تأمل اليوم: فلما وجد لؤلؤة واحدة

تأمل اليوم: فلما وجد لؤلؤة واحدة

قراءات الخميس, 21 نوفمبر 2013 –  12 هاتور 1730
الأب/ بولس جرس
نص القراءة
“قدم لهم مثلا آخر قائلا : يشبه ملكوت السماوات إنسانا زرع زرعا جيدا في حقله وفيما الناس نيام جاء عدوه وزرع زوانا في وسط الحنطة ومضى فلما طلع النبات وصنع ثمرا، حينئذ ظهر الزوان أيضا فجاء عبيد رب البيت وقالوا له: يا سيد ، أليس زرعا جيدا زرعت في حقلك ؟ فمن أين له زوان فقال لهم: إنسان عدو فعل هذا. فقال له العبيد : أتريد أن نذهب ونجمعه فقال : لا لئلا تقلعوا الحنطة مع الزوان وأنتم تجمعونه دعوهما ينميان كلاهما معا إلى الحصاد ، وفي وقت الحصاد أقول للحصادين : اجمعوا أولا الزوان واحزموه حزما ليحرق ، وأما الحنطة فاجمعوها إلى مخزني  قدم لهم مثلا آخر قائلا : يشبه ملكوت السماوات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله وهي أصغر جميع البزور . ولكن متى نمت فهي أكبر البقول ، وتصير شجرة ، حتى إن طيور السماء تأتي وتتآوى في أغصانها33 قال لهم مثلا آخر : يشبه ملكوت السماوات خميرة أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع هذا كله كلم به يسوع الجموع بأمثال ، وبدون مثل لم يكن يكلمهم35 لكي يتم ما قيل بالنبي القائل : سأفتح بأمثال فمي ، وأنطق بمكتومات منذ تأسيس العالم حينئذ صرف يسوع الجموع وجاء إلى البيت . فتقدم إليه تلاميذه قائلين : فسر لنا مثل زوان الحقل فأجاب وقال لهم : الزارع الزرع الجيد هو ابن الإنسان والحقل هو العالم . والزرع الجيد هو بنو الملكوت . والزوان هو بنو الشرير والعدو الذي زرعه هو إبليس . والحصاد هو انقضاء العالم . والحصادون هم الملائكة فكما يجمع الزوان ويحرق بالنار ، هكذا يكون في انقضاء هذا العالم يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم ويطرحونهم في أتون النار . هناك يكون البكاء وصرير الأسنان حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم . من له أذنان للسمع ، فليسمع. أيضا يشبه ملكوت السماوات كنزا مخفى في حقل ، وجده إنسان فأخفاه . ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل  أيضا يشبه ملكوت السماوات إنسانا تاجرا يطلب لآلئ حسنة فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن، مضى وباع كل ما كان له واشتراها أيضا يشبه ملكوت السماوات شبكة مطروحة في البحر ، وجامعة من كل نوع  فلما امتلأت أصعدوها على الشاطئ ، وجلسوا وجمعوا الجياد إلى أوعية ، وأما الأردياء فطرحوها خارجا هكذا يكون في انقضاء العالم : يخرج الملائكة ويفرزون الأشرار من بين الأبرار  ويطرحونهم في أتون النار . هناك يكون البكاء وصرير الأسنان قال لهم يسوع : أفهمتم هذا كله ؟ فقالوا : نعم ، يا سيد  فقال لهم : من أجل ذلك كل كاتب متعلم في ملكوت السماوات يشبه رجلا رب بيت يخرج من كنزه جددا وعتقاء  ولما أكمل يسوع هذه الأمثال انتقل من هناك 54 ولما جاء إلى وطنه كان يعلمهم في مجمعهم حتى بهتوا وقالوا : من أين لهذا هذه الحكمة والقوات   (متى 13 : 24 – 54 )
نص التأمل
فلما وجد لؤلؤة واحدة
ليس أجمل من الايات والمعجزات سوى الأمثال التي تخاطب كل إنسان في موقع عمله وصميم مهنته، فمثل الزارع للفلاحين ومثل الشباك للصيادين ومثل الخراف للراعاة ومثل الخميرة والدرهم المفقود لربات البيوت والبناء للبنائين والإبن الشاطر للوالدين والملك المحارب للقادة واللؤلؤة لتجار المجوهرات إلخ… تعالوا اليوم نتقمص دور أحد تجار المجوهرات هؤلاء،  فهم عادة ما يكونوا موفوري الغنى،  مرتاحي البال،  غير مضطرين إلى العمل الشاق المضني، كما يميلون بطبعهم إلى الجمال والأناقة والنظافة والفن … لما لا دعونا نرافقهم قليلا فحتى الأغنياء لديهم ما يعلمون…
سابدأ بقصة استوقفتني كثيرا وهي تمثل حال البشرية بصورة تقارب الحقيقة: كان هناك صياد فقير بالكاد يكفي قوت يومه. عاد من الصيد في ذلك اليوم منكسرا حيث لم يصطد سوى سمكة واحدة ومحارة تبدو فارغة جوفاء… القى بهما إلى زوجته لتعد الطعام وجلس خارج البيت يريح جسده المنهك المشبع بالرطوبة والأمراض…لكنه سرعان ما هب واقفا وهرع إلى الداخل مذعورا حين سمع زوجته تصرخ بطريقة هيسترية،  هناك وقف هو أيضا فاغر الفم مذوهلا أمام شعاع من الضوء  الرائع الساطع  ينبعث من حوض المطبخ حيث تقبع المحارة التي حاولت زوجته فتحها فوجدت بها لؤلؤة بحرية رائعة الضياء كبيرة الحجم بشكل فريد … امسك بها لصياد متأملا ذاهل العقل  لا يكاد يصدق ان ايام الشقاء قد ولّت وأنه يستطيع من اليوم ان يصير مثل الأغنياء … سرعان ما ارتدى ملابسه المهلهلة وتوجه إلى جواهرجي قريته الذي تأمل الجوهرة برهة طويلة ثم أردف قائلا :  ” ليس لهذه الجوهرة نظير في الجمال والفرادة والقيمة. لو بعت كل ما أملك واقترضت لما اوفيتك ثمنها، يستحسن أن تنطلق بها إلى المدينة فهناك ستجد من يثمنها حقا” فما كان من الصياد إلا أن ينطلق باكرا إلى المدينة  متوجها إلى أكبر تجار المجوهرات الذي تناول الجوهرة متأملاً  لبرهة طويلة أردف بعدها قائلا:  ” ليس لهذه الجوهرة نظير في الجمال والفرادة والقيمة. لو بعت كل ما أملك واقترضت لما اوفيتك ثمنها، يستحسن أن تنطلق بها إلى العاصمة فهناك ستجد من يثمنها حقا… فأسرع مستقلا أول قطار إلى العاصمة وهو يرتجف فرحا تمأ قلبه أحلام الثراء والبذخ والعيش المرفه وراحة البال…توجه إلى أكبر تجار المجوهرات في العاصمة الذي تامل الجوهرة برهة طويلة ثم أردف قائلا :  ” ليس لهذه الجوهرة نظير في الجمال والفرادة والقيمة. لو بعت كل ما أملك واقترضت لما اوفيتك ثمنها، يستحسن أن تنطلق بها إلى قصر الملك فهو الوحيد القادر على تقديرقيمتها ودفع ثمنها… إغتسل الرجل وتطيب وبدل ملابسه الرثة العتيقة وانطلق إلى قصر الملك الذي حين رأى تلك اللؤلوة قال: هذا اروع ما في الوجود هذا ما كنت افتش عنه ومستعد لدفع كل ما تريد لأحتفظ بها لنفسي … إسمع يا ولدي إذهب فاسترح وتغذى ونم،  ثم باكرا ستُعطى مفاتيح قصري الشخصي الذي خلقته لنفسي وهناك سنقضي يوما واحدا تحمل خلال ساعاته الطويلة كل ما تستطيع من ذهب وفضة ولأليء ومجوهرات،  لكن حذار حين ستدق ساعة الغروب سيحملك الحرس بلا عودة إلى خارج القصر مصحوبا بكل ما قد أعددت واخترت وانتقيت…
بات الصياد ليلته يقظا مفتوح العينين يحلم بالثراء والغنى والمجد والشهرة والراحة وتذوق جميع الملذات واستيقظ مبكرا وتوجه إلى القصر وفتح ودخل وشاهد من الأبهة والجمال ما لم يحلم أن يراه يوما ولو في الحلم. كان القصر مكونا من طوابق ثلاث : حفل الطابق الأول بكل ما لذ وطاب من أصناف الأطعمة والمأكولات والحلوى والمكسرات والفواكه والثمار فبدأ يتذوق كل الأصناف ويجرب كل الأنوع ويستمتع بإفراغ الأطباق في جوفه متلذذاً بروعتها مع مذاق الشراب… حتى أتخمت معدته وثقل جسده وراح يبحث عن مأوى يستريح فيه …وجده حين صعد إلى الطابق الثاني حيت الرياش والفراش والسرير المغطى بالحرير .سأستريح هنا برهة  أقوم بعدها بكل همة ونشاط لأصعد إلى الطابق الثالث حيث الذهب واللأليء والمجوهرات فأعبيء منها واغترف ما يكفيني من الخيرات العمر كله بل وسأترك لأبنائي وأحفادي…ألقى الصياد المسكين بجسده المنهك بملذات الطعام ليستمتع بملذات الفراش فنام وسرعان ما استيقظ على طرقات موجعة على باب القصر توقظه من نومه اللذيذ وتخبره بأن الوقت قد أزف ليغادر القصر…لن اختم القصة… تصوروا أنتم كمّ الحسرة والأسف والألم والندم…. حملوه وألقوه خارجا.
الجوهرة هي حياتك تقضي ثلثها في الطعام وثلثها في السعي للحصول عليه والثلث الأخير في الفراش.
سمع الشاب المصري أنطونيوس هذه العبارة مرة واحدة فتغيرت حياته: باع كل شيء وترك كل شيء، هجر العالم وهام في الصحراء معتبراً كل شيء خسرانا  ليربح المسيح …فقدم للعالم أبتكارا جديداً يقارب المعجزة، وهكذا باع العالم بكل ما فيه واشترى تلك اللؤلؤة فعاش إلى اليوم ممجدا قدوة لجميع الأجيال وتبعه عدد لا يحصى من الرهبان والراهبات من جميع الألوان والأجناس … فكيف  تبيع أنت تلك اللؤلوة الثمينة ” حياتك”  بهذا الثمن البخس.. هكذا وأنت العارف تتجاهل كل شيء وتنسى قول الرب  “ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه”
أما انا وانت… فما الذي يشغلنا إلى اليوم؟
 
ما الذي يعوقنا عن السعي لخلاص أنفسنا ؟
من الذي يضللنا عن هدف وجودنا؟
ما الذي يلهينا عن الصعود إلى الطابق العلوى؟؟؟؟؟؟؟
 حيث نعلم ان الجواهر الحقيقية الباقية للحياة الأبدية في انتظار أن نغترف منها ونملأ أوانينا وأوعيتنا
أدعوك اليوم ان تكون ذاك التاجر البارع الماهر الذي حين عرف مكان وقيمة الجوهرة باع كل شيء ليمتلكها