة” وهي أقرب ما يمكن من حقيقة الكلمة في مقدّمة إنجيل يوحنا؟ إذ يؤكّد المفسّرون أنّ السيّدة الحكمة كما تظهر في الاسفار الحكمية هي السبيل لفهم معنى الكلمة في الانجيل الرابع. من الواضح أنّ الإنجيليّ يوحنا يريد التأكيد على أنّ يسوع هو الّذي يكشف بشكل تامّ ونهائي عن الله. فالحقيقة تسكن فيه وهو وحده يهبها كاملةً للبشر. هناك من قال الانسان حيوان ناطق. فالنطق يميّز الانسان عن الحيوان. يكشف الانسان عن مكنونات قلبه بواسطة الكلمة. هكذا هو الأمر بالنسبة لله، إذ كشف عن عميق حبّه لنا بالكلمة المتجسّد. فقد قال يسوع لنيقوديموس: «إنّ الله أحبّ العالم حتّى إنّه جاد بابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة» (٣ : ١٦).
وكان الله قد أظهر حبّه في الخلق وفي تاريخ الخلاص، إذ «كلّم الآباء قديماً بالأنبياء مرّاتٍ كثيرة بوجوه كثيرة» (عب ١ : ١). ولكن في آخر الأيّام كلّمنا بالابن! بعد كلمات الحبّ العديدة أراد الله بعنايته أن يوجز ذاته في كلمة واحدة، الكلمة المتجسّد. هكذا يعبّر قداسة البابا عن هذه الحقيقة في الارشاد الرسوليّ ” كلمة الرّبّ:
١٢- تأمّل آباء الكنيسة ومعلّمو العصور الوسطى في مسيحانيّة الكلمة فاستعملوا عبارة موحية: الكلمة أوجزت ذاتها. «وجد آباء الكنيسة في الترجمة اليونانيّة للعهد القديم إحدى كلمات اشعيا النبيّ التي يستشهد بها بولس ليبيّن كيف أنّ سبل الله الجديدة كان قد تنبّأ بها العهد القديم، حيث نقرأ: “جعل الله كلمته موجزة، أوجزها” (اش ١٠ : ٢٣؛ روم ٩ : ٢٨)… الابن هو نفسه الكلمة (Logos): الكلمة الأزليّ الّذي صار صغيراً، صغيراً حتى أنّه دخل في مزود. صار طفلاً، لتصبح الكلمة مفهومة (afferrabile) لنا» (بندكتس السادس عشر، عظة الميلاد ٢٤ كانون الاول ٢٠٠٦). لم تعد الكلمة مسموعة ولها صوت وحسب، بل لها وجه نستطيع الآن رؤيته: يسوع الناصريّ.
عندما نقرأ الاناجيل نلاحظ كيف أنّ ناسوت يسوع يظهر فريداً بامتياز من خلال علاقته بكلمة الله. فهو يحقّق دائما إرادة الآب في إنسانيّتة الكاملة. يسمع يسوع صوت الآب ويطيعه بكليّته؛ فهو يعرف الآب ويحفظ كلمته (ر. يوحنا ٨ : ٥٥)؛ يروي لنا أقوال الآب: «وأنا أعلم أنّ وصيّته حياةٌ أبديّة، فما أتكلّم به أنا، أتكلّم به كما قاله لي الآب» (١٢ : ٥٠)؛ «وعرفوا… أنّ الكلام الّذي بلّغتنيه بلّغتهم إيّاه…» (يوحنا ١٧ : ٨). لذلك يدلّ يسوع على أنّه الكلمة الإلهيّ الّذي يهب ذاته لنا، وفي نفس الوقت يظهر بوجه آدم الجديد، الانسان الحقّ الّذي يحقّق في كلّ لحظة من حياته إرداة الآب لا إرادته الشخصيّة… (ر. لوقا ٢ : ٥٢؛ ٥ : ١).
تتمّ رسالة يسوع في السّرّ الفصحيّ: هنا نحن أمام “كلمة الصليب” (١قور ١ : ١٨: فإنّ كلمة الصليب (Ὁ λόγος γὰρ ὁ τοῦ σταυροῦ) حماقةٌ عند الّذين يسلكون سبيل الهلاك، وأمّا عند الّذين يسلكون سبيل الخلاص، أي عندنا، فهي قدرةُ الله». يصمت الكلمة، يصبح سكوناً مائتاً، فقد قال كلّ شيء ولم يمتنع عن قول ما كان يجب تبلّيغه لنا. وعن هذا الأمر وضع آباء الكنيسة هذه الكلمات المعبّرة في فم والدة الله: «كلمة الآب بدون كلمة، وهو الّذي خلق كلّ خليقة تتكلّم؛ لا حياة للعينين المغمضة للّذي يحيا بكلمته وبإيماءة منه كلّ حيّ» (Massimo il Confessore, La vita di Maria). هنا نعرف الحبّ الأعظم، الحبّ الذي يبذل ذاته من أجلّ أحبّائه (ر. يوحنا ١٥ : ١٣).
في هذا السّرّ العظيم يظهر يسوع ككلمة العهد الجديد الأبديّ: لقد تمّ اللقاء النهائيّ بين حرية الله وحريّة الإنسان في جسد المسيح المصلوب وهو العهد السّرمديّ الشرعيّ إلى الأبد. تكلّم يسوع عن العهد الجديد الأبديّ في العشاء الأخير عندما أسّس الافخارستيّا وهو العهد الّذي قطعه بدمه (ر. متى ٢٦ : ٢٨؛ مرقس ١٤ : ٢٤؛ لوقا ٢٢ : ٢٠)، مظهراً أنّه الحمل المذبوح الحقيقيّ الّذي فيه يتحقّق التحرّر النهائيّ من العبوديّة.
في سرّ القيامة المنير يظهر المعنى الحقيقيّ والأخير لصمت الكلمة. يسوع كلمة الله المتجسّد المصلوب والقائم من الموت هو سيّد الكلّ والمنتصر والقادر على كلّ شيء (Pantocrator) وهو الرأس الذي جمع الله كلّ شيء تحته (ر. اف ١ : ١٠). يسوع هو إذاً نور العالم (يوحنا ٨ : ١٢)، ذلك النّور الذي يُشرق في الظّلمات ولم تدركه الظّلمات (يوحنا ١ : ٥). هنا نفهم معنى المزمور ١١٩: «كلمتك مصباحُ لخُطايَ ونورٌ لسبيلي» (آ ١٠٥). كان المسيحيّون على يقين منذ البدء أنّ المسيح كلمة الله هو حاضر كشخص. كلمة الله هي النّور الحقيقيّ الّذي يحتاجه الانسان. نعم، بقيامته صار ابن الله نور العالم. والآن إذ نحيا معه وفيه يكون باستطاعتنا العيش في النّور.
١٣- نصل هنا إلى قلب “كريستولوجيا الكلمة”، إذ من الأهميّة بمكان التشديد على وحدة المخطّط الإلهيّ في الكلمة المتجسد: لذلك يقدّم العهد الجديد السّرّ الفصحيّ كتتميم للكتاب المقدّس. في الرسالة الأولى إلى أهل قورنتس، يقول بولس الرسول أنّ يسوع المسيح مات من أجل خطايانا كما ورد في الكتب (١٥ : ٣) وقام في اليوم الثالث كما ورد في الكتب (١٥ : ٤). هكذا يضع بولس الرسول حدث موت وقيامة الرّبّ في علاقة مع تاريخ العهد القديم بين الله وشعبه. لا بل يبيّن لنا أنّ هذا التاريخ يجد فيه منطقه ومعناه الحقيقيّ. في السّر الفصحيّ تتمّ «كلمات الكتاب المقدّس، أي انّ هذا الموت كما ورد في الكتب هو حدثٌ يحمل في ذاته كلمة (logos) ومنطقاً: يشهد موت المسيح بأنّ كلمة الله صارت جسداً وحياة بشريّة» (بندكتس السادس عشر، المقابلة العامة، ١٥ نيسان ٢٠٠٩). وقيامة يسوع تحدث في اليوم الثالث كما ورد في الكتب: بما أنّ اليهود كانوا يعتقدون أنّ الفساد يبدأ في اليوم الثالث، تمّت كلمة الكتاب في يسوع القائم في اليوم الثالث. هكذا ينقل القدّيس بولس التقليد الرسوليّ بأمانة (١قور ١٥ : ٣) إذ يشّدد على أنّ انتصار المسيح على الموت قد تمّ بقدرة كلمة الله الخلاّقة. تحمل القدرة الإلهيّة هذه الرجاء والفرح: هذا هو المضمون التحريريّ للوحي الفصحيّ. في الفصح يكشف الله ذاته وقدرة الحب الثالوثيّ الّذي يزيل قوى الشرّ والموت المهدّمة.
في استدعائنا لهذه الامور الاساسيّة في إيماننا، نستطيع أن نتأمّل الوحدة العميقة بين الخلق والخلق الجديد وكلّ تاريخ الخلاص بالمسيح. وإذا أردنا اللجوء إلى الصور لقلنا أنّ الكون هو مثل كتاب – على قول جاليليو جاليلي – يعبّر فيه المؤلّف عن سمفونية الخلق. يجد المرء في هذه السمفونية قطعة موسيقيّة فرديّة العزف والأداء (assolo)، تعطي المعنى لكلّ المعزوفة. هذا هو يسوع… يوجز ابن الانسان في ذاته الأرض والسّماء، الخلق والخالق، الجسد والروح. هو مركز الكون والتاريخ إذ فيه يتحدّ بدون امتزاج الخالق وصنيعه.»
وإذا كان يسوع مركز الكون والوسيط الوحيد بين الله والبشر، ماذا عليّ أن أفعل؟ وما هو معنى حياتي كإنسان أمام هذه الحقيقة؟ وكان فيليبّس قد سأل يسوع على العشاء قائلاً: «يا ربّ، أرِنا الآب وحسبُنا» (يوحنا ١٤ : ٨). وكأنّ يسوع ما كان كافياً للتلميذ. أجاب يسوع قائلاً: « إنّي معكم منذ وقت طويل، أفلا تعرفني، يا فيليبّس؟ ألا تؤمن بأنّي في الآب وأنّ الآب فيّ؟» (١٤ : ٩). في كلام يسوع تأكيد على نهائية الوحي فيه. لذلك تجد الكنيسة في الرّبّ يسوع كلّ ما تبحث عنه للسير نحو الآب، فهو الطريق والحقّ والحياة. في الفقرة الأخيرة من هذا القسم عن مسيحانية الكلمة يتطرّق قداسة البابا إلى موضوع البعد الأخيريّ لكلمة الله (١٤) : «تعرف الكنيسة أنّها تجد في المسيح كلمة الله الأخيرة. فهو «الأول والآخر» (رؤيا ١ : ١٧).» ويتابع مقتبساً من الدستور العقائدي “الوحي الإلهيّ”: «كلّ ما قام به يسوع من تدابيرَ خلاصيّة هو العهد الجديد النهائي. ولذلك فهو غير زائل أبداً، ولن يُرتقب بعده ظهورٌ إليٌّ آخر، الى أن يتجلّى ربّنا يسوع المسيح في مجده (١تيم ٦ : ١٤؛ تيط ٢ : ١٣) (٤). لذلك يدعو السينودس إلى مساعدة المؤمنين على التمييز بين كلمة الله والظهورات الخاصّة، التي لا تزيد أي شيء على كمال الوحي، بل بالعكس يكون دورها حمل المؤمنين على عيش كلمة الله في حقبة تاريخيّة معيّنة. فتكون قاعدة لتمييز حقيقة الظهور أو الوحي الخاص في توجّهها نحو المسيح. وكان القدّيس يوحنا الصليب قد عبّر عن نهائية وكمال الوحي في المسيح ببلاغة روحيّة نادرة: «فقد أعطانا الله ابنه، كلمته الواحد والوحيد، به كلّمنا وأوحى إلينا بكلّ شيء معا ومرّة واحدة، ولم يبقَ شيءٌ للقول بعد ذلك… فما كان يقوله قديماً على فم الأنبياء على مرحل وفي عددٍ من المراحل، قاله لنا هو نفسه مرّة واحدة، وأعطانا كلّ شيء أي ابنه كلمته الوحيد. ولهذا فمن أراد اليوم أن يستجوب الله قصدَ مزيدٍ من المعرفة بالرؤى أو الإيحاءات، فهو يوجّه إلى الله إهانة، لأنّه لا يثبّت إيمانه في المسيح وحدَه، بل يبحث عن شيء آخر أو عن بدعة ما خارجاً عنه».
٢- الروح القدس وكلام الله (١٥ – ١٦)
«كما تصل إلينا كلمة الله في جسد المسيح وفي الافخارستيا وفي الكتاب المقدّس بواسطة الروح القدس، هكذا أيضاً نقبل هذه الكلمة ونفهمها فقط بنعمة هذا الروح عينه». عندما يذكر قداسة البابا دور الروح القدس في اعلان كلام الله وفهمه وتفسيره في الاحتفالات الليتورجيّة يلفت أنظارنا إلى شهادة بعض التقاليد الكنسية المعبّر عنها في صلاة استدعاء الروح القدس: «أرسل روحك القدوس المعزّي إلى نفوسنا وساعدنا على فهم الكتاب المقدّس الّذي ألهم كتابته؛ وامنحني أن أفسّر الكتابة خير تفسير من أجل فائدة المؤمنين».
٣- التقليد والكتاب المقدّس (١٧ – ١٨)
في ختام الفقرة ١٨ يقول قداسة البابا: «لا يتوقّف الله اليوم عن إيصال كلمته في تقليد الكنيسة الحيّ وفي الكتاب المقدّس. إذ تصل إلينا كلمة الله في الاسفار المقدّسة التي هي شهادات الوحي المُلهَمة، التي تشكّل مع التقليد الحي للكنيسة قاعدة الايمان الكبرى».
٤- الكتاب المقدّس، الهام وحقيقة (١٩)
الكتاب المقدّس هو كلام الله من حيث أنّه كُتب بألهام الروح القدس. إنّه من الأهميّة بمكان الاعتراف بدور الكاتب البشريّ الّذي كتب الاسفار الملهمة وبالله واضع هذه الاسفار. الى جانب موضوع الالهام يأتي موضوع حقيقة الكتاب المقدس. هنا تجدر الإشارة إلى رسالة وجّهها مؤخرا قداسة البابا إلى الكاردينال وليام جوزف ليفادا رئيس اللجنة الحبرية البيبلية، قال فيها إن موضوع “إلهام الكتاب المقدس وحقيقته” الذي تعالجه الجمعية العامة السنوية المنعقدة حاليا في الفاتيكان، يُعَد من أبرز النقاط الرئيسة الواردة في الإرشاد الرسولي “كلام الله” وخصوصا في رقم ١٩ من المقدمة، مؤكدا أن موضوع الإلهام هام جدا وقاطع للتقرب من الكتب المقدسة ولتفسيرها الصحيح. ورأى البابا أن اللجنة الحبرية البيبلية مدعوة لتقديم إسهامها المميز والكفوء لهذا التعمق الضروري، إذ إنه جوهري وأساسي لحياة الكنيسة ورسالتها أن تُفَسر النصوص المقدسة وتُشرح بحسب طبيعتها: الإلهام والحقيقة هما ميزتان مؤسِستان لهذه الطبيعة».
٥- الله الآب نبع ومصدر الكلمة (٢٠ – ٢١)
يبدأ تدبير الوحي من الله الآب. في رسالة الابن يظهر الله مصدر الوحي في صورة الآب. قمة الوحي الّذي كشف عنه الآب في الابن يكمن في عطية الباراقليط، روح الآب والابن الّذي يقود إلى ملء الحقّ (يوحنا ١٦ : ١٣).
كما يظهر في صليب المسيح، يتكلّم الله أيضاً بواسطة الصمت. تألّم يسوع المصلوب بسبب صمت الآب: «إلهي إلهي لماذا تركتني؟» (مرقس ١٥ : ٣٤؛ متى ٢٧ : ٤٦). في ظلمة الطاعة رفع يسوع صلاته إلى الآب، فسلّم ذاته قائلاً: «يا أبتِ، بين يديك استودع روحي» (لوقا ٢٣ : ٤٦). على إنسان اليوم أن يأخذ بعين الاعتبار صمت الله بعد الإصغاء إلى كلمته. إنّها خبرة الكثير من القدّيسين. فالصمت جزء لا يتجزّأ من كلام الله.
٦- جواب الإنسان على كلام الله (٢٢ – ٢٨)
يأتي الله للقاء الانسان بكلمته التي تظهر بأشكال مختلفة. كما أنّ الحبّ الإلهيّ هو أولاً مبادرة إلهيّة، هكذا أيضاً نفهم أوليّة الله في الوحي الّذي يتطلّب جواب الإنسان. فالعهد القديم والجديد هو قبل كلّ شيء عطية من لدنه. يقطع الله المسافات آتياً إلينا ليمنحنا حبّه ويجعل منّا شركاءه في عرس الحبّ بين المسيح والكنيسة. «خُلق الانسان بالكلمة ويحيا بها؛ لذلك لا يمكن أن يفهم ذاته إذا لم ينفتح على حوار الحبّ هذا».
في الوحي تظهر أوليّة الله ولكن الله يسمع بدوره الانسان ويستجيب لطلباته (٢٣). هذه الحقيقة تدفع على التساؤل حول واقع الرسالة. في عالم اليوم، خاصة في الغرب، تنتشر هذه الفكرة: «الله بعيد عن واقع الحياة وعن مشاكل الانسان، لا بل يمكن أن يكون حضوره تهديداً لاستقلاله الذاتي». لذلك يكون من الأهميّة بمكان من الناحية الراعوية، إظهار قدرة كلام الله على الدخول في حوار عميق مع مشاكل الانسان في حياته اليوميّة.
يعلّمنا الله أن نتحاور معه من خلال كلماته (٢٤). هذا ما يظهر خاصّة في صلاة المزامير حيث يعطينا الله الكلمات للتحدّث معه، فنحمل حياتنا في الحوار أمامه… نجد في المزامير كلّ مشاعر الانسان موضوعة بحكمة أمام الله.
الإيمان هو جواب الإنسان على الله الّذي يتكلّم (٢٥). يُظهر تاريخُ الخلاص تطوّر العلاقة الحميمة بين كلام الله والإيمان الّذي يتمّ في اللقاء مع المسيح. إذ في المسيح يأخذ الإيمان شكل اللقاء مع شخص، فيسلّم الإنسان ذاته له.
وإذا ما تراجع الانسان عن الدخول في حوار الحياة مع الله، أتاه موتُ الخطيئة: «الخطيئة هي كعدم الإصغاء لكلام الله» (٢٦). يظهر هنا همّ رسوليّ: «من المهمّ تربية المؤمنين على معرفة أصل الخطيئة في عدم الإصغاء لكلام الرّبّ وقبول الغفران والخلاص بيسوع كلمة الله».
يختم قداسة البابا الفصل الأول بإلقاء الضوء على «مريم والدة كلمة الله وأم الإيمان» (٢٧ – ٢٨) كمثال للحوار مع الله. فالعمل الراعوي يجب أن يساعد المؤمنين على اكتشاف العلاقة بين مريم العذراء، بنت الناصرة، والإصغاء المؤمن لكلام الله. وعلى الصعيد الدراسات اللاهوتيّة، يحثّ قداسة البابا اللاهوتيين على التعمّق أكثر فأكثر في العلاقة بين اللاهوت المريميّ ولاهوت كلام الله. يكون عملنا الرسوليّ غير فعّال إذا لم نتعلّم من مريم كيف ندع عمل الله يهذّب حياتنا ويصوغنا ويخلقنا من جديد.
في الخاتمة أودّ الرجوع إلى جوهر الأمور وقد عبرنا من الكلمات العديدة في الكتاب المقدّس إلى الكلمة المتجسّد، إذ به أوجز الله كلّ حبّه لنا، وكان علينا أن نترك هذه الكلمات الملهمة أن ترافقنا رويداً رويداً حتى نصل إلى صمت الصليب. هنا لا يسعنا سوى الإكتفاء بنظر الحبّ. «من نظر إلى الكفّارة – يقول القدّيس بوناڤنتورا – وهو تائبٌ، ونظر إليه معلّقاً على الصليب، بإيمان ورجاء ومحبّة، وتقوى وإعجاب وسرور، وإجلال وتسبيح وتهليل، يتمّم الفصح أي العبور… في هذا العبور، من أراد أن يكون كاملاً، يجب أن يترك جميع نظرياّت العقل، فتُنقل قمّة الرغبات فيه وتتحوّل إلى الله… وإذا سألتَ: كيف يتمّ هذا كلُّه؟ فاسأل النعمة لا العلم، والرغبة لا العقل، وتهدّج الصلاة لا جهدَ القراءة. اسأل الله لا الإنسان، والظلمة لا الضياء، لا النورَ بال النارَ المحرقة بالتمام، والّتي تحوّل الإنسان إلى الله بمسحة مكثّفة ومشاعرَ مضطرمة. النّار هي الله، والأتون في القدس، والمسيح هو الذي أضرمها بحرارة آلامه المُحرقة… فلنمت إذاً، ولندخل في الظلام، ولنفرض الموت على اهتماماتنا وشهواتنا وخيالاتنا، ولنَعْبُر مع المسيح المصلوب من هذا العالم إلى الآب. فإذا أرانا الآبَ قلنا مع فيليبّس: “حسبُُنا هذا” (يوحنا ١٤ : ٨)، وسمعنا ما سمعه بولس الرسول: “تكفيك نعمتي” (٢ قورنتس ١٢ : ٩)، وتهلّلنا مع داود قائلين: “فَنِيَ جسدي وقلبي، الله للأبد صخرةُ قلبي ونصيبي” (مزمور ٧٢ : ٢٦)» (في مسيرة العقل إلى الله، ٧) (عن كتاب الفرض، عيد القدّيس بوناڤنتورا).