لماذا يجب أن أعترف قبل المناولة علمًا بأن جسد المسيح يعطى “لغفران الخطايا”؟

لماذا يجب أن أعترف قبل المناولة علمًا بأن جسد المسيح يعطى “لغفران الخطايا”؟

بقلم د. روبير شعيب

روما, 19 يونيو 2014 (زينيت) –

وردنا سؤال استفساري حول استحقاق المشاركة في القداس الإلهي، تبعًا لتصريح سمعه السائل من كاهن قال في العظة: “ليس من الضرورة الإعتراف، بل مجرد حضور القداس يكون من حق الحاضر أن يأخذ القربان المقدس”. سأحاول الإجابة انطلاقًا في “سؤال وجواب عالطاير” يأخذ بعين الاعتبار الكتاب المقدس، تعليم الكنيسة والعقل السليم.

لم أكن حاضرًا لأفهم الإطار الذي قال فيه الكاهن تعبيره ولا أحكم على الشخص ولكني أقيّم التعبير الذي قاله انطلاقًا من وقعه على السائل الكريم وعلى ما قد يُفهم مباشرة من التعبير.

ما يتأتى عن هذا التصريح هو أن المشاركة في القداس هي بحد ذاتها غفران للخطايا، وبالتالي ما من ضرورة للاعتراف. هذه المقولة لا تطابق تعليم الكنيسة وتتناقض مع ممارستها. في الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية لا يوجد شيء يُعرف بـ “الحلة الجماعية”. والحلة الجماعية التي تُمارس في بعض الأوقات الاستثنائية تأتي بعد اعتراف فردي في رتبة خاصة. الحلة الجماعية التي لا يسبقها الاعتراف الشخصي قد تتم في أوضاع استثنائية خاصة جدة، في حال خطر الموت (articulus mortis).

سأحاول الرد انطلاقًا من سؤالين أطرحهما لتوسيع الجواب.

هل أنت “أطيب” من الله من الكنيسة؟

لعل ما قاله الكاهن أعلاه يأتي من باب “الطيبة” وكأني بلسان حاله يقول: “لِمَ التعقيد والوسائط، ربنا رحوم وعمل النعمة لا يحتاج لوسائطنا”. في هذا التعبير خلط بين تعابير هامة وسوء فهم لممارسة الكنيسة.

الكنيسة لم تخترع الأسرار، والأسرار ليست عائقًا أمام النعمة. سر الاعتراف ليس عبئًا على المؤمنين بل هو ضمانة. ولكي أوضح الفكرة، أود أن أذكر بهرطقة تعود إلى القرون المسيحية الأولى (وبشكل خاص القرن الرابع) كانت تعرف باسم المساليّة” (messalianesimo). كانت هذه الهرطقة نوعًا من المواهبية (كاريزماتيك) المتطرفة، وكان اتباعها يؤمنون بأن الغفران يتم إذا شعرت في داخلك أن الله غفر لك. فالشعور هو ضمانة.

ما رأيكم؟ – بالطبع الشعور مهم، ولكني إذا كنت شخصًا مصابًا بالمرض النفسي الذي هو عقدة الذنب، ماذا أفعل؟ ربنا لا يغفر لي لأني لا أشعر بذلك؟

الشعور بالغفران أمر جميل، ولكن ركيزة الغفران ليس شعوري، بل ضمانة حب الله ومغفرته الممنوحة لكي من يتوب. الركيزة ليست مشاعر عابرة، بل صخرة أمانة الله ورحمته.

وعليه، فسر التوبة يشكل ضمانة ملموسة تقول لي أن الله غفر لي، وتؤكد لي أنه “حتى لو كان قلبي يوبخني، الله أكبر من قلبي”، كما يعلمنا القديس يوحنا في رسائله.

لا يجب أن نتفلسف و “نهوّن” الأمور بالخوشبوشية وبالـ “بيناتنا”. أسرار الكنيسة هي تعابير ملموسة لرحمة الله، ومن أراد تجاوزها بداعي أنها رجعية يخرج عن إيمان الكنيسة وعن النعمة المرتبطة بنعم التجسد التي هي الأسرار، التي لا تحتكر النعمة – طبعًا – ولكنها تشكل قناة أفضلية لنعمة الله.

نعم، ربنا رحوم، والأسرار هي تعبير عن رحمته، ولهذا التعبير المذكور أعلاه هو خلط سطحي.

أليست الافخارستيا لغفران الخطايا؟

هذا السؤال الثاني هو سؤال مهم ويبدو وكأن له ركيزة كتابية. ففي العشاء الأخير، عندما يقوم يسوع بكسر الخبز وتوزيع الخمر يقول أن الجسد والدم يُقدمان للخلاص ولغفران الخطايا. والسؤال الذي يطرح نفسه إذًا: لماذا يجب أن أعترف إذا كان جسد المسيح يغفر الخطايا؟

الجواب نجده في القديس بولس وفي المنطق السليم. فبولس الرسول يقول لنا في 1 كورنثوس 11: “من أكل هذا الخبز، أو شرب كأس الرب، بدون استحقاق، يكون مجرما في جسد الرب ودم”، ولذا يدعو الانسان ليمتحن نفسه، وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس ويكرر قائلاً: “لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه، غير مميز جسد الرب”.

كثير من الأشخاص يعتبرون الأسرار “سحرًا أبيض”. فبعكس السحر الأسود الشرير، يظنون أن الأسرار هي سحر أبيض، خيّر. هذا ليس إيمان، هذا شعوذة وخزعبلات وخرافة. الأسرار لا تحل مكان مسؤوليتها وجهدنا لعيشها وإفساح المجل للنعمة الكامنة فيها أن تفعل في حياتنا. الرب الذي ألتقي به في الأسرار يفعل في حياتي إذا آمنت بحضوره وإذا أعددت نفسي لتقبله.

لا يمسه إلا المطهرون؟

هل هذا يعني أن المناولة يستحقها فقط من هو في حالة القداسة؟ بالطبع لا، وإلا لما استحق أحد منا المناولة. أذكر صلاة جميلة كان يقولها البابا شنودة عند المناولة: “لا لاستحقاقي بل لحاجتي”. أي أتلقاك يا رب في المناولة، لا لأني أستحق ذلك، بل لأني بحاجة إليك. ولكن، هناك فرق شاسع بين عدم الاستحقاق والانغلاق الإرادي على الله في الخطيئة المميتة.

عيش سر الاعتراف هو خطوة ضميرية للقول للرب أني أرذل الشرير وأعماله وأفتح قلبي لعمل المحبة. الافخارستيا ليست للقديسين “الشاطرين”، بل للخطأة التائبين، الذين يعيشون في التواضع والمحبة. ورغم أننا نقول “الأقداس للقديسين بالنقاوة والقداسة”، هذا لا يعني أننا قديسين بشطارتنا، بل نحن مقدسون بحب المسيح الذي يقدسنا ويغفر لنا والذي نختبره ونتلقاه – كما علم هو – في سر التوبة: “من غفرتم له خطاياه غفرت”.