القوانين المقدسة: قداسة البابا يوحنا بولس الثاني

دستور رسولي من الأسقف يوحنا بولس خادم خُدّام الله ، للذكرى الخالدةإلى الإخوة الكرام البطاركة ورؤساء الأساقفة والأساقفة والأبناء الأعزّاء الكهنة والشمامسةوسائر مؤمني الكنائس الشرقية

إنّ القوانين المقدّسة التي أيّد «أوامرها الطاهرة الثابتة» تأييدا مطلقا، الآباء المجتمعون في المجمع المسكوني السابع، بجوار كرسي نيقيا، سنة 787 للميلاد، برئاسة المندوبين الذين أوفدهم سلفنا أدريانوس الأوّل، في القاعدة القانونية الأولى للمجمع، «مبتهجين بها كمن حاز الغنائم الكثيرة»، أعلن المجمع بوجيز العبارة أنّها هي التي أصدرها الآباء الرسل و«المجامع المسكونية الستّة المقدسة والمجامع المحلّية» و«آباؤنا القديسون» أيضا، كما جاء في التقليد.
ذلك إنّ المجمع المذكور، بإعلانه أنّ واضعي القوانين المقدسة قرّروا «ما ينبغي»، مستنيرين «بالروح القدس الواحد لا غير» ، اعتبر تلك القوانين مجموعا واحدا من القوانين الكنسية وأقرّها كـ«مجموعة» لجميع الكنائس الشرقية، كما سبق وفعل السينودس الخامس والسادس في قاعة تروللو، المنعقد في مدينة القسطنطينية سنة 691 للميلاد، محدّدا نطاق هذه القوانين بالمزيد من الدقّة في القانون الثاني.
وسط هذا التنوّع العجيب من الطقوس، أي هذا التراث الطقسي واللاهوتي والروحي والتنظيمي الماثل في كلّ من هذه الكنائس، المنحدرة عن التقاليد المبجّلة ، [أي التقليد] الإسكندري والإنطاكي والأرمني والكلداني والقسطنطيني، تـُعتبر القوانين المقدّّسة بحقّ جزءا هامّا من هذا التراث، وتكوّن الأساس الواحد والمشترك لقوانين هذه الكنائس ونظامها.
وفي الواقع لا نكاد نجد – بل لا نجد – في الشرق مجموعة من القواعد التنظيمية، التي بلغ عدد قوانينها المقدّسة حتّى قبل مجمع خلقيدونيه أكثر من خمسمائة، إلا وأبرِزت واعتُبرت من أهم مصادر الشرع، وضعتها واعتمدتها لهذه الكنائس سلطاتها العليا كقواعد أساسية للكنيسة. وكل من هذه الكنائس لم تشكّ لحظة واحدة في أن إي ترتيب للنظم الكنسية، إنما يَستمدّ قوّته من الأحكام المنبثقة عن التقاليد التي اعتمدتها السلطة الكنسية العليا، أو الواردة في القوانين التي أصدرتها هذه السلطة، وان قواعد الشرع الخاص لها قيمتها إذا ما اتفقت والشرع الأعلى منها، وليست شيئا إذا خالفته.
«والأمانة لهذا التراث المقدس من النظم الكنسية، أدّت إلى الحفاظ على السمات الخاصة بالشرق كاملة، مع كل ما دهمه من شتّى التقلّبات والنوائب المختلفة التي تعرّضت لها الكنائس الشرقية قديما وحديثا. ولا شك في أن هذا لم يتمّ بغير مكاسب عظيمة للنفوس» (1). إن هذه العبارة المأثورة التي نطق بها بولس السادس سعيد الذكر، في معبد الكنيسة السيكستينا، أمام أول جماعة من أعضاء لجنة القانون الكنسي الشرقي، تردّد نفس ما أعلنه المجمع الفاتيكاني الثاني، عن «بالغ الأمانة» الواجبة على جميع الكنائس، في الحفاظ على هذا التراث من النظم، طالبا منها أيضا «أن تعمل على العودة إلى التقاليد التليدة»، إذا ما فرّطت في شيء منها بلا وجه حق، لظروف متعلّقة بالناس أو ظروف الدهر» (2).ومما يُلفت النظر أن المجمع الفاتيكاني الثاني، أكّد أيضا بوضوح، أن «الأمانة للتقاليد القديمة وتوقيرها»، مقرونة «بالصلوات والقدوة والمزيد من التعارف والتعاون والتقدير الأخوي المتبادل للأفراد والأحداث»، له اثر جبّار في جعل الكنائس الشرقية المتّحدة اتحادا تامّا مع الكرسي الرسولي الروماني، تلعب دورها الخاص في تعزيز وحدة جميع المسيحيين، لا سيما الشرقيين منهم» (3) ، وتقوم به وفقا لمرسوم المسكونية.
ولا ننس هنا أن الكنائس الشرقية التي ليست حتى الآن في وحدة تامّة مع الكنيسة الكاثوليكية، يحكمها أساسا تراث تنظيمي قانوني واحد، إلا وهو «القوانين المقدسة» العائدة إلى عـهد الكنيسة الأولى.
أما في ما يتعلّق على وجه عامّ بقضيّة الحركة المسكونية، التي أطلقها الروح القدس إتماما لوحدة كنيسة المسيح الشاملة، فان مجموعة القوانين الجديدة لم تكتف بألاّ تعارضها فحسب، بل أيّدتها كلّ التأييد. ذلك أن هذه المجموعة تدافع عن حق الشخص الإنساني الأساسي – إلا وهو الحق في أن يُعلن كل إنسان إيمانه بطقسه الخاص، الذي كثيرا ما يستقيه من ثدي أمه، وهذه هي قاعدة كل حركة مسكونية – ولا تهمل إي وسيلة، لتتمكـّن الكنائس الشرقية من تحقيق رغبات المجمع الفاتيكاني الثاني بسلام ونظام، فتزدهر وتقوم بهمّة متجددة بالدور المعهود إليها (4). ومن هنا لا بد لقوانين الكنائس الشرقية الكاثوليكية أن تتمتّع بنفس الاستقرار الذي لمجموعة قوانين الكنيسة اللاتينية، فتبقى سارية المفعول إلى أن تُبطلها أو تـُعَدّلها السلطة الكنسية العليا لأسباب صائبة، من أهمّها بلا شكّ الوحدة التامّة لجميع الكنائس الشرقية مع الكنيسة الكاثوليكية، لا سيما وإنها [وحدة] تتّفق كل الاتفاق مع رغبات مخلصنا يسوع المسيح نفسه.
ثم أن هذا الإرث من القوانين المقدسة المشتركة فيه جميع الكنائس الكاثوليكية، انصهر عبر الدهور على نحو عجيب في فطرة كل من الجماعات المسيحية المتكوّنة منها سائر هذه الكنائس، وكثيرا ما أدّى إلى اندماج بعض هذه الأمم، بكل ما لديها من ثقافة، باسم المسيح وبشارته الإنجيلية، اندماجا جعله جزءا لا يتجزأ من قلب هذه الشعوب، وحُرمة لا تُنتَهَك وجديرة بكل تقدير.
وسلفنا ليو الثالث عشر، لما أعلن في نهاية القرن التاسع عشر أن «تنوّع النُظُم، والطقوس الشرقية الذي تبنّاه الشرع» هو «زينة للكنيسة جمعاء وتوكيد لوحدة المذهب الكاثوليكي»، رأى أن هذا التنوّع «ربما لا أروع منه في إبراز الطابع الكاثوليكي لكنيسة الله تعالى» (5). وآباء المجمع الفاتيكاني الثاني أكّدوا بصوت واحد نفس الحقيقة، معلنين أن «تنوّع الكنائس المؤدي إلى وحدة الهدف، يُثبت على وجه قاطع كاثوليكيّة الكنيسة التي لا تقبل الانقسام» (6) ، وهو «يؤكّد وحدة الكنيسة ولا يضرّ بها» (7).
لهذه الاعتبارات كلّها، نرى أن هذه المجموعة من القوانين التي نصدرها الآن معظمها مُتّخذ من قوانين الكنائس الشرقية القديمة، كما نُدرك حقّ الإدراك ما فيها من وحدة وتنويع مؤدّ إلى الوحدة، وباندماج [هذه الوحدة وهذا التنويع] «يبرز عنفوان الكنيسة التي لا تعرف الشيخوخة، وتسمو بشكل رائع عروس المسيح، التي رأى الآباء القديسون بحكمتهم إشارة إليها في قول داود النبي : «قامت الملكة عن يمينك بحلّة من ذهب محاطة بالإشكال» (8).
ثم أن رغبة الأحبار الرومانيين منذ بداية تدوين قوانين الكنائس الشرقية، في إصدار مجموعتين، الواحدة للكنيسة اللاتينية والأخرى للشرقية، تُثبت بما لا شك فيه أنهم أرادوا الحفاظ على ما تحقّق في الكنيسة بعنايته تعالى: وهو أن الروح الواحد قد جمع شملها كما لو كانت تتنفّس برئتين هما الشرق والغرب، وتتّقد بمحبة المسيح بقلب واحد له بُطَينان.
كما تظهر جليّا نّية مشرّع الكنيسة الأعلى الثابتة المستقرّة، في حفظ جميع الطقوس الشرقية المنبثقة من المصادر الخمسة السابقة الذكر بأمانة والعمل بها بدقّة ؛ وقد عُبّر عنها المرة تلو الأخرى في هذه المجموعة بأحكام ملائمة لذلك.
يتّضح الأمر نفسه من الصِيَغ المختلفة في تكوين رئاسات الكنائس الشرقية بدرجاتها، حيث تبرز بشكل مهيب الكنائس البطريركية حيث يشترك البطاركة والسيندوسات ، بحكم القانون الكنسي، بالسلطة الكنسية العليا.وهذه الصِيَغ المحدّد كلٌّ منها بلقبه تجعل ومن يفتح هذا الِسفر، سرعان ما يلمح، من ناحية، ملامح كل من الكنائس الشرقية مسجّلة في الأحكام القانونية، ومن ناحية أخرى ميزة الحكم الذاتي والشركة التامة مع الحبر الروماني خليفة القديس بطرس، الذي بصفته قيّما على أسرة المحبة باسرها، يحافظ على هذا التنوّع المشروع، ويسهر في آن واحد كي لا يسيء ما هو خاص إلى الوحدة بل بالحري يفيده (9).
وفي هذا الصدَد لا بدّ من الملاحظة أن هذه المجموعة تُحيل على الشرع الخاص بكلّ كنيسة متمتّعة بحكم ذاتي كلّ ما يُعتبر غير ضروري لخير عموم الكنائس الشرقية. فإن نيّتنا في هذه الشؤون، هي أن يبتّ في أمرها وبأسرع وقت أولئك الذين يتمتّعون بالسلطة التشريعية في كل من هذه الكنائس المتمتّعة بحكم ذاتي، بأحكام خاصّة، مع اخذ تقاليد كل واحدة منها، بالإضافة إلى تعاليم المجمع الفاتيكاني الثاني، بعين الاعتبار.
أن الحفاظ على الطقوس بأمانة، لا بد من أن يتفق على أكمل وجه مع الغاية القصوى للكنائس بأسرها، الهادفة بجملتها إلى خلاص النفوس. ولذلك، كل ما وُجِد من هذه القـوانين الصادرة قديما عابـرا أو يمكن الاستغناء عنـه أو غـير مـلائم لاحتياجات المكان والزمان، لم يدخل في هذه المجموعة.
وعند سَنّ القوانين الجديدة، أوّل ما اتُّخِذ بعين الاعتبار كانت بالفعل الأمور التي تصلح دون سواها لما يقتضيه خلاص النفوس وتدبيره في الكنائس الشرقية،بما فيها من حيويّة وثراء، وتنسجم في آن واحد وتتفق مع التقاليد السليمة وفقا لتمنّيات سلفنا البابا بولس السادس، المُعلِن في بداية الأعمال التحريريّة لهذه المجموعة: «على التشريعات الجديدة إلا تكون بمثابة جسم غريب أُقحِم على الجهاز القانوني اقحاما، بل يجب أن تنبع تلقائيّا من التشريعات القديمة» (10).
يتّضح هذا الأمر جليّا من المجمع الفاتيكاني الثاني، لان هذا المجمع «استمدّ من كنوز التقليد جددا وعتقا» (11)، ذلك التقليد الذي وصلنا عن الرسل فالآباء، نقيّا في كل وجوهه بالبشرى الإنجيلية، وترجمه إلى حياة جديدة.
ومجموعة قوانين الكنائس الشرقية التي ترى النور الآن، ينبغي اعتبارها تكميلا جديدا للتعاليم التي قدّمها المجمع الفاتيكاني الثاني، وبها يكتمل أخيرا التنظيم القانوني في الكنيسة بأسرها، وقد سبقتها «مجموعة القانون الكنسي للكنيسة اللاتينية»، الصادرة سنة 1983، و«الدستور الرسولي في الدائرة الرومانية» سنة 1988، الملحق بالمجموعتين، كوسيلة رئيسية بين يدي الحبر الروماني لتوحيد «لصقها» إن صحّ هذا التعبير (12).
والآن، لو التفتنا بنظرنا إلى الخطوات الأولى في تحرير قوانين الكنائس الشرقية، لبَدَت لنا هذه المجموعة بمثابة الميناء المنشود، بعد إبحار طويل دام أكثر من ستّين سنة. ففي هذا المجموع من التشريعات دُوِّنت لأول مـرّة وصدرت عن المشرِّع الكنسي الأعلى، جميع قوانين التنـظـيم الكنسي المشتركـة بين الكنائـس الشرقـية الكاثوليكية ، بعد جهود مُضنيَة بذلتها ثلاث لجان شكّلها المشرّع نفسه، الأولى هي «لجنة الكرادلة للدراسات التحضيرية للتشريع الشرقي»، أقامها سلفنا البابا بيوس الحادي عشر، سنة 1929 (13)، برئاسة الكردينال بطرس جاسپارّي P.Gasparri . من أعضاء هذه اللجنة الكرادلة لويس سنتشيرو L.Sincero وبونافنتورا تشيرّيتّي B.Cerretti وفرنسيس ايهرلي Ehrle F.، وكان امين سرّها قدس الأب هامليت يوحنا تشيكونياني A. G. Cicognani. ، عميد المجمع المقدس للكنائس الشرقية – كما كان يلقّب حينذاك – وقد أصبح فيما بعد كردينالا.
وبعد أن تمّت الدراسات التحضيرية على أوسع نطاق – على يد مجموعتين من الخبراء، انتـُخب معظمهم من بين آباء الكنائس الشرقية (14) – مستغرقةً ستّ سنوات تخلّلتها وفاة الكردينال بطرس جاسپارّي، تقرّر المضيّ قدما في تشكيل «اللجنة الحبرية لتدوين مجموعة قوانين القانون الشرقي». ومهمّة هذه اللجنة، التي شـُكّلت في السابع عشر من شهر يوليو سنة 1935 – كما يتّضح من العنوان نفسه – كانت تحديد نص القوانين والإشراف على وضع «مجموعة قوانين الكنيسة الشرقية». وهنا لا بد من أن نذكر أن الحبر الأعظم نفسه قرر في «الإعلان» المنشور في المجلة الرسمية «أعمال الكرسي الرسولي» (15)، والخاصّ بتشكيل هذه اللجنة، [قرر] أن يُوضع عنوان المجموعة العتيدة بين علامتي تنصيص، إشارة إلى انه مع كونه من أفضل [العناوين]، إلاّ انه مؤقت، «ريثما يُعثر على أفضل منه».
كان رؤساء «لجنة إعداد مجموعة القوانين الكنسية الشرقية» الكردينال لويس سنتشيرو L. Sincero حتى وفاته، والكردينال ماسّيمو ماسّيمي M. Massimi وبعد وفاته الكردينال غريغوريوس بطرس اغجانيان، بطريرك الكنيسة الارمنية.
وبين الكرادلة الذين ضمّتهم أوّل مجموعة في اللجنة المذكورة ورؤسائها، إي الكرادلة اوجين پاتشيلليE. Pacelli ويوليوس سيرافيني I. Serafini وبطرس فومازوني بيوندي P. Fumasoni Biondi، يلمع اسم الكردينال اوجين پاتشيللي E. Pacelli، الذي شاءت العناية الإلهية السامية أن يصبح فيما بعد نائب المسيح وراعي الكنيسة بأسرها، وهو الذي نفـّذ معظم الأعمال المتعلّقة بتحرير القانون الشرقي، لشدّة حرصه على مصالح الكنائس الشرقية. ذلك انه من بين الأربعة والعشرين بابا التي تكوّنت منها بإرادته مجموعة القوانين الكنسية الشرقية، على يد تلك اللجنة، لا اقل من عشرة وأكثرها إلحاحا، اصدرها هو بأربع إرادات رسولية Motu proprio. (16). أما الأبواب المتبقّية، فبعد أن اعتمدها الكرادلة أعضاء اللجنة وُطبع معظمها بأمر حبري تمهيدا «لإصداره»، بقيت – بسبب وفاة الحبر نفسه وإعلان المجمع الفاتيكاني الثاني من قِبَل يوحنا الثالث والعشرين، خلفه على كرسي القديس بطرس – [بقيت] في أرشيف اللجنة.
ومع مرور الزمن وحتى منتصف سنة 1972، يوم انحلّت اللجنة التي زاد عدد أعضائها بأمر من قداسة البابا، عمل فيها عدد كبير من الكرادلة وتلا احدهم الآخر بعد وفاته. وبنهاية المجمع الفاتيكاني الثاني، ضـُمّ إلى اللجنة سنة 1965 جميع بطاركة الكنائس الشرقية الكاثوليكية. وفي مستهلّ السنة الأخيرة للجنة تدوين مجموعة القوانين الشرقية، كان يشكّل أعضاء اللجنة رؤساء الكنائس الشرقية الستة ووكيل مجمع الكنائس الشرقية.
ومنذ تشكيل لجنة تدوين مجموعة القوانين الشرقية وعلى مدى سنين طويلة، عمل كأمين سر لها المرحوم الأب اكاكيوس كوسى من الرهبنة الباسيلية الحلبية. – الذي أصبح فيما بعد كردينالا – بعلم ونشاط عظيمين. ولا بدّ لنا هنا من الثناء عليه هو ومستشاري اللجنة الأجلاء.
أما اللجنة الحبرية لإعادة النظر في مجموعة القوانين الشرقية، التي شُكِّلت في منتصف سنة 1972، فضمنت بتكوينها وصيغتها الطابع الشرقي، لكونها ضمّت [أعضاء] من شتى الكنائس الشرقية، على رأسهم البطاركة الشرقيون. كما تميّزت أعمال هذه اللجنة بالصفة الجماعية إلى أقصى حد. فان صيغ القوانين دوّنتها بدقة وتأني مجموعات من الخبراء، اختيروا من جميع الكنائس، ثم بُعث بها إلى مطارنة الكنائس الشرقية الكاثوليكية دون سواهم، ليعبّروا عن رأيهم فيها بصورة جماعية قدر المستطاع. وهذه الصيغ بعد إعادة النظر فيها مرّة أخرى في مجموعات بحث خاصّة وفقا لرغبة الأساقفة، وبعد إعادة صياغتها كلّما اقتضى الأمر ذلك، إثر دراسة مدقّقة من قبل أعضاء اللجنة، تمّ قبولها في جلسة رسميّة شاملة للأعضاء في شهر نوفمبر 1988 بموافقة مغرية من الأصوات.
ولا بد من الاعتراف بان «الشرقيين أنفسهم» هم الذين حرّروا هذه المجموعة، وفقا لتمنّيات سلفنا البابا بولس السادس، في الكلمة التي ألقاها لدى افتتاح أعمال اللجنة الرسمي (17). واليوم نريد أن نعبّر عن جزيل الشكر لجميع الذين أسهموا فيها، جماعات وأفرادا.
نشعر بواجبنا أن نشكر – قبل الجميع – الكردينال جوزيف باريكاّتيل G. Parecattil رحمه الله، من الكنيسة المالابارية، الذي قام بمهمته كرئيس لجنة المجموعة القانونية الجديدة على خير وجه، معظم المدة، ما عدا الثلاث سنوات الأخيرة. كما نذكر معه ذكرا خاصا المرحوم رئيس الأساقفة كليمنس منصوراتي، من الكنيسة السريانية، الذي تولّى في السنوات الأولى الصعبة منصب نائب رئيس اللجنة.
كما يحلو لنا أن نذكر الذين ما زالوا على قيد الحياة، وفي المقدّمة الإخوة المكرّمين ميروزلاوس استيفان ماروسين M. S. Marusyn ، الذي عُيِّن الآن رئيس أساقفة وأمين سرّ مجمع الكنائس الشرقية، وقد تولّى لمدة طويلة منصب نائب رئيس اللجنة بجدارة؛ والأسقف إميل عيد، نائب الرئيس الحالي، الذي له فضل كبير في الوصول بهذا العمل إلى النجاح المنشود. نذكر بعدهما ابننا الحبيب ايفان چوچك I. Žužek الراهب اليسوعي – الذي عمل جادّا منذ البداية كأمين سر للجنة – وجميع الآخرين الذين قدّموا مساهمتهم الفعّالة في اللجنة، سواء البطاركة والكرادلة ورؤساء الأساقفة والأساقفة كأعضاء، أو المستشارين والمعضدين في مجموعات البحث والمهامّ الأخرى . وأخيرا [لا بد من ذكر] المراقبين المدعوين من الكنائس الأرثوذكسية، رغبة في وحدة جميع الكنائس المنشودة؛ فقد قدّموا بحضورهم وتعاونهم المرموقَين أفضل المساعدة.
يحدونا أمل وطيد أن «تـُتَرجم» هذه المجموعة «بطريقة ناجحة إلى أعمال في الحياة اليومية» و«تؤدي شهادة أصيلة للتشريع الكنسي وحبه واحترامه»، وفقا لتمنّيات السعيد الذكر البابا بولس السادس (18)، فيسود بفضلها في الكنائس الشرقية، المتميزة بقدمها العريق، نظام تلك الطمأنينة التي تمنّيناها من أعماق القلب للمجتمع الكنسي بأسره، لدى إصدارنا القانون الكنسي للكنيسة اللاتينية.
إننا نشير إلى ذلك النظام الذي يعطي الأولية للمحبة والنعمة والمواهب، وييسّر في نفس الوقت نموّها المنتظم في حياة المجتمع الكنسي، وحياة كل فرد منتم الىه على حد سواء» (19).
«عسى أن تُؤَيّد» هذه المجموعة أيضا «بالفرح والسلام مع العدالة والطاعة، فينفـّذ الأعضاء ما يأمر به الرأس» (20)، لتضافر جميع الجهود في انتشار رسالة الكنيسة الجامعة ونموّها، فيسود ملك المسيح «القادر على كل شيء» أكثر فأكثر (21).
كما ندعو القديسة مريم الدائمة البتولية – التي كثيرا ما وضعنا تحضير هذه المجموعة تحت حمايتها – أن تنال بصلوات الأم من ابنها، أن يجعل من هذه القوانين قناة لتلك المحبة، التي تجلّت بشكل عجيب من جنب المسيح المطعون على الصليب بالحربة، بشهادة القديس يوحنا الرسول السامية، ويجب أن ترسخ في قلب كل مخلوق بشري.
والآن، وبعد الاستغاثة بالنعمة الإلهية، واستنادا إلى سلطة القديسين الرسولين بطرس وبولس، وتلبيةً لتمنّيات بطاركة الكنائس الشرقية ورؤساء أساقفتها وأساقفتها، الذين تعاونوا معنا بمحبة وشركة، بثقة ومعرفة، وبناء على ما لدينا من ملء السلطة الرسولية، نُصدر بدستورنا هذا هذه المجموعة بنصها هذا المحقَّق، لتكون سارية المفعول الآن وفي المستقبل، ونريد بل نأمر أن تُحرز منذ الآن قوّة القانون في جميع الكنائس الشرقية الكاثوليكية، ونقدّمها إلى الرؤساء الكنسيين لهذه الكنائس، ليحرصوا ويسهروا على الحفاظ عليها.
ولكي يُتاح لجميع من يعنيهم الأمر الاطّلاع على أحكام هذه المجموعة عن كثب قبل تنفيذها، نقرّر ونأمر أن تحظى بقوّة الإلزام ابتداء من اليوم الأول من شهر أكتوبر 1991، عيد شفاعة القديسة مريم في عدة كنائس شرقية. من غير أن يحول دون ذلك أيّ أمر مخالف، مهما كان هامّا أو جديرا بالذكر والاعتبار.
وندعو جميع أبنائنا الأحبّاء، أن ينفّذوا الأوامر المذكورة فيها، بإخلاص راضين مختارين، ولا نشكّ قط في أن الكنائس الشرقية بحرصها على النظام ستُعنى بخير نفوس رعاياها على خير ما يُرام، فتنمو وتزدهر أكثر فأكثر، وتقوم بالمهمة المعهودة إليها، بحماية العذراء مريم المجيدة المباركة الدائمة البتولية، المدعوّة بكل حق «أم الله»، والأم الجليلة للكنيسة الجامعة.

صادر عن روما، كنيسة القديس بطرس، في الثامن عشر من شهر أكتوبر سنة 1990، السنة الثانية عشرة من حبريّتنا.
البابا يوحنا بولس الثاني.
الحواشي:
(1) راجع أعمال الكرسي الرسولي 66 (1974) 245.
(2) راجع مرسوم “الكنائس الشرقية Orientalium Ecclesiarum” رقم 6.
(3) المرجع نفسه رقم 24.
(4) المرجع نفسه رقم 1.
(5) ليو الثالث عشر، الرسالة “كرامة الشرقيين Orientalium dignitas” 30 نوفمبر تشرين ثاني 1894، المدخل.
(6) مرسوم “نور الأمم Lumen gentium” رقم 23.
(7) راجع مرسوم “الكنائس الشرقية Orientalium Ecclesiarum” رقم 2.
(8) المزمور 44، 10؛ راجع ليو الثالث عشر، الرسالة “كرامة الشرقيين Orientalium dignitas” 30 نوفمبر تشرين ثاني 1894، المدخل.
(9) مرسوم “نور الأمم Lumen gentium” رقم 13.
(10) أعمال الكرسي الرسولي 66 (1974) 246.
(11) راجع الدستور الرسولي “قواعد النظم المقدسة Sacrae disciplinae leges” في أعمال الكرسي الرسولي 75 (1983) الجزء 2، 12.
(12) راجع الدستور الرسولي “الراعي الصالح Pastor bonus” رقم2.
(13) راجع أعمال الكرسي الرسولي 21 (1929) 669.
(14) راجع “لوسيرفاتوري رومانو L’Osservatore Romano” 2 ابريل سنة 1930 ص 1
(15) السنة 27 (1935) 306-308.
(16) راجع: Crebrae allatae sunt, Sollicitudinem nostram, Postquam Apostolicis Litteris. Cleri sanctitati
(17) أعمال الكرسي الرسولي 66 (1974) 246.
(18) راجع أعمال الكرسي الرسولي 66 (1974) 247.
(19) أعمال الكرسي الرسولي 75 (1983) الجزء الثاني رقم 9.
(20) المرجع نفسه رقم 13.
(21) راجع كلمة البابا يوحنا بولس الثاني في مقابلته للعاملين في الدائرة الرومانية في كنيسة القديس بطرس، في 28 يونيو 1986، أعمال الكرسي الرسولي 79 (1987) 196.